تمهيد
نبذة مختصرة عن حياة شكسبير
حلم ليلة منتصف صيف
العاصفة
كما تشاء
حكاية الشتاء
الملك لير
الليلة الثانية عشرة
ضجة فارغة
روميو وجولييت
بيريكليز
هاملت
سيمبلين
ماكبث
كوميديا الأخطاء
تاجر البندقية
تيمون الأثيني
عطيل
ترويض النمرة
الصاع بالصاع
نبيلان من فيرونا
العبرة بالخواتيم
اقتباسات من أعمال شكسبير
تمهيد
نبذة مختصرة عن حياة شكسبير
حلم ليلة منتصف صيف
العاصفة
كما تشاء
حكاية الشتاء
الملك لير
الليلة الثانية عشرة
ضجة فارغة
روميو وجولييت
بيريكليز
هاملت
سيمبلين
ماكبث
كوميديا الأخطاء
تاجر البندقية
تيمون الأثيني
عطيل
ترويض النمرة
الصاع بالصاع
نبيلان من فيرونا
العبرة بالخواتيم
اقتباسات من أعمال شكسبير
عشرون قصة من روائع شكسبير
عشرون قصة من روائع شكسبير
تأليف
إديث نسبيت
ترجمة
مصطفى محمد فؤاد
مراجعة
هبة عبد العزيز غانم
ويليام شكسبير.
تمهيد
لقد وصفت كتابات شكسبير على نحو صائب بأنها «الأكثر ثراء ونقاء وروعة من تأليف عبقرية لم ينزل عليها وحي، وليس لها مثيل على مر العصور.»
كان شكسبير يعلم قراءه عن طريق إسعادهم. تحتوي مسرحياته (إذا نحينا الجانب العلمي البحت) على حكمة حقيقية أكثر من كل أشكال التعلم الإنجليزية. إنه معلم لكل أشكال الفضائل؛ الرحمة، والكرم، والشجاعة الحقيقية، والحب. لقد تشكلت براعته المضيئة «على هيئة نجوم صغيرة». وتجسدت معارفه الغزيرة العميقة عبر عبارات مرحة وأمثال، وبتوزيعها بهذه الطريقة، لا يوجد اليوم في العالم المتحدث بالإنجليزية ركن لم ينره هو بضيائه أو كوخ لم يثره بعلمه. إن عطاءه يشبه البحر، نحس به في كل مكان حولنا، رغم كوننا لا نعترف له بالفضل. وكما قال عنه صديقه بن جونسون، «إنه ليس ابنا لعصر معين وإنما لكل العصور.» لقد التزم شكسبير دائما بالطريق الرئيسي في الحياة البشرية، ذلك الطريق الذي يسير عليه الجميع. ولم يختر المسارات الفرعية في المشاعر والأحاسيس. ففي أعماله، ليس لدينا قطاع طرق ذوو خلق، ولا لصوص عاطفيون، ولا أشرار ظرفاء، ولا نساء مستهترات لطيفات وراقيات؛ لا توجد تعقيدات رقيقة للمواقف تقدم فيها الصور البغيضة للعقل متخفية تحت الجاذبية الظاهرية للأسلوب والعاطفة. إنه لا يجمل العواطف السيئة، ولا يخفي الرذائل في ثوب الفضائل، ولا يعبث بأي مبدأ عادل وكريم. وبينما يجعلنا نضحك على الحماقة، ونرتعد من الجريمة، يجعلنا نحافظ على حبنا للآخرين واحترامنا لأنفسنا.
كان شكسبير محيطا بكل الأشكال والصور الرائعة؛ بكل ما هو جميل وساحر في الجوانب البسيطة للطبيعة؛ من ذلك الحب الراسخ للزهور وعبيرها، وللندى، والينابيع الصافية، والنسائم العليلة، والأصوات الناعمة، والسماوات البراقة، لعزلة الغابات والأكواخ الغارقة في ضوء القمر، والتي تعد العناصر المادية التي يبنى عليها الشعر؛ وبهذا الشعور الرقيق بعلاقتها الغامضة بالحياة العاطفية والنفسية للبشر، والتي تعد جوهرها وروحها الحية، والتي تسقط في وسط مشاهده الأكثر تراجيدية وزخما بالمشاعر، مثل ومضات من ضوء الشمس على الصخور والأطلال؛ مما يتناقض مع كل ما هو قاس أو قبيح، ويذكرنا بوجود عناصر أكثر نقاء وإشراقا.
ومع وضع هذا في الاعتبار، لا عجب أن أعمال شكسبير تعد، بعد الكتاب المقدس، الأعلى مكانة من بين كل كلاسيكيات الأدب الإنجليزي. يقول كاتب أمريكي: «لقد اقتبست شخصيات شكسبير على نحو كبير من قبل الفنانين والشعراء والأدباء، ودخلت هذه الشخصيات بقوة في نسيج الأدب الإنجليزي، لدرجة أن الجهل بحبكة إحدى هذه المسرحيات يعد في الغالب مدعاة للشعور بالحرج.»
لكن شكسبير كتب أعماله من أجل الكبار، من الرجال والنساء، وبلغة لا يمكن أن يفهمها صغار السن.
ومن هنا، تأتي أهمية هذا العمل؛ فقد كان الهدف الذي سعت إليه مؤلفته هو إعادة صياغة القصص المسلية المتضمنة في مسرحيات شكسبير بطريقة بسيطة جدا يمكن للأطفال فهمها والاستمتاع بها.
وحتى يستمتع القراء الصغار بحكمة وعبقرية أعظم الكتاب المسرحيين في العالم، جمعنا في نهاية الكتاب مجموعة منتقاة من اقتباساته الرائعة.
إي تي رو
نبذة مختصرة عن حياة شكسبير
في سجل تعميد الكنيسة الرعوية لستراتفورد-أبون-أفون، وهي بلدة تقام فيها سوق مركزية في ووريكشير، إنجلترا، يظهر، بتاريخ 26 أبريل عام 1564، الإدخال الخاص بتعميد ويليام، ابن جون شكسبير، والذي كان في الأصل مكتوبا باللاتينية: «ويليام ابن جون شكسبير».
إن يوم ميلاد ويليام شكسبير عادة ما يقال إنه قبل ثلاثة أيام من تعميده، لكن لا يوجد بالتأكيد دليل على هذا الأمر.
إن اسم العائلة يكتب على نحو متعدد، والكاتب المسرحي الشهير نفسه لم يكن يكتبه دائما بالطريقة نفسها. ففي حين أن الاسم كتب في سجل التعميد
Shakspeare ، فإنه ظهر في العديد من التوقيعات الأصلية لشكسبير كالتالي:
Shakspere ، وظهر في الطبعة الأولى لأعماله بالشكل الآتي:
Shakespeare .
يخبرنا هاليويل بأنه يوجد ما لا يقل عن 34 طريقة كتب بها الأعضاء المختلفون لعائلة شكسبير الاسم، وفي سجل مجلس ستراتفورد المحلي؛ حيث ظهر 166 مرة أثناء الفترة التي كان فيها والد الكاتب عضوا في المجلس، توجد 14 طريقة مختلفة لكتابة الاسم، والتي لم يكن من بينها الهجاء الحديث
Shakespeare .
يبدو أن والد شكسبير، رغم أنه كان عضوا في المجلس المحلي لستراتفورد، لم يكن قادرا على كتابة اسمه، لكن حيث إنه في ذلك الوقت كان 9 من بين كل 10 رجال يكتفون بالتوقيع بعلامة مميزة لهم بدلا من كتابة أسمائهم، فإن هذا لم يكن أمرا يحط من قدره كثيرا.
تختلف الآثار المتواترة وغيرها من مصادر المعلومات حول مهنة والد شكسبير. فيقال إنه كان جزارا وتاجر صوف وصانع قفازات، ولا يوجد ما يمنع أن يكون قد امتهن كل هذه المهن في الوقت نفسه أو في أوقات مختلفة، أو إذا لم يكن من الصحيح أن ينسب إليه أي من هذه المهن، فإن طبيعة مهنته كانت من النوع الذي يسهل فهم كيف تطورت الآثار المتواترة المختلفة بشأنها. كان أيضا مالك أرض وكان يزرع أرضه حتى قبل زواجه، وقد تملك مع زوجته، ماري أردن، وهي ابنة نبيل ريفي، ضيعة أسبيس، التي تبلغ مساحتها 56 فدانا. كان ويليام الابن الثالث. كانت لديه أختان أكبر منه، وأغلب الظن أنهما ماتتا وهما طفلتان. وبعده، ولد لأبيه وأمه ثلاثة أولاد وبنت واحدة. وعلى مدى 10 أو 12 سنة على الأقل بعد ميلاد شكسبير، كانت الأحوال المادية لأبيه مزدهرة. وفي عام 1568، أصبح أبوه مأمورا أو قاضي صلح ستراتفورد، ولعدة سنوات بعد ذلك، أصبح عضوا في المجلس المحلي، كما كان لمدة ثلاث سنوات قبل ذلك. لذا، وحتى وصول شكسبير إلى سن العاشرة، من الطبيعي أن نفترض أنه قد حصل على أفضل تعليم يمكن أن توفره ستراتفورد. إن مدرسة البلدة المجانية كانت متاحة لكل الأولاد، ومثل كل مدارس القواعد اللغوية الخاصة بهذه الفترة، كانت تلك المدرسة تحت إشراف رجال كانوا خريجي جامعات؛ ومن ثم كانوا مؤهلين لنشر التعليم السليم الذي كان يعد في وقت ما مفخرة إنجلترا. لا يوجد في السجلات ما يدل على أن شكسبير قد التحق بهذه المدرسة، لكن لا يمكن أن يكون هناك شك مقبول في أنه قد درس هناك. أضف إلى هذا أن أباه ما كان بإمكانه أن يقدم له تعليما أفضل في أي مكان آخر. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين درسوا أعمال شكسبير دون أن يتأثروا بالنظرية التقليدية القديمة التي ترى أنه قد حصل على قدر محدود جدا من التعليم، فإنهم سيجدون أدلة كثيرة على أنه لا بد قد حصل على التعليم الجيد الذي كانت توفره مدارس القواعد اللغوية.
هناك أماكن محلية مرتبطة بستراتفورد لا يمكن ألا يكون لها تأثير على تشكيل عقل شكسبير الصغير. ففي نطاق اهتمام مثل هذا الفتى، توجد بلدتا ووريكشير وكوفنتري التاريخيتان البارزتان وقصر كينلورث الفخم والبقايا العظيمة لدير إفشام. إن المنطقة التي ولد فيها زاخرة ببقاع رائعة الجمال وقرى هادئة وغابات منعزلة. ولم تكن ستراتفورد منعزلة عن العالم الخارجي، كما هو الحال مع العديد من البلدات الريفية؛ فقد كانت تربط بين عدة بلدات، وكان التجار يأتون لأسواقها بشتى أنواع البضائع. لا بد أن عيني الكاتب المسرحي والشاعر كانتا مفتوحتين دائما من أجل الملاحظة. لكننا لا نعرف شيئا على نحو مؤكد عن شكسبير فيما بين ميلاده وحتى زواجه من آن هاثاواي في عام 1582، ومن هذا التاريخ حتى إنجابه لثلاثة أطفال، وذلك حتى أصبح ممثلا في لندن نحو عام 1589.
ولا سبيل لدينا لمعرفة المدة التي كان فيها التمثيل المهنة الوحيدة لشكسبير، لكن الأكثر ترجيحا أنه بعد وصوله إلى لندن، سرعان ما بدأ عمله في مجال تنقيح المسرحيات القديمة الذي من المعروف أنه بدأ مسيرته الأدبية به. لقد كان تنقيح وتعديل المسرحيات القديمة التي كانت دون المعايير المطلوبة في تلك الفترة ممارسة شائعة حتى بين أفضل الكتاب المسرحيين في ذلك الوقت، وسرعان ما أوضحت قدرات شكسبير أنه ملائم على نحو بارز لهذا النوع من العمل. وعندما تصبح التعديلات التي يجري إدخالها على المسرحيات المؤلفة في الأصل من قبل كتاب آخرين كبيرة جدا، يصبح العمل في واقع الأمر عملا جديدا ومبتكرا. وهذا بالضبط ما لدينا أمثلة عليه في بعض الأعمال المبكرة لشكسبير التي من المعروف أنها قد اعتمدت على مسرحيات أكثر قدما.
لا داعي هنا للثناء على الأعمال المنشورة لأعظم كاتب مسرحي في العالم؛ فقد فشلت محاولات نقدها في النيل منها، ووجه أعظم العقول في إنجلترا وألمانيا وأمريكا كل جهودهم لإبراز قيمتها ومكانتها.
مات شكسبير في ستراتفورد في الثالث والعشرين من أبريل من عام 1616. وقد مات أبوه قبله في عام 1602، وكذلك أمه في عام 1608. وعاشت زوجته حتى أغسطس من عام 1623. وقد مات ابنه هامنت في عام 1596 عن عمر يناهز الحادية عشرة. وعاشت ابنتاه بعد موته، وقد تزوجت كبراهما، سوزانا، في عام 1607 من طبيب من ستراتفورد يدعى دكتور هول. والابنة الوحيدة الناتجة عن هذه الزيجة والتي كانت تدعى إليزابيث، والتي ولدت في عام 1608، تزوجت في البداية من توماس ناسبي، ثم من السير جون بارنارد، لكنها لم تنجب في أي من الزواجين. أما ابنة شكسبير الصغرى، جوديث، فقد تزوجت في العاشر من فبراير عام 1616 من نبيل من ستراتفورد يدعى توماس كويني، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، لكن توفي جميعهم دون أن يتركوا أي ذرية. ولذا، لا يوجد أي سليل مباشر لشكسبير.
يتفق زملاء شكسبير في التمثيل والتأليف المسرحي وكل من عرفوه بطرق أخرى ليس فقط في التعبير عن إعجابهم بعبقريته، وإنما أيضا في احترامهم وحبهم لشخصه. قال بن جونسون: «إنني أحب الرجل وأبجل ذكراه كأسمى ما يكون التبجيل. كان رجلا أمينا حقا، وكان صريحا ذا طبيعة متحررة.» دفن شكسبير بعد وفاته بيومين في الجانب الشمالي من مذبح كنيسة ستراتفورد. وفوق قبره، هناك لوح مسطح مكتوب عليه النقش التالي، والذي يقال إنه كتبه بنفسه:
صديقي العزيز، من أجل يسوع، لا تنبش
هذا القبر المغلق؛
فمبارك الرجل الذي يحفظ هذه الأحجار،
واللعنة على من يتجرأ على العبث بعظامي.
حلم ليلة منتصف صيف
تيتانيا والمهرج.
كان ليساندر وهيرميا حبيبين، لكن والد هيرميا أراد أن يزوجها رجلا آخر يدعى ديمتريوس.
في أثينا، حيث يعيش أبطالنا، كان هناك قانون فظيع ينص على أن أي فتاة ترفض الزواج وفقا لرغبة والدها تقتل. غضب والد هيرميا منها للغاية لرفضها فعل ما أراده منها لدرجة أنه جعلها تمثل أمام دوق أثينا ليعلمها أنها قد تقتل إن ظلت ترفض طاعة أوامر والدها. أعطاها الدوق أربعة أيام لتفكر فيها في الأمر، وفي نهاية هذه المدة، إن ظلت ترفض الزواج من ديمتريوس، فستقتل.
كاد ليساندر بالطبع أن يجن من الحزن، وبدا له أن أفضل شيء يمكن فعله هو أن تهرب هيرميا إلى منزل عمته الذي يوجد في مكان لا يخضع لسلطة هذا القانون القاسي، ثم يذهب هو إليها هناك ويتزوجها، لكن قبل أن تنفذ هيرميا هذه الخطة، قالت لصديقتها هيلينا ما ستفعله.
كانت هيلينا حبيبة ديمتريوس لفترة طويلة قبل أن يفكر في الزواج من هيرميا، ونظرا لغبائها الشديد، كشأن كل الأشخاص الذين تتملكهمردت الساحرة الأولى الغيرة، لم تستطع إدراك أن رغبة ديمتريوس في الزواج من هيرميا المسكينة بدلا منها ليست خطأ هيرميا. وكانت تعرف أنها إن أخبرت ديمتريوس بأن هيرميا ستذهب إلى الغابة الموجودة خارج أثينا، فإنه كان سيتبعها، وقالت في نفسها: «ويمكنني حينئذ أن أتبعه وعلى الأقل سأراه.» لذا، ذهبت إليه وأفشت سر صديقتها.
والآن هذه الغابة، التي كان سيلتقي فيها ليساندر وهيرميا والتي قرر الاثنان الآخران أن يتبعاهما إليها، كانت مليئة بالجن، كما هو الحال في معظم الغابات، فقط إذا كان لدى المرء القدرة على رؤيتها، وكان هناك في تلك الغابة وفي هذه الليلة ملك وملكة الجن ، أوبرون وتيتانيا. إن الجن كائنات حكيمة جدا، لكن تلك الكائنات من حين لآخر يمكن أن تصبح غبية مثلها مثل البشر. إن أوبرون وتيتانيا، اللذين من المفترض أن يكونا سعيدين للغاية معا، قد عكرا صفو علاقتهما معا ودخلا في خلاف سخيف؛ فقد كانا لا يتقابلان دون أن يقول كل منهما للآخر أشياء بذيئة، وكانا يوبخ أحدهما الآخر على نحو فظيع لدرجة أن كل أتباعهما الصغار من الجن كانوا من الخوف يزحفون إلى قواعد ثمار البلوط ويختفون هناك.
تيتانيا، ملكة الجن.
لذا، بدلا من الحفاظ على السعادة والرقص طوال الليل في ضوء القمر في البلاط الملكي، كما هي عادة الجن، أخذ الملك وأتباعه يتجولون في جزء من الغابة، في حين بقيت الملكة مع أتباعها في جزء آخر. والسبب في كل هذا هو اتخاذ تيتانيا ولدا هنديا صغيرا كأحد أتباعها. أراد أوبرون أن يكون الولد أحد أتباعه وأن يصبح أحد فرسانه؛ لكن الملكة أبت أن تتخلى عنه.
في تلك الليلة، وفي أرض فضاء في الغابة يكسوها العشب الأخضر ويضيئها نور القمر، التقى ملك وملكة الجن.
قال الملك: «لقاء منحوس في ضوء القمر يا تيتانيا المتكبرة!»
ردت الملكة: «من؟ أوبرون الغيور؟ لقد أفسدت كل شيء بشجارك معي. هيا ابتعدوا، أيها الرفاق، دعونا نتركه. لقد سلوت صحبته!»
قال الملك: «الأمر بيدك وحدك أن ننهي هذا الشجار ونتصالح.»
الشجار.
وأضاف: «أعطيني ذلك الغلام الهندي الصغير، وسأصبح مرة أخرى تابعك وحبيبك المطيع.»
ردت الملكة: «لا تتعب نفسك؛ فلن أبيعه مقابل مملكة الجن التي تحكمها كلها! هيا بنا يا رفاقي!»
وانسحبت هي وأتباعها في ضوء القمر.
قال أوبرون: «لا يهم! افعلي ما تشائين، ولكنك لن تغادري هذه الغابة حتى أنتقم منك لهذه الإهانة!»
استدعى أوبرون جنيه المفضل باك. كان باك جنيا شريرا؛ إذ اعتاد أن ينزع القشدة عن لبن فتيات القرية، ويدير الرحى فيضيع مجهود ربة المنزل في خض اللبن، ويمنع الجعة من التخمر، ويضل السائرين في الليالي المظلمة ثم يضحك من تعبهم، ويسحب المقاعد من تحت الناس بينما هم على وشك الجلوس عليها، فيقعوا على الأرض، ويسكب الجعة الساخنة على أذقان الناس بينما هم على وشك شربها.
قال أوبرون لهذا الجني الصغير: «والآن، أحضر لي الزهرة التي تسمى البانسي البري. إذا أنزلنا قطرة من رحيق تلك الزهرة الأرجوانية الصغيرة على عيني شخص نائم وقع في حب أول من ينظر إليه حينما يصحو. سأضع بعضا من رحيق تلك الزهرة على عيني تيتانيا؛ فإذا ما استيقظت، وقعت في حب أول من تراه، ولو كان أسدا أو دبا أو ذئبا أو ثورا أو قردا متطفلا أو نسناسا كثير الحركة.»
وعندما ذهب باك، مر ديمتريوس عبر تلك الأرض الفضاء من الغابة وتبعته هيلينا المسكينة التي أخذت تخبره كيف تحبه بشدة، وتذكره بكل وعوده لها، لكنه أخذ يقول لها إنه لا يحبها ولا يستطيع أن يفعل ذلك، وإن وعوده لا تعني شيئا. حزن أوبرون لحال هيلينا المسكينة، وعندما عاد باك بالزهرة، أمره أن يتبع ديمتريوس ويضع بعضا من رحيقها في عينيه، حتى إذا استيقظ ونظر إلى هيلينا أحبها، بقدر ما تحبه هي. لذا، انطلق باك، وبينما أخذ يتجول في أنحاء الغابة، وجد ليساندر وليس ديمتريوس ووضع على عينيه الرحيق، وعندما استيقظ ليساندر، لم ير حبيبته هيرميا وإنما رأى هيلينا، التي كانت تتجول عبر الغابة تبحث عن ديمتريوس القاسي، وبمجرد أن رآها أحبها وترك محبوبته، تحت تأثير سحر الزهرة الأرجوانية.
هيلينا في الغابة.
عندما استيقظت هيرميا وجدت أن ليساندر قد ذهب وأخذت تتنقل عبر أنحاء الغابة في محاولة منها لإيجاده. عاد باك وأخبر أوبرون بما فعله، وسرعان ما اكتشف أنه قد أخطأ، وانطلق باحثا عن ديمتريوس، وعندما وجده، وضع بعضا من الرحيق في عينيه، وأول شيء رآه ديمتريوس عندما استيقظ كان أيضا هيلينا. لذا، كان كل من ديمتريوس وليساندر يتبعان هيلينا في الغابة، وجاء الدور الآن على هيرميا أن تتبع حبيبها كما فعلت هيلينا من قبل. أدى ذلك إلى أن هيلينا وهيرميا بدأتا تتشاجران، وأخذ ديمتريوس وليساندر يقتتلان. حزن أوبرون بشدة عندما وجد أن خطته النبيلة لمساعدة هؤلاء المحبين لم تسر على النحو المطلوب، لذا قال لباك: «سيقتتل هذان الشابان. زد من ظلام الليل بضباب شديد واجعلهما يضلان الطريق بحيث لا يجد أحدهما الآخر أبدا. وعندما يصيبهما التعب، سينامان. حينها، ضع هذا الرحيق الآخر على عيني ليساندر. إنه سيعيد له بصره إلى سابق عهده وكذلك حبه القديم. ثم سيعود كل منهما إلى المرأة التي أحبها وسيظن الجميع أن هذا حلم ليلة منتصف صيف. وعندما يتم هذا، سيكون كل شيء على ما يرام بالنسبة إليهم.»
لذا، ذهب باك وفعل ما أمر به، وعندما نام العاشقان دون أن يتقابلا، وضع باك الرحيق على عيني ليساندر وقال:
أما عند الصحوة،
فلتفرح حق الفرحة،
بجمال عيون حبيبتك الأولى ...
قيس سيفوز بليلاه
ويعود الماء لمجراه
لن يحدث ما يفسد ودا،
وسيسعد كلهم أبدا. [ترجمة د. محمد عناني، وهي الترجمة التي اعتمدنا عليها في ترجمة الاقتباسات من هذه المسرحية]
في تلك الأثناء، وجد أوبرون تيتانيا نائمة على ضفة ينمو عليها الزعتر البري وزهور الربيع وزهور البنفسج وزهور العسل والزهور المسكية والزهور الياقوتية. كانت تيتانيا دائما ما تنام هناك جزءا من الليل متغطية بجلد أفعى مصقول. اقترب منها أوبرون ووضع الرحيق على عينيها، قائلا:
أول ما تشهد عيناك لدى صحوك
اعتبريه حبيب فؤادك من فورك.
عندما استيقظت تيتانيا، فإن أول شيء وقعت عيناها عليه هو مهرج أحمق كان من ضمن مجموعة من الممثلين جاءوا إلى الغابة ليتمرنوا على المسرحية التي سيقدمونها. تقابل هذا المهرج مع باك الذي وضع بسرعة رأس حمار على كتفيه حتى تبدو وكأنها رأسه التي ولد بها. وبمجرد أن استيقظت تيتانيا ورأت هذا الوحش المخيف، قالت: «يا له ملاك! هل أنت حكيم كما أنت جميل؟»
رد عليها المهرج الأحمق قائلا: «لو كان لي من العقل ما يعينني على الخروج من هذه الغابة، لكفى!»
قالت له تيتانيا: «لا تنشد الخروج من هذه الغابة!» سيطر عليها تأثير سحر رحيق الحب وبدا لها المهرج وكأنه أكثر مخلوق على وجه البسيطة جمالا وجاذبية. قالت له: «أنا أحبك. فهيا إذن معي، وسأعين لك خدما من الجن.»
نادت أربعا من أتباعها من الجن والذين كانت أسماؤهم كالتالي: زهرة البازلاء وخيط العنكبوت وفراشة وخردل.
وقالت لهم: «أكرموا هذا السيد واعتنوا به. قدموا له المشمش والتوت الأسود والعنب الأحمر والتين الأخضر والتوت الأبيض. اسرقوا من أجله أقراص العسل من النحل، واقطفوا أجنحة الفراشات الملونة حتى تحجب أشعة القمر عن عينيه النائمتين.»
قال واحد منهم: «سأفعل.» وهكذا قال الآخرون.
قالت الملكة للمهرج: «اجلس هنا بجانبي، حتى أداعب خدودك الرائعة وحتى أزين بالورود العطرة خصلاتك المصفوفة المنسدلة وأطبع القبلات فوق أذنيك الكبيرتين، يا فرحتي الرهيفة!»
سأل المهرج الذي كان برأس حمار: «أين زهرة البازلاء؟» لم يكن مهتما كثيرا بحب الملكة، ولكنه كان مختالا بشدة لوجود أتباع من الجن في خدمته. رد زهرة البازلاء قائلا: «حاضر.»
قال له: «اهرش رأسي، يا بازلاء.» ثم قال: «أين خيط العنكبوت؟» رد الآخر: «حاضر.»
قال له: «اقتل لي النحلة الحمراء التي تقف فوق تلك الشوكة ثم أحضر لي قرص العسل. أين خردل؟»
رد خردل: «حاضر.»
قال المهرج: «أوه، لا أريد منك شيئا سوى مساعدة خيط العنكبوت في هرش رأسي. لا بد أن أذهب إلى الحلاق؛ إذ أظن أن الشعر الكثيف يغطي وجهي.»
قالت له الملكة: «قل لي ما تريد من الطعام؟»
رد عليها: «أشتهي بعض الشوفان الجاف الممتاز، وأظن أنني أشتهي بعده بعض الدريس.»
سألته: «هل تريد أن يحضر لك بعض أتباعي من الجن بعض البندق الطازج من مخازن السناجب؟»
رد المهرج: «أفضل حفنة أو اثنتين من البازلاء الجافة. ولكن أرجوك لا أريد أن يزعجني أحد من رعيتك؛ فالنعاس يكاد يغلبني.»
تيتانيا تحت تأثير سحر رحيق الحب.
قالت له الملكة: «فلتنم يا حبيبي وسوف أضمك بين ذراعي.»
عندما جاء أوبرون، وجد ملكته الجميلة تغدق قبلاتها ومشاعرها على مهرج برأس حمار.
وقبل أن يحررها من تأثير هذا السحر المسيطر عليها، أقنعها بأن تعطيه الولد الهندي الصغير الذي كان يرغب بشدة في ضمه إلى حاشيته. ثم رق لحالها وصب بعض رحيق الزهرة المبطلة لسحر الحب على عينيها الجميلتين، وفي لحظة، رأت بوضوح المهرج الذي رأسه على شكل حمار وأدركت كم كانت حمقاء.
تيتانيا تستيقظ.
نزع أوبرون رأس الحمار عن المهرج، وتركه يكمل نومه ورأسه الحمقاء ترقد على الزعتر البري وزهور البنفسج.
وهكذا اتضحت الأمور مرة أخرى، وعاد كل شيء لنصابه. أحب أوبرون وتيتانيا كل منهما الآخر أكثر من ذي قبل. وديمتريوس لم يكن يفكر إلا في هيلينا، ولم تكن هيلينا تفكر في أحد سوى ديمتريوس.
أما بالنسبة إلى هيرميا وليساندر، فقد كان حبهما أعظم من أي حب يمكن أن تصادفه يوما، حتى لو كنت تسير عبر غابة للجن.
وهكذا، عاد الأحباء البشريون الأربعة إلى أثينا، وتزوج كل حبيب حبيبته، وعاش ملك وملكة الجن معا في سعادة وهناء في تلك الغابة في ذلك اليوم.
العاصفة
فيرديناند وميراندا.
كان بروسبرو، دوق ميلانو، رجلا مثقفا ومولعا بالعلم، يعيش وسط كتبه، تاركا إدارة شئون دوقيته لأخيه أنطونيو، الذي كان في واقع الأمر يضع فيه كامل ثقته. لكن هذه الثقة كانت في غير محلها؛ إذ إن أنطونيو أراد أن يستولي على تاج أخيه، ولكي يحقق هدفه، كان سيقتله لولا الحب الذي يكنه الناس له. مع ذلك، استطاع، بمعاونة عدو بروسبرو اللدود ألونسو، ملك نابولي، أن يستولي على الدوقية، بكل عزها وسطوتها وثرواتها. فقد جعلا بروسبرو يركب سفينة وعندما ابتعدت السفينة تماما عن اليابسة، أجبر بروسبرو على ركوب قارب صغير ليس له صار أو شراع أو حبال. وبسبب قسوتهما وكراهيتهما، وضعا ابنته الصغيرة، ميراندا (التي لم تكن تتجاوز الثالثة من عمرها حينها) معه في القارب، وأبحرا، تاركين الأب وابنته لمصيرهما.
لكن كان من بين رجال الحاشية رجل وفي للدوق الشرعي، بروسبرو. كان إنقاذ الدوق من أعدائه مستحيلا، لكن كان يمكن فعل الكثير لتذكيره بحب أحد أتباعه له. لذا، وضع هذا اللورد الوفي، الذي كان يسمى جونزالو، خفية في القارب بعض الماء العذب والطعام والملابس وبعضا من كتب بروسبرو المفضلة، والتي كانت أكثر الأشياء المقدرة لديه.
قذفت الأمواج القارب على جزيرة وهبط منه بروسبرو وابنته الصغيرة بأمان. كانت هذه الجزيرة مسحورة، وظلت لسنوات ترزح تحت تأثير سحر ساحرة شريرة تدعى سيكوراكس، والتي سجنت في جذوع الأشجار كل الأرواح الطيبة التي وجدتها هناك. ماتت تلك الساحرة قبل فترة قليلة من نزول بروسبرو على تلك الجزيرة، لكن ظلت الأرواح، التي كان أريال رئيسها، في سجونها.
كان بروسبرو ساحرا عظيما؛ إذ كان قد انكب على نحو شبه كامل على دراسة السحر في تلك السنوات التي وكل لأخيه فيها مهمة إدارة شئون ميلانو. وبمهارته وعلمه، استطاع أن يطلق سراح الأرواح المحبوسة، مع جعلها طوع بنانه، وقد كانت بحق مخلصة له أكثر من رعاياه في ميلانو. كان يعاملها معاملة طيبة ما دامت تلتزم بأوامره، وكان يمارس سلطاته عليها بحكمة وحنكة. لكن كان هناك مخلوق واحد وجد أنه من الضروري معاملته بقسوة، وكان هذا المخلوق هو كاليبان، ابن الساحرة العجوز الشريرة، والذي كان وحشا مشوها وفظيعا، وكان بشع الطلعة، وتتميز كل طباعه وعاداته بالخبث والوحشية.
الأمير فيرديناند والأمواج تتقاذفه.
عندما كبرت ميراندا وأصبحت فتاة جميلة ورقيقة، تصادف أن أنطونيو وألونسو وأخاه سيباستيان وابنه فيرديناند كانوا في البحر على متن سفينة، وكان معهم جونزالو العجوز، واقتربت سفينتهم من الجزيرة التي كان عليها بروسبرو. عندما علم بروسبرو بوجودهم بالقرب من جزيرته، تمكن بمهارته من إثارة عاصفة عظيمة لدرجة أن ملاحي السفينة رأوا أن الجميع هالكون لا محالة، وكان أول من قفز من السفينة في البحر هو الأمير فيرديناند، والذي ظن والده في حزن شديد أنه غرق. لكن أريال أنقذه ونقله إلى الشاطئ بأمان، وهبط كل باقي طاقم السفينة دون أن يصيبهم أي أذى في أجزاء مختلفة من شاطئ الجزيرة، رغم طغيان الأمواج على السفينة وسقوطهم منها، وقد رست السفينة الجميلة نفسها التي ظن الجميع أنها قد تحطمت في الميناء في المكان الذي جلبها إليه أريال. كان بروسبرو والأرواح التابعة له يستطيعون القيام بتلك العجائب.
بينما كانت لا تزال العاصفة هائجة، أرى بروسبرو ابنته السفينة الباسلة وهي تجاهد من أجل البقاء وسط الأمواج العاتية، وقال لها إنها مليئة ببشر أحياء مثلهما. أشفقت الابنة على حال ركابها وتضرعت إلى أبيها وطلبت منه إنهاء العاصفة التي أثارها. طلب منها أبوها ألا تخاف لأنه ينوي أن ينقذهم جميعا.
حينها، وللمرة الأولى، حكى لها قصته وقصتها وأنه قد تسبب في إثارة تلك العاصفة حتى يقع في يديه عدواه، أنطونيو وألونسو، اللذين كانا على متن هذه السفينة.
وعندما انتهى بروسبرو من سرد قصته، جعل ابنته تنام؛ إذ كان أريال في مكان قريب وقد أراد منه القيام بمهمة. تذمر أريال، الذي كان يتوق للحصول على حريته كاملة، من حياة السخرة التي كان يعيشها، لكنه عندما ذكر على نحو تهديدي بكل المعاناة التي تعرض لها عندما كانت سيكوراكس تسيطر على الجزيرة وكذلك بالفضل الذي يدين به لسيده بروسبرو الذي أنهى كل متاعبه، توقف عن الشكوى ووعد بإخلاص بالقيام بكل ما قد يأمره به.
قال له بروسبرو: «افعل هذا، وأنا بعد يومين سأفك أسرك.»
طلب منه أن يتخذ هيئة عروسة بحر ويبحث عن الأمير الشاب. حام أريال بالقرب من فيرديناند، رغم أنه كان غير مرئي له، وأخذ يغني:
هلموا إلى هذه الرمال الصفراء
وضموا أيديكم المرتجفة العفراء
ثم احنوا رءوسكم وقبلوا الأرض
لكي يهدأ الموج والنوء يرفض
ومن هنا وهناك السماء تبرق
ولا تلبث الشمس من وراء الغمام تشرق
فيتنسى لكم جميعا أن تسرحوا وتمرحوا. [ترجمة أ. ر. مشاطي، وهي الترجمة التي اعتمدنا عليها في ترجمة الاقتباسات من هذه المسرحية]
تتبع فيرديناند الغناء الساحر، والذي بدأ يتخذ طابعا جديا وقد جلبت الكلمات الكآبة إلى قلبه والدموع إلى عينيه؛ لأنها جاءت على النحو التالي:
على عمق خمسة باعات تحت الماء
يرقد والدك كما يرغب ويشاء
وعظامه إلى مرجان تتحول
وعيونه البراقة حوله تتجول
وفي داخله لا شيء يتغير
بينما البحر في تصرفاته محير
إذ ينقلب إلى فيض ضياء
نادر، يسحر في كل حين ببهاء
عرائس البحر التي تنعيه
وعلى حميد مزاياه تبكيه.
مهد أريال، بغنائه هذا، للقاء الأمير المسحور ببروسبرو وميراندا. ثم حدث كل ما تمناه بروسبرو. فميراندا، التي لم تر مطلقا منذ تفتح وعيها أي إنسان ما عدا أباها، نظرت إلى الأمير الشاب بإجلال وأحبته من صميم قلبها.
قالت: «يخيل إلي أنه من زمرة الآلهة وليس لروعته في الكون من مثيل!»
