Claims of Opponents to Sheikh al-Islam Ibn Taymiyyah - Presentation and Critique
دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد
خپرندوی
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٤ هـ
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية
عرض ونقد
تأليف
د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن
ناپیژندل شوی مخ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ -٧١] .
أما بعد (١):
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﷺ يعلمها أصحابه أن يفتتحوا بها أكثر أمورهم، وقد أخرج حديث خطبة الحاجة: النسائي في سننه، كتاب النكاح، باب ما يستحب من الكلام عند النكاح (٦/٨٦)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح (٢/٢٣٨)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، حديث ١٨٩٢ (١/٦٠٩)، وأحمد في مسنده (١/٣٩٢ - ٣٩٣، ٤٣٢) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁، والحاكم في المستدرك، كتاب النكاح (٢/١٨٢ -١٨٣)، وقد توسع الشيخ الألباني في تخريج هذا الحديث في رسالته: (خطبة الحاجة) . وصححه، انظر: صحيح سنن الترمذي له ١/٣٢١.
1 / 5
فإن من أعظم منن الله ﷾ على عباده أن بعث فيهم رسلًا مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهداهم إلى صراطه المستقيم.
ولقد بين الله ﷿ هذه المنة بقوله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)﴾ [آل عمران: ١٦٤] .
وقد بقيت الأمة فترة من الزمن على الجادة السوية، والسيرة المرضية، تعتمد - بمجموعها - على المصدرين الأساسيين: الكتاب والسنة، وتَعُبُّ من منهلهما الروي.
ثم جاء على الأمة الزمن الذي تقاذفت فيه بها الأهواء والبدع، فابتعد فئام عن ذلك المنهل، وبدأ يدب في جسم الأمة الضعف والمهانة، وذلك وفق ما أخبر به الصادق المصدوق ﷺ من افتراق الأمة، كما افترقت اليهود والنصارى، حتى جاء زمان على الأمة كانت سوق البدعة فيه رائجة، وكاد ينطفئ نور السنة، إذ كانت الدولة على خلاف السنة، فكانت الكلمة لأهل الأهواء، والسلطة بأيديهم، حتى انتشرت كثير من البدع والأهواء عند العامة والضعفاء (١) .
وكان للمبتدعة مصالح ومطامح في ظل البدعة، وغياب السنة، تغيب تلك المصالح إذا قام أئمة السنة بواجبهم، وحذروا من الدخائل على المعتقد والدين، فنهج المبتدعة نهجًا أبعدوا فيه علماء أهل السنة عن ملاقاة الناس، وأقصوهم لئلا يقولوا كلمة الحق، فيفتضح أمرهم ... وكان التاريخ دولًا بين أهل السنة وأهل البدعة، فمرة تكون الغلبة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء، وقد تكون السنة أو البدعة في مكان دون مكان.
_________
(١) انظر لمعرفة بدايات ظهور البدع في صدر الإسلام: الأهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الإسلام للعقل.
1 / 6
وكان من قدر الله وتوفيقه أن يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، كما جاء في الحديث الصحيح: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (١) .
ومن هؤلاء الأعلام المجددين: العلامة المجاهد، الإمام الرباني، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (٦٦١ - ٧٢٨هـ) ﵀؛ ذلك العلامة الفذ الذي لا يملك منصف من الكفار أو من المسلمين، من أعدائه أو من محبيه إلا أن يثني عليه كثيرًا حين ذكره، بما يحضر ذلك المثني من صفات وخصائص لابن تيمية ﵀؛ ولأجل أن يكون الكلام عن ابن تيمية ﵀ منصفًا، فسأذكر مثالين لوصفه ﵀ من قِبل معاصريه الذين رأوه، وخالطوه.
فأولهما: قول ابن الزملكاني (٢)
﵀ عنه: (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا من مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يُعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم - سواء كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة
_________
(١) الحديث أخرجه أبو داود في سننه ٤/٤٨٠ كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، والحاكم في مستدركه ٤/٥٢٢ كتاب الفتن والملاحم، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢/١٢٣.