وقال فيرديناند متعجبا وهو ينظر إلى جمالها في دهشة وسعادة: «لا بد أن هذه هي الإلهة التي تغنى لها هذه الأغنية!»
إن فيرديناند لم يحاول إخفاء الحب الذي ألهبت قلبه به؛ إذ بمجرد أن تبادلا بعض العبارات، تعهد بأن يجعلها ملكته إن أرادت ذلك. لكن بروسبرو تظاهر بالغضب من ذلك، رغم أنه كان سعيدا من داخله.
وقال لفيرديناند: «لقد تسللت إلى هذه الجزيرة كالجاسوس. سأقيد رجليك إلى عنقك وأجعل ماء البحر شرابك الوحيد، وقوتك اليومي البزاق والجذور الجافة وبلوط البحر. هيا اتبعني.»
فيرديناند يرى ميراندا.
رد فيرديناند قائلا: «كلا!» واستل سيفه. لكن سحره بروسبرو على الفور بحيث وقف هناك وكأنه تمثال أصم من الحجر، وفزعت ميراندا من ذلك وأخذت تتوسل إلى أبيها أن يرحم حبيبها. لكنه رفض بقسوة، وجعل فيرديناند يتبعه إلى كوخه. وهناك، فرض عليه عملا شاقا؛ إذ جعله ينقل الآلاف من الحطب ويكومها فوق بعضها؛ وقد أطاعه فيرديناند بصبر معتقدا أن التعاطف الذي تبديه ميراندا الجميلة تجاهه ينسيه كل تعبه.
كانت من إشفاقها الشديد عليه ستساعده في عمله الشاق، ولكنه ما كان ليسمح لها بهذا أبدا، ولم يستطع هو إخفاء حبه عنها، وعندما سمعته وهو يعترف لها به، فرحت بشدة ووعدته بأن تصبح زوجته.
ثم أطلق بروسبرو سراحه وجعله يترك خدمته، وأعطى موافقته على زواجهما وهو سعيد من الداخل.
قال له: «خذها، فقد أصبحت الآن ملكك.»
في تلك الأثناء، كان أنطونيو وسيباستيان في جزء آخر من الجزيرة يتآمران لقتل ألونسو، ملك نابولي؛ لأن سيباستيان، بعد موت فيرديناند، حسبما كانا يظنان، كان سيرتقي عرش نابولي بعد موت ألونسو. وكانا سينفذان مخططهما الشرير بينما كان المتآمر عليه نائما، لولا أن أريال أيقظه في الوقت المناسب.
مارس أريال العديد من الخدع السحرية عليهم. فذات مرة، أعد مأدبة أمامهم، وقبل أن يمدوا أيديهم ليأكلوا منها، ظهر لهم وسط برق ورعد في شكل هاربي، وهو مخلوق خرافي نصف طائر ونصف امرأة، وفجأة اختفت المأدبة. ثم وبخهم على الخطايا التي ارتكبوها واختفى أيضا.
جعلهم بروسبرو بقدراته السحرية يذهبون إلى الأجمة الموجودة خارج كوخه وانتظروا هناك، خائفين ومرتعدين، وفي النهاية أعلنوا بمرارة عن ندمهم على الخطايا التي ارتكبوها.
قرر بروسبرو أن يستغل قدراته السحرية لآخر مرة، وقال: «بعد ذلك، أنا على أتم استعداد لكسر عصا سحري ودفن كتبي في أعماق الوادي السحيق حيث لا يتمكن أحد من الوصول إليها.»
جعل موسيقى آسرة تسري في الهواء، وظهر لهم في شكله الملائم له باعتباره دوق ميلانو. ولأنهم ندموا على ما فعلوه من خطايا، صفح عنهم وأخبرهم بما حدث له منذ أن تركوه بقسوة هو وطفلته تحت رحمة الرياح والأمواج. تحسر ألونسو، الذي بدا أنه الأكثر ندما على ارتكاب جرائمه السابقة، على فقد وريثه. لكن بروسبرو أزال ستارا، كاشفا عن فيرديناند وميراندا وهما يلعبان الشطرنج. سعد ألونسو بشدة للقاء ابنه الحبيب مرة أخرى، وعندما علم أن الفتاة الجميلة التي كان يلعب معها ابنه هي ابنة بروسبرو وأن ابنه والفتاة قد أرادا الزواج بعضهما من بعض، قال: «هاتا يديكما يا عزيزي. ولتعصر التعاسة والآلام قلب من لا يريد لكما السعادة.»
وهكذا، انتهى كل شيء على نحو سعيد. كانت السفينة ترسو بأمان في الميناء، وفي اليوم التالي، أبحروا جميعا إلى نابولي حيث كان من المنتظر أن يتزوج فيرديناند وميراندا. وقد جعل أريال البحار هادئة وأعطاها عواصف ميمونة، وقد كان هناك العديد من المسرات في حفل الزفاف.
فيرديناند وميراندا يلعبان الشطرنج.
ثم عاد بروسبرو، بعد عدة سنوات من الغياب، إلى دوقيته ورحب به بسعادة غامرة رعاياه المخلصون له. لم يمارس السحر مرة أخرى، لكن حياته كانت سعيدة، ليس فقط لأنه عاد إلى مكانته مرة أخرى، ولكن بصفة أساسية لأنه لم ينتقم من أعدائه الألداء الذين فعلوا به الأفاعيل عندما وقعوا تحت رحمته، بل سامحهم بنبل شديد.
أما أريال، فقد أعطاه بروسبرو حريته كاملة بحيث أصبح بإمكانه الذهاب إلى أي مكان يريده وغناء أغنيته العذبة التالية بقلب تغمره السعادة:
من حيث ترشف النحلة أنا أرشف
وبين أكمام زهر الربيع أتمدد
وأنام ملء جفوني عندما ينعب البوم
وعلى ظهر خفاش أطير متبعا
بسعادة بهاء الصيف حول أنحاء الأرض.
سأعيش الآن في سعادة وحبور
تحت الورد الذي يرقص على أغصانه.
كما تشاء
روزاليند وسيليا.
كان هناك دوق شرير يسمى فريدريك، استولى على دوقية أخيه، ونفاه. نفي أخوه إلى غابة أردن حيث عاش حياة ساكن الغابة الجريء، تماما كما فعل روبن هود في غابة شيروود قديما في إنجلترا.
بقيت ابنة الدوق المنفي، روزاليند، مع سيليا، ابنة فريدريك، وأحبت إحداهما الأخرى أكثر من أغلب الأخوات. في أحد الأيام، كانت هناك مباراة للمصارعة في البلاط، وذهبت روزاليند وسيليا لمشاهدتها. كان شارل، المصارع الشهير، هناك، وكان قد قتل العديد من الرجال من قبل في مباريات من هذا النوع. كان أورلاندو، الشاب الصغير الذي كان شارل سيتصارع معه، نحيفا وصغير السن جدا لدرجة أن روزاليند وسيليا ظنا أنه سيقتل لا محالة في اللقاء، كما حدث مع الآخرين الذين صارعهم شارل من قبل؛ لذا، تحدثا إليه وطلبا منه ألا يحاول خوض غمار تلك المغامرة الخطرة للغاية؛ لكن كان التأثير الوحيد لتلك الكلمات هو جعله يتمنى أكثر أن يبلي بلاء حسنا في اللقاء حتى يحوز على ثناء هاتين الفتاتين الرقيقتين.
حرم أورلاندو، شأنه شأن والد روزاليند، من ميراثه الذي استولى عليه أخوه، وشعر بحزن شديد بسبب قسوة أخيه لدرجة أنه، قبل أن يرى روزاليند، كان لا يأبه ما إن كان سيعيش أم يموت. لكن الآن كان مجرد النظر إلى روزاليند الجميلة يعطيه قوة وشجاعة لدرجة أنه قدم في مباراة المصارعة أداء مثيرا للإعجاب، وفي النهاية ألقى بشارل على الأرض وأوصله لدرجة أنه خرج محمولا. أعجب فريدريك بشجاعته وسأله عن اسمه.
قال الشاب: «اسمي أورلاندو، وأنا الابن الأصغر للسير رولان دي بوي.»
كان السير رولان دي بوي، عندما كان لا يزال على قيد الحياة، صديقا حميما للدوق المنفي، مما جعل فريدريك يأسف عندما علم اسم والد أورلاندو وما كان ليأخذه في حاشيته. لكن روزاليند فرحت عندما سمعت أن هذا الغريب الشاب الوسيم هو ابن صديق قديم لأبيها، وبينما كانت تهم بالخروج، التفتت أكثر من مرة لتقول كلمات رقيقة أخيرة للشاب الشجاع.
قالت له، معطية إياه سلسلة كانت تزين رقبتها: «أيها النبيل، علق هذه تذكارا مني. كنت سأعطيك أكثر لو توافرت لي الإمكانية.»
بدأت روزاليند وسيليا، عندما أصبحتا بمفردهما، الحديث عن المصارع الوسيم، وأقرت روزاليند بأنها أحبته من أول نظرة.
قالت لها سيليا: «هيا، هيا، قاومي مشاعرك.»
ردت روزاليند: «لقد انحازت مشاعري نحو مصارع هو أقوى مني. انتبهي الدوق آت.»
قالت سيليا: «أرى الغضب في عينيه.»
قال لروزاليند: «يجب أن تتركي هذا القصر على الفور.» سألته: «لماذا؟»
روزاليند تعطي أورلاندو سلسلة تذكارا.
رد عليها: «لا تسألي عن السبب. فأنت منفية. وستموتين إذا لم تتجاوزي خلال عشرة أيام العشرين ميلا من قصري.»
لذا، ذهبت روزاليند لتبحث عن أبيها، الدوق المنفي، في غابة أردن. كانت سيليا تحبها حبا شديدا لدرجة أنها ما كانت لتتركها تذهب وحدها وقررت الذهاب معها، وحيث إن هذه الرحلة كانت خطيرة جدا، ارتدت روزاليند، نظرا لأنها الأطول من بينهما، ملابس شاب ريفي، في حين ارتدت ابنة عمها ملابس فتاة ريفية، وقالت روزاليند إن اسمها سيكون جانيميد واسم سيليا ألينا. وعندما وصلا أخيرا إلى غابة أردن، شعرتا بتعب شديد، وبينما كانتا تجلسان على العشب، مر بهما رجل ريفي، وسأله جانيميد إن كان بإمكانه أن يأتي لهما ببعض الطعام. أتى لهما ببعض الطعام، وأخبرهما أن منزل أحد الرعاة وماشيته معروضان للبيع. اشترياهما واستقرا كراع وراعية في الغابة.
في تلك الأثناء، ونظرا لأن أوليفر كان يسعى لقتل أخيه أورلاندو، فقد ذهب الأخير إلى تلك الغابة وأخذ يهيم على وجهه فيها، وهناك قابل الدوق الشرعي، الذي استقبله بحفاوة، مما جعله يبقى معه. والآن، كان أورلاندو لا يفكر في شيء سوى روزاليند، وأخذ يتجول في أنحاء الغابة وينحت اسمها على الأشجار، ويكتب قصائد حب ويعلقها على الشجيرات، وقد وجدتها روزاليند وسيليا. في أحد الأيام، قابلهما أورلاندو، لكنه لم يتعرف على روزاليند في ملابس الراعي التي كانت ترتديها، رغم أنه أعجب بنضارة وجمال هذا الراعي نظرا لأنه رأى أن هناك تشابها بينه وبين من يحب.
قالت روزاليند: «هناك محب أحمق يتردد على هذه الغابة ويعلق قصائد على الأشجار. لو كان لي أن ألتقي به، فلسوف أشفيه من حمقه.»
اعترف أورلاندو بأنه المحب الأحمق، وقالت له روزاليند: «لو أتيت إلي ورأيتني كل يوم، فسأتظاهر بأنني روزاليند، وأشاكسك وأفعل العكس، كما هي عادة النساء، حتى أتأكد من شعورك بالخزي من حماقتك بحبها.»
وهكذا، كان يذهب إلى منزلها كل يوم، ويستمتع بأن يقول لها كل الأشياء الجميلة التي كان ليقولها لروزاليند، وكانت هي تتملكها سعادة خفية ومبهجة من معرفة أن كلمات الحب خاصته تقع على آذان حبيبته. وهكذا، مرت أيام عديدة في هناء وسرور.
في صباح أحد الأيام، بينما كان أورلاندو ذاهبا لزيارة جانيميد، رأى رجلا نائما على الأرض، وكانت هناك لبؤة جاثمة في مكان قريب، بانتظار أن يستيقظ هذا الرجل؛ إذ يقال إن اللبؤات لا تفترس شيئا ميتا أو نائما. نظر أورلاندو إلى الرجل ورأى أنه أخوه الشرير، أوليفر، الذي حاول أن يقتله. صارع اللبؤة حتى قتلها، وأنقذ حياة أخيه.
بينما كان أورلاندو يصارع اللبؤة، استيقظ أوليفر ليرى أخاه، الذي عامله معاملة سيئة للغاية، ينقذه من وحش كاسر مخاطرا بحياته. هذا جعله يندم على ما كان يفعله مع أخيه، ويطلب صفحه، ومنذ تلك اللحظة، صارا أخوين كل منهما قريب من الآخر. لقد أصابت اللبؤة ذراع أورلاندو إصابة بالغة لدرجة أنه لم يستطع مواصلة المسير لرؤية صديقه الراعي، لذا، أرسل أخاه ليطلب من جانيميد أن يأتي هو لزيارته.
ذهب أوليفر وأخبر جانيميد وألينا بالقصة كاملة، وأعجبت ألينا بشدة برجولته التي تتجلى في قدرته على الاعتراف بأخطائه لدرجة أنها وقعت في غرامه على الفور. لكن عندما سمعت جانيميد بالحالة التي كان عليها أورلاندو، فقدت الوعي، وعندما استعادت وعيها، قالت على نحو محق بقدر كاف: «كان ينبغي لي أن أكون امرأة.»
عاد أوليفر إلى أخيه وأخبره بكل ما حدث، ثم أردف قائلا: «أنا أحب ألينا لدرجة أنني سأتنازل لك عن كل ما ورثته من أبي وأتزوجها وأعيش معها هنا كراع.»
رد عليه أورلاندو: «ليكن غدا يوم العرس، وسأدعو إليه الدوق وأصدقاءه.»
عندما أخبر أورلاندو جانيميد كيف أن أخاه سيتزوج في اليوم التالي، أضاف: «أوه، كم هو قاس أن يرى الإنسان السعادة بعيون سواه!»
جانيميد تفقد الوعي.
ردت روزاليند، وهي لا تزال ترتدي ملابس جانيميد وتحتفظ بطريقة حديثه: «إذا كنت تحب روزاليند بحرارة، فإنك ستتزوجها، عندما يتزوج شقيقك من ألينا.»
في اليوم التالي، تجمع الدوق وأتباعه وأورلاندو وأوليفر وألينا معا من أجل العرس.
ثم جاءت جانيميد وقالت للدوق: «إذا أحضرت روزاليند إلى هنا، هل ستعطيها أورلاندو الواقف هنا؟»
رد الدوق: «نعم، ولو كلفني ذلك أن أعطي معها ممالك بكاملها.»
فقالت لأورلاندو: «وأنت تقول بأنك ستتزوجها بمجرد أن أقدمها إليك؟»
رد قائلا: «نعم، ولو أصبحت ملكا على جميع الممالك.»
تركتهم روزاليند وسيليا، وارتدت روزاليند ملابسها النسائية الجميلة مرة أخرى، وبعد فترة، دخلت على الجمع.
وجهت حديثها إلى أبيها قائلة: «إليك أهب نفسي لأني لك.» قال الدوق: «إذا كانت عيناي لا تخدعانني، فأنت ابنتي.»
ثم قالت لأورلاندو: «إليك أهب نفسي لأني لك.» فرد قائلا: «إذا كانت عيناي لا تخدعانني، فأنت روزاليند.»
قالت مخاطبة أباها: «لا أريد أن يكون لي أب سواك.» ثم قالت مخاطبة أورلاندو: «لا أريد أن يكون لي زوج سواك!»
تزوج أورلاندو وروزاليند، وأوليفر وسيليا، وعاشوا في سعادة من ذلك الحين، وعادوا مع الدوق إلى دوقيته؛ إذ قد صادف فريدريك في طريقه إلى الغابة ناسكا ورعا أوضح له مدى خبث أفعاله، فقرر أن يعيد لأخيه دوقيته وأن يذهب إلى أحد الأديرة ليطلب فيها من ربه المغفرة.
كان العرس مبهجا وأقيم في أرض فضاء في الغابة يكسوها العشب الأخضر. تزوج الراعي والراعية اللذان كانا صديقين لروزاليند، عندما كانت متنكرة في زي راع، في اليوم نفسه، وقد ساد جو رائع من المرح واللهو الصاخب، وهو الأمر الذي ما كان ليحدث في أي مكان سوى تلك الغابة الخضراء الجميلة.
حكاية الشتاء
الأمير فلوريزيل وبيرديتا.
كان ليونتيز ملك صقلية، وكان أعز صديق له هو بوليكسينيز، ملك بوهيميا. لقد نشأ الاثنان معا، وتفرقا فقط عندما بلغا مبلغ الرجال وكان على كل منهما أن يحكم مملكته. وبعد سنوات عديدة، بعد أن تزوج كل منهما وأنجب ابنا، جاء بوليكسينيز ليزور ليونتيز في صقلية.
الطفلة الصغيرة تركت على الساحل.
كان ليونتيز رجلا سريع الانفعال وأحمق بعض الشيء، وقد ظن عقله الأحمق أن زوجته، هيرميوني، كانت تحب بوليكسينيز أكثر مما تحبه، وهو زوجها. وبمجرد أن دخل هذا الظن عقله، لم يكن لشيء أن يخرجه منه؛ لذا، فقد أمر أحد لورداته، والذي يدعى كاميلو، بأن يضع سما في خمر بوليكسينيز. حاول كاميلو أن يثنيه عن ذلك المخطط الآثم، لكن عندما وجد أنه لا طائل من وراء ذلك، تظاهر بالموافقة. ثم أخبر بوليكسينيز بما يحاك ضده، وهربا معا من بلاط صقلية في تلك الليلة وذهبا إلى بوهيميا، حيث عاش كاميلو كصديق ومستشار لبوليكسينيز.
ألقى ليونتيز بالملكة في السجن، ومات ابنها، وريث العرش، من الحزن عندما رأى المعاملة الظالمة والقاسية التي لاقتها أمه.
بينما كانت الملكة في السجن، رزقت بطفلة صغيرة، وألبست إحدى صديقاتها، والتي تدعى باولينا، الطفلة أفضل الملابس، وأخذتها لتري الملك إياها، معتقدة أن رؤيته لتلك الابنة الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة ستلين قلبه تجاه ملكته العزيزة، والتي لم تخطئ في حقه بأي نحو، والتي كانت تحبه أكثر كثيرا مما يستحق؛ لكن الملك ما كان لينظر إلى الطفلة، وأمر زوج باولينا بأن يأخذها على متن سفينة ويتركها في أكثر مكان مهجور ومخيف يمكنه إيجاده، وهو الأمر الذي كان عليه أن يفعله، رغم أنه كان يعارضه بشدة.
بعد ذلك، حوكمت الملكة المسكينة بتهمة الخيانة لتفضيلها بوليكسينيز على ملكها؛ لكنها في واقع الأمر لم تفكر مطلقا في أي شخص سوى زوجها ليونتيز. أرسل ليونتيز بعض الرسل ليسألوا الإله أبولو إذا ما كان محقا في أفكاره القاسية تجاه الملكة. لكنه لم يكن لديه صبر كي ينتظر حتى يعودوا، وما حدث أنهم وصلوا في وسط المحاكمة. قال الكاهن: «هيرميوني بريئة، وبوليكسينيز غير ملوم، وكاميلو تابع مخلص، وليونتيز طاغية غيور، والملك سيعيش بدون وريث، إذا لم يعثر على الابنة التي فقدت.»
ثم جاء رجل وأخبرهم بأن الأمير الصغير قد مات. عندما سمعت الملكة المسكينة هذا، سقطت مغشيا عليها، وحينها، أدرك الملك مدى بشاعته وعظم الخطأ الذي ارتكبه. أمر باولينا ووصيفات الملكة بأن يأخذن الملكة ويحاولن مساعدتها في استعادة وعيها. لكن باولينا عادت بعد بضع لحظات وأخبرت الملك بوفاة هيرميوني.
والآن، تكشفت أخيرا بوضوح أمام عيني ليونتيز حماقته. فقد ماتت الملكة ونفيت ابنته الصغيرة التي كان من الممكن أن تكون مصدر عزاء له إلى مكان حيث تكون فريسة للذئاب والبوم. ولم يعد هناك شيء يهتم به في الحياة. لذا، فقد استسلم للحزن وقضى عدة سنوات بائسة في الصلاة والندم.
تركت الأميرة الصغيرة على ساحل بوهيميا، وهي المملكة التي كان يحكمها بوليكسينيز. ولم يعد زوج باولينا أبدا لبلده ليخبر ليونتيز بالمكان الذي ترك فيه الطفلة؛ إذ بينما كان في طريقه إلى السفينة التي كان سيركبها ليعود لوطنه، صادف دبا قطعه إربا. وهكذا مات دون أن يخبر الملك بمكان الأميرة.
ما كان الملك لينظر إلى الطفلة.
لكن أحد الرعاة وجد الطفلة الصغيرة المسكينة المهجورة. وقد كانت ترتدي أفخر الملابس ومعها بعض الجواهر، وكانت هناك ورقة معلقة في عباءتها تقول إن اسمها هو بيرديتا، وإنها من أصول عريقة.
نظرا لأن الراعي كان رجلا طيب القلب، فقد أخذ الطفلة إلى منزله وعهد بها إلى زوجته لكي تربيها لتكون ابنة لهما. لم تحصل على أي قدر من التعليم أكثر مما يحصل عليه أبناء الرعاة بوجه عام، لكنها ورثت من أمها الملكة العديد من الفضائل والمحاسن، لدرجة أنها كانت مختلفة تماما عن الفتيات الأخريات في القرية التي كانت تعيش فيها.
في أحد الأيام، كان الأمير فلوريزيل، ابن ملك بوهيميا الطيب، يصطاد بالقرب من منزل الراعي، ورأى بيرديتا، والتي كانت قد كبرت حينها وأصبحت فتاة رائعة الجمال. كون الأمير علاقة صداقة مع الراعي، دون أن يخبره بأنه الأمير، إذ قال له إن اسمه هو دوريكليز، وإنه رجل نبيل ورث مالا عن أسرته، ونظرا لأنه كان يحب بشدة بيرديتا الفاتنة، فقد كان يذهب ليراها على نحو شبه يومي.
لم يستطع الملك معرفة ما الذي كان يجعل ابنه يغيب تقريبا كل يوم عن القصر؛ لذا، فقد طلب من بعض الرجال مراقبته، وقد وجد أن وريث عرش بوهيميا كان واقعا في حب بيرديتا، ابنة الراعي الحسناء. رغب بوليكسينيز في معرفة إذا ما كان هذا صحيحا أم لا، فتنكر وذهب بصحبة صديقه المخلص كاميلو، الذي تنكر هو الآخر، إلى منزل الراعي العجوز. وصلا إلى مهرجان جز صوف الغنم، ورغم أنهما كانا غريبين، فقد قوبلا بترحاب كبير. كان هناك رقص دائر، وكان هناك بائع متجول يبيع الأشرطة والأربطة والقفازات، وهي الأشياء التي كان الشباب يشترونها لحبيباتهم.
ليونتيز يستقبل فلوريزيل وبيرديتا.
لكن لم يشارك فلوريزيل وبيرديتا في هذا المشهد البهيج، وجلسا معا في هدوء يتحدثان. لاحظ الملك الأسلوب المهذب الذي كانت تتعامل به بيرديتا وكذلك جمالها الساحر، لكن لم يخطر بباله أبدا أنها ابنة صديقه القديم، ليونتيز. وقال لكاميلو: «إنها أجمل فتاة من أصل متواضع عاشت في هذا المكان. كل شيء تفعله يوحي بشيء أكبر منها هي شخصيا؛ شيء نبيل جدا لا يلائم هذا المكان.»
رد كاميلو: «في الحقيقة، إنها ملكة اللبن الرائب والقشدة.»
لكن عندما طلب فلوريزيل، الذي لم يتعرف على والده، من الغريبين أن يشهدا على خطوبته من الراعية الحسناء، كشف الملك عن هويته وأعلن عن رفضه الزواج، مضيفا أن بيرديتا إن رأت فلوريزيل مرة أخرى، فإنه سيقتلها هي وأباها الراعي العجوز، وغادر المكان على الفور. لكن كاميلو لم يغادر؛ إذ أعجب ببيرديتا وأراد أن يصادقها.
لقد عرف كاميلو منذ وقت طويل مدى الأسف الذي كان يشعر به ليونتيز على جنونه الأحمق، وتاق للعودة إلى صقلية لرؤية سيده القديم. اقترح على الشابين أن يذهبا إلى هناك ويطلبا حماية ليونتيز. ذهبا بالفعل إلى هناك وذهب الراعي معهما، آخذا معه جواهر بيرديتا وملابسها وهي طفلة والورقة التي وجدها معلقة في عباءتها.
استقبلهما ليونتيز بود كبير. وعامل الأمير فلوريزيل على نحو مهذب جدا، لكن كل نظراته كانت موجهة لبيرديتا. لقد لاحظ أنها كانت تشبه كثيرا الملكة هيرميوني، وقال مرارا وتكرارا: «لعل تلك الحسناء كانت لتصبح ابنتي، لو لم أبعدها عني بقسوة شديدة.»
عندما سمع الراعي العجوز أن الملك قد فقد طفلته والتي تركت على ساحل بوهيميا، أحس أن بيرديتا، الطفلة التي رباها، يجب أن تكون ابنة الملك، وعندما قص حكايته وأظهر الجواهر والورقة، أدرك الملك أن بيرديتا كانت بحق هي الابنة التي فقدها منذ فترة طويلة. وهذا ما جعله يرحب بها بسعادة كبيرة ويكافئ الراعي الطيب على صنيعه.
اتبع بوليكسينيز ابنه بسرعة ليمنع زواجه من بيرديتا، لكن عندما عرف أنها ابنة صديقه القديم، شعر بسعادة كبيرة وبارك الزواج.
لكن ليونتيز لم يستطع الشعور بالسعادة. وتذكر كيف أن ملكته الحسناء، التي كان يجب أن تكون بجواره في تلك اللحظات لتشاركه سروره بسعادة ابنته، قد ماتت بسبب قسوته، ولم يستطع قول أي شيء لفترة طويلة سوى: «أوه، أمك! أمك!» ثم أخذ يطلب من ملك بوهيميا قبول اعتذاره ثم قبل ابنته مرة ثانية، ثم الأمير فلوريزيل، ثم شكر الراعي العجوز على كل أفعاله الطيبة.
حينئذ، قالت باولينا، التي كانت تحظى بمكانة كبيرة لدى الملك طوال كل تلك السنوات، انطلاقا من إخلاصها للملكة الراحلة هيرميوني: «لدي تمثال يشبه تماما الملكة الراحلة، استغرقت صناعته سنوات عديدة، ونحته الفنان الإيطالي الموهوب جوليو رومانو. أنا أحتفظ به في منزل منفصل سري، ومنذ أن فقدت ملكتك ، كنت أذهب إلى هناك مرتين أو ثلاثا في اليوم. هلا تفضلت جلالتكم بالذهاب ورؤية التمثال؟»
ذهب ليونتيز وبوليكسينيز وأتباعهما وفلوريزيل وبيرديتا وكاميلو إلى منزل باولينا حيث كان هناك ستار أرجواني سميك يحجب وراءه تجويفا في الجدار، ثم قالت باولينا، ويدها على الستار: «لقد كان جمالها لا يضاهى عندما كانت على قيد الحياة، وأعتقد أن تمثالها عندما ماتت أجمل من أي شيء رأيتموه من قبل، أو أي شيء أبدعته يد بشر. لذا، فقد أبقيته بعيدا عن العيون. لكن ها هو. انظروا، وقولوا إنه بديع.»
فلوريزيل وبيرديتا يتحدثان.
وفي تلك اللحظة، أزاحت الستار وأرتهم التمثال. أخذ الملك يحدق ويحدق في التمثال الجميل الخاص بزوجته الراحلة، لكنه لم يقل شيئا.
قالت باولينا: «يعجبني صمتك. إنه يوضح مدى المهابة التي تشعر بها. لكن أجبني أولا، أيها الملك، ألا ترى أنه يشبهها؟»
رد الملك: «إنه يكاد يكون هي، ولكن، يا باولينا، لم تكن هيرميوني منمشة هكذا، ولم تكن عجوزا كما يبديها التمثال.»
قال بوليكسينيز: «أوه، إنه مختلف بعض الشيء.»
ردت باولينا: «آها! هذا يوضح مدى براعة النحات؛ فهو يصور لنا الشكل الذي كانت ستبدو عليه لو عاشت حتى يومنا هذا.»
ظل ليونتيز ينظر إلى التمثال، ولم يستطع أن يرفع ناظريه عنه.
قالت باولينا: «لو كنت أعرف أن رؤيتك لهذا التمثال المسكين ستجدد حزنك وتثير حبك هكذا، ما كنت أريتك إياه.»
لكنه قال فقط: «لا تغلقي الستار.»
قالت باولينا: «لا، يجب ألا تنظر إلى التمثال أكثر من ذلك، وإلا فستظن أنه يتحرك.»
قال الملك: «دعيه يفعل! دعيه يفعل! ألا تظنون أنه يتنفس؟»
قالت باولينا: «سأغلق الستار، وإلا فستظن أنه حي.»
رد ليونتيز: «نعم، يا عزيزتي باولينا، اجعليني أظن هذا لعشرين سنة قادمة!»
قالت باولينا: «إذا كنت تستطيع تحمل الأمر، فيمكنني أن أجعل التمثال يتحرك وينزل من مكانه ويمسك بيدك. لكنك حينئذ ستظن أنني فعلت ذلك بفعل السحر.»
قال الملك: «أيا كان ما يمكنك جعلها تفعله، فأنا سعيد لرؤيته.»
أخذ الجميع ينظرون بإعجاب ويراقبون ما يحدث، وإذا بالتمثال يتحرك من قاعدته ثم ينزل الدرجات ويضع ذراعيه حول عنق الملك، وأمسك الملك بوجهه وقبله مرات عديدة؛ إذ لم يكن هذا تمثالا، وإنما الملكة هيرميوني نفسها والتي كانت ما تزال حية. لقد عاشت الملكة مختبئة، بفضل باولينا، طوال تلك السنوات، وما كانت لتكشف لزوجها أنها ما تزال على قيد الحياة، رغم أنها عرفت أنه ندم على ما فعله، لأنها لم تستطع أن تسامحه حتى تعرف ما حدث لابنتها الصغيرة.
هيرميوني.
والآن، وبعد العثور على بيرديتا، سامحت زوجها على كل ما فعله، وكان اجتماعهما معا مرة أخرى بمنزلة زواج جديد ومبهج لهما.
تزوج فلوريزيل وبيرديتا، وعاشا طويلا في سعادة.
بالنسبة إلى ليونتيز، فقد نسي سنوات المعاناة العديدة التي عاشها عندما أحس بحبه الحقيقي يطوقه بذراعيه مرة أخرى بعد حزن وألم طويلين.
الملك لير
كورديليا وملك فرنسا.
كان الملك لير عجوزا منهك القوى. وكان قد سئم من إدارة شئون مملكته، وأراد أن ينهي أيامه الباقية في الحياة في هدوء بالقرب من بناته الثلاث. وكانت اثنتان من بناته متزوجتين من دوقي ألباني وكورنوول، وكان دوق بيرجاندي وملك فرنسا متقدمين لخطبة كورديليا، أصغر بناته.
استدعى لير بناته الثلاث معا، وقال لهن إنه نوى أن يقسم مملكته بينهن. ثم أضاف: «لكن أولا أود أن أعرف مقدار حبكن لي.»
قالت جونيريل، التي كانت في واقع الأمر امرأة شريرة جدا ولم تكن تحب أباها على الإطلاق، إنها تحبه أكثر مما يمكن للكلمات أن تصف؛ فهو بالنسبة إليها أغلى من عينيها والكون والحرية؛ أغلى من الحياة والمكانة والصحة والجمال والشرف.
وقالت ريجان: «أحبك قدر حب أختي لك وأكثر؛ فأنا لا أهتم بشيء سوى حب أبي.»
سر لير بشدة بما قالته جونيريل وريجان من بعدها، والتفت إلى ابنته الصغرى، كورديليا، قائلا: «والآن، يا بهجة النفس، أيتها الأخيرة من بناتنا، لا الأخيرة في محبتنا، لقد أبقيت لك أفضل جزء في مملكتي. فما الذي بوسعك أن تقوليه؟»
ردت كورديليا: «لا شيء يا مولاي.»
قال الملك: «لا شيء يأتي من لا شيء! تكلمي مرة أخرى.»
ردت كورديليا: «أحب جلالتك قدر ما تستوجبه بنوتي لك؛ لا أكثر ولا أقل.»
وقد قالت هذا لأنها كانت تمقت الطريقة التي عبرت بها أختاها عن حبهما لأبيهما، في الوقت الذي لم يكن فيه لديهما فعلا أي إحساس حقيقي برباط البنوة تجاه أبيهما العجوز.
وأضافت: «إنك ولدتني وربيتني وأحببتني، فأنا أجزيك على هذه الفروض ما تستوجبه مني: أطيعك وأحبك وأجلك إجلالا كبيرا.»
جونيريل وريجان.
إن لير، الذي كانت كورديليا ابنته المفضلة، كان يأمل أن تتفوق على أختيها في التعبير عن حبها له؛ لذا قال لها: «ابتعدي عني؛ فقد أقصيتك منذ اليوم عن قلبي ونفسي.»
حاول إيرل كنت، الذي كان أحد رجال البلاط والقادة العسكريين المفضلين للير، أن يدافع عن كورديليا، لكن لير ما كان ليسمع له. وهكذا، قسم لير المملكة بين جونيريل وريجان، وأخبرهما أنه سيحتفظ فقط بمائة فارس لخدمته، وسيعيش مع كل منهما شهرا بالتناوب.
عندما علم دوق بيرجاندي أن كورديليا لن تحصل على أي نصيب في المملكة، تخلى عن عرضه بخطبتها. لكن ملك فرنسا كان أكثر حكمة منه، وقال: «إن ابنتك التي بلا مهر هذه، أيها الملك، ستكون ملكة على نفسي، وعلى شعبي، وعلى ديار فرنسا الجميلة.»
قال الملك: «خذها، خذها؛ إذ لا نريد أن تقع عليها بعد اليوم عيننا.»
وهكذا، أصبحت كورديليا ملكة فرنسا، وصدر أمر بنفي إيرل كنت، لتجرؤه بمحاولة الدفاع عنها، من المملكة. وذهب الملك ليقيم لدى ابنته جونيريل، التي أخذت كل شيء كان لدى أبيها ليعطيه، وبدأت الآن تتذمر حتى من احتفاظه بالمائة فارس الذين أبقاهم لخدمته. كانت قاسية وعاقة له، وقد كان خدمها يرفضون إطاعة أوامره أو يتظاهرون بأنهم لم يسمعوها.
تظاهر إيرل كنت، الذي حكم عليه بالنفي، بأنه ذهب إلى بلد آخر، ولكنه بدلا من ذلك عاد متنكرا في شخصية خادم وعمل في خدمة الملك. والآن، أصبح لدى الملك صديقان؛ إيرل كنت، الذي كان يعيش معه كخادم، والبهلول، مضحك الملك، الذي كان مخلصا له. قالت جونيريل لأبيها بوضوح إن فرسانه لا يقومون بشيء سوى إثارة الشغب والصخب في بلاطها، وترجته بشدة أن يحتفظ في خدمته ببضعة رجال كبار السن مثله.
قال لير: «حاشيتي من صفوة الرجال. جونيريل، لن أزعجك أكثر من ذلك، فلم تزل لي ابنة أخرى.»
عندما سرجت خيوله، انطلق متجها مع أتباعه إلى قلعة ريجان. لكن بدا أن ريجان، التي فاقت فيما مضى أختها في التعبير عن حبها للملك، قد فاقتها الآن أيضا في سلوكها العاق تجاه والدها؛ إذ قالت إن خمسين فارسا كثيرون جدا، وقالت جونيريل (التي أسرعت إلى قلعة أختها لتمنع ريجان من إبداء أي مشاعر طيبة تجاه الملك العجوز) إن خمسة فرسان كثيرون جدا، حيث إن خدمها يمكنهم رعايته.
عندما رأى لير أن ما تريدانه بالفعل هو أن تتخلصا منه، تركهما. وقد كانت تلك الليلة ليلة عاصفة وموحشة، وأخذ يهيم في الأرض البور وقد كاد يجن من البؤس الذي يشعر به، ولم يكن له رفيق سوى البهلول المسكين. لكن بعد فترة قصيرة عثر عليه خادمه، إيرل كنت الطيب، وأقنعه في النهاية بأن يحتمي بكوخ صغير مهجور. وفي الفجر، نقل إيرل كنت ملكه إلى دوفر، وأسرع إلى بلاط ملك فرنسا ليخبر كورديليا بما حدث.
أرسل زوج كورديليا معها جيشا واستطاعت بمساعدته الذهاب إلى دوفر. وهناك، وجدت الملك لير المسكين، وهو يهيم على وجهه في الحقول، مرتديا تاجا من نباتات القراص والأعشاب. أحضره أتباعها وأطعموه وألبسوه ثيابا لائقة، وجاءت إليه كورديليا وقبلته.
قال لير لها: «أتوسل إليك أن ترفقي بي، انسي واصفحي؛ إنني شيخ أحمق.»
لقد أدرك الآن أخيرا من أكثر بناته حبا له، ومن كانت أحق بحبه.
كونت جونيريل وريجان جيشا مشتركا لقتال جيش كورديليا، ونجحا في مهمتهما، وألقيا بكورديليا وأبيها في السجن. وعرف زوج جونيريل، الذي كان رجلا طيبا، ولم يكن يعرف مدى خبث أخلاق زوجته، حقيقة القصة بالكامل، وعندما عرفت جونيريل أن زوجها أدرك طبيعتها الشريرة، قتلت نفسها، بعد فترة قصيرة من قتل أختها ريجان بالسم، بسبب الغيرة.
لكنهما كانا قد خططا لشنق كورديليا في السجن، ورغم أن دوق ألباني قد أرسل رسلا على الفور لوقف هذا، فقد كان الأوان قد فات. جاء الملك العجوز يمشي مترنحا إلى خيمة دوق ألباني، وهو يحمل جسد ابنته العزيزة كورديليا على ذراعيه.
كورديليا في السجن.
وبعد قليل، والكلمات التي تعبر عن حبه لها كانت لا تزال على شفتيه، وقع على الأرض وهي لا تزال على ذراعيه، ومات.
الليلة الثانية عشرة
كان أورسينو، دوق إليريا، يحب بشدة سيدة نبيلة جميلة تدعى أوليفيا. لكن كل حبه كان بلا جدوى؛ إذ كانت ترفض خطبته لها؛ وعندما مات أخوها، رفضت الاستماع إلى رسول أرسله إليها، وطلبت منه أن يخبر سيده بأنها لن تدع حتى السماء ترى وجهها لمدة سبع سنين، وأنها ستسير، كراهبة، مغطية وجهها، وكل ذلك كان بسبب حبها لأخيها الراحل الذي أرادت أن يبقى حبه حاضرا في ذاكرتها للأبد.
فيولا والربان.
أخذ الدوق يبحث عن شخص يمكنه إخباره بحزنه وتكرار قصة حبه على مسامعه مرارا وتكرارا. وقد أسعده الحظ ووجده. ففي تلك الأثناء، تحطمت سفينة كبيرة على ساحل إليريا، وكان من بين هؤلاء الذين وصلوا إلى الساحل بأمان الربان وسيدة شابة جميلة تدعى فيولا. لكنها لم تكن ممتنة كثيرا لعدم غرقها في البحر، لأنها كانت تخشى أن يكون أخوها التوءم، سيباستيان، قد غرق، والذي كان عزيزا عليها بشدة مثل قلبها الذي بين جنبات صدرها، وكان يشبهها بشدة، لدرجة أنه، إذا استثنيت طريقتهما المختلفة في اللبس، فلن يستطيع أحد أن يفرق أحدهما عن الآخر. أخبرها الربان، وهو الأمر الذي أسعدها كثيرا، بأنه رأى أخاها يربط نفسه إلى «صار ضخم طفا على سطح البحر»؛ ومن ثم هناك أمل بأنه قد ينقذ من الغرق.
سألت فيولا عن حاكم البلد الذي كانوا فيه، وعندما علمت بأن الدوق أورسينو الشاب هو من يحكمه وأن طباعه نبيلة مثل اسمه، قررت أن تتخفى في ملابس شاب، وتسعى للعمل لديه كأحد تابعيه.
نجحت في هذا، ويوميا، كان عليها الاستماع لأورسينو وهو يتحدث عن قصة حبه. في البداية، تعاطفت بشدة معه، لكن سرعان ما تحول تعاطفها إلى حب. وفي النهاية، خطر لأورسينو أن محاولاته الفاشلة للتقرب من حبيبته قد تنجح إذا أرسل هذا الشاب البهي الطلعة ليتحدث إليها عن مدى حبه لها. ذهبت فيولا وهي راغمة لأداء تلك المهمة، لكن عندما وصلت إلى المنزل المطلوب، منعها من الدخول مالفوليو، رئيس خدم أوليفيا، والذي كان رجلا فضوليا ومغرورا، ومريضا، كما قالت سيدته، بمرض حب الذات. لكن فيولا (التي أصبحت تدعى الآن سيساريو) رفضت أي أعذار، وأصرت على الحديث مع السيدة النبيلة. قالت أوليفيا، بعد أن وجدت أن كل أعذارها قد جرى تحديها، وكانت في الوقت نفسه متلهفة لرؤية هذا الشاب الجريء الذي فعل ذلك: «سنستمع ثانية إلى رسول أورسينو.»
فيولا وهي متنكرة تحت اسم «سيساريو» تقابل أوليفيا.
عندما دخلت فيولا إلى حضرة أوليفيا، وأمر الخدم بتركهما بمفردهما، استمعت أوليفيا بصبر إلى عبارات اللوم التي ألقاها على مسامعها ذلك الرسول الجريء نيابة عن الدوق، وبينما كانت تستمع لكلمات سيساريو المزعوم، وقعت في غرامه، وعندما ذهب، أرادت أن ترسل إليه تذكارا يعبر عن حبها له. لذا، استدعت مالفوليو وطلبت منه أن يتبع الشاب.
ثم قالت لمالفوليو، وهي تخلع خاتما من إصبعها: «لقد ترك هذا الخاتم وراءه. قل له إنني لا أريده.»
فعل مالفوليو ما أمر به، وأدركت فيولا، التي كانت بالطبع تعلم جيدا أنها لم تترك وراءها أي خاتم، بحدس النساء أن أوليفيا وقعت في حبها. ثم عادت إلى الدوق، وهي تشعر بحزن شديد في داخلها من أجل حبيبها وأوليفيا ونفسها.
لم تستطع أن تقول لأورسينو ما يواسيه، والذي أخذ يسعى للتخفيف من آلام حبه المرفوض بالاستماع إلى بعض الموسيقى العذبة، بينما كان سيساريو يقف بجواره.
قال الدوق لتابعه في تلك الليلة: «آه، لا بد أنك أيضا قد أحببت.»
ردت فيولا: «قليلا.» «لا بد أنك أيضا قد أحببت.»
سألها: «أي نوع من النساء أحببت؟»
ردت: «إنها تشبهك كثيرا.»
سألها: «كم كان عمرها؟»
ردت على هذا السؤال بالإجابة البارعة التالية: «في مثل سنك يا سيدي.»
صاح الدوق: «يا إلهي، إنها كبيرة جدا بالنسبة إليك! إن على المرأة أن تتزوج من هو أكبر منها سنا.»
قالت فيولا بوداعة شديدة: «أنا أوافقك كل الموافقة، يا سيدي.»
وسرعان ما طلب أورسينو من سيساريو أن يذهب مرة ثانية لزيارة أوليفيا وإخبارها بمدى حبه لها. لكنها قالت له، وهي تحاول أن تصرفه عن حبها: «لكن ماذا لو أن هناك سيدة تحبك حبا مثل حبك لأوليفيا؟»
رد الدوق: «أوه! هذا محال.»
قالت فيولا: «ولكني أعرف مقدار الحب الذي في وسع المرأة أن تكنه للرجل. لقد كان لأبي ابنة تحب رجلا حبا عظيما.» ثم أضافت وقد احمر وجهها خجلا: «كذلك الحب الذي يمكنني أن أحبه لك لو كنت فتاة.»
سألها: «وما قصتها؟»
ردت فيولا: «لا شيء يا سيدي. إنها لم تبح له أبدا بحبها، وكتمت حبها بداخلها حتى دمرها، وأذهب جمالها. لقد ذبلت، وأخذت تجلس تبتسم لأساها كتمثال للصبر وقد تحول لون بشرتها للون الأخضر من الحزن. ألم يكن هذا حبا حقيقيا؟»
سألها الدوق: «ولكن هل ماتت أختك من فرط الحب، يا ولدي؟» فردت فيولا، التي كانت كل هذا الوقت تعبر له عن حبها له بتلك الطريقة البارعة: «أنا كل بنات أبي وكل أبنائه أيضا ... سيدي، هل أذهب إلى تلك السيدة؟»
رد الدوق، وقد نسي على الفور كل شيء بشأن هذه القصة: «أسرع إليها، وأعطها هذه الجوهرة.»
وهكذا، ذهبت فيولا، وفي تلك المرة، لم تستطع أوليفيا المسكينة إخفاء حبها، وأعلنت صراحة عنه بشغف شديد لدرجة أن فيولا تركتها مسرعة وهي تقول: «لن آتي إليك مرة أخرى لأخبرك عن حب سيدي لك.»
لكن فيولا عندما تعهدت بهذا، لم تكن تدري الشفقة الشديدة التي كانت ستشعر بها تجاه معاناة المرأة الأخرى. لذا، عندما أرسلت أوليفيا، في غمرة عنفوان حبها، رسولا إلى سيساريو لتطلب منه زيارتها مرة أخرى، لم يستطع رفض الطلب.
لكن مشاعر الود التي كانت تبديها أوليفيا تجاه هذا التابع أثارت غيرة السير أندرو إجيوتشيك، الذي كان أحد الحمقى الذين رفضت حبهم، والذي كان في ذلك الوقت يعيش في بيتها مع عمها العجوز المرح السير توبي. إن السير توبي هذا كان يحب بشدة المقالب المضحكة، ولما كان يعرف أن السير أندرو شديد الجبن، ظن أنه لو رتب لنزال بينه وبين سيساريو، فإن اللقاء سيكون بحق فريدا. لذا، حث السير أندرو على طلب النزال، ونقل هو بنفسه الطلب إلى سيساريو. حينها، قال التابع المسكين، في فزع شديد: «سوف أرجع ثانية إلى داخل المنزل؛ فأنا لم أعتد المبارزة.»
رد السير توبي: «لن ترجع إلى داخل المنزل إلا إذا كنت تريد أن تبارزني.»
وحيث إنه بدا نبيلا عجوزا يتميز بالشراسة الشديدة، فقد رأت فيولا أنه من الأفضل انتظار مجيء السير أندرو؛ وعندما وصل أخيرا، استلت، وهي ترتجف، سيفها، وقد تملكها فزع شديد لأنها كانت تخشى أن تعرف الحقيقة، وقام السير أندرو بالمثل وقد سيطر عليه خوف مماثل. لكن لحسن حظ الاثنين، جاء في تلك اللحظة بعض مسئولي البلاط وأوقفوا النزال المزمع. وهربت فيولا في سعادة شديدة بأقصى سرعة ممكنة، لكن ناداها السير توبي قائلا: «إنك ولد خسيس وشديد الجبن!»
بينما كانت كل تلك الأمور تحدث، استطاع سيباستيان أن ينقذ نفسه من الغرق ووصل بسلام إلى ساحل إليريا، حيث صمم على الذهاب إلى بلاط الدوق. وهو في طريقه إلى هناك، مر بمنزل أوليفيا في نفس اللحظة التي غادرته فيها فيولا بسرعة شديدة، وهناك قابل السير أندرو والسير توبي. ظن السير أندرو خطأ أن سيباستيان هو سيساريو الجبان، فاستجمع قواه واقترب منه وضربه قائلا: «هذه لك.»
قال سيباستيان، وقد أخذ يكيل له الضربات حتى جاء السير توبي لإنقاذ صديقه: «حسنا، وهذه لك. خذ هذه وهذه!» لكن سيباستيان، حرر نفسه من قبضة السير توبي، وأشهر سيفه وكان سيقاتل الاثنين لولا مجيء أوليفيا التي علمت بأمر الشجار، والتي أخذت توبخ السير توبي وصديقه وطلبت منهما أن يتركا المكان. ثم تحولت إلى سيباستيان الذي ظنت أنه سيساريو وأخذت تناشده بحلو الكلام أن يدخل معها إلى المنزل.
وافق سيباستيان عن طيب خاطر، وقد تملكته الدهشة بعض الشيء وكان معجبا بشدة بجمالها ونبلها. وفي هذا اليوم نفسه، كانت أوليفيا في عجلة من أمرها لدرجة أنها تزوجت هي وسيباستيان قبل أن تكتشف أنه لم يكن سيساريو، أو يتيقن سيباستيان مما إذا كان يعيش حلما أم لا.
في تلك الأثناء، عندما عرف أورسينو ما حدث بين سيساريو وأوليفيا، ذهب لزيارتها بنفسه، آخذا سيساريو معه. قابلتهما أوليفيا أمام باب منزلها، ولما رأت، بحسب ظنها، زوجها هناك، لامته على تركها، بينما قالت للدوق إن تودده إليها شيء مؤذ لأذنيها شأنه شأن الصرخات الشديدة بعد الموسيقى العذبة.
فقال أورسينو لها: «أما زلت على قسوتك الشديدة؟»
ردت: «ما زلت على عهدي.»
أخذ غضب أورسينو يتصاعد حتى تحول إلى وحشية، وأقسم أنه سينتقم منها بقتل سيساريو، الذي عرف أنها تحبه. فقال لسيساريو: «تعال أيها الفتى.»
ردت فيولا، تابعة إياه وهو يخرج: «أنا على استعداد للموت ألف مرة عن طيب خاطر، إذا كان هذا سيسعدك.»
سيطر خوف كبير على أوليفيا، وصرخت بصوت عال: «سيساريو، زوجي، ابق هنا!»
سأل الدوق بغضب: «زوجها؟»
قالت فيولا: «لا، يا سيدي، أنا لست زوجها.»
صاحت أوليفيا: «استدعوا القس.»
وعندما جاء القس الذي زوج سيباستيان وأوليفيا، أعلن أن سيساريو هو العروس.
قال الدوق متعجبا: «أوه، يا لك من كاذب صغير! وداعا، خذها. لكن لا تطأ قدماك مكانا قد يتصادف أن نلتقي فيه أنا وأنت.»
في تلك اللحظة، جاء السير أندرو والدماء تسيل من موضع التاج في رأسه، وأخذ يشتكي أن سيساريو قد شج رأسه، وهكذا فعل مع السير توبي.
قالت فيولا بحزم: «أنا لم أوذك قط. لقد رفعت سيفك علي لتبارزني، لكني كنت لطيفا معك، ولم ألحق بك أي ضرر.»
لكن رغم كل حججها، لم يصدقها أحد، لكن كل أفكارهم تغيرت فجأة إلى دهشة، عندما دخل عليهم سيباستيان.
قال لزوجته: «أنا آسف، يا سيدتي. لقد آذيت قريبك. سامحيني، أيتها الجميلة، حتى من أجل العهود التي قطعها كل منا للآخر مؤخرا.»
صاح الدوق، ناظرا في البداية إلى فيولا ثم إلى سيباستيان: «وجه واحد وصوت واحد وأسلوب لباس واحد وشخصان مختلفان!»
قال شخص يعرف سيباستيان: «إن هذين الشخصين متشابهان تماما كنصفي التفاحة. من منكما سيباستيان؟»
قال سيباستيان: «أنا لم يكن لي أخ قط؛ لقد كانت لي أخت، ولكن الأمواج القاسية أغرقتها.» ثم قال لفيولا: «لو كنت فتاة، لضممتك بين ذراعي، وجعلت دموعي تسيل على خدك، وصحت: مرحبا بك بشدة إلى الحياة، يا فيولا!»
غمرت الفرحة فيولا عندما رأت أن أخاها ما زال على قيد الحياة، وأقرت بأنها بالفعل أخته، فيولا. وبينما كانت تتحدث، شعر أورسينو بالشفقة التي تعد هي والحب صنوين.
وقال: «يا ولد، لقد أخبرتني آلاف المرات أنك لن تحب أي امرأة بنفس القدر الذي تحبني به.»
ردت فيولا: «أنا على استعداد لتكرار كل ما قلته من قبل. أقسم إنني كنت أعني كل كلمة تلفظت بها.»
صاح أورسينو في سعادة: «أعطيني يدك. ستصبحين زوجتي وملكة حبي.»
وهكذا، عاشت فيولا الرقيقة في سعادة غامرة، ووجدت أوليفيا في سيباستيان المحب المخلص والزوج الطيب، ووجد هو فيها الزوجة المحبة المخلصة.
ضجة فارغة
كلاوديو وهيرو.
توجد في صقلية بلدة تسمى ميسينة، شهدت زوبعة عجيبة في فنجان منذ مئات السنين.
لقد بدأ الأمر بشروق الشمس. حقق دون بيدرو، أمير أراجون، في إسبانيا، انتصارا تاما على خصومه لدرجة أن الأرض التي جاءوا منها قد نسيت. شعر دون بيدرو بسعادة شديدة وبرغبة في الحصول على بعض المرح بعد متاعب الحرب، فذهب للحصول على إجازة في ميسينة، وتبعه أخوه غير الشقيق دون جون واثنان من اللوردات الإيطاليين الشباب، وهما بينيديك وكلاوديو.
كان بينيديك شابا ثرثارا ومرحا، وقد قرر أن يعيش حياته دون زواج. أما كلاوديو، على الجانب الآخر، ما إن وطئت قدماه أرض ميسينة، حتى وقع في غرام هيرو، ابنة ليوناتو، حاكم ميسينة.
في أحد أيام شهر يولية، كان عطار يدعى بوراتشيو يحرق لافاندر جافا في غرفة عفنة الرائحة في منزل ليوناتو، عندما تنامى إلى مسامعه صوت محادثة عبر النافذة المفتوحة.
قال كلاوديو: «أعطني رأيك الصريح في هيرو»، وعندئذ، عدل بوراتشيو وضعه كي يسترق السمع على نحو مريح.
رد بينيديك: «إنها أقصر قامة وأكثر سمرة؛ مما يستحق مديحا، ولو لم تكن كما هي، لكانت غير مليحة.»
قال كلاوديو: «إنها في عيني أجمل النساء.»
رد عليه باحتداد: «لكني لا أرى شيئا من هذا القبيل، وأنا لا أزال قديرا على النظر بغير منظار. انظر إلى ابنة عمها، السيدة بياتريس؛ إنها لتفوقها كثيرا في الجمال، كما يفوق أول مايو آخر ديسمبر، لولا سرعة الغضب التي تتملكها.»
كانت بياتريس ابنة أخي ليوناتو. وكانت تجد متعتها في قول أشياء ساخرة وقاسية عن بينيديك، الذي كان يدعوها «السيدة العزيزة ازدراء». كانت كثيرا ما تقول إنها ولدت تحت نجم راقص، ولم تكن بالتالي تستطيع أن تصبح كئيبة.
كان كلاوديو وبينيديك لا يزالان يتحدثان عندما جاء دون بيدرو وقال بنبرة مازحة: «حسنا، أيها النبيلان، ما الأمر؟»
رد بينيديك: «أرجو من سماحتك أن تعفيني من الكلام.»
قال دون بيدرو، على نحو متوافق مع مزاحه: «إنني ألزمك به بحق ما لي عليك من ولاء.»
قال بينيديك معتذرا لكلاوديو: «إن في وسعي أن أصمت صمت الأبكم، إلا أنه يناشدني القول بحق الولاء.» ثم قال لدون بيدرو: «كلاوديو يحب هيرو القصيرة، ابنة ليوناتو.»
سر دون بيدرو بذلك؛ إذ كان معجبا بهيرو ويحب بشدة كلاوديو. وعندما غادر بينيديك، قال دون بيدرو لكلاوديو: «احرص على حب هيرو وامض فيه، وسأساعدك للفوز بها. الليلة سيقيم أبوها حفلا تنكريا وسأدعي لهيرو أنني كلاوديو وأكشف لها كم يحبها كلاوديو، وإذا أعجبها كلامي، فسأذهب إلى أبيها، وأطلب موافقته على زواجكما.»
يفضل معظم الرجال أن يتوددوا بأنفسهم للنساء اللاتي يرغبون في الزواج منهن، لكن إذا وقع المرء في غرام الابنة الوحيدة لأحد الحكام، فإنه سيكون محظوظا إذا كان بإمكانه الوثوق في أحد الأمراء وجعله يقوم بهذا من أجله.
إذن، كان كلاوديو محظوظا، لكنه كان في الوقت نفسه تعيس الحظ، لأنه كان لديه خصم يتظاهر أمامه بأنه صديق. هذا الخصم هو دون جون، الأخ غير الشقيق لدون بيدرو، الذي كان يغار من كلاوديو لأن دون بيدرو كان يفضله عليه.
كان دون جون هو من أسر له بوراتشيو بتفاصيل المحادثة المثيرة التي استرق السمع إليها.
قال دون جون عندما انتهى بوراتشيو من كلامه: «سأحصل على بعض المرح في ذلك الحفل.»
في ليلة الحفل، تنكر دون بيدرو وتظاهر بأنه كلاوديو وطلب من هيرو أن تذهب معه للتمشية.
مشيا معا، وذهب دون جون إلى كلاوديو وقال: «ألست السنيور بينيديك؟»
كذب كلاوديو قائلا: «أنا هو.»
قال دون جون: «أناشدك إذن أن تستغل تأثيرك على أخي وتثنيه عن حبه لهيرو؛ فهي لا تساويه مولدا.»
سأله كلاوديو: «من أين عرفت أنه يحبها؟»
هيرو وأورسولا.
كان الرد: «لقد سمعته يقسم إنه يحبها.» وقاطع بوراتشيو الحديث ليقول: «وأنا كذلك.»
ثم ترك كلاوديو بمفرده، وقد ظن أن أميره قد خانه. فقال متمتما لنفسه: «وداعا، يا هيرو. لقد كنت أحمق أن وثقت في وسيط بيني وبينك.»
في تلك الأثناء، كان بينيديك (الذي كان متنكرا) وبياتريس يتبادلان الآراء على نحو حاد.
سألته: «ألم يثر بينيديك يوما في نفسك الضحك؟»
رد عليها متسائلا: «من يكون بينيديك؟»
ردت بياتريس: «إنه بهلول الأمير»، وتكلمت معه بنبرة حادة جدا لدرجة أنه قال فيما بعد: «لن أتزوجها ولو ملكت جنات عدن.»
لكن المتحدث الرئيسي في الحفلة لم يكن بياتريس ولا بينيديك، بل كان دون بيدرو الذي نفذ خطته بدقة، وأعاد الحيوية إلى وجه كلاوديو مرة ثانية في طرفة عين، عندما ظهر أمامه بصحبة ليوناتو وهيرو، وقال: «كلاوديو، متى تنتوي الذهاب إلى الكنيسة؟»
كانت إجابته الفورية: «غدا. إن الزمن سيمشي ببطء على عكاز كالرجل العجوز حتى يستكمل حبنا مراسمه.»
قال ليوناتو: «أعطها أسبوعا، يا ولدي العزيز»، وحينها قفز قلب كلاوديو من الفرحة.
قال دون بيدرو الودود: «والآن، يجب أن نجد زوجة للسنيور بينيديك. إنها لمهمة شديدة الصعوبة.»
قال ليوناتو: «أنا معك ولو كلفني ذلك السهر عشر ليال.»
ثم تكلمت هيرو وقالت: «سأبذل كل ما في وسعي، يا مولاي، لإيجاد زوج صالح لبياتريس.»
وهكذا في ضحك بهيج انتهت الحفلة لكن كلاوديو لم يتعلم الدرس على الإطلاق.
واسى بوراتشيو دون جون بأن عرض عليه خطة كان واثقا من أنه من خلالها سيقنع كلاوديو ودون بيدرو بأن هيرو فتاة متقلبة المشاعر، تستطيع الوصول إلى هدفها بأي طريقة. وافق دون جون على خطته التي كان دافعها الكراهية.
وضع دون بيدرو، على الجانب الآخر، خطة ذكية كان دافعها الحب. قال لليوناتو: «إذا تظاهرنا، بينما تكون بياتريس قريبة بالقدر الكافي بحيث تسترق السمع لما نقول، بأن بينيديك يحبها بشدة، فستشفق عليه وترى خصاله الرائعة وتحبه. وبينما يظن بينيديك أننا لا نعرف أنه يستمع إلينا، إذا قلنا كيف أنه من المحزن أن تقع بياتريس الجميلة في غرام شخص ساخر لا قلب له مثل بينيديك، فإنه بالتأكيد سيركع أمامها طالبا الزواج منها في غضون أسبوع أو أقل.»
وهكذا، في أحد الأيام، بينما كان بينيديك يقرأ في خميلة، جلس كلاوديو خارجها مع ليوناتو وقال: «ابنتك أخبرتني بشيء عن خطاب كتبته بياتريس.»
قال ليوناتو متعجبا: «خطاب! إنها تنهض عشرين مرة في الليل وتكتب ما لا يعلمه سوى الرب وحده. لكن هيرو ذات مرة اختلست النظر، ورأت الكلمات «بينيديك وبياتريس» على الورقة، ثم مزقت بياتريس الورقة إربا.»
قال كلاوديو: «قالت لي هيرو إنها صاحت: «أوه، يا بينيديك العزيز!»»
تأثر بينيديك بشدة بتلك القصة غير المحتملة، والتي صدقها لأنه كان شديد الحمق، وقال لنفسه: «إنها جميلة وصالحة. لا ينبغي لي أن أبدو متكبرا. إنني أشعر بأني أحبها. الناس بالطبع سيسخرون من هذا؛ لكن سهامهم الورقية لن تؤذيني.»
في هذه اللحظة، جاءت بياتريس إلى الخميلة، وقالت: «أوفدت على كره مني لأدعوك إلى العشاء.»
بينيديك.
قال بينيديك: «أشكرك أيتها الحسناء بياتريس.»
ردت، وقد أرادت أن تبدو باردة: «لم أتكبد في سبب شكرك لي تعبا، أكثر من تكبدك أنت في شكري.»
لكن كلامها لم يبد نوعا من البرود بالنسبة إليه، بل سره. وقد كان المعنى الذي استخلصه من كلامها الوقح أنها كانت سعيدة للمجيء إليه.
أما هيرو، التي أخذت على عاتقها مهمة تليين قلب بياتريس تجاه بينيديك، فلم تجد أي صعوبة في إيجاد مناسبة لذلك. لقد قالت ببساطة لوصيفتها مارجريت ذات يوم: «أسرعي إلى الردهة واهمسي إلى بياتريس بأنني أنا وأورسولا نتحدث عنها في الحديقة.»
بعد أن قالت هذا بدت كأنها متأكدة أن بياتريس ستسترق السمع إلى ما يراد أن يصل إلى مسامعها، كما لو كأنها ضربت موعدا مع ابنة عمها.
في الحديقة، كانت هناك خميلة تحجب عنها الشمس أعواد زهر العسل، ودخلتها بياتريس بعد بضع دقائق من ذهاب مارجريت لأداء عملها.
سألت أورسولا، التي كانت إحدى صديقات هيرو: «ولكن أواثقة أنت أن بينيديك يحب بياتريس من كل قلبه؟»
ردت هيرو: «هكذا يقول الأمير وخطيبي، ولقد ناشداني أن أكاشفها به، ولكني قلت لهما: «لا! انصحا بينيديك بأن يغالب حبه».» «ولماذا قلت ذلك؟» «لأن بياتريس مزهوة بنفسها على نحو لا يطاق. إن الترفع والسخرية يتلألآن في عينيها. وهي مفرطة في أثرتها لدرجة أنها لا يمكن أن تحب. وأنا لا أحب أن أراها وهي تعبث بحب بينيديك المسكين. فأنا أفضل أن يحترق بينيديك كالنار المغطاة على أن يحدث له هذا.»
قالت أورسولا: «أنا أختلف معك. فما أحسبها متجردة من صحة الحكم والتقدير إلى الحد الذي لا ترى معه مزايا بينيديك.» قالت هيرو: «إنه الرجل الأوحد في إيطاليا، إذا استثنينا كلاوديو.»
ثم تركت المتحدثتان الحديقة، وخرجت بياتريس من الخميلة وقالت لنفسها: «يا بينيديك العزيز المسكين، كن مخلصا لي، وسيروض حبك قلبي النافر.»
نعود الآن إلى الخطة التي كان دافعها الكراهية.
في الليلة السابقة على اليوم المحدد لزفاف كلاوديو، دخل دون جون غرفة كان يتحدث فيها دون بيدرو وكلاوديو وسأل الأخير إن كان ينتوي أن يتزوج في اليوم التالي.
قال دون بيدرو: «أنت تعرف أنه سيفعل.»
قال دون جون: «قد يغير رأيه إن رأى ما سأريه إياه إن تبعني.»
تبعاه إلى الحديقة، ورأوا سيدة تنحني من نافذة هيرو وقد أخذت تتحدث بحب إلى بوراتشيو.
ظن كلاوديو أن السيدة هي هيرو وقال: «سأكشف عن عارها غدا!» ظن دون بيدرو أيضا أنها هيرو، لكنها لم تكن هيرو، وإنما كانت مارجريت.
ضحك دون جون ضحكة خافتة عندما غادر كلاوديو ودون بيدرو الحديقة، وأعطى بوراتشيو كيسا به ألف عملة ذهبية.
جعل المال بوراتشيو يشعر بنشوة شديدة، وبينما كان يسير في الشارع مع صديقه كونريد، تباهى بثروته وبمن أعطاها له، وأخبره بما فعل.
سمع أحد الحراس ما قالاه، واعتقد أن رجلا دفع له ألف عملة ذهبية للقيام بمؤامرة شريرة يستحق أن يقبض عليه؛ لذا ألقى القبض على بوراتشيو وكونريد، واللذين قضيا بقية الليلة في السجن.
قبل ظهر اليوم التالي، كان نصف النبلاء في ميسينة في الكنيسة. كانت هيرو تعرف أن هذا هو يوم زفافها، ولذلك كانت ترتدي ثوب زفافها، دون أن يعكر صفو وجهها الجميل شيء ولا تشوب عينيها الصادقتين واللامعتين شائبة.
كان رجل الدين الذي سيقوم بتزويج كلاوديو وهيرو هو القس فرانسيس.
قال موجها حديثه إلى كلاوديو: «هل جئت هنا أيها اللورد لتتزوج هذه السيدة؟» رد كلاوديو منكرا: «كلا!»
ظن ليوناتو أن رفضه كان بسبب خطأ في التركيب اللغوي. فقال: «كان يجب أن تقول أيها القس: هل جئت هنا لتقترن بهذه السيدة؟»
تحول القس فرانسيس إلى هيرو وقال: «هل جئت هنا أيتها السيدة لتقترني بهذا الكونت؟» ردت هيرو: «نعم.»
قال القس: «إذا كان أحدكما يعرف عائقا خفيا يحول دون قرانكما، فإني أناشده أن يفضي به.»
سأل كلاوديو: «هل تعرفين شيئا كهذا يا هيرو؟» قالت: «كلا.»
قال القس: «وهل تعرف أنت يا كونت؟» قال ليوناتو: «أجترئ فأرد عنه نافيا.»
تعجب كلاوديو بمرارة قائلا: «كم من امرئ يجترئ على أن يفعل!» وأضاف: «يا أبي، هل أنت واهبي ابنتك؟» رد ليوناتو: «كما وهبنيها الله بمشيئته ورضاه.»
سأل كلاوديو: «وماذا تطلب مني مقابل هذه الهبة النفيسة؟» قال دون بيدرو: «لا شيء إلا أن تردها إليه.»
قال كلاوديو: «أيها الأمير العزيز، إنك تعرفني. يا ليوناتو، خذها.»
تبعت تلك الكلمات القاسية كلمات أخرى أطلقها كلاوديو ودون بيدرو ودون جون.
بدا وكأن القدسية قد ذهبت عن الكنيسة. دافعت هيرو عن نفسها قدر ما تستطيع، ثم سقطت مغشيا عليها. غادر كل ظالميها الكنيسة، فيما عدا أباها، الذي انخدع بالاتهامات الموجهة إليها، وصاح قائلا: «ألا بعدا لها! دعوا الموت يأخذها!»
لكن القس فرانسيس رأى أن هيرو غير مذنبة بنظرته الثاقبة التي تنفذ إلى داخل الروح. وقال: «إنها بريئة. هناك ألف علامة تخبرني بهذا.»
استعادت هيرو الوعي بفضل نظرته الطيبة. لم يكن أبوها، الذي كان مضطربا وغاضبا، يعرف ماذا يفعل، وقال القس: «لقد انصرف الأمراء وهم يحسبون ابنتك قد أصبحت من الهالكين. دعنا نتظاهر بأنها قد ماتت حتى تظهر الحقيقة، وتتحول الوشاية إلى ندم.»
قال بينيديك: «لنأخذ بنصيحة الأب.» ثم أخذت هيرو إلى معتزل، وبقيت بياتريس وبينيديك بمفردهما في الكنيسة.
علم بينيديك أنها كانت تنتحب بمرارة ولوقت طويل. فقال: «أعتقد يقينا أن ابنة عمك الحسناء مظلومة.» وكانت بياتريس لا تزال تنتحب.
سألها بينيديك بلطف: «لست أحب في هذا العالم شيئا قدر حبي لك، أليس هذا غريبا؟»
ردت بياتريس: «لقد كان في مقدوري أن أقول إنني لا أحب شيئا قدر حبي لك، لكني لم أقل ذلك. إنني في أسف على ابنة عمي.»
قال بينيديك: «مريني أفعل شيئا من أجلها.» ردت: «اقتل كلاوديو.»
قال بينيديك: «ها! هذا محال، ولو أعطيت العالم كله.» قالت بياتريس: «إنك برفض طلبي تقتلني. وداعا!»
صاح بينيديك: «هذا يكفي بالنسبة إلي! وإني لمبارزه.»
في أثناء تلك الأحداث، كان بوراتشيو وكونريد في السجن. وهناك جرى التحقيق معهما من قبل شرطي يدعى دوجبيري.
قدم الحارس إفادته والتي كان مفادها أن بوراتشيو قال إنه حصل على ألف عملة ذهبية للتآمر ضد هيرو.
لم يكن ليوناتو موجودا في هذا التحقيق، لكنه أصبح الآن مقتنعا بشدة ببراءة هيرو. لعب دور الأب المكلوم ببراعة شديدة، وعندما زاره دون بيدرو وكلاوديو على نحو ودي، قال للنبيل الإيطالي: «إنك ظلمت ابنتي بشدة، وأنا أدعوك للمبارزة.»
القس فرانسيس.
قال كلاوديو: «ما كان لي أن أبارز شيخا كبيرا.»
رد ليوناتو متهكما: «لكنك تستطيع أن تقتل فتاة.» فاحمر وجه كلاوديو.
إن الكلمات العنيفة تأتي ردا على كلمات عنيفة، وكان دون بيدرو وكلاوديو يشعران بأنهما تعرضا لهجوم شديد عندما ترك ليوناتو الغرفة ودخل بينيديك.
قال كلاوديو: «لقد كدت أفقد أنفي في مجالدة مع الشيخ الكبير.»
قال بينيديك بحدة: «أنت وغد! بارزني متى شئت وكيفما شئت، وإلا أعلنت جبنك.»
اندهش كلاوديو لكنه قال: «سألاقيك ولن يقول أحد إنني لست بارعا في قطع رأس عجل.»
ابتسم بينيديك، وحيث إن الأمير دون بيدرو كان عليه في ذلك الوقت أن يستقبل بعض المسئولين، فقد جلس على كرسي الحكم وأخذ يهيئ نفسه ليقيم العدل.
سرعان ما انفتح الباب ليدلف منه دوجبيري وسجينيه.