(٢) ابن الزملكاني: محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري الشافعي، ابن الزملكاني، شيخ الشافعية بالشام، وانتهت إليه رئاسة المذهب في التدريس والإفتاء والمناظرة، كان جيد العبارة، حسن التقرير، قوي القريحة، كان معجبًا بابن تيمية ثم تغير عليه، مات في طريقه إلى مصر، وكان في نيته أن يؤذي ابن تيمية فدعا عليه، فلم يبلغ أمله ومراده، كما يذكر ابن كثير والله أعلم بالسرائر ت سنة ٧٢٧هـ.
انظر في ترجمته: البداية والنهاية لابن كثير ١٤/١٣، شذرات الذهب لابن العماد ٦/٧٨.
1 / 7
والترتيب، والتقسيم والتبيين) (١) .
وثانيهما: قول الإمام الذهبي (٢) ﵀ عنه: (كان يقضى منه العجب، إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، يستدل ويرجح، ويجتهد، وحق له ذلك، فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضارًا لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو إلى المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف ... وكان قوالًا بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي فيه ... وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي ...) (٣) .
وكان ابن تيمية ﵀ يواجه التيارات البدعية في عصره، ويناقش ما تحمله من مخالفات عقدية، حريصًا على تصحيح العقيدة في نفوس الناس، وتنقيتها مما شابها من كثير من الانحرافات، إذ يرى ﵀ أن الراد على أهل البدع مجاهد (٤)، إلا أن من كان شيخ الإسلام يهدم بنيانهم من القواعد، لم يطب لهم صنيعه، فحاولوا بشتى الوسائل تشويه صورته عند كل أحد، وبكل الوسائل، فلم يكونوا يتورعون عن سبه وشتمه، ورموه بالجهل تارة، وبالزندقة أخرى، ونسبوه إلى البدعة، ولم يبق إلا ما هو أعظم منها، ألا وهو التكفير،
_________
(١) انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي ص١٠٩.
(٢) الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الدمشقي، التركماني الأصل، ولد بدمشق، وطلب العلم بها، من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، له مؤلفات كثيرة ومشهورة في التاريخ والسير مثل: تاريخ الإسلام، سير أعلام النبلاء وغيرها، ت سنة ٧٤٨هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر ٣/٤٢٦، شذرات الذهب لابن العماد ٦/١٥٣.
(٣) ذيل تاريخ الإسلام (ضمن ثلاث تراجم مستلة منه للعجمي ص٢٣ - ٢٥) بتصرف.
(٤) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/١٣.
1 / 8
وقد فعلوا، فكفروه ﵀ ووجهوا إليه ﵀ تُهمًا في شخصه، ومنهجه، وعقيدته، وانتقدوه في مسائل علمية أخرى، فكانت بعض التُّهم والدعاوى قد وجهت إليه في حياته، فأسهم بنصيب وافر في بيان قوله، والاستدلال له وربطه بمنهج السلف ناقلًا عنهم، ومناقشًا شُبه الخصوم، ومبينًا ضعفها وعوارها، مع علمه ﵀ بمناهج المخالفين، وأسباب تلك المخالفة؛ ولذا فقد نظر ﵀ إلى هذه المخالفة من الجانب الإيجابي، مبينًا أن وجود المناوئين والمخالفين لعقيدة السلف، والرد عليهم، هو باب من أبواب ظهور الدين وانتشاره، قال ﵀: (من سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) (١) .