قال دون بيدرو: «ما الذي ارتكبه هذان الرجلان؟»
ظن بوراتشيو أن الفرصة مواتية ليقول الحقيقة كاملة. قص ما حدث ملقيا باللوم بالكامل على دون جون، الذي اختفى. قال: «مع موت السيدة هيرو، لست أبغي غير جزاء القاتل لي عقابا.»
سمع كلاوديو وقد تملكه الشعور بالأسى والندم الشديد.
وعندما دخل ليوناتو مرة أخرى، قال له: «هذا العبد أثبت براءة ابنتك. فلتختر بنفسك وسيلة ثأرك مني.»
قال دون بيدرو بتواضع: «ليوناتو، إني متقبل أي عقاب قد تفرضه.»
قال ليوناتو: «حسنا، أناشدكما أن تعلنا على الملأ براءة ابنتي وأن تكرماها بأن تغنيا على قبرها مرثية. أما بالنسبة إليك يا كلاوديو، فإن لأخي ابنة تكاد تكون صورة أخرى لهيرو. تزوجها، وكذلك تشفي غليلي.»
قال كلاوديو: «أيها السيد الكريم، إني لمتقبل ما عرضت.» ثم ذهب كلاوديو إلى غرفته وألف أغنية حزينة. وعندما ذهب إلى الكنيسة مع دون بيدرو وأتباعه، غناها أمام مقبرة آل ليوناتو. وعندما انتهى، قال: «والآن، طابت ليلتك، يا هيرو، وإني لمعاهدك أن أقف كل عام وقفتي هذه بقبرك.»
بعد ذلك، استعد بوقار، كما يليق برجل نبيل كان قلبه ملكا لهيرو، للزواج من فتاة لم يكن يحبها. طلب منه أن يقابلها في منزل ليوناتو، وأوفى بوعده وذهب إلى هناك.
أدخل إلى غرفة حيث دخل بعده أنطونيو (أخو ليوناتو ) والعديد من السيدات المتنكرات. وكان القس فرانسيس وليوناتو وبينيديك موجودين كذلك.
قدم أنطونيو واحدة من السيدات لكلاوديو.
قال الرجل الشاب: «حسنا، دعيني أرى وجهك.»
قال ليوناتو: «أقسم أولا إنك ستتزوجها.»
قال كلاوديو للسيدة: «هات يدك. وأمام هذا القس الموقر، أقسم إنني سأتزوجك إن رضيت بي زوجا.»
قالت السيدة، وهي تخلع عنها قناعها: «يوم كنت بين الأحياء، كنت زوجتك.»
قال كلاوديو متعجبا: «هيرو أخرى!»
قال ليوناتو موضحا: «لم تمت هيرو إلا حين كانت الفرية حية.»
وهكذا، كان القس على وشك تزويج الزوجين اللذين أعيد لم شملهما، عندما قاطعه بينيديك قائلا: «مهلا أيها القس، أي من هؤلاء النسوة بياتريس؟»
في تلك اللحظة، نزعت بياتريس القناع عن وجهها، وقال بينيديك: «ألا تحبينني؟»
كان الرد: «إلى حد ما. ألست تحبني؟»
رد بينيديك: «إلى حد ما.»
عقبت بياتريس قائلة: «لقد قيل لي إنك تكاد من حبي تفارق الحياة.»
قال بينيديك: «لقد قيل لي الشيء نفسه عنك.»
قال كلاوديو: «ها هي ورقة خطتها يمينك تدل على حبك لها.» ثم أخرج ورقة مكتوب بها أغنية متكلفة كتبها بينيديك إلى حبيبته.
قالت هيرو: «وها هو ذا كتاب آخر سرقته من جيب بياتريس تصف فيه حبها لبينيديك.»
قال بينيديك: «يا للمعجزة! إن يدينا تشهدان على قلبينا! اقبلي، فإني متزوجك، يا بياتريس.»
ردت: «إني ما رضيت بك زوجا إلا لأنقذ حياتك.»
قبلها بينيديك من فمها، وزوجهما القس بعد أن زوج كلاوديو وهيرو.
سأل دون بيدرو: «ما شعورك يا بينيديك وقد أصبحت زوجا؟»
رد بينيديك: «سعيد جدا بحيث لا شيء يمكن أن يجعلني غير ذلك. اسخر مني كما تشاء. وأما أنت يا كلاوديو، فقد كنت معتزما أن أقتلك، ولكن ما دمت ستصبح لي نسيبا، فعش سالما وكن بابنة العم مغرما.»
قال كلاوديو: «إن هراوتي متيمة بك، يا بينيديك»، لكن قال بينيديك: «حسبك. حسبك. دعنا نرقص.»
رقصوا بالفعل. ولم تستطع حتى أنباء القبض على دون جون أن توقف الأقدام التي تكاد تطير من الفرحة للعاشقين السعداء؛ إذ إن الانتقام ليس من شيم الكرام إذا كان ضد رجل شرير لم يستطع أن يوقع الأذى بأحد.
روميو وجولييت
روميو وجولييت.
في سالف الزمان كانت تعيش في فيرونا عائلتان كبيرتان تسميان مونتاجيو وكابيوليت. كانت العائلتان غنيتين، وأعتقد أنهما كانتا حكيمتين في معظم الأمور، مثل العائلات الغنية الأخرى. لكنهما كانتا في شيء واحد شديدتي السفه والحمق. كان هناك خلاف قديم جدا بين العائلتين، وبدلا من أن تتناسيا ما وقع بينهما مثل ما يحدث من جانب العائلات الحكيمة، ظلتا تشعلان فتيله، ولم تسمحا له بأن يخمد. فما كان لأحد من أفراد عائلة مونتاجيو أن يتحدث لأحد من عائلة كابيوليت إذا قابله في أحد الشوارع، والعكس صحيح، أو إذا تحدثا معا، فكان يقول كل منهما للآخر أشياء بغيضة ووقحة، الأمر الذي ينتهي عادة بصراع. وكان أقارب وخدم العائلتين حمقى مثل أفراد العائلتين، لدرجة أن صراعات ومبارزات الشوارع والتوترات من هذا النوع دائما ما كانت تنشأ عن الشجار بين فرد من هذه العائلة وآخر من العائلة الأخرى.
تبدأ الأحداث بإقامة اللورد كابيوليت، كبير عائلة كابيوليت، حفلا، كان عبارة عن حفل عشاء ورقص كبير، وكان اللورد كريما بشدة لدرجة أنه قال إن بإمكان أي شخص أن يحضره «ما عدا» أفراد عائلة مونتاجيو (بالطبع). لكن كان هناك عضو شاب من عائلة مونتاجيو يسمى روميو كان يريد بشدة أن يحضر الحفل لأن روزالين، الفتاة التي كان يحبها، طلب منها الذهاب إلى هناك. إن هذه الفتاة لم تكن تعامله على الإطلاق بود، ولم يكن لديه أي سبب لحبها، لكن الأمر أنه كان يريد أن يحب «أحدا»، وحيث إنه لم يقابل الفتاة المناسبة، فقد كان مجبرا على حب الفتاة غير المناسبة. لذا، ذهب إلى حفل كابيوليت الضخم، مع صديقيه ميركوشيو وبينفوليو.
روميو وتيبالت يتقاتلان.
رحب كابيوليت العجوز به وبصديقيه بكرم شديد، وأخذ روميو الشاب يتنقل بين حشد النبلاء بملابسهم المصنوعة من المخمل والساتان، الرجال بمقابض السيوف والياقات المرصعة بالجواهر، والنساء بالمجوهرات البراقة التي تزين صدورهن وأذرعهن، والأحجار الكريمة الغالية الثمن التي تزين أحزمتهن اللامعة . كان روميو في قمة أناقته هو الآخر، ورغم أنه كان يرتدي قناعا أسود على عينيه وأنفه، فقد كان بإمكان الجميع أن يلاحظوا من خلال فمه وشعره والطريقة التي يرفع بها رأسه أنه أكثر وسامة بكثير من أي شخص آخر في المكان.
بعد فترة قصيرة رأى وسط الراقصين فتاة رائعة الجمال وجديرة بأن تحب لدرجة أنه لم يفكر مرة أخرى على الإطلاق في المدعوة روزالين التي كان يظن أنه يحبها. نظر إلى تلك الفتاة الحسناء، وهي تتحرك وسط قاعة الرقص بردائها الأبيض المصنوع من الساتان ومجوهراتها التي تتزين بها، وبدا له أن كل العالم بلا طائل ودون قيمة مقارنة بها. وكان يقول هذا، أو شيئا مشابها له، عندما سمع تيبالت، ابن أخي الليدي كابيوليت، صوته وعرف أنه روميو. غضب تيبالت غضبا شديدا وذهب على الفور إلى عمه، وأخبره أن أحد أفراد عائلة مونتاجيو جاء إلى الحفل دون أن يدعوه أحد، لكن كابيوليت العجوز كان شديد التهذيب لدرجة أنه ما كان ليتعامل بفظاظة مع أي رجل داخل بيته، وطلب من تيبالت التزام الهدوء. لكن هذا الشاب أخذ فقط يتحين الفرصة للشجار مع روميو.
في تلك الأثناء شق روميو طريقه إلى الفتاة الحسناء، وأخبرها بكلمات عذبة أنه يحبها وقبلها. في تلك اللحظة، أرسلت أمها في طلبها، وعرف روميو حينها أن الفتاة التي أخذ قلبه يعقد عليها الآمال هي جولييت، ابنة اللورد كابيوليت، عدوه المبين. لذا، غادر المكان، وهو يشعر بالأسف بالطبع، لكنه كان مع ذلك لا يزال يحبها.
روميو يعجب بجولييت.
ثم قالت جولييت لوصيفتها: «من هذا الشاب الذي لم يشأ أن يرقص؟» «اسمه روميو، من أسرة مونتاجيو، الابن الوحيد لعدوكم الأكبر.»
ثم ذهبت جولييت إلى غرفتها، ونظرت من نافذتها التي تطل على حديقة غناء يلقي القمر بأشعته عليها. كان روميو مختفيا في تلك الحديقة وسط الأشجار؛ إذ لم يكن باستطاعته أن يذهب دون أن يحاول رؤيتها مجددا. لذا، ونظرا لأنها لم تكن تعرف أنه هناك، تحدثت بصوت عال مفصحة عما يجيش به صدرها وقالت للحديقة الهادئة إنها وقعت في غرام روميو.
سمع روميو ما قالته وسعد أيما سعادة. نظر لأعلى من مخبئه ورأى وجهها الجميل في ضوء القمر، مؤطرا وسط النباتات المتسلقة الزاهية النامية حول نافذتها، وبينما كان ينظر إليها ويستمع لما تقوله، شعر وكأنه يعيش حلما أنزله فيه أحد السحرة في تلك الحديقة البديعة والمسحورة.
قالت جولييت: «حسنا، لما سميت روميو؟» وأضافت: «منذ أن أحببتك، لم يعد للأسماء معنى.»
صاح روميو: «ناديني باسم حبيبي، وسيصبح ذاك هو اسمي، ولن أغدو روميو بعد اليوم.» وهو يخرج في ضوء القمر الأبيض الكامل من المكان الذي كان يختبئ فيه الذي كان تظلله أشجار السرو ونباتات الدفلي. شعرت بالفزع في البداية، ولكن عندما أدركت أنه روميو وليس شخصا غريبا، شعرت هي الأخرى بالسعادة، وأخذا، بينما كان هو يقف في الحديقة بالأسفل وهي تنظر من النافذة، يتحدثان طويلا معا، وقد حاول كل منهما أن يبحث عن أعذب الكلمات في العالم، لينتجا ذاك الحديث الممتع الذي يدور بين المحبين. إن تفاصيل كل ما قالاه والموسيقى العذبة التي نتجت عن صوتيهما يجب أن تروى في كتاب ذهبي يمكنكم أيها الأطفال أن تقرءوه بأنفسكم يوما ما.
مر الوقت بسرعة شديدة، كما هو الحال دائما مع العاشقين عندما يكونون مع بعضهم، لدرجة أنه عندما حانت لحظة الوداع، بدا لهما وكأنهما قد تقابلا للتو، وفي واقع الأمر، كانا لا يعرفان كيف يترك كل منهما الآخر.
قالت جولييت: «سأرسل إليك رسولا غدا.»
وهكذا، في النهاية وبعد الكثير من الأخذ والرد واللوعة، ودع كل منهما الآخر.
دخلت جولييت إلى غرفتها، وغطى ستار داكن نافذتها اللامعة. وأخذ روميو يتلمس طريقه عبر الحديقة الهادئة الندية وكأنه يعيش حلما.
في صباح اليوم التالي، وفي وقت مبكر جدا، ذهب روميو إلى القس لورنس وأخبره بالقصة كاملة وترجاه أن يزوجه جولييت على الفور. وبعد بعض النقاش، وافق القس على أن يفعل ذلك.
لذا، عندما أرسلت جولييت مربيتها العجوز إلى روميو في ذلك اليوم لتعرف ماذا سيفعل، نقلت السيدة العجوز رسالة إلى جولييت مفادها أن كل شيء يسير على ما يرام، وأن روميو قد أعد كل الترتيبات اللازمة للزواج في صباح اليوم التالي.
زواج روميو وجولييت.
خشي العاشقان الصغيران أن يطلبا موافقة والديهما على زواجهما، كما هو المفترض، بسبب ذلك الخلاف القديم السخيف الموجود بين العائلتين.
كان القس لورنس على استعداد لمساعدة العاشقين سرا، لأنه كان يعتقد أنه بمجرد أن يتزوجا، سرعان ما سيعرف أهلهما الأمر، وقد يضع هذا الزواج نهاية سعيدة للخلاف القديم.
لذا، في وقت مبكر من صباح اليوم التالي تزوج روميو وجولييت في منزل القس لورنس، ثم تفرقا وهما يتبادلان القبلات والدموع تنهمر منهما. وعد روميو بأن يأتي إلى حديقة منزلها في تلك الليلة، وأعدت المربية حبلا على هيئة سلم كان عليها أن تدليه من نافذة جولييت بحيث يستطيع روميو استخدامه في التسلق إلى النافذة والحديث إلى زوجته الحبيبة في هدوء وعلى انفراد.
لكن في هذا اليوم حدث شيء فظيع.
قابل تيبالت، الشاب الذي كان مغتاظا بشدة من ذهاب روميو إلى حفل آل كابيوليت، روميو وصديقيه، ميركوشيو وبينفوليو في الطريق، ونعت روميو بأنه وغد وطلب مبارزته. لم يشأ روميو أن يبارز ابن خال جولييت، لكن ميركوشيو استل سيفه، وتبارز هو وتيبالت. وقتل ميركوشيو. وعندما رأى روميو أن صديقه قد مات، نسي كل شيء فيما عدا غضبه من الرجل الذي قتله، وتقاتل هو وتيبالت حتى خر الأخير صريعا.
وهكذا، وفي نفس يوم زفاف روميو، قتل ابن خال زوجته جولييت، وحكم عليه بالنفي. تقابلت جولييت المسكينة هي وزوجها الشاب في تلك الليلة؛ تسلق الحبل وسط الأزهار، ووصل إلى نافذتها، لكن كان لقاؤهما حزينا، وتفارقا والدموع المريرة تنهال من مدامعهما وقلباهما مثقلان بالهموم، لأنهما لم يكونا يعرفان متى سيلتقيان مرة أخرى.
أراد والد جولييت، الذي لم تكن لديه بالطبع أدنى فكرة عن أنها قد تزوجت، أن يزوجها رجلا نبيلا يدعى باريس، وغضب بشدة عندما رفضت وهذا ما جعلها تسرع لتسأل القس لورنس عما عليها فعله. نصحها القس بالتظاهر بالموافقة ، ثم أضاف: «سأعطيك دواء يجعلك تبدين ميتة لمدة يومين، ثم عندما يحين موعد أخذك للكنيسة، فسيأخذونك لكي تدفني، بدلا من أن تتزوجي. ثم سيضعونك في قبو الدفن ظنا منهم أنك ميتة، وقبل أن تستيقظي، سنتولى أنا وروميو أمر رعايتك. هل ستفعلين هذا أم ستخافين؟»
ردت جولييت: «سأفعل، وحدث سواي عن الخوف.» وعادت لبيتها وأخبرت أباها بأنها ستتزوج باريس. لو تحدثت بصراحة وأخبرت أباها بالحقيقة، لاختلف الأمر تماما.
سر اللورد كابيوليت بشدة لأنه تحقق له ما أراد، وأخذ يدعو أصدقاءه ويعد لحفل الزفاف. سهر الجميع طوال الليل؛ لأنه كانت هناك الكثير من الترتيبات وكان الوقت محدودا جدا لتنفيذها. كان اللورد كابيوليت متلهفا لتزويج جولييت لأنه كان يرى أنها شديدة التعاسة. بالطبع، كانت هي بطبيعة الحال قلقة على زوجها روميو، لكن ظن أبوها أنها كانت حزينة على وفاة ابن خالها تيبالت، وظن أن زواجها سيجعلها تفكر في شيء آخر.
في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، جاءت المربية لتوقظ جولييت ولتلبسها من أجل الزفاف، لكنها لم تستيقظ، وفي النهاية، صرخت المربية فجأة قائلة: «وا أسفاه وا أسفاه! النجدة، النجدة! لقد ماتت سيدتي. ليتني ما ولدت.»
المربية تظن أن جولييت قد ماتت.
جاءت الليدي كابيوليت مسرعة، وتبعها اللورد كابيوليت واللورد باريس، العريس. وهنالك كانت ترقد جولييت باردة وشاحبة ودون حراك، وما كان لنحيبهم جميعا أن يوقظها. لذا، سيكون هذا اليوم هو يوم دفنها بدلا من زواجها. في تلك الأثناء، أرسل القس لورنس رسولا إلى مانتوا ومعه رسالة إلى روميو يخبره فيها بكل هذه الأمور، وكان كل شيء سيسير على ما يرام، لولا عدم استطاعة الرسول الذهاب إلى روميو.
لكن الأخبار التعيسة تنتقل سريعا. سمع خادم روميو، الذي كان يعرف سر الزواج، لكنه لم يكن يعرف بالموت المدعى لجولييت، بأخبار جنازتها، وأسرع إلى مانتوا ليخبر روميو كيف أن زوجته الشابة قد غيبها الموت وسترقد في قبرها.
صاح روميو، وقد انفطر قلبه: «أهكذا قضى القدر؟ إذن، سوف أنام في هذه الليلة بجوار جولييت.»
واشترى لنفسه سما وتوجه من فوره إلى فيرونا. وذهب مسرعا إلى المقبرة التي كانت ترقد فيها جولييت. لم تكن ترقد في قبر وإنما في قبو دفن. فتح عنوة الباب وكان في طريقه للنزول عبر الدرجات الحجرية التي تؤدي إلى القبو حيث يرقد كل موتى آل كابيوليت، عندما سمع صوتا خلفه يطلب منه التوقف.
لقد كان هذا هو صوت الكونت باريس، الذي كان سيتزوج جولييت في نفس هذا اليوم.
صاح باريس: «كيف تجرؤ، يا ابن مونتاجيو الوغد، على المجيء إلى هنا وتدنيس أجسام موتى آل كابيوليت؟»
رغم ذلك، حاول روميو المسكين، الذي كاد أن يجن من الحزن، أن يجيبه بلطف.
قال باريس: «لقد أخبرت بأنك لا بد أن تموت إن عدت إلى فيرونا.»
قال روميو: «لا بد أن أموت حقا! ولذا، فقد جئت هنا! يا أيها الشاب الرقيق الطيب، ارحل ودعني! اذهب قبل أن أوذيك! إن الحب في قلبي إليك يزيد عن حبي لذاتي؛ أرجوك، اذهب، واتركني وحيدا.»
رد باريس: «إني أرفض ما تطلب، وسأقبض عليك لأنك مجرم.» واستل روميو، وهو في قمة غضبه ويأسه، سيفه، وتقاتل معه وقتل باريس.
وبينما كان سيف روميو ينغرس في جسد باريس، صاح باريس: «أوه، لقد قتلت! إن كنت بي رحيما، فافتح القبر وأرقدني بجوار جولييت.»
قال روميو: «سأقوم بذلك حقا.»
ثم حمل روميو الرجل الميت إلى القبر ووضعه بجوار حبيبته جولييت. ثم جثا بجوار جولييت وتحدث إليها وطوقها بذراعيه وقبل شفتيها الباردتين، معتقدا أنها ميتة، في حين أنها طيلة الوقت كانت أقرب كثيرا إلى الاستيقاظ. ثم شرب السم ومات بجوار حبيبته وزوجته.
روميو يدخل المقبرة.
بعد ذلك، وصل القس لورنس لكن بعد فوات الأوان، ورأى كل ما حدث، ثم استيقظت جولييت المسكينة من نومها لتجد زوجها وصديقها ميتين بجوارها.
إن صخب المبارزة قد جلب العديد من الأشخاص إلى المكان، وعندما سمعهم القس لورنس، هرب وتركت جولييت بمفردها. رأت الكأس الذي كان فيه السم وعرفت كل ما حدث، وحيث إنه لم يبق أي سم لها، فقد استلت خنجر روميو وغرسته في قلبها، وهكذا، ماتت بعد أن سقطت ورأسها على صدر روميو. وإلى هنا، تكون قد انتهت قصة هذين العاشقين المخلصين الشديدي التعاسة. •••
وعندما علم كبار العائلتين بكل ما حدث من القس لورنس، حزنوا بشدة، وعندما رأوا كل المصائب التي نتجت عن الخلاف اللعين الذي كان بينهم، قرروا إنهاءه، وفوق المقبرة التي تضم أجساد أولادهم الأعزاء، تعاهدوا أخيرا على نسيان ما مضى وعودة أواصر الود والصداقة من جديد.
بيريكليز
كان بيريكليز، أمير صور، سيئ الحظ جدا لدرجة أنه استجلب لنفسه عداء أنتيوكوس، ملك أنطاكية الجبار والشرير، وكان الخطر الذي يحدق به عظيما لدرجة أنه قرر، بناء على نصيحة مستشاره الأمين، اللورد هيليكانوس، أن يتجول حول العالم لبعض الوقت. لقد اتخذ هذا القرار رغم حقيقة أنه أصبح الآن، بعد وفاة والده، ملك صور. لذا، فقد أبحر إلى طرسوس، معينا هيليكانوس وصيا على العرش في أثناء غيابه. وسرعان ما اتضح أنه تصرف بحكمة عندما ترك مملكته على هذا النحو.
بمجرد أن أبحر في رحلته، وصل اللورد ثاليارد من أنطاكية بتعليمات من ملكه لقتل بيريكليز. سرعان ما اكتشف هيليكانوس المخلص المسعى الخبيث للورد الشرير، وعلى الفور أرسل رسلا إلى طرسوس لتحذير الملك من الخطر الذي يتهدده.
كان أهل طرسوس في فقر وبؤس شديدين لدرجة أن بيريكليز، وقد شعر أنه لن يجد ملاذا آمنا هناك، أبحر ثانية. لكن ضربت عاصفة هوجاء السفينة التي كان فيها، وتحطمت السفينة الجميلة، ولم ينج من أفرادها سوى بيريكليز. قذفته الأمواج، وهو مجروح ومنهك يقطر منه الماء، على الصخور القاسية لساحل بينتابوليس، بلد الملك الطيب سيمونيديز. كان منهكا بشدة ولذا لم يكن يريد شيئا سوى الموت، وبسرعة. لكن وجده بعض الصيادين، الذين جاءوا إلى الشاطئ، وأعطوه بعض الملابس وطلبوا منه أن يبتهج ويتحلى برباطة الجأش.
قال أحدهم: «يمكنك أن تأتي معي إلى داري، وستجد لدينا لحما في الأعياد، وسمكا في أوقات الصيام، فضلا عن كم كبير من الكعك والحلوى، وسيكون مرحبا بك هناك.»
قالوا له إن العديد من الأمراء والفرسان في اليوم التالي سيذهبون إلى بلاط الملك، ليتباروا ويدخلوا في منافسة من أجل كسب ود ابنته، الأميرة الحسناء ثايسا.
قال بيريكليز: «كم أتمنى أن يسعدني الحظ لأكون أحد المتبارين.»
بينما كان يتكلم جاء بعض الصيادين، وسحبوا شبكتهم، والتي كانت ثقيلة جدا، تقاوم كل جهودهم لانتشالها حتى استطاعوا في النهاية إخراجها ليجدوا أن بها بدلة مدرعة يعلوها الصدأ، وعندما نظر إليها بيريكليز، شكر إلهة الحظ على كرمها؛ لأنها كانت بدلته؛ إذ قد أعطاه إياها أبوه الراحل. استجدى الصيادين أن يعطوه إياها حتى يستطيع الذهاب إلى البلاط والمشاركة في المنافسة، واعدا إياهم أنه إذا ابتسمت له الأقدار، فسوف يكافئهم على نحو سخي. وافق الصيادون عن طيب خاطر، وهكذا، بعد أن أصبح مستعدا بالكامل للمنافسة، انطلق في بدلته المدرعة الصدئة إلى بلاط الملك.
في المنافسة، لم يستطع أحد أن يضاهي بيريكليز وحصل على إكليل الغار الذي وضعته الأميرة الحسناء بنفسها على جبينه. ثم سألته بناء على طلب أبيها من يكون ومن أين أتى، وأجاب أنه فارس من صور اسمه بيريكليز، لكنه لم يخبرها أنه ملك هذا البلد، لأنه كان يعرف أن مكانه بمجرد أن يصبح معروفا لأنتيوكوس، فإنه سيفقد حياته.
رغم ذلك، أحبته ثايسا بشدة، وسر الملك بشجاعته وأسلوبه المهذب لدرجة أنه سمح لابنته بكل سرور أن تفعل ما تريد عندما قالت له إنها ستتزوج الفارس الغريب وإلا فستموت.
أصبح بيريكليز زوج الأميرة الحسناء التي من أجلها صارع الفرسان الذين أظهروا كل ما لديهم من شجاعة لكي يتباروا من أجل الفوز بحبها.
في هذه الأثناء، مات الملك أنتيوكوس الشرير، ولما لم يسمع أهل صور أي أخبار عن ملكهم، حثوا اللورد هيليكانوس على اعتلاء العرش الخالي. لكنهم لم يستطيعوا سوى أن يجعلوه يعدهم بأنه سيصبح ملكهم إذا مر عام ولم يعد بيريكليز. علاوة على ذلك، أرسل هيليكانوس رسلا هنا وهناك بحثا عن بيريكليز المفقود.
بيريكليز فاز في المنافسة.
ذهب بعض هؤلاء إلى بينتابوليس، وعندما وجدوا ملكهم هناك، أخبروه بمدى استياء شعبه من غيابه الطويل، وأنه بعد موت أنتيوكوس لم يعد هناك ما يحول بينه وبين العودة إلى مملكته. أخبر بيريكليز زوجته وحماه بمكانته الحقيقية، وسعدا هما وكل رعايا سيمونيديز بشدة لمعرفة أن زوج ثايسا الشجاع كان ملكا بالفعل. وهكذا، أبحر بيريكليز مع زوجته العزيزة إلى مسقط رأسه. لكن البحر مرة أخرى كان قاسيا معه؛ إذ هبت ثانية عاصفة هوجاء، وبينما كانت في أوجها، جاءه خادم وأخبره أنه أنجب بنتا صغيرة. كان هذا الخبر سيجعل قلبه يطير من الفرحة لولا أن الخادم أضاف أن زوجته، العزيزة إلى قلبه بشدة ثايسا، قد ماتت.
بينما كان يتضرع للآلهة كي تكون رحيمة بابنته الرضيعة، جاء البحارة إليه وقالوا له إن الملكة الراحلة يجب أن تقذف من فوق سطح السفينة؛ إذ كانوا يعتقدون أن العاصفة لن تهدأ ما دام هناك جسد شخص ميت على متن السفينة. وهكذا، وضعت ثايسا في صندوق كبير ومعها بعض العطور والمجوهرات، وورقة كتب عليها الملك الحزين الأبيات التالية:
لمن يقرأ هذا (إذا لامس هذا النعش اليابسة):
أنا الملك بيريكليز، فقدت
ملكة أغلى من كل متاع الدنيا.
فإن لقيها أحد، أرجو منه أن يدفنها؛
فقد كانت ابنة ملك.
وسيجني بصنيعه هذا، فضلا عن الكنز الموجود بالصندوق،
بركات من الآلهة. [ترجمة أ. ر. مشاطي]
ثم ألقي الصندوق في البحر وأخذت الأمواج تتقاذفه، وبعد فترة قصيرة، ألقت به على شاطئ إفسوس حيث وجده خدم لورد يسمى سيريمون. أمر اللورد على الفور بفتحه، وعندما رأى مدى الجمال الذي بدت عليه ثايسا، شك فيما إذا كانت قد ماتت، واتخذ خطوات فورية لمساعدتها في استعادة وعيها. ثم حدث أمر عجيب جدا؛ إذ عادت للحياة، رغم أنها قذفت في البحر لأنهم ظنوا أنها ميتة. لكن نظرا لأن ثايسا ظنت أنها لن ترى زوجها ثانية، فقد انعزلت عن العالم، وأصبحت كاهنة للإلهة ديانا.
بينما كانت تحدث هذه الأمور، استطاع بيريكليز الوصول إلى طرسوس هو وابنته الصغيرة، التي أطلق عليها اسم مارينا لأنها ولدت في البحر. ترك بيريكليز ابنته في رعاية صديقه القديم حاكم طرسوس وأبحر إلى مملكته.
كانت ديونيزا، زوجة حاكم طرسوس، امرأة غيور وشريرة، وعندما وجدت أن الأميرة الصغيرة أخذت تشب لتصبح فتاة أكثر براعة وجمالا من ابنتها، صممت على قتلها. وعندما وصلت مارينا لسن الرابعة عشرة، أمرت ديونيزا أحد خدمها بأخذها إلى مكان بعيد وقتلها. كان هذا الخادم الشرير سينجح في فعل هذا، لولا أن منعه من ذلك بعض القراصنة الذين جاءوا وأخذوا مارينا معهم إلى البحر وتركوها في ميتيليني، حيث باعوها كأمة. لكن صلاحها وأخلاقها الحسنة وجمالها سرعان ما جعلوها ذات مكانة هناك، وأحبها بشدة ليسيماكوس، الحاكم الشاب، وكان سيتزوجها لولا أنه ظن أنها لا بد أن تكون من أصل وضيع، ومن ثم لا يمكن أن تصبح زوجة لشخص في مثل مكانته.
ظنت ديونيزا الشريرة، من خلال ما نقله لها خادمها، أن مارينا قد ماتت بالفعل؛ لذا أنشأت قبرا لإحياء ذكراها وأرت إياه للملك بيريكليز، الذي جاء، بعد سنوات طويلة من الغياب، ليرى ابنته المحبوبة. وعندما سمع أنها ماتت، كان حزنه لا يوصف؛ لذا أبحر مرة أخرى، وقرر أن يرتدى ملابس من الخيش وأقسم ألا يغسل وجهه أو يقص شعره ثانية. وكانت هناك خيمة مغلقة مقامة على ظهر السفينة التي كان يركبها، والتي كان يجلس فيها بمفرده، ولمدة ثلاثة أشهر، لم يتحدث مع أحد.
بيريكليز ومارينا.
في النهاية، صادف أن سفينته وصلت إلى ميناء ميتيليني، وذهب حاكمها ليسيماكوس ليعرف من أين جاءت السفينة. وعندما سمع قصة صمت وحزن بيريكليز، تذكر مارينا، وظنا منه أنها يمكنها أن تساعد الملك في الخروج من الأزمة التي كان يمر بها، أرسل إليها وطلب منها أن تبذل كل ما في وسعها لإقناع الملك بالحديث، واعدا إياها بالحصول على أي مكافأة تريدها إن هي نجحت في ذلك. أطاعته مارينا بكل سرور، وعندما خرج الجميع، جلست هي وأبوها المسكين الذي أثقلته الهموم وأخذت تغني له، لكن رغم أن صوتها كان عذبا، لم يحرك هو ساكنا. لذا، تكلمت معه وقالت إن حزنها قد يكون مكافئا لحزنه، إذ رغم أنها أمة، فإن أجدادها كانوا في مصاف أبرز الملوك.
لمس شيء في صوتها وقصتها أوتار قلب الملك، ورفع بصره إليها، وبينما كان ينظر إليها، لاحظ في دهشة مدى الشبه بينها وبين زوجته الراحلة؛ لذا بدأ أمل كبير ينمو في قلبه وطلب منها أن تحكي قصتها.
رغم الكثير من المقاطعات من جانب الملك، قالت له من تكون وكيف أنها هربت من ديونيزا القاسية. وهكذا، أدرك بيريكليز أنها بالفعل ابنته، وأخذ يقبلها المرة بعد الأخرى، قائلا إن بحاره العظيمة من السعادة أغرقته بكرمها. ثم قال: «أعطوني ملابسي. أيتها السماء، باركي ابنتي.»
ثم سمع صوت موسيقى إلهية، ما كان لأحد سواه أن يسمعها، وأخذته سنة من النوم، رأى خلالها الإلهة ديانا في رؤيا.
قالت له: «عجل في الذهاب إلى معبدي في إفسوس، وهناك عندما تجتمع كاهناتي العذارى، أعلن كيف فقدت زوجتك في البحر.»
أطاع بيريكليز الإلهة وحكى قصته أمام مذبح معبدها. وما كاد ينتهي منها، حتى وقعت كبيرة الكاهنات مغشيا عليها، وهي تصيح: «أنت ... أنت ... يا صاحب الجلالة بيريكليز!» وبعد أن ثابت إلى وعيها بعد فترة قصيرة، تحدثت إليه ثانية قائلة: «أرجوك يا سيدي، ألست بيريكليز؟» تساءل الملك في دهشة: «هذا صوت الراحلة ثايسا.» قالت: «أجل، أنا ثايسا!» وعندما نظر إليها، أدرك أنها كانت تقول الحقيقة.
وهكذا، وجد بيريكليز وثايسا، بعد معاناة طويلة ومريرة، السعادة مرة أخرى، وفي غمرة السعادة التي أحاطت بلقائهما، نسيا آلام الماضي. وقد شعرت مارينا بسعادة شديدة، ليس فقط لأنها عادت إلى والديها الغاليين ولكن أيضا لأنها تزوجت ليسيماكوس، وأصبحت أميرة في الأرض التي بيعت فيها كأمة.
هاملت
كان هاملت الابن الوحيد لملك الدانمارك. وكان يحب أباه وأمه بشدة، وكان سعيدا في حبه لامرأة رقيقة تدعى أوفيليا والتي كان أبوها، بولونيوس، مستشار الملك.
بينما كان هاملت يدرس بالخارج في فيتنبرج، مات أبوه. عاد هاملت الشاب مسرعا لبلده وهو في حزن عظيم، وقالوا له إن حية قد لدغت الملك وتسببت في موته. كان الأمير الشاب يحب أباه بشدة لدرجة أنكم قد تتصورون ماذا كان شعوره عندما وجد أن الملكة، قبل أن يمر شهر على دفن الملك، قررت الزواج ثانية؛ ومن أخي الملك الراحل.
رفض هاملت إنهاء الحداد من أجل إتمام الزواج.
وقال: «ليست ملابسي الحالكة وحدها بكافية للدلالة على حزني. إن ما في قلبي من حزن شديد على أبي الراحل يعجز عن إيضاحه كل مظهر. إن ابنه على الأقل يتذكره، ولا يزال حزينا عليه.»
قال كلاوديوس، أخو الملك: «هذا الحزن مبالغ فيه. بالطبع، يجب أن تحزن على فقد أبيك، ولكن ...»
قال هاملت، بمرارة: «آه، لا يمكنني في شهر واحد أن أنسى من أحب.»
عقب ذلك، تركته الملكة هي وكلاوديوس، ليبتهجا بشأن زفافهما، ناسيين الملك الصالح المسكين الذي كان يعاملهما بكل ود وطيبة.
بدأ هاملت، عندما أصبح بمفرده، يفكر ويتساءل ماذا عليه أن يفعل؛ إذ لم يستطع تصديق قصة لدغ الحية لأبيه. بدا له بكل وضوح أن كلاوديوس الوغد قد قتل الملك حتى يستولي على العرش ويتزوج الملكة. لكنه لم يكن لديه دليل على ذلك، ولم يكن بإمكانه اتهامه.
وبينما كان يفكر على هذا النحو، جاء هوراشيو، والذي كان أحد زملائه، من فيتنبرج.
وبعد أن رحب هاملت بزميله بلطف، سأله: «ما الذي تفعله هنا؟» «جئت يا سيدي لأحضر جنازة أبيك.»
قال هاملت بمرارة: «أظن أنك جئت لترى زفاف أمي.» وأضاف: «أبي! إنه رجل لن ترى عيني مثله ثانية.»
قال هوراشيو: «سيدي، أظن أنني رأيته الليلة الماضية.»
أخبر هوراشيو هاملت، والذي كان يستمع له باندهاش، بأنه، هو وسيدان من الحراس، رأوا شبح الملك عند الأبراج. ذهب هاملت إلى المكان الذي أشاروا إليه في تلك الليلة، وعند منتصف الليل، تحقق ما قالوه وظهر شبح الملك، مرتديا ملابسه العسكرية التي كان معتادا أن يلبسها في حياته، عند الأبراج في ضوء القمر البارد. كان هاملت شابا شجاعا، وبدلا من أن يخاف من الشبح ويفر هاربا، تحدث إليه، وعندما أشار إليه لكي يأتي وراءه، تبعه حتى وصلا إلى مكان هادئ، وهناك أخبره الشبح أن ما كان يشك فيه حقيقي؛ فقد قتل كلاوديوس الشرير بالفعل أخاه الملك الطيب، بوضع سم في أذنه بينما كان نائما في حديقته عصرا.
قال الشبح: «يجب أن تنتقم من هذا القاتل القاسي؛ أخي الوغد. لكن لا تؤذ الملكة؛ فقد أحببتها، وهي أمك. لا تنسني.»
لما رأى الشبح الصباح يقترب، اختفى.
قال هاملت: «والآن، لا يبقى شيء سوى الانتقام. لا تنسني؛ لن أتذكر أي شيء آخر؛ سأنسى الكتب والمتع والشباب؛ لتذهب جميعها عن ذهني، ولتظل أوامرك وحدها في عقلي دون غيرها.»
شبح الملك يظهر.
لذا، عندما عاد أصدقاؤه، جعلهم يقسمون على الحفاظ على السر الخاص بالشبح، ثم دخل إلى القصر، وقد بدا أشيب مع امتزاج الفجر مع ضوء القمر، ليفكر في أفضل طريقة يمكنه بها الانتقام لأبيه المقتول.
إن صدمة رؤية شبح أبيه وسماع كلامه جعلته يكاد يشعر بالجنون، وخوفا من أن يلاحظ عمه أنه على غير طبيعته، فقد قرر أن يخفي شغفه الشديد بالانتقام تحت ستار ادعاء الجنون في أشياء أخرى.
وعندما قابل أوفيليا، التي كانت تحبه، والتي كان يبعث لها بهدايا وخطابات والعديد من كلمات الحب، تعامل معها على نحو قاس للغاية لدرجة أنها ما كان أمامها إلا أن تظن أنه قد فقد عقله؛ فهي كانت تحبه لدرجة أنها ما كانت لتعتقد أنه سيعاملها بهذه القسوة، إلا إذا كان قد أصابه الجنون. لذا، أخبرت أباها، وأرته رسالة غريبة من هاملت. وقد جاء في الرسالة أشياء سخيفة كثيرة، من بينها ما يلي:
يمكن أن تشكي أن النجوم نار،
وأن الشمس تدور في السماء،
وأن الحقيقة كذب،
ولكن لا تشككي أبدا في أني أحبك. [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا]
ومنذ ذلك الوقت، ظن الجميع أن سبب جنون هاملت المزعوم هو الحب.
كان هاملت المسكين شديد التعاسة. لقد أراد بشدة أن يطيع شبح أبيه، لكنه كان مهذبا وطيبا بشدة لدرجة أنه ما كان يريد أن يقتل شخصا آخر، حتى قاتل أبيه. وفي بعض الأحيان، كان يتساءل إذا ما كان الشبح يقول الحقيقة أم لا.
في هذه الأثناء جاء بعض الممثلين إلى البلاط، وأمرهم هاملت بأن يمثلوا مسرحية معينة أمام الملك والملكة. وقد كانت هذه المسرحية تتحدث عن قصة رجل «قتل في حديقته على يد قريب له، والذي تزوج فيما بعد زوجة المقتول».
قد تتخيلون مشاعر الملك الشرير، وهو يجلس على عرشه، والملكة بجواره وكل رجال البلاط حوله، وهو يرى العمل الخبيث الذي اقترفته يداه وقد تجسد بالفعل على خشبة المسرح. وعندما، في المسرحية، صب القريب الشرير سما في أذن الرجل النائم، نهض فجأة كلاوديوس الشرير، وخرج مندهشا من الغرفة، وتبعته الملكة والآخرون.
ثم قال هاملت لأصدقائه: «تأكدت الآن أن الشبح يقول الحقيقة؛ إذ لو لم يكن كلاوديوس قد ارتكب جريمة القتل هذه، فما كان ليشعر بهذا الاضطراب لرؤيتها وهي تمثل في مسرحية.»
أرسلت الملكة إلى هاملت، بناء على رغبة الملك، لتوبخه على سلوكه أثناء المسرحية، وعلى أشياء أخرى، ورغبة من كلاوديوس في معرفة ماذا سيحدث بينهما بالضبط، طلب من بولونيوس العجوز أن يختبئ خلف الستارة في غرفة الملكة. وبينما كانت الملكة وهاملت يتحدثان، شعرت الملكة بالذعر من كلمات هاملت الغريبة والفظة، وصرخت طلبا للنجدة، وهكذا فعل بولونيوس من وراء الستارة. ظن هاملت أن الملك هو من يختبئ وراء الستارة، وضرب بسيفه ضربة نافذة خلالها، مما تسبب في قتل، ليس الملك، وإنما بولونيوس المسكين.
وهكذا، يكون هاملت قد أساء إلى عمه وأمه، وقتل، بسبب سوء الحظ، أبا حبيبته.
بولونيوس يقتل على يد هاملت.
صاحت الملكة قائلة: «يا للفعلة الدموية الهوجاء!»
رد هاملت بمرارة: «فعلة دموية تكاد توازي بسوئها قتل ملك والزواج من أخيه.» ثم أفصح هاملت بوضوح عن كل ما يعتقد وأوضح لها كيف عرف بجريمة القتل، وترجاها على الأقل ألا تبدي مزيدا من الود والطيبة تجاه كلاوديوس الخسيس، الذي قتل الملك الطيب. وبينما كانا يتحدثان، ظهر شبح الملك ثانية أمام هاملت، ولكن الملكة لم تستطع رؤيته. وعندما ذهب الشبح، تفرق هاملت وأمه.
عندما أخبرت الملكة كلاوديوس بما حدث وبطريقة موت بولونيوس ، قال: «هذا يثبت بوضوح أن هاملت قد أصابه الجنون، وحيث إنه قد قتل مستشارنا، فمن أجل سلامته هو علينا أن ننفذ خطتنا ونرسله إلى إنجلترا.»
وهكذا، أرسل هاملت إلى إنجلترا، تحت حراسة اثنين من رجال البلاط اللذين كانا في خدمة الملك، وقد حمل هذان الشخصان رسائل إلى ملك إنجلترا تطلب منه قتل هاملت. لكن كان هاملت من الفطنة بحيث وصل إلى تلك الرسائل واستبدل بها أخرى، باسم هذين الرجلين اللذين كانا على أتم الاستعداد لخيانته. وبينما كانت السفينة متجهة إلى إنجلترا، استطاع هاملت الهروب على متن سفينة قراصنة، وقد تركه رجلا البلاط الشريران ليلاقي مصيره، وذهبا هما ليلاقيا مصيرهما.
أسرع هاملت عائدا إلى بلده، لكن في تلك الأثناء حدث شيء مريع. لقد جن أيضا جنون أوفيليا الحسناء المسكينة، بعد أن فقدت حبيبها وأباها، وأخذت تجوب أنحاء البلاط في جنون وحزن، وهي تضع القش والأعشاب والأزهار في شعرها، وتغني أجزاء من أغان غريبة، وتقول كلاما حزينا وسخيفا وجميلا لا معنى له. وفي أحد الأيام، ذهبت إلى مجرى مائي حيث تنمو أشجار صفصاف، وحاولت أن تعلق إكليلا من الأزهار على إحدى أشجار الصفصاف، فوقعت في الماء هي وكل أزهارها، وماتت.
غرق أوفيليا.
كان هاملت يحبها، رغم أن خطته المتعلقة بالتظاهر بالجنون قد جعلته يخفي هذا، وعندما عاد، وجد الملك والملكة وكل من في البلاط يبكون في جنازة حبيبته الغالية والعزيزة.
وكان أخو أوفيليا، لايرتيز، قد جاء أيضا لتوه إلى البلاط ليطلب القصاص لوفاة أبيه، بولونيوس العجوز، وكان مضطربا جدا بسبب الحزن، فقفز إلى قبر أخته ليضمها بين ذراعيه لآخر مرة.
صاح هاملت قائلا: «حب أربعين ألف أخ لا يساوي مقدار حبي لها!» وقفز هو الآخر إلى قبرها بعده، وتصارعا حتى جرى التفريق بينهما.
بعد ذلك، ترجى هاملت لايرتيز أن يسامحه.
وقال: «أنا لا أحتمل أن أي شخص، حتى ولو كان أخا، يبدو أنه يحبها أكثر مني.»
لكن كلاوديوس الشرير ما كان ليسمح لهما بأن يصبحا صديقين. لذا، أخبر لايرتيز كيف قتل هاملت بولونيوس العجوز، وتآمر الاثنان على قتل هاملت غدرا.
تحدى لايرتيز هاملت أن يدخل معه في مباراة للمبارزة بالسيف، وكان كل من في البلاط حضورا في هذا اللقاء. كان مع هاملت السيف الكليل المستخدم دائما في مباريات المبارزة، لكن لايرتيز كان قد أعد لنفسه سيفا حادا قد غمس طرفه في السم. وأعد الملك الشرير كأسا من النبيذ المسموم والذي خطط أن يعطيه لهاملت عندما يصيبه التعب بسبب المبارزة، ويطلب بعض الشراب.
تبارز لايرتيز وهاملت، وبعد بعض النزال، أعطى الأول الأخير طعنة بالسيف الحاد. غضب هاملت بشدة من هذا الغدر - إذ كانا يتبارزان في مباراة ولا يتقاتلان في الحقيقة - واقترب من لايرتيز ودخل معه في عراك، وسقط من كل منهما سيفه، وعندما أمسكا بهما ثانية، استبدل هاملت، دون أن يعرف، بسيفه الكليل سيف لايرتيز الحاد والسام. وبضربة منه، اخترق لايرتيز، الذي سقط صريعا بسبب خيانته.
في تلك اللحظة، صاحت الملكة: «الشراب، الشراب! أوه، يا حبيبي يا هاملت! لقد سمموني!»
لقد شربت من الكأس المسمومة التي أعدها الملك لهاملت، ورأى الملك أن الملكة التي، رغم شره، كان يحبها حبا حقيقيا، وهي تموت بسبب صنيعه.
ثم بعد موت أوفيليا وبولونيوس والملكة ولايرتيز ورجلي البلاط اللذين أرسلا إلى إنجلترا، واتت هاملت أخيرا الشجاعة لينفذ طلب الشبح ويثأر لقتل أبيه، وهو الأمر الذي إن استجمع قواه ليفعله قبل ذلك بفترة طويلة، ما كانت ستزهق كل هذه الأرواح، ولما عانى أحد غير الملك الشرير، الذي كان يستحق بالفعل أن يموت.
بعد أن أصبح لدى هاملت أخيرا الشجاعة الكافية للقيام بالمهمة المنوطة به، طعن الملك الشرير بالسيف المسموم.
ثم صاح: «إذن، عليك به يا سم!» وهكذا، مات الملك.
وهكذا، يكون هاملت قد أوفى في النهاية بالوعد الذي قطعه لأبيه. والآن، وبعد أن انتهى كل شيء، مات هو نفسه. وكل الذين كانوا بجواره رأوه وهو يموت، وقد أخذت الدموع تنهمر من أعينهم والصلوات تجري على ألسنتهم لتطلب الرحمة له؛ إذ كان أصدقاؤه وشعبه يحبونه من صميم قلوبهم. وهنا، تكون قد انتهت القصة التراجيدية لهاملت، أمير الدانمارك.
سيمبلين
إيموجين.
كان سيمبلين ملك بريطانيا، وكان لديه ثلاثة أبناء. خطف منه ابنان بينما كانا طفلين صغيرين، وبقيت له ابنة واحدة تدعى إيموجين. تزوج الملك مرة ثانية، وربى ليوناتس، وهو ابن صديق عزيز عليه، باعتباره رفيق إيموجين، وعندما كبر ليوناتس بما يكفي تزوجته إيموجين سرا. وهذا جعل الملك والملكة يغضبان غضبا شديدا، وحتى يعاقب الملك ليوناتس، نفاه من بريطانيا.
كاد قلب إيموجين المسكينة ينفطر بسبب فراقها لليوناتس، وهو لم يكن يقل عنها تعاسة؛ فهما لم يكونا فقط حبيبين وزوجين، ولكن كانا أيضا صديقين ورفيقين منذ أن كانا طفلين صغيرين جدا. ودعا بعضهما بالكثير من الدموع والقبلات. ووعدا ألا ينسى كل منهما الآخر مطلقا، وألا يهتما أبدا بأي شخص آخر طوال حياتهما.
قالت إيموجين: «هذه ماسة كانت قرة عين أمي، خذها يا فؤادي، واحتفظ بها ما دمت تحبني.»
ياكيمو وإيموجين.
رد ليوناتس: «وأنت يا أجمل وأرق امرأة، لأجلي ارتدي هذا السوار.»
صاحت إيموجين باكية: «آه! متى سنلتقي ثانية؟»
وبينما كانا لا يزالان بعضهما في حضن بعض، دخل الملك، وكان على ليوناتس الرحيل دون مزيد من الوداع.
عندما وصل إلى روما، حيث ذهب ليمكث مع صديق قديم لأبيه، كان يقضي النهار في التفكير في حبيبته إيموجين، والليل في الحلم بها. وذات يوم، في إحدى الحفلات، كان بعض النبلاء الإيطاليين والفرنسيين يتحدثون عن حبيباتهم ويقسمون على أنهن أخلص وأشرف وأجمل فتيات في العالم. وذكر أحد النبلاء الفرنسيين ليوناتس كيف أنه قال عدة مرات إن زوجته إيموجين كانت أكثر جمالا وحكمة ووفاء من أي فتاة في فرنسا.
قال ليوناتس: «أنا ما زلت عند رأيي.»
قال ياكيمو، أحد النبلاء الإيطاليين: «إنها ليست كما تقول وستخدعك.»
قال ليوناتس: «إنها لن تخدعني.»
قال ياكيمو: «أراهن أنني إذا ذهبت إلى بريطانيا، فسيمكنني إقناع زوجتك بأن تفعل أي شيء أريده، حتى إن كان ضد إرادتك.»
قال ليوناتس: «لن تفعل ذلك أبدا.» ثم أشار إلى الخاتم الذي أعطته إياه إيموجين وقال: «أراهن بهذا الخاتم الذي في إصبعي أن زوجتي ستحفظ كل عهودها لي وأنك لن تقنعها بفعل أي شيء بخلاف ذلك.»
وهكذا، راهن ياكيمو على ذلك بنصف أملاكه في مقابل الخاتم الذي كان ليوناتس يلبسه في إصبعه، وانطلق للتو إلى بريطانيا، ومعه خطاب تقديمي لزوجة ليوناتس. وعندما وصل إلى هناك، استقبل بترحاب شديد، لكنه كان لا يزال مصمما على الفوز برهانه.
قال لإيموجين إن زوجها لم يعد يفكر فيها، وأخذ يخبرها بالعديد من الأكاذيب القاسية عنه. استمعت إيموجين إليه في البداية، لكنها رأت كم هو شرير، وأمرته بتركها. حينها قال: «ألتمس منك المعذرة. لقد تكلمت بكل هذا لأعلم إن كنت ستصدقينني وإن كنت مخلصة بشدة كما يعتقد زوجك. هل ستسامحينني؟»
قالت إيموجين: «لا بأس، سأسامحك.»
قال ياكيمو: «إذن، ربما ستثبتين هذا بأن تضعي تحت رعايتك صندوقا يحتوي على عدد من الجواهر التي اشتريناها أنا وزوجك وبعض النبلاء الآخرين كهدية لإمبراطور روما.»
قالت إيموجين: «سأفعل بالطبع أي شيء من أجل زوجي وصديق زوجي. أرسل الجواهر إلى غرفتي، وسأجعلها تحت رعايتي.»
قال ياكيمو: «ستحتفظين بها لهذه الليلة فقط؛ إذ سأرحل عن بريطانيا ثانية غدا.»
وهكذا، أرسل الصندوق إلى غرفة إيموجين، وفي تلك الليلة، ذهبت إلى غرفة نومها لتنام. وعندما غطت في سبات عميق، انفتح غطاء الصندوق وخرج منه رجل. وكان هذا الرجل هو ياكيمو. كانت القصة الخاصة بالجواهر غير صحيحة، كما هو الحال بالنسبة إلى الأشياء التي قالها. كان يريد فقط أن يدخل إلى غرفتها ليربح رهانه الخبيث. نظر ياكيمو حوله وأخذ يتفحص محتويات الغرفة، ثم زحف إلى جانب السرير الذي كانت إيموجين تنام عليه وأخذ من ذراعها السوار الذهبي الذي كان هدية الوداع التي أعطاها إياها زوجها. ثم زحف عائدا إلى الصندوق، وفي صباح اليوم التالي، أبحر إلى روما.
ياكيمو في الصندوق.
عندما قابل ليوناتس، قال له: «ذهبت إلى بريطانيا وفزت بالرهان؛ إذ لم تعد زوجتك تفكر فيك. لقد ظلت تتحدث إلي طوال ليلة بأكملها في غرفتها، التي لها جدران مغطاة بلوحات من نسيج مزين بالرسوم، ومدخنة عليها نقوش، ومسندي حطب مصنوعين من الفضة على شكل كيوبيدين لامعين.» «أنا لا أصدق أنها نسيتني، ولا أصدق أنها أخذت تتحدث إليك في غرفتها. لقد سمعت وصف غرفتها من الخدم.»
قال ياكيمو: «آها! لكنها أعطتني هذا السوار. لقد نزعته من ذراعها. ما يزال المشهد ماثلا أمام عيني. لقد جاوزت حركتها الرشيقة هديتها، وزادتها غنى كذلك. لقد أعطتني إياها، وقالت إنها كانت عزيزة عليها يوما.»
صاح ليوناتس: «خذ الخاتم. لقد ربحت الرهان، وربما تكون قد أخذت حياتي أيضا؛ إذ لم أعد أكترث لها الآن بعد أن عرفت أن زوجتي قد نسيتني.»
جن جنون ليوناتس من الغضب، وأرسل رسالة إلى خادمه العجوز، بيسانيو، في بريطانيا يأمره فيها بأن يأخذ إيموجين إلى ميلفورد هافن، ويقتلها هناك، لأنها نسيته وتخلت عن هديته لها. في نفس الوقت، كتب رسالة إلى إيموجين نفسها، يطلب منها فيها الذهاب مع بيسانيو، خادمه العجوز، إلى ميلفورد هافن، وأخبرها أنه سيكون هناك ليقابلها.
عندما وصلت تلك الرسالة إلى بيسانيو، كان من الصلاح بحيث ما كان له أن ينفذ ما جاء بها من أوامر، ومن الحكمة بحيث لا يسمح لهما بأن يبقيا معا بمفردهما. لذا، أعطى إيموجين الرسالة الخاصة بزوجها، وانطلق معها إلى ميلفورد هافن. لكن قبل أن يرحل، أعطته الملكة الشريرة شرابا قالت إنه سيكون مفيدا له في مرضه. لقد كانت تأمل أن يعطيه إيموجين لتموت، ويرث ابنها العرش؛ إذ كانت تظن أن هذا الشراب سم، لكنه في واقع الأمر لم يزد عن كونه منوما.
عندما اقترب بيسانيو وإيموجين من ميلفورد هافن، أخبرها بالمحتوى الحقيقي للرسالة التي بعثها له زوجها.
قالت إيموجين: «يجب أن أذهب إلى روما، وأراه بنفسي.»
ساعد بيسانيو إيموجين في التخفي في ملابس شاب وتركها ثم عاد إلى البلاط. وقبل أن يرحل، أعطاها الشراب الذي أعطته إياه الملكة.
أخذت إيموجين تسير في طريقها، وقد أخذ التعب يتملك منها شيئا فشيئا، حتى وصلت في النهاية إلى كهف. بدا أن أحدا كان يعيش هناك، لكن لم يكن هناك أحد في ذلك الوقت. لذا، دخلت الكهف، ونظرا لأنها كادت تموت جوعا، أخذت بعضا من الطعام الموجود في المكان، وما إن فعلت هذا، حتى دخل إلى الكهف رجل عجوز وشابان. خافت بشدة عندما رأتهم؛ إذ ظنت أنهم سيغضبون منها لأنها أخذت طعامهم، رغم أنها كانت تنوي أن تترك لهم مقابله على الطاولة. لكن لدهشتها، رحبوا بها بشدة. وقد كانت تبدو جميلة جدا في ملابس الرجال التي تتخفى فيها، وكان وجهها جميلا وتبدو عليه أمارات الطيبة.
قال الشابان لها: «ستصبح أخا لنا.» وهكذا، بقيت معهم وساعدتهم في طهي الطعام وترتيب الأشياء. لكن ذات يوم، بينما كان الرجل العجوز، والذي كان يدعى بيلاريوس، بالخارج للصيد هو والشابان، توعكت إيموجين وفكرت في تجربة الدواء الذي أعطاها إياه بيسانيو. لذا، أخذته وعلى الفور بدت كشخص ميت، بحيث عندما عاد بيلاريوس والشابان من الصيد، ظنوا أنها ماتت، ومع الكثير من الدموع والأغاني الجنائزية، حملوها ووضعوها في الغابة وغطوها بالورود.
غنوا لها أغاني عذبة، ونثروا عليها الورود وأزهار الربيع الشاحبة وأزهار الجريس الزرقاء وأوراق أزهار النسرين والأعشاب النضرة، وانصرفوا وهم يشعرون بحزن شديد. وبمجرد أن ذهبوا، أفاقت إيموجين، وحيث إنها لم تكن تدري كيف ذهبت إلى هناك ولا أين هي، فقد هامت على وجهها في أنحاء الغابة.
وفي الفترة التي كانت إيموجين تعيش فيها في الكهف، قرر الرومان غزو بريطانيا، وأرسلوا بالفعل جيشهم، والذي كان معه ليوناتس، الذي بدأ يشعر بالأسف على ما اقترفه في حق إيموجين، فجاء لا ليحارب مع الرومان وإنما مع البريطانيين ضدهم. وبينما كانت إيموجين تتجول بمفردها، قابلت لوشيوس، القائد الروماني، وعملت معه كتابع له.
وعندما بدأت المعركة بين الرومان والبريطانيين، حارب بيلاريوس وابناه دفاعا عن وطنهم، وحارب معهم ليوناتس، الذي تنكر في زي فلاح بريطاني. اتخذ الرومان سيمبلين أسيرا، لكن أنقذه بيلاريوس العجوز هو وابناه وليوناتس ببسالة. وانتصر البريطانيون في المعركة في نهاية الأمر، وكان من ضمن الأسرى الذين مثلوا أمام الملك لوشيوس ومعه إيموجين وياكيمو وليوناتس، الذي كان يرتدي حينها زي جندي روماني. كان ليوناتس قد مل من حياته لأنه أمر بقسوة بقتل زوجته، وأمل أن يؤمر بقتله لكونه جنديا رومانيا.
وعندما مثلوا أمام الملك، تحدث لوشيوس قائلا: «الروماني قادر على الصبر بقلب روماني. إن كان لا بد أن أموت، فليكن هذا. ثمة أمر واحد ألتمسه؛ غلامي - وقد ولد بريطانيا - أريد أن أفتديه. لم يكن لسيد قط غلام بهذه الطيبة والطاعة والمثابرة والإخلاص. إنه ما آذى بريطانيا قط رغم أنه كان في خدمة روماني. أبق عليه، يا سيدي.»
إيموجين وهي نائمة بفعل المنوم.
نظر سيمبلين إلى التابع، الذي كان ابنته، إيموجين، لكنها كانت متنكرة، ورغم أنه لم يتعرف عليها، فقد عامل الشاب بطيبة شديدة لدرجة أنه لم ينقذ فقط حياته، بل قال أيضا: «ليطلب مني أي شيء يريده، حتى لو كان تسريح واحد من أنبل أسرنا.»
حينئذ، قالت إيموجين: «الشيء الذي أريده هو أن يخبرني هذا النبيل من أين أتى بالخاتم الذي يرتديه في إصبعه!» وأشارت إلى ياكيمو.
قال سيمبلين: «تحدث. كيف صارت إليك تلك الماسة التي في إصبعك؟»
حينها، كشف ياكيمو عن الحقيقة الكاملة لمؤامرته، وعندئذ، لم يستطع ليوناتس أن يتمالك نفسه، وكشف عن تنكره، وتقدم للأمام، وأخذ يلعن نفسه على حماقته في تصديق قصة ياكيمو الملفقة، وينادي مرارا وتكرارا على زوجته التي كان يظن أنها ماتت.
إيموجين وليوناتس.
صاح قائلا: «أوه، إيموجين، حبي، حياتي.»
ثم، نسيت إيموجين أنها متنكرة، وصاحت: «انتظر، سيدي، اسمع، اسمع!»
تحول ليوناتس لصفع التابع الوقح الذي حشر نفسه هكذا في بلواه العظيمة، ثم اكتشف أنه زوجته إيموجين، وعانق كل منهما الآخر.
كان الملك سعيدا للغاية لرؤية ابنته الغالية مرة ثانية، وممتنا جدا للرجل الذي أنقده (الذي اتضح له الآن أنه كان ليوناتس)، مما جعله يبارك زواجهما، ثم تحول إلى بيلاريوس والشابين. تحدث بيلاريوس قائلا: «أنا خادمك العجوز، بيلاريوس. لقد اتهمتني بالخيانة بينما كنت مخلصا لك، وأنت بشكك هذا جعلتني خائنا. لذا، سرقت ولديك، انظر! إنهما هنا!» قدم له الولدين، اللذين تعهدا بأن يكونا بمنزلة أخوين لإيموجين عندما ظنا أنها شاب مثلهما.
ماتت الملكة الشريرة جراء تناول بعض من السم الخاص بها، والملك، الذي أصبح معه الآن أولاده الثلاثة، عاش حتى وصل إلى سن كبيرة في سعادة.
وهكذا، عوقب الأشرار، وعاش الأخيار والمخلصون حياة سعيدة. فليعان الأشرار، وليعش الصالحون حياة سعيدة حتى نهاية العالم!
ماكبث
عندما يطلب من أي أحد أن يحكي قصة ماكبث، يمكنه أن يحكي قصتين. القصة الأولى هي قصة رجل يدعى ماكبث ارتقى لعرش اسكتلندا بارتكابه جريمة في عام 1039 ميلاديا، وحكم، بوجه عام، بعدل وحكمة لمدة خمسة عشر عاما أو يزيد. وهذه القصة جزء من التاريخ الاسكتلندي. أما القصة الأخرى، فمصدرها شيء اسمه «الخيال»؛ إنها قصة كئيبة ومدهشة في الوقت نفسه، وهي ما ستقرءونه في السطور التالية.
قبل عام أو اثنين من حكم الملك إدوارد المعترف لإنجلترا، تحقق النصر في معركة في اسكتلندا ضد ملك نرويجي على يد قائدين هما ماكبث وبانكو. وبعد المعركة، سار القائدان معا باتجاه فوريس، إلجينشاير، حيث كان دنكان، ملك اسكتلندا، ينتظرهما.
الساحرات الثلاثة.
وبينما كانا يعبران أرضا معشوشبة منعزلة، رأيا ثلاث نساء ذوات لحى، وقد كن أخوات، تمسك كل منهن بيد الأخرى، وكان يبدو عليهن الضعف والذبول، وكانت ملابسهن غريبة.
من مسرحية «ماكبث».
سأل ماكبث: «تحدثن، من تكن؟»
قالت المرأة الأولى: «سلام، يا ماكبث، يا أمير جلامس.»
ثم قالت الثانية: «سلام، يا ماكبث، يا أمير كودور.»
ثم قالت الثالثة: «سلام، يا ماكبث، يا من ستكون يوما ملكا.»
سألهن بانكو: «وماذا عني؟» وأجابت الثالثة: «أنت ستكون أبا لملوك.»
قال ماكبث: «زيديني بيانا. أعلم أنني بموت أبي قد أصبحت أمير جلامس، ولكن أمير كودور ما زال حيا، والملك ما زال على قيد الحياة وأبناؤه كذلك. إني آمركن أن تفصحن.»
كان ردهن هو الاختفاء، كما لو أنهن قد تلاشين فجأة في الهواء.
أدرك بانكو وماكبث أن هؤلاء النسوة ما هن إلا ساحرات، وكانا يناقشان نبوءاتهما عندما اقترب منهما نبيلان. شكر الأول ماكبث باسم الملك على انتصاراته العسكرية، في حين قال له الثاني: «وقد أمرني بأن ألقبك بأمير كودور.»
ثم نما إلى علم ماكبث أن الرجل الذي كان يحمل هذا اللقب بالأمس سوف يقتل لأنه متهم بالخيانة، ولم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير وقال لنفسه: «قالت لي الساحرة الثالثة: «ستكون يوما ملكا».»
ثم قال: «بانكو، ألا ترى أن الساحرات قد صدقن فيما تنبأن به بشأني. ألا تأمل، إذن، أن يغدو أبناؤك وأحفادك ملوكا؟»
قطب بانكو جبينه. كان للملك دنكان ابنان، مالكوم ودونالبين، وقد رأى بانكو أن من الخيانة أن يأمل أن يحكم ابنه فليانس اسكتلندا. قال لماكبث إن الساحرات ربما يردن إغواءهما للوقوع في الخطيئة بنبوءاتهن المتعلقة بالحكم. لكن ماكبث ظن أن النبوءة الخاصة بكونه سيصبح الملك سارة جدا بحيث لا يمكن أن يحتفظ بها لنفسه، لذا، ذكرها لزوجته في خطاب.
كانت الليدي ماكبث حفيدة ملك اسكتلندا الذي مات دفاعا عن التاج ضد الملك الذي حكم قبل دنكان والذي أمر بقتل أخيها الوحيد. وكان دنكان يذكرها بأشياء مريرة. وكانت تجري في عروق زوجها دماء ملكية، ولذا، عندما قرأت خطابه، صممت على أن يصبح الملك.
وعندما جاءها رسول يخبرها بأن دنكان سيبيت ليلة في قلعة ماكبث، أخذت على عاتقها تنفيذ عمل خبيث للغاية.
قالت لماكبث بمجرد أن رأته أن دنكان يجب ألا يرى شمس صباح الغد. كانت تقصد أن دنكان يجب أن يموت وأن الموتى لا يرون. قال لها ماكبث بتوتر: «سنعود إلى هذا الحديث لاحقا.» وفي الليل، أخذ يتذكر الكلمات الطيبة التي قالها عنه دنكان، ولم يرد أن يقتله.
قالت له الليدي ماكبث: «هل ستعيش جبانا؟» وبدا أنها كانت تظن أن الفضيلة والجبن شيء واحد.
الليدي ماكبث.
رد ماكبث: «أنا أجرؤ على ما يليق بالرجل أن يعمله، ومن جرؤ على أكثر، فليس برجل.»
سألته بحدة: «لماذا إذن كتبت ذلك الخطاب لي؟» وبكلمات ساخرة، حرضته على القتل، وبكلمات ماكرة، أرته كيف يفعل هذا.
بعد العشاء، ذهب دنكان لكي ينام، وكان هناك حارسان على باب غرفة نومه. جعلتهما الليدي ماكبث يشربان الخمر حتى ناما من فرط السكر. ثم استولت على خنجريهما، وكانت ستقتل الملك بنفسها لولا أن وجهه وهو نائم كان يشبه وجه أبيها.
جاء ماكبث فيما بعد، ووجد الخنجرين ملقيين بجوار الحارسين، وبعد فترة قصيرة، عاد إلى زوجته ويداه ملطختان بالدماء وقال لها: «خيل إلي أن هاتفا كان يصرخ بي: «لن تذوق المنام! إن ماكبث قد قتل النوم».»
قالت له: «اغسل يديك. لماذا لم تدع الخنجرين بجوار الحارسين؟ أعدهما، ولطخ الحارسين بالدم.»
رد ماكبث: «أنا لا أجرؤ على فعل ذلك.»
كان لدى زوجته الجرأة على فعل ذلك، وعادت إليه ويداها ملطختان بالدماء مثل يديه، لكن قلبها كان أقل لينا، وأخبرته بما فعلت بفخر؛ إذ كانت تحتقر خوفه.
سمع القاتلان طرقا على الباب الخارجي، وكان ماكبث يأمل أن يستطيع هذا الطرق إيقاظ الميت. كان الطارق هو ماكدوف، أمير فايف، الذي طلب منه دنكان زيارته في وقت مبكر. ذهب إليه ماكبث وصحبه إلى باب غرفة الملك.
دخل ماكدوف الغرفة، وخرج منها وهو يصرخ: «يا للفظاعة! يا للفظاعة! يا للفظاعة!»
بدا ماكبث مفزوعا تماما مثل ماكدوف، وتظاهر بأنه لا يستطيع تحمل رؤية قاتلي دنكان أحياء، فقتلهما بخنجريهما حتى لا تتاح لهما الفرصة لإثبات براءتهما.
الملك ماكبث وزوجته.
لم يفزع هذان القاتلان مما فعلاه، وتوج ماكبث ملكا في مدينة سكون. وذهب أحد ابني دنكان إلى أيرلندا، والآخر إلى إنجلترا. وأصبح ماكبث الملك. لكنه لم يكن سعيدا؛ فقد كانت النبوءة الخاصة ببانكو تشغل تفكيره. فإذا كان فليانس سيحكم، فإن ابن ماكبث لن يحكم؛ لذا قرر ماكبث قتل بانكو وابنه. استأجر اثنين من الأشرار لتنفيذ هذه المهمة، مما أدى إلى قتل بانكو في إحدى الليالي وهو في طريقه مع فليانس إلى مأدبة أعدها ماكبث لأتباعه من النبلاء، في حين هرب فليانس.
في هذه الأثناء، كان ماكبث وزوجته الملكة يستقبلان ضيوفهما بترحاب شديد، وأخذ يعبر لهم عن أمنية ظل يرددها آلاف المرات منذ بداية اليوم؛ «هنيئا مريئا أيها الصحب، وصحة للجميع.»
قال له نبيل اسكتلندي يدعى لينوكس: «هل تتفضل جلالتكم بمجالستنا؟» لكن قبل أن يجيب ماكبث، دخل شبح بانكو القاعة وجلس في مكان ماكبث.
قبل أن يلاحظ ماكبث الشبح، أشار إلى أنه لولا غياب بانكو، لقال إن قصره جمع تحت سقف واحد كل من هم سبب فخر اسكتلندا. لكن ماكدوف كان قد رفض دعوته باقتضاب.
طلب مرة أخرى من الملك أن يجالس نبلاءه، وأشار لينوكس، الذي لم يكن شبح بانكو مرئيا له، إلى الكرسي الذي كان الشبح جالسا عليه.
لكن ماكبث، بعينيه الثاقبتين، رأى الشبح، والذي كان على هيئة ضباب ودم، فسأل ماكبث بانفعال: «من منكم فعل هذا؟»
كان لا يزال الشبح غير مرئي لأحد ما عدا ماكبث؛ لذا قال له: «لن تقدر أن تقول إنني أنا الذي فعلتها.»
اختفى الشبح، وكان ماكبث وقحا بما يكفي ليشرب نخب «فرح الذين على مائدتي كلهم، ونخب صديقنا العزيز بانكو، الذي نفتقده.»
بينما كان النخب يشرب، دخل شبح بانكو للمرة الثانية.
صرخ ماكبث قائلا: «اذهب! أنت لا إحساس ولا إدراك لك! فلتخفك الأرض، أيها الشبح المريع!»