واستمرت الردود والدعاوى ضد ابن تيمية ﵀ بعد وفاته إلى هذا العصر، وهذا من سنة الله ﷿ في الحياة أن يستمر الصراع بين الحق والباطل، ومن صور استمرار هذا الصراع: أن يشكك أهل الباطل بنقلة الحق وأعلامه وأئمته، ثم التشكيك والقدح بما يحملون وما يبلغون من عقائد وعلوم، حتى لا يبقى لأهل الباطل إلا باطلهم، ومن أبرز حملات أهل الباطل على عقيدة السلف: قدحهم في ابن تيمية ﵀ والرد عليه فألفوا المؤلفات، وكتبوا الردود والرسائل، وملؤوا الكتب بالحواشي التي ملؤوا بها زيفهم وضلالهم تجاه هذا العَلَم، وتجاه عقيدة السلف الصالح، واستنفروا شعراءهم، فكان لسلف أهل الباطل تلامذة واصلوا بث الحقد على شيخ الإسلام، وعلى منهجه، وزادوا وأوغلوا في الضلالة، ونشروا بين الناس ما كان مغمورًا من ردود ومناقشات بين شيخ الإسلام ﵀ ومخالفيه، وقامت مؤسسات لأهل الباطل، ودور نشر همها الرد على عقيدة السلف، فكان لزامًا على أهل الحق أن يقوموا بواجبهم تجاه أهل الضلال ليردوا كيدهم في نحورهم، وليعيدوهم خائبين، ببيان الحجة، ونقد الشبهة بمنهج علمي معتدل، فكانت هذه الرسالة جهدًا من
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨ - ٥٧، وانظر العقود الدرية لابن عبد الهادي ص٣٦٤.
1 / 9
الجهود التي يقوم بها أهل السنة تجاه المبتدعة، سائلًا الله ﷿ التوفيق والقبول، كما أسأله سبحانه أن يحفظ هذه الدولة (الدولة السعودية)، وأن ينصرها ويبارك فيها، حيث وفقها لإحياء ما اندرس من مؤلفات ابن تيمية ﵀، بطبعها، ونشرها، وتوزيعها، لتسهل الاستفادة منها، ولتكون في أيدي الطالبين، وذلك من بداية قيام هذه الدولة؛ إقامة للسنة، وإخمادًا للبدعة، فأسأل الله أن يوفق القائمين عليها لكل خير، ويسدد خطاهم، ويعينهم على أمور دينهم ودنياهم إنه سميع مجيب.
أسباب اختيار البحث:
١ - أن الدفاع عن أحد أبرز أئمة أهل السنة، والرد على ما يرمى به من دعاوى، إنما هو دفاع عن المعتقد والمنهج الذي يحمله ذلك الإمام، والدفاع عن المعتقد والمنهج تتعدد صوره، ومنها: الدفاع عن أعلام ذلك المنهج بما يثار حولهم من شبهات.
٢ - بيان ضعف شُبه المبتدعة ضد معتقد أهل السنة والجماعة، وذلك بعرضها، ثم مناقشتها.
٣ - أن التصدي للمبتدعة والرد على شبهاتهم فرض كفاية، فلا بد من قيام طائفة تقوم بهذا الغرض من أهل العلم وطلابه، للتصدي لتلك الشبهات والرد عليها، ثم - أيضًا - إنه نوع من الجهاد، فالراد على المبتدعة مجاهد.
٤ - حرص الباحث على قراءة كتب ابن تيمية ﵀ جميعها، سواء الكتب والرسائل العقدية، أو غيرها، ذلك أن شيخ الإسلام ﵀ يستطرد - أحيانًا - في مباحث في غير مظانها، لا توجد هذه المباحث إلا في مثل هذه الاستطرادات.
٥ - تنوع الموضوع، وشموله، فقد فصّل البحث في بعض مباحث الصفات، ومسألة إمكان حوادث لا أول لها وبداية خلق العالم، وأيضًا - فصّل البحث في توحيد الألوهية ببحث مسألة شد الرحل، ومسألة التوسل، ثم بيّن البحث الموقف من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -، ثم انتقل إلى
1 / 10
مبحث من مباحث الإيمان باليوم الآخر وهو: مسألة أبدية النار وعدم فنائها، واجتماع هذه الموضوعات في بحث واحد كفيلة ببيان أهميته، وشموله.
٦ - محاولة إبراز أقوال ابن تيمية ﵀ بصورة جديدة من حيث الترتيب والعرض، ويظهر هذا الأمر في مباحث متعددة من البحث، وبالذات في فصل (إمكان حوادث لا أول لها) .
٧ - تناصر أهل الباطل من أهل البدعة في الأزمان المتأخرة على دحر السنة، وتغييبها في بلدان متعددة من العالم الإسلامي، مما جعل بعض الناس يظن الحق باطلًا، والباطل حقًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وجعل أهلُ الباطل أبرز أهدافهم، وموضع رمي سهامهم: شيخ الإسلام ﵀، وهذا يوجب على أهل السنة مجاهدة المبتدعة، ومجالدتهم، ومقارعتهم بالحجة والبرهان.
خطة البحث:
تتكون خطة البحث من مقدمات تعريفية بابن تيمية ﵀ ومنهجه، وبالمناوئين، وأقسامهم، ومنهجهم، ودعاواهم حول منهج ابن تيمية ﵀، وهذه استغرقت التمهيد والفصل الأول.
ثم صلب الرسالة: وهو مناقشة المسائل المنتقدة العقدية على شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ واستغرق ستة فصول.
ثم خاتمة البحث، والفهارس اللازمة للبحث.
وتفصيل الخطة كالتالي: تتكون الخطة من مقدمة، وتمهيد، وسبعة فصول، وخاتمة، وفهارس.
أما المقدمة فتتضمن:
١ - أهمية البحث، وسبب اختياره.
٢ - خطة البحث.
1 / 11
٣ - منهج البحث.
وأما التمهيد فذكرت فيه:
١ - ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
٢ - منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة، والاستدلال عليها.
الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام: وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أقسام المناوئين.
المطلب الثاني: المنهج العام للمناوئين.
المطلب الثالث: اعتراف خصومه بقدره.
المبحث الثاني: دعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية.
الفصل الثاني: دعوى التجسيم والتشبيه: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه.
المبحث الثاني: دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى قوله بالجهة والتحيز، ومناقشتها.
الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها: وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: التسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم.
المطلب الثاني: الصفات الاختيارية.
1 / 12
المطلب الثالث: شرح حديث عمران بن حصين (كان الله ولم يكن شيء قبله ...) .
المبحث الثاني: دعوى الخصوم أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم، ومناقشتها.
الفصل الرابع: دعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور: وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة في شد الرحال، وزيارة القبور.
المبحث الثاني: الزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور، ومناقشته.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول ﷺ، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور، ومناقشتها.
المبحث الخامس: دعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياء وقبور غيرهم، ومناقشتها.
الفصل الخامس: مسألة التوسل: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل.
المبحث الثاني: دعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين، وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي ﷺ، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين وإهانته لهم، ومناقشتها.
1 / 13
الفصل السادس: موقف شيخ الإسلام من الصحابة: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة.
المبحث الثاني: دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الخلفاء الأربعة، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت وتعمية مناقبهم، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة، ومناقشتها.
الفصل السابع: مسألة دوام النار: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دلالة نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة على خلود النار.
المبحث الثاني: دعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار، ومناقشتها.
الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث.
ثم الفهارس اللازمة للبحث.
وقد سرت على منهج في كتابة البحث، تظهر أبرز ملامحه في الملاحظات التالية:
١ - حرصت - قدر الإمكان - على تركيز المادة العلمية، مع سهولة العرض، وتوضيح العبارة.
٢ - التركيز على ربط القضايا والمسائل التي يتحدث عنها ابن تيمية ﵀ بالكتاب والسنة، ثم بأقوال من تقدمه من سلف الأمة.
٣ - كان مقصد البحث وتركيزه على عرض الدعوى، مع بيان قائلها، والإحالة إلى الكتاب الأصلي لصاحب الدعوى، ثم الرد على الدعوى، ولم يكن من منهج البحث: التتبع التاريخي لكل من قال بهذه الدعاوى،
1 / 14
أو حصر كل من تكلم بهذه الدعوى، ولكني اكتفيت - غالبًا - بذكر قول أول من قال بهذه الدعوى؛ لأن البقية نقلة منه - غالبًا - وإن كان ثمت زيادة عند المتأخر فإني أذكرها مع ذكر قائلها، والإحالة إلى كتابه، فالغرض هو ثبوت وجود الدعوى؛ لأجل الرد عليها.
٤ - سلكت المنهج الاستقرائي في تتبع أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من كتبه.