مرة أخرى، لم يكن أحد سواه يرى الشبح.
سأل أحد النبلاء: «أي شيء ذلك الذي تراه جلالتكم؟»
لم تكن الملكة لتسمح بأن يعطي ماكبث إجابة على هذا السؤال، لذا، ترجت ضيوفها بسرعة أن يتركوا زوجها المريض الذي كان من المحتمل أن تسوء حالته إذا أجبر على الحديث.
لكن ماكبث كان في اليوم التالي في حال طيبة بحيث ذهب ليتحدث إلى الساحرات اللاتي جعلته نبوءاتهن يحيد عن جادة الصواب.
وجد الساحرات في مغارة في يوم عاصف. وكن يدرن حول مرجل كن يغلين فيه أجزاء من العديد من المخلوقات الفظيعة والغريبة، وكن يعرفن أنه قادم إليهن قبل أن يأتي.
قال لهن الملك: «أجبنني على ما سألت.»
سألته الساحرة الأولى: «هل تريد أن تسمع الجواب منا أم من سادتنا؟»
رد ماكبث: «ادعينهم.»
حينئذ، صبت الساحرات دما في المرجل وشحما في اللهيب الذي كان يلعقه، وظهر رأس بخوذة وكان عليه قناع بحيث كان ماكبث يمكنه فقط رؤية العينين.
كان يتحدث إلى الرأس، عندما قالت الساحرة الأولى بجدية: «إنه يعلم ما تفكر فيه.» وصدر صوت من الرأس يقول: «ماكبث، احذر ماكدوف، أمير فايف.» ثم أخذ الرأس ينزل في المرجل حتى اختفى.
قال ماكبث متوسلا: «كلمة أخرى.»
ردت الساحرة الأولى: «لن يستمع لك.» ثم صعد من المرجل طفل متوج يحمل شجرة في يده، وقال:
ماكبث لن يقهر أبدا
حتى تزحف غابة بيرنام العظيمة نحو تل دنسينان العالي. [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا]
قال ماكبث: «لن يكون ذلك أبدا.» ثم سأل إن كان نسل بانكو سيحكمون يوما اسكتلندا.
اختفى المرجل في جوف الأرض، وسمع صوت موسيقى، ومر بجواره صف من الملوك الأشباح، وخلفهم كان شبح بانكو. ولاحظ ماكبث أن كل ملك منهم كان به شبه من بانكو، وعدهم فكانوا ثمانية.
ثم فجأة وجد نفسه بمفرده.
كان مسعاه التالي هو إرسال أشخاص لقتل ماكدوف في قلعته. لكنهم لم يجدوا ماكدوف، وسألوا الليدي ماكدوف عنه. ردت عليهم ردا لاذعا، ووصف سائلها ماكدوف بالخائن. فصرخ ابن ماكدوف الصغير قائلا: «إنك تكذب.» فقتل الطفل على الفور، وطلب من أمه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن تهرب. لكن القتلة لم يتركوا القلعة إلا بعد أن قتلوا كل من كانوا فيها.
كان ماكدوف في إنجلترا يستمع، مع مالكوم، لقصة طبيب عن علاجات وضعها الملك إدوارد المعترف، عندما جاء إليه صديقه روس ليخبره بأن زوجته وأبناءه قد قتلوا. في البداية، لم يجرؤ روس على قول الحقيقة، وتحويل تعاطف ماكدوف الشديد مع الأشخاص الذين كانوا يعانون وقد عالجهم ملك إنجلترا إلى حزن وكراهية. ولكن عندما قال مالكوم إن إنجلترا سترسل جيشا إلى اسكتلندا لتحارب ماكبث، كشف روس عن الأخبار التي كانت في جعبته، وصاح ماكدوف قائلا: «هل قلت إنهم «كلهم» قتلوا؟ «كل» أبنائي الصغار وأمهم؟ هل قلت كلهم؟»
كان أمله الحزين هو الانتقام، لكن إذا قدر له أن ينظر داخل قلعة ماكبث على تل دنسينان، لكان رأى هناك قوة أكثر مهابة من الانتقام. فقد كان القصاص يقوم بدوره هناك؛ إذ أصيبت الليدي ماكبث بالجنون. لقد كانت تمشي في نومها وسط أحلام مخيفة. واعتادت غسل يديها لمدة ربع ساعة في المرة الواحدة، لكن حتى بعد كل هذا الغسل كانت لا تزال ترى بقعة دم حمراء على يدها. وكان من المثير للشفقة سماع قولها إن كل العطور العربية لا تستطيع تطهير يدها الصغيرة.
سأل ماكبث الطبيب: «أما بوسعك أن تداوي ذهنا عليلا؟» لكن الطبيب رد بأن مريضته يجب أن تداوي نفسها. كان رد ماكبث هو ازدراء الطب؛ إذ قال: «ارم الطب إلى الكلاب. إني أرفضه.»
في أحد الأيام، سمع صوت نساء يبكين. جاء إليه أحد الضباط وقال له: «الملكة، يا مولاي، قد ماتت.» تمتم ماكبث قائلا: «ألا انطفئي أيتها الشمعة القصيرة!» وكان يعني أن الحياة ما هي إلا شمعة، تكون تحت رحمة نفخة خفيفة. لم يبك؛ إذ أصبح معتادا على الموت.
فجأة، أخبره رسول أنه يرى غابة بيرنام تتقدم نحوهم. سبه وقال عنه إنه كاذب ووغد، وهدده بالإعدام إن كان مخطئا. ثم أضاف: «إن كنت صادقا، فلن يهمني لو أعدمتني أنت.»
ماكبث وماكدوف يتقاتلان.
رأى من نوافذ برج قلعة دنسينان غابة بيرنام بالفعل تبدو وكأنها تتحرك. كان كل جندي من الجيش الإنجليزي يرفع فرعا قطعه من شجرة في هذه الغابة، وأخذوا يتسلقون تل دنسينان كأشجار بشرية.
كان لا يزال ماكبث محتفظا بشجاعته. وذهب ليحارب حتى ينتصر أو يموت، وأول شيء فعله هو قتل ابن القائد الإنجليزي في قتال فردي. حينها، شعر ماكبث أن لا رجل يمكن أن يبارزه ويبقى على قيد الحياة، وعندما جاء إليه ماكدوف متلهفا للأخذ بالثأر منه، قال له ماكبث: «توار من أمامي؛ فلقد أرقت بالفعل الكثير من دماء أهلك.»
رد ماكدوف: «إن سيفي أفصح مني.» وهجم عليه وطلب منه الاستسلام.
قال له ماكبث: «لن أستسلم.» لكن كانت قد حانت لحظة موته، فخر صريعا.
كان رجال ماكبث قد انسحبوا عندما جاء ماكدوف إلى مالكوم يحمل رأس الملك من شعره.
قال: «سلاما، أيها الملك!» ونظر الملك الجديد إلى الملك القديم .
وهكذا، حكم مالكوم بعد ماكبث، وفي السنوات التالية، حكم أحفاد بانكو.
كوميديا الأخطاء
كان إيجيون تاجرا من سرقوسة، وهو ميناء في صقلية. وكانت زوجته تدعى إيميليا، وكانا يعيشان حياة سعيدة جدا حتى مات رئيس إيجيون، وكان على إيجيون الذهاب بنفسه إلى مكان يدعى إبيدامنام على البحر الأدرياتيكي. لحقت به إيميليا بأسرع ما يمكنها، وبعد أن عاشا معا لبعض الوقت، ولد لهما ولدان توءمان. كان الطفلان متشابهين تماما، وحتى عندما كانا يلبسان ملابس مختلفة، كانا يبدوان متماثلين تماما.
في تلك الأثناء، حدث شيء غريب للغاية؛ ففي النزل نفسه الذي ولد فيه الطفلان، وفي اليوم نفسه، ولد ولدان صغيران لزوجين أفقر كثيرا من إيجيون وإيميليا، ودفعهما الفقر الشديد لبيعهما لإيجيون وزوجته.
كانت إيميليا متلهفة بشدة لكي تري أطفالها لأصدقائها في سرقوسة، وفي ظل طقس سيئ، أبحرت هي وإيجيون والأطفال الأربعة عائدين إلى الوطن. كانوا لا يزالون بعيدين عن سرقوسة عندما بدأت المياه تتسرب إلى داخل سفينتهم، مما جعل طاقم السفينة يتركون السفينة ويركبون القارب الوحيد المتاح دون أن يكترثوا كثيرا بما قد يحدث للركاب.
ربطت إيميليا نفسها هي وأحد طفليها ومعه أحد التوءمين الفقيرين بأحد الصواري، وربط إيجيون نفسه هو والطفلين الآخرين بصار آخر، وأخذا يأملان النجاة.
لكن السفينة اصطدمت فجأة بصخرة وانقسمت إلى نصفين، وانجرفت إيميليا هي والطفلان المربوطان معها بعيدا عن إيجيون والطفلين الآخرين. انتشل إيميليا ومن معها بعض أهل إبيدامنام، لكن بعض صيادي كورينث أخذوا الطفلين منها بالقوة، وعادت هي إلى إبيدامنام بمفردها وهي في قمة التعاسة. وبعد فترة استقرت في إفسوس، وهي مدينة شهيرة في آسيا الصغرى.
أنتيفولوس ودروميو.
أنقذ أيضا إيجيون والطفلان اللذان كانا معه، وكان إيجيون محظوظا أكثر من إيميليا؛ إذ استطاع العودة إلى سرقوسة وتنشئة الولدين حتى وصلا إلى سن الثامنة عشرة. سمى ابنه الوحيد الذي بقي معه أنتيفولوس، في حين سمى الطفل الفقير، الذي أصبح بمنزلة خادم لابنه، دروميو، والغريب أن هذين الاسمين كانا هما نفس الاسمين اللذين أطلقا على الطفلين الآخرين اللذين جرفتهما المياه بعيدا.
في سن الثمانية عشر، تملكت من الابن الذي كان مع إيجيون رغبة شديدة في البحث عن أخيه التوءم، فتركه إيجيون يرحل هو وخادمه، ومنذ ذلك الوقت، أصبح الشابان يعرفان باسم أنتيفولوس السرقوسي ودروميو السرقوسي.
عندما ترك إيجيون وحيدا، وجد بيته موحشا جدا بحيث لم يستطع البقاء فيه بمفرده، فأخذ يرتحل لمدة خمس سنين. لم يسمع، أثناء غيابه، كل أخبار سرقوسة، وإلا ما كان ليذهب إلى إفسوس.
إن ترحاله الحزين من مكان لآخر جعله يتوقف في تلك المدينة، والتي قبض عليه فيها بمجرد وصوله إليها. وعلم حينها أن ملك سرقوسة كان يعامل بطريقة مستبدة للغاية من قادهم حظهم السيئ للوقوع في قبضته من أهل إفسوس؛ لذا فقد مررت حكومة إفسوس في غضب شديد قانونا يقضي بإعدام أي شخص من سرقوسة يأتي إلى إفسوس أو تغريمه ألف جنيه. أحضر إيجيون أمام سولينوس، دوق إفسوس، الذي قال له إنه إما أن يعدم وإما أن يدفع ألف جنيه قبل نهاية اليوم.
ستظنون أن للقدر يدا كبيرة في هذه القصة عندما أخبركم أن الطفلين اللذين خطفهما بعض صيادي كورينث قد أصبحا الآن من مواطني إفسوس، حيث تربيا على يد الدوق مينافون، عم الدوق سولينوس.
علاوة على ذلك، في اليوم نفسه الذي قبض فيه على إيجيون، هبط أنتيفولوس السرقوسي في إفسوس، وادعى أنه جاء من إبيدامنام حتى يتجنب العقاب. وأعطى ماله خادمه دروميو السرقوسي، وطلب منه أن يأخذه إلى نزل ذا سينتور ويبقى هناك حتى يعود إليه.
في أقل من عشر دقائق، قابل في السوق دروميو الإفسوسي، خادم أخيه، وعلى الفور، ظن خطأ أنه خادمه دروميو، فسأله: «لماذا عدت بهذه السرعة؟ وأين تركت المال؟»
لم يكن دروميو هذا يعرف شيئا عن أي مال سوى العملة المعدنية ذات الستة بنسات، والتي كان قد حصل عليها في الأربعاء الماضي وأعطاها لصانع السروج، لكنه كان يعلم أن سيدته كانت منزعجة لأن سيده لم يأت للغداء، وطلب من أنتيفولوس السرقوسي الذهاب لمنزل يدعى ذا فينيكس دون تأخير. أغضب حديثه السامع، الذي كان سيضربه لولا هروبه. ذهب بعد ذلك أنتيفولوس السرقوسي إلى نزل ذا سينتور ووجد أن ماله كان مودعا هناك، وخرج من النزل.
كان يتجول في أنحاء إفسوس عندما أشارت إليه سيدتان جميلتان. كانتا أختين وكان اسمهما أدريانا ولوشيانا. كانت أدريانا زوجة أخيه أنتيفولوس الإفسوسي، وقد ظنت، من خلال القصة الغريبة التي حكاها لها دروميو الإفسوسي أن زوجها كان يفضل امرأة أخرى عليها. فقالت للرجل الذي كان في واقع الأمر أخا زوجها: «حسنا، إنك تبدو وكأنك لا تعرفني، لكن يمكنني أن أتذكر الوقت الذي لم تكن ترى فيه الكلمات عذبة إلا إذا خرجت من فمي، واللحم لذيذا إلا إذا قطعته وطبخته.»
رد أنتيفولوس السرقوسي قائلا: «هل أنت تخاطبينني أنا؟ أنا لا أعرفك.»
قالت لوشيانا: «تبا لك، يا أخي. أنت تدرك تماما أنها أرسلت دروميو إليك لتطلب منك المجيء إلى الغداء.» وأضافت أدريانا: «تعال، تعال؛ لن أصبح أضحوكة بعد الآن. إن زوجي المتغيب سيتناول الطعام معي ويعترف بنزاوته السخيفة وسأغفرها له.»
كان لدى السيدتين تصميم شديد، لذا تعب أنتيفولوس السرقوسي من الجدال معهما وتبعهما مذعنا إلى بيتهما ذا فينيكس، حيث كان بانتظارهم غداء متأخر جدا في «منتصف النهار».
كانوا يتناولون طعام الغداء عندما حاول أنتيفولوس الإفسوسي هو وخادمه دروميو الدخول إلى البيت. وأخذ ينادي على كل خدمه، مرددا أسماءهم التي كان يعرفها جيدا: «مود، بريدجت، ماريان، سيسلي، جيليان، جين!»
جاء الرد من الداخل وكان كالتالي: «أحمق، أبله، مغرور، غبي!» كان دروميو السرقوسي يسب أخاه دون أن يعرف أنه أخوه.
حاول السيد وخادمه الدخول بكل طريقة، فيما عدا استخدام العتلة، وفي النهاية، رحلا؛ لكن أنتيفولوس الإفسوسي كان متضايقا بشدة من زوجته لدرجة أنه قرر ألا يعطيها سلسلة ذهبية كان وعدها بأن يهديها إياها، ويعطيها امرأة أخرى.
في منزل ذا فينيكس، حاولت لوشيانا، التي كانت تظن أن أنتيفولوس السرقوسي زوج أختها، من خلال حوار شعري، بينما كانت بمفردها معه، أن تحثه على أن يعامل أدريانا معاملة حسنة. رد عليها قائلا إنه ليس متزوجا، وإنه يحبها بشدة لدرجة أنها لو كانت حورية، لكان عن طيب خاطر سيرقد في البحر حتى يشعر بشعرها الذهبي وهو ينساب من تحته.
صدمت لوشيانا من كلامه وتركته، وباحت بمغازلته لها لأدريانا التي قالت إن زوجها كبير السن ودميم ولا يستحق أن يرى أو يسمع، رغم أنها كانت في داخلها مغرمة به بشدة.
بعد وقت قصير، استقبل أنتيفولوس السرقوسي زائرا هو أنجيلو، الصائغ، الذي طلب منه أنتيفولوس الإفسوسي صنع السلسلة التي وعد زوجته بإعطائها إياها وقرر إعطاءها امرأة أخرى.
أعطى الصائغ السلسلة أنتيفولوس السرقوسي، وتعامل مع قوله «أنا لم أطلب منك صنعها.» على أنه نوع من المزاح، وتعامل التاجر الذي تملكت منه الحيرة مع أمر السلسلة باستخفاف كما فعل مع مسألة تناوله الغداء مع أدريانا. وعرض أن يدفع المقابل، لكن أنجيلو قال له بحماقة إنه سيأتي إليه ثانية.
لوشيانا وأنتيفولوس السرقوسي.
كانت النتيجة أن أنجيلو لم يكن معه مال عندما هدده أحد الدائنين، الذي كان من النوع الذي لا يقبل بأي سخافة أو هراء أن يقبض عليه إن لم يدفع دينه على الفور. كان هذا الدائن قد أحضر معه ضابط، وتنفس أنجيلو الصعداء عندما رأى أنتيفولوس الإفسوسي قادما من المنزل الذي كان يتناول طعام الغداء فيه لأنه منع من دخول منزله ذا فينيكس. كان انزعاجه شديدا عندما أنكر أنتيفولوس أخذه للسلسلة. كان أنجيلو سيسجن أمه لو قالت ما قاله أنتيفولوس الإفسوسي، وهذا ما جعله يطلب من الضابط القبض عليه.
في تلك اللحظة جاء دروميو السرقوسي وأخبر أنتيفولوس الخطأ بأنه أرسل متاعه إلى سفينة على وشك الرحيل وأن الطقس ملائم للإبحار. كان هذا الكلام لا معنى له بالنسبة إلى أنتيفولوس الإفسوسي، وكان على وشك ضرب الخادم، لكنه اكتفى بإخباره على نحو غاضب بضرورة أن يسرع إلى أدريانا ويطلب منها أن ترسل إلى زوجها المقبوض عليه صرة من المال والتي ستجدها في مكتبه.
رغم أن أدريانا كانت غاضبة من زوجها لأنها ظنت أنه كان يتودد إلى أختها، لم تمنع لوشيانا من إيجاد الصرة، وطلبت من دروميو السرقوسي أن يحضر معه سيده إلى المنزل على الفور.
لسوء الحظ، قبل أن يتمكن دروميو من الوصول إلى قسم الشرطة، قابل سيده الحقيقي الذي لم يقبض عليه على الإطلاق ولم يكن يفهم لماذا يعطيه صرة من المال. اندهش أنتيفولوس السرقوسي أكثر عندما طلبت منه امرأة لم يكن يعرفها السلسلة التي وعدها إياها. لقد كانت بالطبع السيدة التي تناول معها أنتيفولوس الإفسوسي طعام الغداء بينما كان أخوه يشغل مكانه على المائدة. وكان رده: «ابتعدي عني، أيتها الساحرة!» والذي اندهشت منه بشدة.
في هذه الأثناء، انتظر أنتيفولوس الإفسوسي دون جدوى المال الذي كان من شأنه أن يطلق سراحه. لذا، جن جنونه من الغضب، وهو الذي لم يكن يوما حسن الطباع، عندما جاء إليه دروميو الإفسوسي، الذي بالطبع لم يطلب منه أي صرة، ولم يكن معه شيء سوى حبل. وهذا ما جعله يضربه في الشارع رغم اعتراض الضابط، ولم ينصلح مزاجه عندما وصلت أدريانا ولوشيانا وأحد الأطباء وهم يظنون أنه مجنون ويجب قياس نبضه. غضب غضبا شديدا لدرجة أن استعين ببعض الرجال لتوثيقه. لكن طيبة أدريانا جنبته هذا العار. ووعدت بدفع المبلغ المطلوب منه، وطلبت من الطبيب أن يأخذه إلى المنزل.
بعد أن دفع للتاجر الذي كان أنجيلو يدين له بالمال دينه، عاد الاثنان صديقين مرة أخرى، وسرعان ما شوهدا وهما يتحدثان أمام أحد الأديرة عن السلوك الغريب لأنتيفولوس الإفسوسي. قال التاجر في النهاية: «أخفض صوتك: أظن أنه هو.»
الصائغ وأنتيفولوس السرقوسي.
لم يكن هو أنتيفولوس الإفسوسي؛ بل كان أنتيفولوس السرقوسي وخادمه دروميو، وكان يرتدي سلسلة أنجيلو حول رقبته! أمسك الاثنان اللذان عادا صديقين مرة أخرى به على نحو مهذب ليعرفا ما كان يعنيه بإنكار تسلمه للسلسلة التي جرؤ على ارتدائها. فقد أنتيفولوس السرقوسي أعصابه، واستل سيفه، وظهرت في تلك اللحظة أدريانا وغيرها كثيرون. صاحت الزوجة العاقلة قائلة: «انتظروا! لا تؤذوه؛ إنه ليس مجنونا. خذوا سيفه بعيدا. اربطوه واربطوا كذلك دروميو.»
لم يشأ دروميو السرقوسي أن يربط ، وقال لسيده: «اجر يا سيدي! انطلق بسرعة إلى هذا الدير، وإلا فسنسرق!»
واحتميا بالدير.
بقيت أدريانا ولوشيانا وجمع من الناس بالخارج، وخرجت رئيسة الدير وقالت: «أيها الناس، لماذا أنتم مجتمعون هكذا؟»
ردت أدريانا: «للإمساك بزوجي المضطرب المسكين.»
أشار أنجيلو والتاجر إلى أنهما لم يكونا على علم بأنه مجنون.
وحينها، أخبرت أدريانا رئيسة الدير بجانب كبير من همومها كزوجة؛ إذ وصل إلى رئيسة الدير الانطباع بأن أدريانا امرأة سيئة الطباع، وأنه إذا كان زوجها قد أصابه الجنون، فمن الأفضل ألا تعود إليه في الوقت الراهن.
لذا، صممت أدريانا على رفع شكواها للدوق سولينوس، وفجأة، وبعد دقيقة واحدة، ظهر الرجل العظيم هو ومساعدوه واثنان آخران. كان الاثنان الآخران هما إيجيون والجلاد. لم يستطع إيجيون توفير الألف جنيه، وبدا مصيره محتوما.
وقبل أن يمر الدوق بالدير، جثت أدريانا أمامه، وحكت له قصة مثيرة للشفقة عن زوج مجنون يسرق المجوهرات ويستل سيفه، مضيفة أن رئيسة الدير رفضت السماح لها بأخذه إلى المنزل.
أمر الدوق باستدعاء رئيسة الدير، وبمجرد أن أصدر أمره، دخل خادم من ذا فينيكس وجرى إلى أدريانا مخبرا إياها أن سيده قد حرق لحية الطبيب.
قالت أدريانا: «هذا هراء! إنه موجود داخل الدير.»
قال الخادم: «أقسم بحياتي إن ما أقوله صحيح.»
لم يخرج أنتيفولوس السرقوسي من الدير قبل أن يركع أخوه الإفسوسي أمام الدوق مستجديا: «أطلب منك أن تأخذ لي حقي، أيها الدوق الرحيم، من هذه المرأة.» وأشار إلى أدريانا. وأضاف: «لقد تعاملت مع رجل آخر وكأنه زوجها في بيتي.»
بينما كان يتحدث، قال إيجيون: «ما لم أكن أهذي، فإنني أرى ابني أنتيفولوس.»
لم يلحظه أحد، واستمر أنتيفولوس الإفسوسي في حديثه مبينا كيف أن الطبيب الذي وصفه بأنه «مشعوذ رث الثياب» كان واحدا من المجموعة التي وثقته هو وخادمه دروميو معا، وألقت بهما في قبو استطاع الهروب منه بقضم الحبل الذي كان مربوطا به.
إيميليا.
لم يفهم الدوق كيف أن الرجل نفسه الذي كان يتحدث إليه قد شوهد وهو يدخل إلى الدير ، وكان لا يزال متعجبا عندما سأل إيجيون أنتيفولوس الإفسوسي إذا ما كان ابنه أم لا، والذي أجابه قائلا: «أنا لم أر أبي مطلقا في حياتي.» انخدع إيجيون بشدة بالتشابه الشديد بين أنتيفولوس الإفسوسي وأخيه الذي رباه لدرجة أنه قال: «إنك تخجل من الاعتراف بأنك تعرفني لأني سجين الآن.»
لكن سرعان ما ظهرت رئيسة الدير ومعها أنتيفولوس السرقوسي ودروميو السرقوسي.
فصاحت أدريانا: «إما أن عيني تخدعاني أو أنني أرى زوجين لي.»
كان هذا هو يوم المفاجآت، إذ قالت رئيسة الدير: «سأحرر هذا الرجل بدفع غرامته وأكسب زوجا كنت قد فقدته. تحدث، يا إيجيون، فأنا زوجتك إيميليا.»
تأثر الدوق، وقال: «إنه حر دون أن يدفع غرامة.»
وهكذا، اجتمع إيجيون وإيميليا معا ثانية، وهكذا كان الحال بالنسبة إلى أدريانا وزوجها، لكن لم يكن أحد أكثر سعادة من أنتيفولوس السرقوسي الذي ذهب، في حضرة الدوق، إلى لوشيانا وقال لها: «لقد قلت لك إنني أحبك. فهل توافقين على أن تصبحي زوجة لي؟»
كان ردها بنظرة، ولذلك، لم يكتب.
وكان الخادمان دروميو سعيدين لأنهما اعتقدا أنهما لن يتعرضا ثانية لمزيد من الضرب.
تاجر البندقية
عملية اختيار الصندوق.
كان أنطونيو تاجرا غنيا وناجحا من مدينة البندقية. كانت سفنه تسافر تقريبا في كل البحار، وكان يتاجر مع البرتغال والمكسيك وإنجلترا والهند. وعلى الرغم من أنه كان فخورا بما يملك، فقد كان كريما جدا مع الآخرين وكان على استعداد لاستخدام ماله في مساعدة أصدقائه، وكان من أهم هؤلاء الأصدقاء بالنسبة إليه قريبه باسانيو.
كان باسانيو، مثل الكثير غيره من النبلاء المندفعين والمتباهين بأنفسهم، متهورا ومسرفا، وعندما وجد أنه قد بدد ثروته وأصبح غير قادر على دفع ديونه لدائنيه، ذهب إلى أنطونيو وطلب منه المساعدة.
قال له: «أنت أكثر من أدين له بالمال والحب يا أنطونيو، ولدي خطة أستطيع من خلالها دفع كل ديني لك فقط إذا ساعدتني.»
أمير المغرب.
رد عليه صديقه قائلا: «هات ما عندك، وثق في أنه مجاب.»
حينها، قال باسانيو: «توجد في بلمونت وارثة غنية، يأتي لخطبتها من جميع أنحاء العالم خطاب مشاهير، ليس فقط لغناها، ولكن أيضا لجمالها وصلاحها. كانت تنظر إلي نظرات وجد عندما تقابلنا آخر مرة لدرجة أنني متأكد أنني سأفوز بها وأنتصر على كل المنافسين؛ وذلك لحبها لي، فقط إن أنا تمكنت من الذهاب إلى بلمونت، حيث تعيش.»
قال أنطونيو: «إن ثروتي جميعها في سفن تمخر عباب البحار وليس في يدي من نقود حاضرة، لكن لحسن الحظ، سمعتي طيبة في البندقية وسأقترض لك ما تحتاج إليه.»
كان يعيش في البندقية في ذلك الوقت مراب غني يدعى شايلوك. كان أنطونيو يبغض هذا الرجل ويحتقره بشدة، ويعامله بأقصى درجات القسوة والازدراء، وكان يطرده، كأنه كلب غريب، عند باب منزله، وكان حتى يبصق عليه. كان شايلوك يحتمل كل تلك الإهانات صابرا، لكنه كان في صميم قلبه تتملكه رغبة في الانتقام من هذا التاجر الغني المتعجرف؛ فأنطونيو قد حط من شأنه وأضر كذلك بعمله. وقال في نفسه: «لقد حال دون اكتسابي نصف مليون عملة ذهبية فوق ما كسبت. وفي السوق وفي أي مكان كان يذهب إليه، كان يهاجم معدل الفائدة الذي أفرضه، والأسوأ من ذلك أنه كان يقرض المال دون أن يأخذ أي فائدة.»
لذا، عندما ذهب إليه باسانيو ليطلب قرضا قدره ثلاثة آلاف عملة ذهبية من أجل أنطونيو لمدة ثلاثة أشهر، أخفى شايلوك كرهه لأنطونيو وتحول إليه قائلا: «رغم كل القسوة التي عاملتني بها، فأرجو أن تمتد حبال الود فأكون خليلك؛ لذا سأقرضك المال الذي تطلبه ولن أحصل على أي ربح. لكن من باب المزاح ستوقع على عقد تقر فيه بأنك إن لم ترد إلي المبلغ المقترض في خلال ثلاثة أشهر، فسيكون لي الحق في الحصول على رطل من لحمك، أقطعه من أي مكان يعجبني من جسدك.»
قال باسانيو لصديقه: «كلا، لا أقبل بأن تفعل هذا من أجلي.»
رد أنطونيو: «ماذا تخشى؟ سفني ستعود قبل حلول الموعد بقرابة شهر. سأوقع العقد.»
أنطونيو يوقع على العقد.
هكذا، حصل باسانيو على المال اللازم للذهاب إلى بلمونت حتى يخطب ود بورشيا الحسناء. وفي الليلة نفسها التي انطلق فيها في رحلته، هربت جيسيكا، ابنة المرابي الجميلة، من منزل أبيها مع عشيقها، وأخذت معها من مخازن أبيها بعض صرر العملات الذهبية والأحجار الكريمة. كان حزن وغضب شايلوك رهيبين عندما عرف هذا، وتغير حبه لها إلى كره. وقال: «أتمنى أن أراها ميتة عند قدمي والجواهر في أذنيها.» كان مصدر الراحة الوحيد الآن بالنسبة إليه يتمثل في سماع الخسائر الكبيرة التي كان يمنى بها أنطونيو؛ إذ تحطمت بعض سفنه. قال شايلوك: «الويل له إن لم يلتزم بالعقد. الويل له إن لم يلتزم بالعقد.»
جيسيكا وهي تهرب من المنزل.
في هذه الأثناء، وصل باسانيو إلى بلمونت وزار بورشيا الفاتنة. ووجد، كما أخبر أنطونيو، أن ذيوع أمر غناها وجمالها قد جذب إليها الخطاب من كل حدب وصوب. لكن كان رد بورشيا لهم جميعا واحدا. قالت إنها لن تقبل بأي خاطب إلا إذا التزم بشروط وصية أبيها. وكانت هذه الشروط تبعد العديد من الخطاب المتحمسين. فقد كان على من سيفوز بقلب بورشيا ويدها أن يخمن أي صندوق من بين صناديق ثلاثة يحمل صورتها. وإذا كان تخمينه صحيحا، فستكون بورشيا عروسه؛ أما إذا كان خاطئا، فيقسم على ألا يكشف أي صندوق اختار، وعلى ألا يتزوج، وعلى أن يرحل على الفور.
كان الصندوق الأول مصنوعا من الذهب، والثاني من الفضة، والثالث من الرصاص. كان الصندوق الذهبي مكتوبا عليه النقش التالي: «من يخترني، يحظ بما تبغيه الكثرة.» وعلى الصندوق الفضي ما يلي: «من يخترني، يحظ بما هو أهل له.» وعلى الصندوق الرصاصي ما يلي: «من يخترني، يجب أن يعطي ويخاطر بكل ما يملك.» كان أمير المغرب، الذي كان شجاعا بقدر ما كان أسود البشرة، من أول من تقدموا لهذا الاختبار. اختار الصندوق الذهبي؛ إذ قال إن الصندوق المصنوع من معدن الرصاص الوضيع وذلك المصنوع من الفضة لا يمكن أن يحتويا على صورتها. اختار هذا الصندوق ووجد بداخله تجسيدا لما يبغيه الكثير من الناس، ألا وهو الموت.
وبعده، جاء أمير أراجون المتكبر وقال: «دعني أحصل على ما أستحق؛ فأنا بالتأكيد أستحق هذه السيدة.» واختار الصندوق الفضي، ووجد داخله رأس أبله. صاح متسائلا: «ألم أكن جديرا إلا برأس أبله؟»
ثم جاء في النهاية باسانيو، وقد جعلته بورشيا يتأخر في الاختيار خشية أن يختار على نحو خاطئ. فقد كانت تحبه بشدة، كما كان يحبها. قال باسانيو: «دعيني أختار الآن؛ فإنني في أشد العذاب.»
طلبت بورشيا من خدمها أن يعزفوا الموسيقى بينما يقوم حبيبها المغوار باختياره. أقسم باسانيو على تنفيذ الشروط واتجه صوب الصناديق، بينما أخذ الموسيقيون يعزفون الموسيقى على نحو خفيض. قال: «قد لا يدل المظهر الخارجي على المخبر. والعالم يخدعه البهرج دوما. إذن، لن أختار الذهب المبهرج أو الفضة البراقة. وسأختار الصندوق الرصاصي، وليكن السعد نصيبي!» وعندما فتحه، وجد صورة بورشيا الجميلة بداخله، ونظر إليها وسألها إن كانت بحق قد أصبحت ملكه.
قالت: «نعم، أنا أصبحت لك وكذلك هذا القصر ومعهما خذ هذا الخاتم الذي يجب ألا يفارقك أبدا.»
أقسم باسانيو، الذي قال إن الكلمات ضاعت منه، على أن هذا الخاتم لن يفارق إصبعه ما دام حيا.
وفجأة كل هذه السعادة بددها الحزن؛ إذ جاء رسل من البندقية يخبرونه بأن أنطونيو قد تدهورت أوضاعه المالية تماما، وأن شايلوك يطلب من الدوق أن يلتزم أنطونيو بنص العقد الذي أبرمه معه، والذي بمقتضاه يحق له الحصول على رطل من لحمه. حزنت بورشيا كما حزن باسانيو لمعرفة الخطر الذي يهدد صديقه.
وقالت: «في البداية، خذني إلى الكنيسة كي تتزوجني، ثم اذهب على الفور إلى البندقية لمساعدة صديقك. وخذ معك المال الكافي لدفع دين صديقك، حتى ولو أربى على الأصل عشرين ضعفا.»
لكن عندما رحل الزوج المتزوج حديثا، ذهبت بورشيا وراءه، ووصلت إلى البندقية وهي متخفية في هيئة محام، ومعها خطاب تقديمي من محام مشهور يدعى بيلاريو، والذي استدعاه دوق البندقية ليقرر الاعتراضات القانونية على مطالبة شايلوك برطل من لحم أنطونيو. وعندما انعقدت المحاكمة، عرض باسانيو على شايلوك ضعف المال المقترض في حالة تنازله عن دعواه. لكن كان رد المرابي الوحيد هو:
لو قسمت كل عملة ذهبية من هذه الآلاف الستة
إلى ستة أجزاء، وصار كل جزء عملة ذهبية،
لما رضيت بها عوضا، ولا ابتغيت إلا إنفاذ الشرط. [ترجمة د. محمد عناني]
في تلك الأثناء وصلت بورشيا في تنكرها، وحتى زوجها لم يتعرف عليها. رحب بها الدوق بناء على توصية بيلاريو الكبيرة، وترك لها محاولة الوصول إلى تسوية في القضية. فبدأت في كلمات رقيقة بطلب الرحمة من شايلوك. لكنه لم يستمع لالتماسها، وكان رده: «سأحصل على رطل اللحم.»
سألت بورشيا التاجر: «ألديك ما تريد قوله؟»
أجاب: «ليس لدي الكثير، أنا متأهب وصابر.»
قالت بورشيا للمرابي: «تقضي لك المحكمة برطل من لحم أنطونيو.»
صاح شايلوك: «إنك لقاض عادل! قد صدر الحكم: هيا فلتستعد.» «رويدك. هذا العقد لا يجيز لك قطرة واحدة من دم أنطونيو، وإنما رطل من لحمه. أما إذا أرقت أثناء اقتطاعك إياه قطرة واحدة من دمه، فستصادر كل أملاكك لصالح الدولة. هذا هو القانون.»
قال شايلوك وهو خائف: «إذن، سأقبل عرض باسانيو.»
قالت بورشيا بصرامة: «لا، لن تأخذ إلا ما نص عليه عقدك. هيا تجهز لاقتطاع اللحم، لكن تذكر أنك إن أخذت أكثر أو أقل مما هو لك، حتى ولو بمقدار شعرة، فستفقد كل أملاكك وحياتك.»
والآن ازداد خوف شايلوك بشدة، وقال: «أعطوني الثلاثة آلاف عملة ذهبية التي أقرضته إياها، وسأسحب الدعوى.»