٥ - في عرض الدعاوى سلكت منهجًا تميز بما يلي:
أ - فصلت الدعوى عن الرد بمطلب مستقل، وذلك لئلا يختلط الحق بالباطل، ويلتبس في ذهن القارئ الحق بالقول الباطل، خاصة وأن بعض مناوئي الشيخ من العلماء الكبار.
ب - عرضت الشُبه عرضًا مجملًا موجزًا، وأما الرد ففيه البيان والتفصيل - قدر الحاجة - وهذا هو منهج السلف في هذه المسألة.
جـ - نقلت الدعاوى من كتب المناوئين - أنفسهم - ركزت على أن تكون النقول والإحالات من كتب مشهورة عندهم - وإن كانت الشهرة نسبية -، أما الكتب المغمورة، أو المخطوطة، أو الكتب التي لا يثقون هم بها - أيضًا - فلم أنقل منها، ولم أعز إليها.
٦ - إذا ذكرت عن أحد المناوئين مقولة ودعوى، فلا يلزم أن يكون قد قال بكل الدعاوى التي قيلت ضد ابن تيمية ﵀، ولا يلزم أن يقر بها - أيضًا - (١) .
٧ - لم يكن قصد البحث استيفاء جميع جوانب وجزئيات الموضوعات الموجودة عناوينها في الخطة كالموقف من الصفات، وإمكان حوادث لا أول لها، والتوسل، والموقف من الصحابة وغير ذلك، وإنما كان
_________
(١) انظر: الفتوى الحموية الكبرى ص١٠١.
1 / 15
مقصود البحث: بيان ما أثير حول ابن تيمية ﵀ من شبهات ودعاوى، وفي المقابل بيان مذهب ابن تيمية ﵀ وموقفه مما أثير حوله فقط، وليس موقفه - أيضًا - من جزئيات هذه الموضوعات، ولو فصل البحث في هذه الجزئيات لطال وكثر، ولخرج عن مقصوده.
٨ - عزوت الآيات إلى سورها، وذكرت رقم الآية.
٩ - خرّجت الأحاديث الواردة في البحث، فما كان في الصحيحين، أو في أحدهما، فإني لا أذكر الحكم عليه لصحته، وأما ما كان في غيرهما فإني أنقل حكم أحد أئمة هذا الشأن فيه.
١٠ - عرفت بالفرق التي ورد ذكرها في الرسالة.
١١ - شرحت الكلمات التي تحتاج إلى إيضاح، وعرّفت ببعض المصطلحات العلمية الواردة في البحث.
١٢ - ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة، فمن كان مشهورًا اختصرت ترجمته، ومن كان غير ذلك فأترجم له ترجمة مناسبة، وهذا يكون عند أول ورود لهذا العلم، وأما بعد ذلك فإني أتبع العَلَم بذكر تاريخ وفاته.
١٣ - وضعت فهارس في آخر البحث وهي كما يلي:
أ - فهرس الآيات القرآنية.
ب - فهرس الأحاديث النبوية والآثار.
جـ - فهرس الأعلام المترجم لهم.
د - فهرس الفرق والطوائف.
هـ - فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة المشروحة.
وفهرس المراجع.
ز - فهرس الموضوعات (١) .
_________
(١) هذه الفهارس موجودة في أصل الرسالة العلمية (الدكتوراه)، وقد حذفت خمسة منها، ولم أبق إلا فهرست المراجع، وفهرس الموضوعات، وذلك خشية الإطالة.
1 / 16
[شكر وتقدير]
هذا، وإن الشكر والحمد لصاحبه ومستحقه ﷾ الذي أنعم عليّ بنعم كثيرة لا تحصى، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣]، فله سبحانه الحمد والشكر حمدًا وشكرًا لا منتهى لحده.
وبعد شكر المولى ﷿ أرى لزامًا علي أن أزجي الشكر الجزيل، والثناء العاطر إلى كل من أعانني على إنجاز هذا العمل.
وأخص بالذكر والدي الكريمين، على ما لقيت منهما من تربية وتوجيه وتعليم، فأسأل الله أن يثقل موازينهما، وأن يعينني على برهما، والإحسان إليهما، وأخص منهما والدي فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز الغصن، الذي كان فضله علي بعد الله كبيرًا، فمنه تلقيت التوجيه والنصح منذ الصغر، والحث على الاستقامة، وطلب العلم الشرعي، وكان يسعى - حفظه الله ورعاه - إلى تفريغي عن كثير من المشاغل الاجتماعية أثناء إعداد الرسالة - فجزاه الله خير الجزاء -.
وفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، المشرف على هذه الرسالة، الذي أعطاني من وقته الكثير - رغم مشاغله وارتباطاته -، فكان - حفظه الله - نعم المشرف، حيث أفدت من ملحوظاته العلمية والمنهجية.
ثم لا أنسى أن أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثلة في كلية أصول الدين، وقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة فيها، على منحي هذه الفرصة لإعداد رسالة الدكتوراه.
وأشكر كل من ساعدني وأمدني بفائدة، أو دلالة على موضع كتاب، أو إعارة كتب، أو غير ذلك، فلهم جميعًا وافر الشكر وجزيله.
وختامًا، فإني لا أدّعي أني وفيت الموضوع حقه، ولا أني أصبت في كل ما قلت وقصدت؛ لأن الخطأ والزلل والنقص من طبيعة البشر، ولكن حسبي أني بذلت جهدي لإخراج هذا البحث على الصورة المرضية، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده ﷿، فله الفضل والمنّ والحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله منه.
1 / 17
وأسأل الله ﷾ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وأن يبلغني رضاه، وأن يجعل هذا العمل مقبولًا عنده، وأن يريني الحق حقًا ويرزقني اتباعه، وأن يريني الباطل باطلًا ويرزقني اجتنابه، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن
1 / 18
[التمهيد]
1 / 19
ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ (١)
اعتنى بدراسة شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ القدامى والمحدثون، فكثرت الدراسات عنه، وتنوعت أهداف الدارسين لشخصيته، كل يأخذ منها ما يوافق تخصصه وهدفه، فهناك دراسات في سيرته الذاتية، ودراسات عن عقيدته، ودراسات عن فقهه، ودراسات عن تعمقه وإمامته في الحديث، ودراسات عن منهجه الدعوي، ودراسات عن فكره التربوي والاجتماعي، وغيرها.
وإذا استعرضت كتب التاريخ والرجال للقرن الثامن الهجري: فمن أبرز من يترجم له هو شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
وإذا قرأت كتبه المحققة - وهي كثيرة - فإن في مقدمتها - غالبًا - ذكر شيء من ترجمته
فشهرته بلغت الآفاق، وتكاد تجمع الكتب على الثناء عليه من القديم والحديث، ولذلك يجد الكاتب في سيرته صعوبة في اختيار المناسب من سيرته لما يبحث فيه، أما التوسع في ذكر سيرته فقد أغنت شهرته عن ذلك كما يقول عنه الحافظ ابن رجب (٢) ﵀: (وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره) (٣) .
_________
(١) وتشمل اسمه ونسبه، ومولده ونشأته، وعصره، ومحنته، ووفاته، ومؤلفاته، وبعض ثناء الناس عليه.
(٢) ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، الشيخ المحدث، الحافظ الفقيه، صنف تصانيف نافعة، وهو مكثر من الشيوخ، من أئمة السلف في الاعتقاد، ت سنة ٧٩٥هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر ٢/٤٢٨، شذرات الذهب لابن العماد ٦/٣٣٩.
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة ٢/٣٨٧.
1 / 21
وسأحيل في نهاية الترجمة - إن شاء الله - إلى أبرز من حاول حصر المؤلفات فيه.
١ - اسمه ونسبه:
هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني (١) .
وذكر مترجموه أقوالًا في سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) منها ما نقله ابن عبد الهادي ﵀ (٢): (أن جده محمدًا كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتًا له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك) (٣) .
٢ - مولده ونشأته:
ولد ﵀ يوم الاثنين، عاشر، وقيل: ثاني عشر من ربيع الأول سنة ٦٦١هـ. في حرّان. (٤)
وفي سنة ٦٦٧هـ أغار التتار على بلده، فاضطرت عائلته إلى ترك حران، متوجهين إلى دمشق (٥)، وبها كان مستقر العائلة، حيث طلب العلم على أيدي
_________
(١) انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص٢، البداية والنهاية لابن كثير ١٤/١٣٥.