يتخلى باسانيو عن الخاتم.
كان باسانيو على وشك دفع المبلغ له، لكن بورشيا قالت له: «لن يأخذ غير ما ينص عليه عقده.»
وأضافت: «أنت، كأجنبي، سعيت إلى سلب حياة أحد مواطني البندقية، وبالتالي، بمقتضى قانون البندقية، ستفقد أملاكك وحياتك. هيا، اركع واطلب الرحمة من الدوق.»
وهكذا، انقلبت الأمور، ولم يكن سينزل بشايلوك أي رحمة لولا أنطونيو. وقد صودرت نصف أملاك المرابي لصالح الدولة، وكان عليه أن يتنازل عن النصف الآخر لزوج ابنته، وبهذا، كان عليه أن يكون راضيا.
دفع باسانيو لأن يعطي المحامي البارع، عرفانا بجميله، الخاتم الذي أعطته إياه زوجته والذي وعد بألا يتخلى عنه على الإطلاق، وعندما عاد إلى بلمونت واعترف بالأمر لبورشيا، بدا عليها غضب شديد وأقسمت ألا تعود علاقتهما لسابق عهدها حتى يستعيد الخاتم مرة أخرى. لكنها في النهاية أخبرته أنها، وهي متنكرة في زي محام، حصلت على الخاتم منه وأنقذت حياة أنطونيو. وهكذا، عفت عنه وأصبح هو أكثر سعادة من ذي قبل، بعد أن أدرك مدى عظم الجائزة التي فاز بها في مسألة الصناديق الثلاث.
تيمون الأثيني
قبل ميلاد المسيح بأربعمائة عام، كان يعيش رجل في أثينا لم يكن كرمه عظيما فحسب، بل كان أيضا مفرطا. لقد كان غنيا جدا، لكن لم تكن أي ثروة دنيوية كافية لرجل كان ينفق ويعطي مثل تيمون. كان تيمون إذا أعطاه أحد حصانا، يقدم له في المقابل عشرين حصانا أفضل منه. وكان يستاء عندما يقترض أحد منه مالا ويعرض عليه رده له. وإذا كتب أحد الشعراء قصيدة وكان لدى تيمون وقت لقراءتها، كان لا بد أن يشتريها، وكان يكفي أي رسام فقط أن يعرض لوحته أمام تيمون حتى يحصل على ضعف ثمنها.
شاعر يقرأ قصيدة لتيمون.
كان فلافيوس، رئيس خدمه، حزينا جدا على طريقة سيده المتهورة في العيش. وبينما يكون منزل تيمون مزدحما بالنبلاء الثرثارين الذين يشربون ويسكبون الخمر الغالية الثمن، كان يجلس بمفرده في قبو ويبكي. وكان يقول لنفسه: «هناك عشرة آلاف شمعة موقدة في المنزل، وكل من هؤلاء المغنين الذين ينهقون في قاعة الموسيقى يحصل في الليلة الواحدة على ما يوازي دخل رجل فقير في سنة.» وكان يتذكر شيئا رهيبا قاله أبيمانتوس، أحد أصدقاء سيده، وهو: «ما أكثر الناس الذين يسيئون إلى تيمون، وهو لا يأبه لغدرهم.»
بالطبع، كان تيمون يلقى الكثير من المدح والثناء.
لقد زعم أحد الصياغ الذي باعه إحدى الجواهر أنها قد زادت قيمتها فقط عندما ارتداها تيمون؛ إذ قال له: «حين تقتني هذه الجوهرة، ستتضاعف قيمتها.» وأعطى تيمون هذه الجوهرة نبيلا يدعى سيمبرونيوس، والذي قال متعجبا: «أوه، إنه حقا مثال للعطاء.» وقال نبيل آخر يدعى لوكولوس، والذي أعطاه تيمون حصانا جميلا: «إن تيمون عزيز بشدة علي»، وقد أغدق نبلاء أثينيون آخرون عليه مديحا كثيرا مماثلا.
لكن عندما استمع أبيمانتوس لبعض هؤلاء، قال: «أنا ذاهب لتحطيم رأس رجل أثيني شريف.»
رد عليه تيمون قائلا: «هذا عمل لأجله ستموت.»
قال أبيمانتوس: «هذا إذا كان عدم فعل شيء سيعاقب بالموت.» وأنتم تعرفون بالطبع كيف كان المزاح قبل ميلاد المسيح بأربعمائة عام.
إن أبيمانتوس هذا كان كارها صريحا للبشرية، لكن تعامله مع الأمر لم يكن مرضيا لأنه كان سعيدا في حياته. ففي هذا العالم المتنوع، يعرف أي شخص لديه عدد من المعارف شخصا ينتقد الناس بمرارة، لكنه لا يجافيهم، ويفتخر بأنه لا ينخدع أبدا بالعبارات الرنانة والكلام المعسول، وبأنه مبتهج وفخور بنفسه من الداخل. كان أبيمانتوس من هذا النوع من الرجال.
قد تندهشون من أن تيمون قد أصبح أسوأ من أبيمانتوس بعد فجر يوم نطلق عليه «يوم الاستحقاق».
رسام يعرض على تيمون لوحة.
إن يوم الاستحقاق هو اليوم الذي يستحق فيه دفع الفواتير. يطالب البقال والجزار والخباز جميعهم دائنيهم بمستحقاتهم في هذا اليوم، والرجل الحكيم هو من يدخر المال الكافي حتى يستعد لسداد أموال هؤلاء. لكن تيمون لم يفعل هذا، ولم يكن مدينا بالمال من أجل الحصول على الطعام، بل كان مدينا به من أجل الحصول على الجواهر والخيل والأثاث، والأسوأ من ذلك، أنه كان مدينا للمرابين الذين كانوا ينتظرون منه أن يدفع لهم ضعف ما اقترضه منهم.
إن يوم الاستحقاق هو يوم لا تحترم فيه الوعود بدفع الديون، وفي ذلك اليوم، طلب من تيمون مبلغ كبير من المال. فقال لكبير خدمه: «بع بعض الأراضي.» فكان رده: «لم يعد لديك أراض.» قال تيمون: «هذا هراء! أنا أمتلك مائة ألف فدان.» رد فلافيوس: «يمكنك أن تضيع كل ما يساويه هذا العالم لو كنت تمتلكه.»
قال تيمون: «اقترض بعض المال إذن. فلتجرب فنتيديوس.» لقد فكر في فنتيديوس لأنه أخرجه في أحد الأيام من السجن بأن سدد لأحد الدائنين دينا كان على هذا الشاب. لقد أصبح فنتيديوس الآن غنيا، وكان تيمون يثق في عرفانه بالجميل له. لكنه ما كان ليدفع كل دينه الذي كان كبيرا جدا؛ لذا فقد أرسل تيمون خدمه بطلبات لاقتراض المال للعديد من أصدقائه.
ذهب أحد الخدم (فلامينيوس) إلى لوكولوس. وعندما علم بقدوم الخادم، قال لوكولوس: «أراهن أن هناك هدية لي. فقد أبصرت هذه الليلة في الحلم قسطا وإبريقا من الفضة.» ثم غير من نبرة صوته وقال: «كيف حال مولاك المحترم، الرجل الكامل الصفات السخي؟»
رد فلامينيوس: «بصحة جيدة، يا سيدي.»
سأله لوكولوس بابتهاج: «وما الذي معك تحت معطفك؟» «في الواقع، يا سيدي، هذا مجرد صندوق فارغ، جئت باسم مولاي ألتمس منك أن تملأه له بالمال.»
قال لوكولوس: «تا! تا! تا!» والذي كان من الواضح أنه كان يقصد بها «ها! ها! ها!» ثم أضاف: «إن خطأ سيدك الوحيد هو أنه مغرم بشدة بإقامة الحفلات. لقد حذرته من أن هذا يكلفه الكثير جدا. والآن، أصغ إلي، يا فلامينيوس، أنت تعرف أن هذا الوقت غير ملائم لإقراض المال بدون ضمان، لذا، تصرف على نحو حكيم، وقل له إنني لم أكن بالمنزل. وخذ قطع النقود الثلاث هذه من أجلك.»
رد فلامينيوس قائلا: «فلتعودي، أيتها النقود البائسة، إلى من يقدسك!»
ذهب الخدم إلى أصدقاء آخرين لتيمون ليقترضوا منهم مالا، ولكنهم كانوا بخلاء. وكان من بينهم سيمبرونيوس.
قال سيمبرونيوس لخادم تيمون: «حسنا، هل طلب من فنتيديوس؟ إن فنتيديوس مدين بالفضل له.» «لقد رفض أن يعطيه.» «حسنا، هل طلب من لوكولوس؟» «لقد رفض هو الآخر.»
قال سيمبرونيوس، في غضب مصطنع: «لقد وجه إلي إهانة كبيرة بأن جعلني آخر من لجأ إليهم. إن أرسل إلي في البداية، لكان من دواعي سروري أن أقرضه المال، ولكني لن أكون ذلك الأحمق الذي يقرضه إياه الآن.» «هذا مجرد صندوق فارغ.»
قال الخادم: «يا لك من شرير ماكر!»
عندما وجد تيمون أن أصدقاءه كانوا أنذالا جدا معه، استغل بعض الهدوء في عاصفة مطالبة الدائنين له بديونهم ليدعو فنتيديوس وأصدقاءه إلى مأدبة. فزع فلافيوس من الأمر، لكن فنتيديوس والآخرين لم يخجلوا على الإطلاق مما فعلوه مع تيمون وتجمعوا في منزله، وقال بعضهم لبعض: إن مضيفهم السخي كان يمزح معهم.
قال لوكولوس: «كان علي أن أوجل ارتباطا مهما لي حتى آتي إلى هنا، لكن من يستطيع أن يرفض دعوة تيمون؟»
وقال سيمبرونيوس: «وأنا حزنت بشدة عندما لم تكن لدي أموال حاضرة عندما طلب مني سلفة.»
وافقه نبيل ثالث قائلا: «جميعنا هنا في هذا الوضع نفسه.»
ظهر الآن تيمون، وتنافس ضيوفه على الاعتذار له والثناء عليه. ورغم أن تيمون كان يحتقرهم من داخله، فقد أبدى ترحيبه بهم جميعا. وفي قاعة الولائم، كانت هناك مائدة عامرة بالأطباق المغطاة. بدأ لعاب الحاضرين يسيل؛ إذ كان هؤلاء الأصدقاء الأنذال يحبون الطعام الطيب.
قال تيمون: «تفضلوا بالجلوس، يا أصدقائي الأعزاء.» ثم تضرع إلى آلهة اليونان بصوت عال قائلا: «وزعوا العطايا على الجميع لأنكم إذا أردتم، وأنتم آلهة، الاقتراض من البشر، فسيتوقفون عن تقديسكم. واجعلوا المآكل محبوبة أكثر من الشخص الذي يقدمها. واجعلوا كل الجمع الموجود هنا والمؤلف من عشرين رجلا من البؤساء. وبما أن أصدقائي لم ينفعوني بشيء، فلا تباركوهم. والآن، اكشفوا الأغطية عن الأطباق والعقوا كالكلاب العطشى الجائعة.»
اندهش هؤلاء النبلاء الجائعون بشدة من هذا الحديث لدرجة أنهم لم ينكروه عليه؛ فقد ظنوا أن تيمون لم يكن على ما يرام، وعلى الرغم من أنه نعتهم بأنهم كلاب، فقد كشفوا الأغطية عن الأطباق.
لم يكن بها شيء سوى ماء ساخن.
قال تيمون متمنيا: «أتمنى لكم ألا تدعوا أبدا إلى وليمة أفضل من هذه. أنا أغسل يدي من تزلفكم البذيء وأمطركم بشركم.» بهذه الكلمات، أخذ يرش الماء على وجوه ضيوفه، ثم أمطرهم بالأطباق. وبعد أن أنهى المأدبة على هذا النحو، ذهب إلى مبنى ملحق بالبيت وأخذ مجرفة وغادر أثينا للأبد.
كان مسكنه التالي هو كهف بالقرب من البحر.
من بين كل أصدقائه، كان الشخص الوحيد الذي لم يرفض أن يساعده جنديا وسيما يسمى ألسيبياديز، ولم يطلب منه تيمون المساعدة لأنه حدث خلاف بينه وبين حكومة أثينا مما دفعه لترك المدينة. إن الاعتقاد بأن ألسيبياديز قد يثبت أنه صديق حقيقي لم يقلل من شعور تيمون بالمرارة. لم يكن تيمون متبصرا بما يكفي بحيث يدرك حقيقة أن الخير لا يمكن أن يكون بعيدا عن الشر في هذا العالم المتضارب. ولذا، قرر ألا يرى شيئا في كل البشر سوى جحود فنتيديوس ووضاعة لوكولوس.
أصبح نباتيا، وأخذ يتحدث كثيرا إلى نفسه وهو يحفر في الأرض ليحصل على الطعام.
وفي أحد الأيام، بينما كان يحفر للحصول على بعض الجذور قرب الشاطئ، اصطدمت مجرفته بمنجم للذهب. إن كان تيمون رجلا حكيما، لأصبح غنيا بسرعة ولعاد إلى أثينا ليعيش في رغد وراحة. لكن رؤية الكنز الذهبي لم تبهجه، وإنما ملأته فقط بالازدراء. وقال: «إن هذا الشيطان الأصفر من شأنه أن يحرض على أخذ العهود والحنث بها. إنه يجعل الأسود أبيض والقبيح جميلا. إنه يعفي القتلة من العقاب ويبارك الملاعين.»
كان لا يزال يتشدق بالكلام عندما جاء إليه ألسيبياديز، والذي قد أصبح الآن عدوا لأثينا، ومعه جنوده وسيدتان جميلتان واللتان كان همهما الوحيد هو المتعة.
تغير تيمون بشدة بفعل أفكاره السوداوية وحياته الخشنة لدرجة أن ألسيبياديز لم يتعرف عليه في البداية.
سأله: «من أنت؟»
رد: «وحش، مثلك.»
تعرف ألسيبياديز عليه من صوته، وعرض عليه المساعدة والمال. لكن تيمون لم يرد أيا منهما، وبدأ يهاجم السيدتين. لكنهما عندما عرفا أنه اكتشف منجم ذهب، لم يهتما ولو بمثقال ذرة برأيه فيهما وقالا له: «أعطنا بعض الذهب، يا تيمون الكريم. أوليس لديك المزيد؟»
وبعد المزيد من الإهانات، ملأ تيمون تنورتيهما بالذهب.
ثم ودعه ألسيبياديز الذي ظن أن تيمون قد جن جنونه، وغادر جنوده المنضبطون دون أن يأخذوا شيئا من المنجم الذي كان سيوفر لهم أجورهم، وانطلقوا باتجاه أثينا.
استمر تيمون في الحفر وإطلاق اللعنات، وشعر بسعادة بالغة عندما أخرج من الأرض جذرا، واكتشف أنه لم يكن عنبا.
وفي ذلك الوقت، ظهر أبيمانتوس. وقال لتيمون: «لقد قيل لي إنك تسعى لتقليدي.»
رد عليه تيمون: «فقط لأنك ليس لديك كلب يمكنني تقليده.»
قال أبيمانتوس: «إنك تحاول الانتقام من أصدقائك بعقاب نفسك. وهذا أمر سخيف للغاية؛ فهم يعيشون في رفاهية وراحة كما كانوا دائما. أنا حزين أن أحمق مثلك يحاول أن يقلدني.»
قال تيمون: «لو كنت أنا شبيهك، لقتلت نفسي.»
تيمون يزداد كآبة وتجهما.
قال أبيمانتوس متهكما: «أنت من فعلت هذا في نفسك. هل سيعد لك الغدير المغطى بالثلج شرابا صباحيا دافئا، أو هل ستدفئ ريح شرقية ملابسك كما يفعل خادمك؟»
قال له تيمون: «اذهب عني!» لكن أبيمانتوس بقي لفترة أطول وأخبره بأن لديه ميلا للتطرف والمغالاة، وهو ما كان صحيحا. وأخذ أبيمانتوس يستخدم أسلوب التلاعب بالألفاظ، ولكنه لم يستطع انتزاع ضحكة من تيمون.
وفي النهاية، فقد الاثنان أعصابهما وكأنهما زميلا دراسة، وقال تيمون إنه حزين لفقد الحجر الذي ألقاه على أبيمانتوس، أما أبيمانتوس فقد تركه وهو يدعو عليه.
كان هذا هو يوم الزيارات بالنسبة إليه؛ إذ بمجرد أن رحل أبيمانتوس، جاء إليه بعض اللصوص، وأرادوا الحصول على بعض الذهب.
قال تيمون: «أنتم تريدون الكثير جدا. يوجد هنا أيضا بعض الماء والجذور والتوت.»
رد أحد اللصوص: «لسنا طيورا أو خنازير.»
فرد عليه تيمون: «لا، أنتم من آكلي لحوم البشر. خذوا الذهب إذن، وليسممكم! هيا اسرقوا بعضكم.»
لقد أخافهم حديثه للغاية لدرجة أنهم، رغم رحيلهم وجيوبهم ممتلئة بالذهب، قد قرروا التوبة وترك مهنتهم.
كان آخر الزائرين في يوم الزيارات هذا هو رئيس خدمه الطيب فلافيوس، والذي عندما رآه، صاح قائلا له: «سيدي العزيز!»
رد عليه تيمون: «إليك عني! من أنت؟»
سأله فلافيوس في حزن: «هل نسيتني يا سيدي؟»
كان رده: «لقد نسيت كل البشر. وإذا اعتبرت نفسك منهم، فأنا قد نسيتك.»
قال فلافيوس: «أنا خادمك الأمين.»
رد عليه تيمون: «هراء! لم يكن لدي يوما رجل أمين ووفي في خدمتي.»
بدأ فلافيوس في البكاء.
قال تيمون: «ماذا أرى؟ هل تبكي يا هذا؟ اقترب مني إذن. فأنا أقدرك لأنك كالنساء وتختلف عن الرجال الذين يبكون فقط عندما يضحكون أو يستجدون.»
تحدثا معا لبعض الوقت، ثم قال تيمون: «هذا الذهب ملكي. سأجعلك غنيا يا فلافيوس، إذا وعدتني بأن تعيش بمفردك وتكره البشر. سأجعلك ثريا جدا إذا وعدتني أن ترى لحم المتسول يتساقط من عظامه قبل أن تغيثه، وأن تدع المدين يموت في السجن قبل أن تدفع عنه دينه.»
قال فلافيوس ببساطة: «دعني أمكث إلى جانبك لأعزيك وأسليك، يا مولاي.»
رد تيمون قائلا: «إذا كنت تخاف اللعنة، فاتركني.» وأدار ظهره لفلافيوس، الذي عاد حزينا إلى أثينا وقد كان معتادا بشدة على إطاعة الأوامر بحيث لم يستطع أن يفرض خدماته على سيده العليل.
لم يحصل رئيس الخدم على شيء من سيده، لكن انتشر خبر مفاده أنه قد حصل على قطعة كبيرة من الذهب من سيده السابق، وهذا ما جعل تيمون يستقبل المزيد من الزائرين. وكان من بينهم رسام وشاعر كان تيمون يرعاهما في أيام رخائه.
قال الشاعر: «السلام عليك، يا تيمون النبيل. لقد سمعنا باندهاش كيف أن أصدقاءك قد تخلوا عنك. إن كل الأسواط ليست كبيرة بما يكفي لعقابهم!»
قال الرسام: «جئنا لنعرض عليك خدماتنا.»
قال تيمون: «لقد سمعتما أنني أمتلك ذهبا.»
قال الرسام متوردا: «لقد سمعنا بهذا، لكني أنا وصديقي لم نأت إليك لهذا السبب.»
قال تيمون مستهزئا: «أنتما طيبا القلب سليما النية! ومع ذلك، ستحصلان على ذهب كثير إن استطعتما أن تخلصاني من شقيين.»
قال الزائران في نفس واحد: «سمهما لنا.»
أجاب تيمون: «كلاكما!» ثم ضرب الرسام ضربة بعصا كبيرة وقال له: «ضع هذا في لوحة ألوانك، واكسب منها.» ثم أعطى ضربة للشاعر بعصاه وقال: «ألف قصيدة من هذه واحصل على المقابل. هناك ذهب من أجلك.»
فانسحبا بسرعة.
وفي النهاية، زار تيمون اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ، وأرادا، في ظل تهديد ألسيبياديز لأثينا، أن يكون في صفهما هذا النبيل الساخط الذي قد يساعد العدو بذهبه.
قال الأول: «انس آلامك. ستقدم لك أثينا العديد من الامتيازات التي يمكن أن تعيش بمقتضاها حياة كريمة.»
وأضاف الثاني: «تقر أثينا بأنها لم توفك حقك، وترغب في أن تكفر عن هذا التجاهل.»
رد تيمون بطريقته العابسة: «أيها العضوان الكريمان، أكاد أبكي من قولكما؛ فقد أثرتما في بشدة! كل ما أحتاجه هو عينا امرأة وقلب أبله.»
لكن الرجلين كانا مخلصين لبلدهما. وكانا يعتقدان أن هذا الرجل الساخط يمكن أن ينقذ أثينا، ولذا، لم يسعيا للشجار معه. وقالا: «كن قائدنا وقد أثينا في مواجهة ألسيبياديز الذي أراد أن يدمرها.»
قال تيمون: «دعه يدمر الأثينيين أيضا؛ فأنا لا أكترث تماما لذلك.» وعندما لاحظا يأسا ينبئ بالشر في وجهه تركاه.
عاد الرجلان إلى أثينا، وبعد فترة قصيرة، نفخت الأبواق أمام أسوارها. وعند الأسوار وقفا واستمعا إلى ألسيبياديز الذي قال لهما إن المسئيين يجب أن يرتعدوا في مقاعدهم الوثيرة. ونظرا إلى جيشه الواثق، وكانا مقتنعين بأن أثينا يجب أن تستسلم إذا هاجمها؛ لذا استخدما صوت العقل الذي هو أمضى من السهام.
قال الأول: «إن أسوارنا تلك لم تشيدها أيدي من أساءوا إليك، يا ألسيبياديز.»
وقال الثاني: «ادخل واقتل عشر المدينة، إن كان انتقامك متعطشا لسفك الدماء.»
ثم قال الأول: «أنقذ مهد طفولتك.»
قال ألسيبياديز: «أنا أطلب العدل فقط. إذا سمحتم بإدخال جيشي، فسأطبق العقاب الذي تنص عليه قوانينكم على أي جندي يخرقها.»
في تلك اللحظة، جاء جندي إلى ألسيبياديز، وقال: «أيها القائد النبيل، مات تيمون.» وأعطى ألسيبياديز لوحا من الشمع مستأنفا حديثه: «لقد دفن بجوار البحر، على الشاطئ، وعلى قبره شاهد لا أستطيع قراءة ما هو مكتوب عليه، ولذا فقد طبعته على الشمع.»
قرأ ألسيبياديز هذا المقطع من لوح الشمع:
هنا يرقد تيمون الذي كره وهو حي جميع الأحياء.
وأنتم أيها المارون من هنا، العنوني كما يحلو لكم، لكن امضوا ولا تتوقفوا أمام قبري طويلا. [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
قال ألسيبياديز: «لقد مات إذن تيمون النبيل.» ودخل أثينا ممسكا بغصن زيتون بدلا من السيف.
وهكذا، أبدى أحد أصدقاء تيمون كرما في أمر أكبر مما كان يحدث في حالة تيمون، غير أن حزن وغضب تيمون ظل أمرا يتذكره الناس باعتباره تحذيرا خشية أن يحدث نكران آخر للجميل يحول الحب إلى كراهية.
عطيل
منذ أربعمائة عام، كان يعيش في البندقية حامل راية يسمى إياجو، والذي كان يكره قائده، عطيل؛ لأنه لم يرقه ملازما. وبدلا من إياجو الذي كان مرشحا بقوة لهذه الرتبة، اختار عطيل ميكائيل كاسيو الذي ساعد لسانه العذب عطيل على الفوز بقلب ديدمونة. كان لإياجو صديق يدعى رودريجو، والذي كان يمده بالمال وكان يشعر بأنه لن يصبح سعيدا إلا إذا صارت ديدمونة زوجته.
عطيل يحكي لديدمونة مغامراته.
كان عطيل مغربيا، لكن كان أسود البشرة لدرجة أن أعداءه كان يسمونه المغربي الأسود. لقد كانت حياته صعبة ومثيرة؛ فقد انهزم في أحد المعارك وبيع كعبد، وقد سافر كثيرا وزار أماكن عديدة، ورأى أناسا أكتافهم أعلى من رءوسهم. ورغم شجاعته الشديدة، كان لديه عيب واحد كبير، ألا وهو الغيرة. كان حبه بمنزلة نوع من الأنانية الشديدة. فقد كان يعني حب امرأة بالنسبة إليه أن يمتلكها تماما كما يمتلك شيئا لا روح ولا عقل له. إن قصة عطيل هي قصة عن الغيرة.
في إحدى الليالي أخبر إياجو رودريجو أن عطيل قد خطف ديدمونة دون علم أبيها، برابانتشو. وأقنع رودريجو بأن يثير غضب برابانتشو وعندما ظهر عضو مجلس الشيوخ هذا، أخبره إياجو بهروب ديدمونة مع عطيل بأبشع طريقة. وعلى الرغم من أنه كان أحد تابعي عطيل، فقد وصفه بأنه لص وجواد بربري.
اتهم برابانتشو عطيل أمام دوق البندقية باستخدام السحر لكي يوقع ابنته في حبه، لكن عطيل قال إن السحر الوحيد الذي استخدمه كان هو صوته، والذي أخبر ديدمونة بمغامراته وعمليات هروبه التي تمت بشق الأنفس. اقتيدت ديدمونة إلى قاعة مجلس الشيوخ، وأوضحت كيف أحبت عطيل رغم سواد وجهه بأن قالت: «لقد رأيت عقل عطيل وليس وجهه.»
وبما أن عطيل كان متزوجا من ديدمونة وكانت هي راضية بأن تكون زوجته، فلم يكن هناك المزيد مما يمكن قوله، خاصة أن الدوق كان يريده أن يذهب إلى قبرص ليدافع عنها ضد الأتراك. كان عطيل على أتم الاستعداد للذهاب إلى هناك، وقد سمح لديدمونة بأن تكون معه في قبرص بعد أن توسلت للدوق لكي يوافق على أن تذهب معه.
عطيل.
كان عطيل في قمة السعادة عندما هبط على تلك الجزيرة. وقال لديدمونة التي وصلت قبله إلى هناك مع إياجو وزوجته ورودريجو: «أوه، يا عزيزتي، أنا لا أعرف ماذا أقول لك. إن روحي قد عرفت من السعادة منتهاها.»
وما إن أتت الأنباء بأن الأسطول التركي قد دمرته إحدى العواصف، أقام حفلا في قبرص من الساعة الخامسة وحتى الحادية عشرة ليلا.
كان كاسيو قائما على الحراسة في القلعة التي كان يحكم منها عطيل قبرص؛ لذا قرر إياجو أن يسكر الملازم. وجد في البداية بعض الصعوبة، حيث إن كاسيو كان يعرف أن الخمر سرعان ما ستذهب عقله، لكن الخدم أحضروا خمرا إلى الغرفة التي كان فيها كاسيو، وغنى إياجو أغنية عن شرب الخمر؛ لذا أخذ كاسيو يرفع كأسا تلو الأخرى ليشرب نخب القائد.
وعندما أصبح كاسيو ميالا للشجار، طلب إياجو من رودريجو أن يقول لكاسيو شيئا مسيئا. وهذا جعل كاسيو يضرب رودريجو، والذي جرى باتجاه مونتانو، الحاكم السابق لقبرص. أخذ مونتانو على نحو مهذب يتوسط لدى كاسيو كي يرفع يده عن رودريجو، لكنه تلقى ردا وقحا للغاية من كاسيو لدرجة أنه قال: «مهلا، مهلا، أنت سكران!» وهذا ما جعل كاسيو يتعارك مع مونتانو ويجرحه، وأرسل إياجو رودريجو ليخيف المدينة ويصيح بوجود تمرد.
أيقظت الجلبة عطيل الذي عندما عرف السبب، قال: «كاسيو، إني أحبك، ولكن لن تكون بعد هذه اللحظة من ضباطي.»
عندما أصبح كاسيو وإياجو بمفردهما، أخذ الرجل الذي فقد مكانته يتحسر على سمعته. وقال إياجو إن السمعة والهراء شيء واحد. قال إياجو متعجبا دون أن يأبه له: «يا إلهي! كيف يضع الإنسان عدوا في فمه ليختلس منه عقله!»
نصح إياجو كاسيو بأن يلتمس من ديدمونة أن تطلب من عطيل أن يسامحه. راقت لكاسيو النصيحة، وفي صباح اليوم التالي أعرب عن طلبه لديدمونة في حديقة القلعة. كانت ديدمونة هي الطيبة متجسدة، وقالت: «اصرف عنك همك، يا كاسيو، فأنا أوثر الموت على خسران قضيتك.»
رأى كاسيو في تلك اللحظة عطيل آتيا مع إياجو، فخرج متسللا بسرعة.
قال إياجو: «أنا لا أحب ذلك.»
سأله عطيل: «ماذا تقول؟» إذ شعر أنه كان يعني شيئا سيئا، لكن إياجو تظاهر بأنه لم يقل شيئا. سأل عطيل: «ألم يكن ذاك كاسيو الذي خرج من عند زوجتي؟» رد إياجو، الذي كان يعرف أنه كان كاسيو وكان يدرك سبب وجوده هناك، قائلا: «لا أستطيع تصور أن كاسيو هو من خرج متسللا هكذا كمجرم.»
أخبرت ديدمونة عطيل بأن الحزن والشعور بالخزي هما ما جعلا كاسيو يخرج متسللا بهذه الطريقة. وذكرته كيف وقف كاسيو بجانبه عندما كان لا يزال قلبها خاليا وكان لديها مآخذ على حبيبها المغربي. رق قلب عطيل، وقال لها: «لن أرفض لك طلبا.» لكن ديدمونة قالت له إن ما طلبته منه كان لصالحه تماما كتناول الطعام.
تركت ديدمونة الحديقة، وسأل إياجو عطيل ما إذا كان كاسيو كان يعرف ديدمونة قبل زواجها.
رد عطيل: «نعم.»
قال إياجو: «صحيح؟» كما لو أن شيئا قد أصبح الآن واضحا بشدة أمامه بعد أن غمي عليه.
سأله عطيل: «أليس أمينا؟» وكرر إياجو الصفة متسائلا، كما لو أنه كان يخشى أن يقول «لا.»
سأله عطيل في إصرار: «ماذا تقصد؟»
ما كان لإياجو سوى أن يقول ردا على هذا السؤال النقيض التام لما قاله لكاسيو. لقد قال لكاسيو إن السمعة هراء، أما لعطيل، فقال: «من يسرق محفظتي يسرق نفاية مني، أما من يختلس مني حسن سمعتي، فإنه يدمرني.»
وفي هذه اللحظة بدأت الحيرة تتملك عطيل، وكان إياجو واثقا بشدة من شعور عطيل بالغيرة لدرجة أنه تجرأ وأخذ يحذره منها. فقد كان إياجو هو من وصف الغيرة بأنها «الوحش الأخضر العينين الذي يهزأ من الطعام الذي يفترسه».
بعدما أثار إياجو شرارة الغيرة في قلب عطيل، أخذ يغذيها بأن أشار إلى أن ديدمونة خدعت أباها عندما هربت مع عطيل. كان يقصد : «إذا كانت قد خدعته، فلماذا لا تخدعك أنت؟»
حينها، دخلت ديدمونة مرة ثانية لتخبر عطيل بأن طعام الغداء قد أعد. رأت أنه يبدو مضطربا. قال لها إنه يشعر بألم في جبينه. فأخرجت ديدمونة منديلا كان عطيل قد أعطاها إياه. كانت عرافة، قبل مائتي عام، قد صنعت هذا المنديل من الحرير الذي صنعته ديدان قز مقدسة وصبغته في سائل معد من قلوب العذارى، وزينته بتطريز على شكل حبات فراولة. كانت تظن ديدمونة الرقيقة أن هذا المنديل شيء بارد وناعم يلائم جبينا مضطربا؛ إذ لم تكن تعرف بأن هناك سحرا سيتحقق على من يفقده. قالت لعطيل: «سأعصبه حول رأسك وستشفى في خلال ساعة.» لكن عطيل على نحو نكد قال إنه صغير جدا، وتركه يسقط على الأرض. حينها، دخلت ديدمونة وعطيل إلى الداخل لتناول الغداء، والتقطت إيمليا المنديل الذي طالما طلب منها إياجو سرقته.
كانت تتفحص المنديل عندما دخل إياجو. وبعد بضع كلمات عنه، انتزعه منها وطلب منها تركه بمفرده.
في الحديقة، انضم إليه عطيل، الذي بدا متعطشا لأسوأ أكاذيب يمكنه أن يلفقها؛ لذا قال لعطيل إنه قد رأى كاسيو يمسح فمه بمنديل خمن أنه ذلك المنديل الذي أعطاه عطيل لزوجته، نظرا لأنه مزين بحبات فراولة.
شراب الخمر.
جن جنون المغربي التعيس من الغضب وطلب إياجو من السماء أن تشهد على أنه كان يكرس كل ما بوسع يديه وقلبه وعقله لخدمة عطيل. قال عطيل: «إني أقبل حبك، وفي غضون ثلاثة أيام، دعني أسمع أن كاسيو ليس على قيد الحياة.»
كانت خطوة إياجو التالية هي ترك منديل ديدمونة في غرفة كاسيو. رأى كاسيو المنديل، وكان يعرف أنه ليس ملكه، لكن أعجب بالتطريز الموجود عليه، وأعطاه لحبيبته بيانكا وطلب منها أن تصنع له نسخة منه.
كانت خطوة إياجو التالية هي حث عطيل، الذي كان يسأل ديدمونة عن المنديل، أن يسترق السمع لحديث لكاسيو. كان ينوي الحديث عن حبيبة كاسيو، وجعل عطيل يظن أن السيدة محل الحديث هي ديدمونة.
قال إياجو عندما ظهر كاسيو: «كيف حالك أيها الملازم؟»
رد كاسيو على نحو واجم: «أسوأ شيء أن تدعوني باللقب الذي ما عدت أحمله.»
قال إياجو: «استمر في تذكير ديدمونة بالأمر، وسرعان ما ستستعيد اللقب.» ثم أضاف، في نبرة خفيضة جدا ما كان لعطيل أن يسمعها: «لو كان التماسك هذا في مقدور بيانكا، لسرعان ما نجحت!»
قال كاسيو: «مسكينة هذه التعسة! أظن أنها والله تحبني!» ونظرا لأن كاسيو كان مغرورا ثرثارا، فقد جعله إياجو يتباهى بحب بيانكا له، بينما كان عطيل يتخيل، بغضب مكتوم، أنه كان يتحدث عن ديدمونة، وقال في نفسه: «إنني أرى أنفك ذاك، ولكنني لا أرى الكلب الذي سأقذفه إليه.»
كان عطيل لا يزال يتلصص عليهما، عندما دخلت بيانكا، غاضبة معتقدة أن كاسيو، الذي كانت تظن أنه يحبها، قد طلب منها أن تنسخ التطريز الموجود على منديل محبوبة جديدة له. قذفته بالمنديل مطلقة عبارات استهجان، وهجرها كاسيو.
أخذ عطيل ينظر إلى بيانكا ويرى كيف أنها كانت أقل مكانة وأقل جمالا وأفحش لسانا بكثير من ديدمونة، وبدأ رغما عنه في الثناء على زوجته في مقابل المرأة الشريرة التي كان يراها أمامه. فأثنى على مهارتها في استخدام الإبرة وصوتها الذي يمكنه «أن يقضي في الدب على وحشيته.» وذكائها ورقتها وجمال بشرتها. وفي كل مرة كان يثني فيها عليها، كان إياجو يقول شيئا يجعله يتذكر غضبه ويعبر عنه على نحو بذيء، غير أنه كان لا بد له أن يثني عليها ويقول: «يا للحسرة، إياجو! أوه يا إياجو، يا للحسرة، إياجو!»
لا توجد مطلقا في خبث إياجو لحظة واحدة من التردد. إن كانت هناك مثل تلك اللحظة، لكانت قد حان وقتها حينها.
قال: «اخنقها»، وقال رفيقه البائس: «جيد، جيد!»