(٢) ابن عبد الهادي: محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، حافظ للحديث، عارف بالأدب، من كبار الحنابلة، أخذ عن ابن تيمية، وصنف في مناقبه، ورد على السبكي في الصارم المنكي، ت سنة ٧٤٤هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر ٣/٤٢١، شذرات الذهب لابن العماد ٦/١٤١، بغية الوعاة للسيوطي ١/٢٩.
(٣) العقود الدرية ص٢.
(٤) انظر: العقود الدرية ص٢.
(٥) انظر: قطعة من ذيل تاريخ الإسلام للذهبي ص٢٢، والأعلام العلية للبزار ص٢١.
1 / 22
علمائها منذ صغره، فنبغ ووصل إلى مصاف العلماء من حيث التأهل للتدريس والفتوى قبل أن يتم العشرين من عمره (١) .
ومما ذكره ابن عبد الهادي ﵀ عنه في صغره أنه: (سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير.
وعني بالحديث وقرأ ونسخ، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي (٢)، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه (٣) حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًا، حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك.
هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فُرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) (٤) .
(وقلّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه، كأن الله قد خصه بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء - غالبًا - إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره.
_________
(١) انظر: القول الجلي لمحمد صفي الدين البخاري ص١٩٥.
(٢) ابن عبد القوي: محمد بن عبد القوي بن بدران بن عبد الله المرداوي المقدسي، المحدث النحوي، درس وأفتى، وصنف وبرع في العربية واللغة، كان حسن الديانة دمث الأخلاق، كثير الإفادة، قرأ عليه ابن تيمية العربية، ت سنة ٦٩٩هـ.
انظر في ترجمته: النجوم الزاهرة للأتابكي ٨/١٩٢، شذرات الذهب لابن العماد ٥/٤٥٢.
(٣) سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بشر، إمام النحو، وحجة العربية، طلب الفقه والحديث، ثم أقبل على العربية حتى صار أعلم المتقدمين بالنحو، ت سنة ١٨٠هـ.
انظر في ترجمته: تاريخ العلماء النحويين للمعري ص٩٠، تاريخ بغداد للخطيب ١٢/١٩٥.
(٤) العقود الدرية ص٣.
1 / 23
فإنه لم يكن مستعارًا، بل كان له شعارًا ودثارًا، ولم يزل آباؤه أهل الدراية التامة والنقد، والقدم الراسخة في الفضل، لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة) (١) .
وكان ﵀ حسن الاستنباط، قوي الحجة، سريع البديهة، قال عنه البزار (٢) ﵀ (وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها، ولوازمها وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها، حتى إذا ذكر آية أو حديثًا، وبين معانيه، وما أريد فيه، يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه، ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه) (٣) .
وكان ﵀ ذا عفاف تام، واقتصاد في الملبس والمأكل، صينًا، تقيًا، برًا بأمه، ورعًا عفيفًا، عابدًا، ذاكرًا لله في كل أمر على كل حال، رجاعًا إلى الله في سائر الأحوال والقضايا، وقافًا عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لا تكاد نفسه تشبع من العلم، فلا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث.
قال ابن عبد الهادي (ت - ٧٤٤هـ) ﵀ عنه: (ثم لم يبرح شيخنا ﵀ في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد
_________
(١) الأعلام العلية للبزار ص٢٢.
(٢) البزار: عمر بن علي بن موسى البغدادي الأزجي البزار، عني بالقرآن والحديث، وقرأ الكثير، ورحل إلى دمشق، وأخذ عن ابن تيمية وترجم له، وحج مرارًا، كان حسن القراءة، ذا عبادة، ت سنة ٧٤٩هـ.
انظر في ترجمته: الدرر الكامنة لابن حجر ٣/٢٥٦، شذرات الذهب لابن العماد ٦/١٦٣.
(٣) الأعلام العلية ص٣١، ٣٢.
1 / 24