كان الاثنان لا يزالان يتحدثان عن القتل عندما ظهرت ديدمونة ومعها أحد أقارب أبيها، والذي كان يدعى لودوفيكو، والذي كان يحمل خطابا لعطيل من دوق البندقية. نص الخطاب على استدعاء عطيل من قبرص، وجعل كاسيو وكيلا عنه في الحكم هناك.
انتهزت تعيسة الحظ ديدمونة هذه الفرصة غير السعيدة لتثير مرة أخرى قضية كاسيو.
صرخ عطيل قائلا: «نار وكبريت!»
فسر لودوفيكو ذلك لديدمونة قائلا: «ربما هيجه الخطاب.» وأخبرها بمحتواه.
قالت: «يسرني ذلك.» فقد كان هذا هو أول حديث مرير تخرجه منها قسوة عطيل.
كاسيو يعطي بيانكا المنديل.
قال عطيل: «يسرني أن أراك تفقدين صوابك.»
سألته، على نحو ساخر: «لماذا، يا عزيزي عطيل؟» وصفعها عطيل على وجهها.
لقد كان هذا الوقت المناسب بالنسبة إلى ديدمونة لكي تنقذ حياتها بالانفصال عن عطيل، لكنها لم تكن تدرك الخطر الذي ينتظرها؛ كل ما كانت تعرفه هو أن حبها قد ضرب في مقتل. قالت: «أنا لم أستحق هذا!» وأخذت الدموع تنهمر ببطء على وجهها.
صعق واشمئز لودوفيكو مما حدث. وقال: «مولاي، لن يصدقوا هذا في البندقية. صالحها»، لكن عطيل، كالمجنون الذي يتحدث في كابوس يراه، عبر عما يجيش في فكره المريض بأسلوب مسيء، وصاح مزمجرا: «اغربي عن وجهي!»
قالت زوجته: «لن أمكث كي أسيء لك.» لكنها تباطأت في الخروج، وخرجت فقط وتركت زوجها وضيوفه عندما صاح فيها قائلا: «هيا، انصرفي!»
ثم دعا عطيل لودوفيكو للعشاء، وأضاف: «مرحبا بك يا سيدي في قبرص ... تيوس وقرود!» دون أن ينتظر الرد، غادر وترك الجمع.
كره الزائرون البارزون أن يجبروا على رؤية المشاجرات العائلية وبغضوا أن يوصفوا بأنهم تيوس أو قردة، ولذلك، طلب لودوفيكو من إياجو تفسيرا لما حدث.
قال إياجو، محاولا أن يبدو وكأنه يقول الحق، إن عطيل كان أسوأ مما بدا، ونصحهم بأن يراقبوا سلوكه ويوفروا عليه عناء الإجابة على مزيد من الأسئلة.
ثم مضى قدما ليطلب من رودريجو قتل كاسيو. كان رودريجو مستاء من صديقه. فقد أعطى إياجو جواهر كثيرة لكي يعطيها ديدمونة دون أن يسفر ذلك عن شيء؛ لم تر ديدمونة أيا منها لأن إياجو كان يأخذها لنفسه.
استطاع إياجو أن يهدئه ويقنعه بكذبة، وبينما كان كاسيو يغادر بيت بيانكا، جرحه رودريجو، وجرح هو في المقابل. صرخ كاسيو، وجاء إليه لودوفيكو وصديق آخر مسرعين. أشار كاسيو إلى أن رودريجو هو من هاجمه، وحتى يتخلص إياجو من رودريجو صديقه المزعج، نعته بأنه «وغد!» وطعنه دون أن يتسبب في قتله.
في القلعة، كانت ديدمونة حزينة. قالت لإيمليا إنها لا بد أن تتركها؛ فقد كانت تلك هي رغبة زوجها. قالت إيميليا متعجبة: «أتركك؟!» ردت ديدمونة قائلة: «هذا ما أمر به. علينا ألا نغضبه الآن.»
وغنت أغنية غنتها فتاة عاملها حبيبها بنذالة؛ أغنية فتاة تبكي بجوار شجرة كانت أغصانها تتدلى كما لو كانت تبكي، ثم ذهبت إلى السرير ونامت.
استيقظت ووجدت عيني زوجها الغاضبتين فوقها. سألها: «هل صليت هذه الليلة؟» وطلب من هذه المرأة الرقيقة البريئة أن تطلب عفو الرب على أي ذنب قد تتذكره. ثم قال: «أنا لن أقتل روحك.»
ديدمونة تبكي.
قال لها إن كاسيو اعترف، لكنها كانت تعرف أن كاسيو لم يكن لديه شيء بشأنها ليعترف به. وقالت إن كاسيو لا يمكنه أن يقول شيئا يسيء لها. قال عطيل إنه لا يستطيع الرد على ذلك.
ثم أخذت ديدمونة تبكي، لكن عطيل، وبكلمات عنيفة رغم كل توسلاتها، أخذ يخنقها حتى أصبحت على وشك الموت.
ثم جاءت إيمليا بقلب منذر بالشر، وطلبت الدخول لدى الباب، وفتحه عطيل، وجاء صوت من السرير يقول: «بلا جريرة أموت.»
صرخت إيمليا قائلة: «من فعل هذه الفعلة؟» ورد الصوت: «لا أحد؛ أنا نفسي. وداعا.»
قال عطيل: «أنا الذي قتلتها.»
أخذ يذكر أدلته بجوار هذا السرير الحزين للأشخاص الذين أخذوا يتوافدون، وكان إياجو من بينهم، لكن عندما تحدث عن المنديل، قالت إيمليا الحقيقة.
وعلم عطيل الحقيقة. وسأل متعجبا: «أما من حجارة في السماء غير التي مع الرعد تقذف؟» وجرى نحو إياجو الذي طعن إيمليا طعنة قاتلة وهرب.
لكنهم أحضروه ثانية، وكان الموت الذي تعرض له لاحقا راحة له من العذاب.
وكانوا سيأخذون عطيل إلى البندقية ليحاكم هناك، لكنه سبقهم وأخفى سيفه في ملابسه. قال للحضور من أهل البندقية في الغرفة: «مهلا، كلمة أو اثنتين قبل أن تذهبوا. تحدثوا عني كما أنا؛ لا تلطفوا شيئا. قولوا إنني رجل رمى بيده أثمن اللآلئ، وبكى بهاتين العينين اللتين لم يكن البكاء من دأبهما، وقولوا إنني ذات مرة في حلب حين هوى تركي على أحد جنود البندقية بالضرب، أمسكته من عنقه وضربته هكذا.»
ثم طعن نفسه بيده طعنة غائرة وصلت إلى القلب، وقبل أن يموت، لمست شفتاه وجه ديدمونة في حب يائس.
ترويض النمرة
بيتروتشيو وكاتارينا.
كان يعيش في بادوا نبيل يسمى بابتيستا وكان لديه بنتان جميلتان. الكبرى كانت تدعى كاتارينا وكانت شكسة وسيئة الطباع وفظة للغاية لدرجة أن لا أحد فكر يوما في الزواج منها، في حين أن أختها، بيانكا، كانت رقيقة وحسناء وحلوة الحديث جدا لدرجة أن أكثر من خاطب طلب من أبيها يدها. لكن بابتيستا قال إن البنت الكبرى يجب أن تتزوج أولا.
لذا، قرر خطاب بيانكا فيما بينهم أن يحاولوا إيجاد خطيب لكاتارينا، وحينها على الأقل يمكن للأب أن يستمع لطلب خطبتهم لبيانكا.
كان نبيل من فيرونا يدعى بيتروتشيو هو الشخص الذي كانوا يفكرون فيه، وسألوه، على سبيل المزاح، إن كان يريد الزواج من كاتارينا، الفتاة السليطة اللسان السيئة الطباع. تفاجئوا بشدة عندما قال نعم، وإنها الزوجة المناسبة بالنسبة إليه، وإنها إن كانت جميلة وغنية، فإنه سيأخذ على عاتقه جعلها حسنة الطباع في وقت قصير.
بدأ بيتروتشيو بأن طلب إذن بابتيستا في أن يتودد لابنته الرقيقة كاتارينا، لكن بابتيستا كان مضطرا لأن يقر بأنها ليست رقيقة على الإطلاق. وفي تلك اللحظة، دخل معلم الموسيقى باندفاع إلى المكان، واشتكى من أن الفتاة المشاكسة قد كسرت عوده على رأسه لأنه قال لها إنها لم تكن تعزف على نحو صحيح.
معلم الموسيقى.
قال بيتروتشيو: «لا تقلقا. فقد أحببتها أكثر من ذي قبل، وأتوق بشدة للحديث معها.»
عندما جاءت كاتارينا، قال لها: «صباح الخير، يا كات، هذا اسمك فيما بلغني؟»
ردت كاتارينا بحدة: «لقد بلغك نصفه فقط.»
قال بيتروتشيو: «أنت تكذبين وربي، فإنك لتسمين كات فقط، وكات الحلوة وأحيانا كات الشرسة، ولذا، عندما سمعت الناس في كل بلد ينوهون برقتك ويرددون آيات جمالك، جئت إليك لأطلب يدك.»
صاحت كاتارينا قائلة: «تطلب يدي؟! هذا مستحيل!» ثم قالت له عبارات بذيئة للغاية، وأنا آسفة أن أقول إنها انتهى بها الحال بلكمه في أذنيه.
قال لها بهدوء: «إن فعلت هذا ثانية، فسأضربك.» وأكد، بعد أن أثنى عليها كثيرا، أنه لن يتزوج سواها.
عندما عاد بابتيستا ثانية، سأله على الفور: «كيف سعيك مع ابنتي؟»
رد بيتروتشيو: «كيف يكون إلا موفقا يا سيدي؟ محال أن يخيب سعيي.»
قال الأب: «وماذا عنك الآن يا ابنتي كاتارينا؟»
قالت كاتارينا في غضب: «لا أظن أنك لو أردت أن تلعب دور الأب الحنون، سترغب في أن تزوجني من هذا الوحش المندفع.»
قال بيتروتشيو: «خلاصة الأمر أنك أنت وسواك ممن تناولوها بالكلام إنما تكلمتم عنها خطأ. يجب أن ترى كيف أنها تكون ودودة معي عندما نكون بمفردنا. باختصار، سأذهب إلى البندقية لأشتري بعض الأشياء الفاخرة من أجل زفافنا؛ لأننا اتفقنا على الزواج يوم الأحد؛ هيا، لتقبليني يا كات!»
عقب ذلك، اندفعت كاتارينا خارجة من الغرفة من أحد الأبواب وهي غاضبة، في حين خرج هو، وهو يضحك، من الباب الآخر. لكن ما إذا كانت قد وقعت في حب بيتروتشيو أو كانت سعيدة فقط لمقابلة رجل لم يكن خائفا منها، أو شعرت بالإطراء لأنه لا يزال يرغب في الزواج منها رغم كلماتها القاسية في حقه ومعاملتها السيئة له، فقد تزوجته بالفعل يوم الأحد، كما أقسم إنها ستفعل.
وحتى يغيظ ويهين روح كاتارينا المتكبرة والعنيدة، تأخر عن موعد الزفاف، وعندما جاء، كان يرتدي ملابس رثة لدرجة أنها كانت تخجل أن ترى معه. كان خادمه يرتدي على نفس النحو الرث، وكان الحصانان اللذان كانا يركبانهما مثار سخرية كل من مر بهما.
وبعد الزواج، وفي الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه مأدبة الزفاف، قرر بيتروتشيو أن يأخذ زوجته ويرحل، ولم يسمح لها بالأكل أو الشرب، قائلا إنها أصبحت ملكه الآن، وإنه يستطيع أن يفعل بها ما يشاء.
وكان أسلوبه عنيفا للغاية وتصرف طوال الزفاف بطريقة مجنونة ومخيفة جدا لدرجة أن كاتارينا فزعت وذهبت معه. أركبها على ظهر حصان عجوز هزيل يتعثر في مشيه، ثم سارا في طرق موحلة وعرة حتى وصلا إلى بيت بيتروتشيو والذي أخذ طوال الطريق يسب ويلعن.
كاتارينا تلكم الخادم في أذنيه.
كانت في غاية التعب عندما وصلت إلى بيتها الجديد، لكن صمم بيتروتشيو على ألا تأكل أو تنام في تلك الليلة، لأنه قرر أن يعلم زوجته السيئة الطباع درسا لن تنساه أبدا.
رحب بها بود في بيته، لكن عندما قدم العشاء، أخذ يعدد مآخذه عليه؛ إذ قال إن اللحم محروق، ولم يطبخ على نحو جيد، وإنه يحبها للغاية لدرجة أنه ما كان ليدعها تأكل إلا أفضل شيء. وفي النهاية، ذهبت كاتارينا التي كانت متعبة بشدة من الرحلة التي قامت بها، للنوم دون أن تتناول طعام العشاء. وبعد ذلك، حطم زوجها، وهو لا يزال يخبرها بمدى حبه لها وكيف أنه يريد بشدة أن تنام نوما جيدا، سريرها وألقى بالوسائد والملاءات على الأرض، حتى لا تستطيع النوم على الإطلاق، وكان لا يزال يصرخ في وجوه الخدم ويوبخهم حتى يمكن أن ترى كاتارينا مدى قبح أن يكون الشخص سيئ الطباع.
في اليوم التالي أيضا، وجد مآخذ عديدة في طعام كاتارينا، وجرى رفعه من أمامها قبل أن تمد يدها إليه، وكانت متوعكة وتشعر بالدوار لحرمانها النوم. ثم قالت لأحد خدمها: «أرجوك أن تذهب وتأتيني بشيء من الطعام، ولا يهمني ماذا تحضر.»
قال الخادم: «ما قولك في كراع بقري؟»
ردت كاتارينا بحماس: «نعم!» لكن الخادم، الذي كان مطلعا على خطة سيده، قال لها إنه يخشى أن يكون غير ملائم لمن هم سريعو الغضب. ثم سألها: «ماذا تقولين في كرشة؟»
ردت كاتارينا: «أحضرها لي.»
قال الخادم: «لا أظن أن «هذه» مناسبة للأشخاص سريعي الغضب. ما رأيك في طبق من لحم البقر بالخردل؟»
قالت كات: «إنه يعجبني.»
يذكر بيتروتشيو مآخذه على العشاء. «لكن الخردل حار جدا.»
قالت كاتارينا، وقد أخذ الجوع يتملكها أكثر فأكثر: «إذن فهات اللحم ودع الخردل.»
قال الخادم: «لا بد أن تأخذي الخردل وإلا فلن تلمسي اللحم من يدي.»
فصاحت كاتارينا، وقد أخذت تفقد صبرها: «إذن فهاتهما كليهما، أو أحدهما، أو ما تشاء.»
قال الخادم: «إذا كان الأمر كذلك، فالخردل دون اللحم.»
وجدت كاتارينا أنه يسخر منها، فلكمته في أذنيه.
في تلك اللحظة أحضر بيتروتشيو لها بعض الطعام، ولكن ما إن بدأت تمد يديها إليه لتسد جوعها، حتى أذن بدخول الخياط ليحضر لها ملابس جديدة ورفعت المائدة، تاركا إياها وهي لا تزال جائعة. سرت كاتارينا بالرداء والقبعة الجديدين الأنيقين اللذين صنعهما لها الخياط، لكن بيتروتشيو أخذ يعدد المآخذ الموجودة فيهما، وألقى بالقبعة والرداء على الأرض، وأقسم ألا ترتدي زوجته الحبيبة أيا من هذين الشيئين السيئين.
صاحت كاتارينا قائلة: «سأحصل عليهما. إن كل السيدات النبيلات يلبسن اليوم قبعات مثل هذه.»
رد عليها قائلا: «عندما تصبحين نبيلة، ستحصلين على مثلها. أما قبل ذلك، فلا.» وعندما طرد بيتروتشيو الخياط بكلمات غاضبة، رغم أنه طلب على انفراد من صديق له أن يدفع له مقابل ما أحضره إليه، قال: «تعالي يا عزيزتي كات، سنذهب إلى بيت أبيك ولو في هذه الثياب العادية؛ فكما أن أشعة الشمس تنفذ من أقتم السحب وتبين، فكذلك الشرف يتراءى للعين من وراء أحقر الملابس. إن الساعة الآن السابعة تقريبا، وعليه، فلدينا من الوقت فسحة لنصل قبيل موعد الغداء.»
قالت كات: «إنها قاربت الثانية.» وكان ذلك على نحو مهذب بالقدر الكافي لأنه تأكد لها أنها لا تستطيع التنمر على زوجها، كما كانت تفعل مع أبيها وأختها، وأضافت: «إنها قاربت الثانية، وإن موعد العشاء سيكون قد حل قبل أن نصل إليهم.»
قال بيتروتشيو بعناد: «ستكون السابعة قبل أن أذهب لأركب! اذكري أنك لا تزالين تناقضين كل ما أنطق به أو أفعله أو أنوي فعله. إنني لن أرحل اليوم، وقبل أي رحيل متى كان، ستكون الساعة ما أريدها أنا أن تكون.»
وأخيرا شرعا في طريقهما إلى منزل أبيها. وقال لها بيتروتشيو: «انظري إلى القمر.»
فردت كاتارينا: «إنها الشمس.» وفي الحقيقة كانت الشمس بالفعل.
قال بيتروتشيو: «أقول لك إنه القمر. هل تعارضينني ثانية؟! إنها الشمس أو القمر أو ما أقوله أنا، وإلا فلن أصحبك إلى منزل أبيك.»
استسلمت كاتارينا للأبد. وقالت: «سم أي شيء ما شئت من الأسماء، وسيكون هو ما سميته في عين كاتارينا.» وهذا هو ما حدث، فمنذ تلك اللحظة، شعرت كاتارينا أنها قد صادفت أخيرا سيدها، ولم تتعامل معه، هو أو أي شخص آخر، مرة ثانية بعجرفة.
وهكذا، استمرا في رحلتهما إلى بيت بابتيستا، وعندما وصلا إلى هناك، وجدا كل المعارف يحضرون مأدبة زواج بيانكا، وتلك الخاصة بزوجين آخرين متزوجين حديثا، وهما هورتنسيو وزوجته. رحب بهما وجلسا في المأدبة، والكل كان سعيدا فيما عدا أن زوجة هورتنسيو، عندما رأت كاتارينا خاضعة لزوجها، ظنت أنها تستطيع بكل أمان أن تقول العديد من الأشياء المسيئة التي ما كانت تجرؤ قبل ذلك على قولها عندما كانت كاتارينا حرة ومتمردة. لكن كاتارينا ردت بشجاعة وذوق شديدين لدرجة أنها جعلت المزاح ينقلب على العروس الجديدة.
وبعد العشاء، عندما تنحت السيدات جانبا، اشترك بابتيستا في مزاح ضد بيتروتشيو وقال: «أصارحك جادا، يا ولدي بيتروتشيو، أنك قد تزوجت أشرسهن جميعا.»
قال بيتروتشيو: «أنت مخطئ، ودعني أثبت لك هذا. فليرسل كل منا في طلب زوجته، ومن كانت امرأته أسرع في المجيء إليه طوعا لأمره، فله الرهان الذي سنتفق عليه الآن.»
وافق الزوجان الآخران دون تردد؛ إذ ظن كل منهما أن زوجته هي الأكثر طاعة، واعتقد كل منهما أنه متأكد تماما من الفوز بالرهان.
اقترحوا رهانا بعشرين كرونا.
قال بيتروتشيو: «عشرون كرونا! إني أراهن بمثل ذلك على كلبي أو صقري. لكن أراهن بعشرين ضعفا على زوجتي.»
قال لوتشنتيو، زوج بيانكا: «إذن فليكن الرهان مائة.»
قال الجميع: «اتفقنا.»
أرسل لوتشنتيو رسالة لبيانكا الحسناء يطلب فيها أن تأتي إليه. وقال بابتيستا إنه واثق من أن ابنته ستأتي. لكن الخادم عاد وقال: «سيدي، تقول سيدتي إنها مشغولة ولا تستطيع الحضور.»
قال بيتروتشيو: «هذا جواب لك.» «ستكون محظوظا لو لم تجبك زوجتك بشر منه.»
رد بيتروتشيو: «بل إني لأرجو أن يكون خيرا منه.» ثم قال هورتنسيو: «اذهب وتوسل إلى زوجتي أن تأتي إلي على الفور.»
قال بيتروتشيو: «أوه! «يتوسل» إليها!»
قال هورتنسيو بحدة: «أخشى، يا سيدي، أن زوجتك لن يجدي معها التوسل مهما بذلت من جهد.»
وها هو الخادم يدخل ويقول: «تقول إنك تمزح معها؛ ولذلك ترفض الحضور.»
صاح بيتروتشيو قائلا: «الأمور تتجه في صالحي، والآن اذهب إلى سيدتك وقل لها إني «آمرها» أن تأتي إلي.»
وبدءوا جميعهم يضحكون قائلين إنهم يعرفون ماذا سيكون جوابها، وإنها سترفض المجيء إليه.
ثم صاح بابتيستا فجأة: «ها قد أتت كاتارينا!» وبالتأكيد، جاءت.
سألت زوجها: «ماذا تريد يا سيدي؟» «أين أختك وزوجة هورتنسيو؟» «في غرفة الجلوس تتحادثان بجوار المدفأة.» «اذهبي هاتيهما هنا.»
عندما ذهبت لإحضارهما، قال لوتشنتيو: «هذا هو العجب بعينه!»
قال هورتنسيو: «أتساءل ماذا يعني؟»
قال بيتروتشيو: «إنه يعني السلام والحب والحياة المطمئنة.»
قال بابتيستا: «حسنا، لقد فزت بالرهان، وسأزيد عشرين ألف كرون أخرى لمهرها - بحيث يكون مهرا آخر لابنة أخرى - لأنها قد استحالت فأصبحت إنسانة أخرى غير من كنت أعهد.»
وهكذا، ربح بيتروتشيو الرهان، ووجد في كاتارينا زوجة محبة ومخلصة، والآن بعد أن كسر شوكة روحها المتكبرة والغاضبة، صار يحبها حبا حقيقيا، وصار الشعور الوحيد الذي يتبادلانه هو الحب. وعاشا معا في سعادة دائمة.
الصاع بالصاع
منذ عدة قرون لم أهتم بإحصائها، كان أهل فيينا يحكمون على نحو متساهل. والسبب أن الدوق فيتشنتيو، الذي كان يحكمهم، كان طيبا للغاية، وكان يكره أن يجعل المذنبين غير سعداء.
كانت النتيجة أن عدد المسيئين في فيينا كان كافيا لأن يجعل الدوق يهز رأسه في حزن عندما أراه إياه كبير مساعديه في نهاية قائمة بأسمائهم؛ لذا قرر أن المخطئين يجب أن يعاقبوا. لكن شعبيته كانت مهمة بالنسبة إليه. وكان يدرك أنه إذا أصبح حازما فجأة بعد أن كان متساهلا، فسيجعل الناس يرون أنه قد أصبح طاغية. ولهذا السبب، أخبر مجلسه الخاص بأنه يجب أن يذهب إلى بولندا في شأن هام خاص بالدولة. ثم قال: «لقد اصطفيت أنجيلو نائبا عني في أثناء غيابي.»
إن أنجيلو هذا، رغم أنه كان يبدو نبيلا، كان رجلا وضيعا. فقد وعد فتاة تدعى ماريانا بالزواج، لكنه تخلى عن وعده لأن مهرها فقد؛ لذا أخذت ماريانا المسكينة تعيش يائسة، تنتظر كل يوم قدوم حبيبها البخيل والذي كانت لا تزال تحبه.
بعد أن عين الدوق أنجيلو نائبا له، ذهب إلى راهب يدعى توماس وطلب منه أن يعطيه ملابس راهب ويعلمه فن إعطاء المواعظ الدينية لأنه لم يكن ينوي الذهاب إلى بولندا وإنما نوى البقاء في بلده ليرى كيف سيحكم أنجيلو.
لم يمر يوم على تولي أنجيلو لمنصبه حتى حكم بالموت على شاب يدعى كلاوديو لارتكابه فعلا أنانيا مندفعا والذي كان سيعاقب عليه - لولا تولي أنجيلو - بأن يوبخ توبيخا عنيفا.
كان لدى كلاوديو صديق غريب يدعى لوشيو، ووجد لوشيو أن هناك فرصة لإطلاق سراح كلاوديو إذا ذهبت أخت كلاوديو الحسناء إيزابيلا إلى أنجيلو وتوسلت إليه أن يعفو عنه.
كانت إيزابيلا تعيش في ذلك الوقت في دير. ولم يكن أحد قد شغل قلبها، وظنت أنها تفضل أن تصبح راهبة.
في تلك الأثناء، كان لدى كلاوديو من يدافع عنه، وهو نبيل عجوز، يدعى إسكالوس، والذي راح يطلب له الرأفة. قال: «لنجرح جرحا خفيفا خير لنا من أن نقتل.» ثم أضاف: «إن هذا الرجل الشريف كان والده رجلا جد نبيل.»
لم يتأثر أنجيلو. وقال: «إذا وجدني اثنا عشر رجلا مذنبا، فلن أسأل أي تخفيف غير ذلك المنصوص عليه في القانون.»
ثم أمر أنجيلو آمر السجن بأن يعدم كلاوديو في التاسعة من صباح اليوم التالي.
بعد إصدار هذا القرار، أخبر أنجيلو بأن أخت الرجل المدان ترغب في رؤيته.
قال أنجيلو: «دعها تدخل.»
عندما دخلت الفتاة الجميلة هي ولوشيو، قالت: «جئت ألوذ برحاب شرفكم.»
قال أنجيلو: «حسنا، ماذا تريدين؟»
احمر وجهها من كلماته القليلة الحادة وزادت الحمرة التي علت وجهها من جماله. ثم قالت: «لدي أخ حكم عليه بالإعدام. وإني ألتمس منك أن تدين الخطأ وتعفو عن أخي.»
قال أنجيلو: «كل خطأ مدان قبل أن يرتكب. وهو غير مسموح به. ولن تتحقق العدالة إذا أطلق سراح مرتكبه.»
كانت ستترك البلاط وترحل لولا أن لوشيو قال لها هامسا: «إنك جد باردة؛ لو كنت في حاجة إلى دبوس، لما طلبته بلسان أكثر وداعة.»
لذا، أخذت إيزابيلا تلح عليه ثانية ليعفو عنه، وعندما قال: «لن أعفو عنه.» لم تيأس، وعندما قال: «لقد سبقت إدانته، ولم يعد هناك وقت.» عادت إلى الإلحاح. لكن كل سعيها كان بالحجج المنطقية، لكنها حتى بهذه الحجج، لم تستطع الانتصار على نائب الدوق.
الدوق في زي الراهب.
قالت له إنه لا شيء أقوى من الرحمة. وأخبرته أن البشر يتلقون الرحمة من السماء ويطلبونها منها، وإنه من الجيد أن تكون لديك قوة هائلة ومن السيئ أن تستخدمها وتتجبر. وقالت له إن البرق يفلق شجرة البلوط ويترك الآسة الرقيقة. وطلبت منه أن ينظر في فؤاده ويرى إن كان به ذنب، فإن وجد واحدا، فليحجم عن أن يودي بحياة أخيها.
وجد أنجيلو ذنبا في فؤاده في تلك اللحظة. لقد أعجب بجمال إيزابيلا وكان ميالا لأن يفعل من أجل جمالها ما كان لن يقدم على فعله من أجل حب أي رجل.
بدا أن قلبه بدأ يلين حيث قال لها: «تعالي إلي غدا قبل الظهر.»
لقد نجحت، على أي حال، في تمديد حياة أخيها لبضع ساعات.
وفي غيابها، كان ضمير أنجيلو يلومه على عدم أداء واجبه القانوني.
عندما زارته إيزابيلا للمرة الثانية، قال: «إن أخاك يجب أن يموت.»
اندهشت إيزابيلا على نحو مفجع، لكن كل ما قالته كان: «ومع ذلك، فلتحفظك السماء.»
لكن بينما التفتت لتنصرف، شعر أنجيلو أن واجبه وشرفه كانا هينين مقارنة بفقده لها.
قال لها: «أعطيني حبك وسيطلق سراح كلاوديو.»
ردت إيزابيلا: «إنه سيقدم عشرين رأسا للقطع على منصة الإعدام قبل أن أتزوجك»؛ إذ شعرت حينها أنه ليس الرجل العادل الذي يدعيه.
لذا، ذهبت إلى أخيها في السجن لتخبره بأنه يجب أن يموت. في البداية، كان معتزا بنفسه ، ووعد بأن يضم ظلمة الموت بين ذراعيه. لكنه عندما أدرك بوضوح أن أخته يمكنها أن تشتري له حياته بالزواج من أنجيلو، شعر أن حياته أغلى من سعادتها، وقال راجيا إياها: «أختي العزيزة، امنحيني الحياة.»
صرخت فيه قائلة: «ويحك أيها الرعديد الغادر! ويحك أيها الشقي الفاسق!»
في تلك اللحظة، جاء الدوق، متنكرا في زي راهب، ليلتمس الحديث إلى إيزابيلا. وسمى نفسه الراهب لودويك.
قال لها الدوق إن أنجيلو قد خطب ماريانا للزواج وحكى لها قصة حبها. ثم طلب منها أن تنفذ الخطة التالية. ستذهب ماريانا، في زي إيزابيلا، وهي مغطاة الرأس، إلى أنجيلو، وتقول، بصوت يشبه صوت إيزابيلا، إنها ستتزوجه إن لم يعدم كلاوديو. وتأخذ الخاتم الذي يلبسه في إصبعه الصغير، حتى يمكن فيما بعد إثبات أن من زاره هو ماريانا.
كانت إيزابيلا، بالطبع، تكن احتراما كبيرا للرهبان، الذين كانوا يشبهون تماما الراهبات في ورعهم؛ لذا وافقت على خطة الدوق، واتفقا على اللقاء مرة ثانية في المنزل الريفي المحاط بالماء، وهو، منزل ماريانا.
إيزابيلا تستجدي أنجيلو.
في الشارع، رأى الدوق لوشيو الذي عندما رأى رجلا يرتدي زي راهب، ناداه قائلا: «ما أخبار الدوق، أيها الراهب؟» رد الدوق: «ليس لدي أي أخبار.»
ثم ذكر لوشيو للدوق بعض أخبار أنجيلو. ثم ذكر له خبرا عن الدوق. لكن الدوق نفاه. استفز هذا لوشيو، ووصف الدوق بأنه «أحمق جاهل وسطحي.» رغم أنه تظاهر بأنه يحبه. قال الدوق على نحو متجهم: «ستزداد معرفة الدوق بك إذا امتد بي العمر حتى أحكي له عنك.» ثم سأل إسكالوس، الذي رآه أيضا في الشارع، عن رأيه في سيده الدوق. رد إسكالوس، الذي ظن أنه يتحدث إلى راهب، قائلا: «الدوق رجل عفيف النفس إلى أقصى حد، وكان يسعده أن يرى غيره من الناس سعيدا، لا أن يشعر بالسعادة تغمره هو.»
ثم استكمل الدوق المسير لبيت ماريانا.
وصلت إيزابيلا على الفور بعد وصوله إلى بيت ماريانا، وقدم الدوق الفتاتين بعضهما لبعض، وكانا كلتاهما تظنان أنه راهب. ذهبت الفتاتان إلى غرفة أخرى غير التي كان فيها الراهب لتناقشا أمر إنقاذ كلاوديو، وبينما كانتا تتحدثان بصوت منخفض وجاد، نظر من النافذة ورأى السقائف المهشمة وأحواض الزرع المغطاة بالأشن الأسود، الأمر الذي يشي بإهمال ماريانا لبيتها الريفي. إن الكثير من النساء كن سيهتممن بحدائقهن، أما هي، فلا. فقد كانت عينها على المدينة؛ لذا، تجاهلت مباهج الريف. كان الدوق متأكدا من أن أنجيلو سيجعلها أكثر سعادة.
قالت إيزابيلا، وهي عائدة مع ماريانا: «لقد اتفقنا، أيها الأب.»
وهكذا، خدع أنجيلو من قبل الفتاة التي كان قد أبعدها عن حبه وألبسها في إصبعها خاتما كان له، والذي كان به حجر كريم له لون اللبن يلمع في الضوء معطيا ألوانا غامضة.
عندما سمع الدوق بخبر نجاحها في إتمام الخطة، ذهب في اليوم التالي إلى السجن وانتظر أن يصل قرار بإطلاق سراح كلاوديو. لكنه لم يصل، وسلم خطاب إلى آمر السجن بينما كان ينتظر هناك. لقد كانت دهشته عظيمة عندما قرأ آمر السجن هذه الكلمات: «مهما ترامى إليك من أخبار تناقض ذلك، ليتم إعدام كلاوديو قبل الساعة الرابعة. ولتعمل على أن يصلني رأسه قبل الخامسة.»
لكن الدوق قال لآمر السجن: «يجب أن ترسل إلى نائب الدوق رأسا آخر»، وأراه خطابا وختما. ثم قال له: «هذا توقيع وختم الدوق. دعني أخبرك بأنه سيعود وهذا أمر لا يعرف عنه أنجيلو شيئا. أعط أنجيلو رأسا آخر.»
قال آمر السجن في نفسه: «هذا الراهب يتكلم بثقة. أنا أعرف ختم الدوق وأعرف كذلك خطه.»
ثم قال في النهاية: «لقد مات رجل في السجن هذا الصباح، وهو قرصان في نفس عمر كلاوديو، وله لحية باللون نفسه. سأرسل له رأسه.»
أرسل رأس القرصان في الوقت المحدد إلى أنجيلو الذي خدع بسبب تشابهه مع رأس كلاوديو.
قوبل خبر عودة الدوق بترحاب شديد لدرجة أن الرعية ساعدوا في نزع بوابات فيينا حتى يسهلوا دخوله إلى المدينة. ظهر أنجيلو وإسكالوس في الوقت المناسب لاستقباله، وأثني على توليهما الأمور في غياب الدوق.
لذا، كان أمرا غير سار بالنسبة إلى أنجيلو عندما جثت إيزابيلا، التي كانت غاضبة بشدة من خيانته، أمام الملك وأخذت تطلب العدل منه.
عندما حكيت قصتها، صاح الدوق قائلا لأحد الضباط: «اذهب بها إلى السجن لأنها تحاول التشهير بذراعي اليمنى! لكن انتظري، من الذي أقنعك بالمجيء إلى هنا؟»
قالت: «الراهب لودويك.»
سأل الدوق: «من يعرف لودويك هذا؟»
رد لوشيو: «أنا أعرفه، يا سيدي. لقد ضربته لأنه قد فاه ببعض ألفاظ تجرح فخامتك.»
قال راهب كان هناك يسمى بيتر: «الراهب لودويك رجل فاضل.»
أخذ أحد الضباط إيزابيلا، ودخلت ماريانا. وخلعت غطاء وجهها وقالت لأنجيلو: «هذا هو الوجه الذي حلفت يوما أنه يستهويك.»
واجهها بشجاعة عندما أظهرت يدها وقالت: «هذه هي اليد التي ترتدي الخاتم الذي ظننت أنك أعطيته واحدة أخرى.»
قال أنجيلو: «إنني أعرف هذه المرأة. ومنذ فترة، جرى حديث عن الزواج بيني وبينها، لكني وجدتها طائشة.»
وهنا، قالت في انفعال إنهما قد خطبا وتعاهدا على الزواج. رد أنجيلو بأن طلب من الدوق الإصرار على حضور الراهب لودويك.
وعد الدوق قائلا: «سوف يحضر.» وطلب من إسكالوس أن يستجوب الشاهد الغائب باستفاضة بينما سيذهب هو إلى مكان آخر.
وبعد وقت قصير، ظهر الدوق مرة ثانية في شخصية الراهب لودويك ودخل بصحبة إيزابيلا وآمر السجن. لم يستجوب بقدر ما أسيء إليه وهدد من قبل إسكالوس. سأله لوشيو إذا ما كان سينكر، إذا كان يجرؤ على ذلك، أنه وصف الدوق بأنه أحمق وجبان، وجذب من أنفه لوقاحته.
صاح إسكالوس: «اذهبوا به إلى السجن.» ولكن بمجرد أن قبض عليه، خلع الدوق عنه قناع الراهب، وظهر أنه الدوق أمام الجميع.
ثم قال لأنجيلو: «والآن، إذا كانت ما تزال لديك أي جرأة يمكن أن تفيدك، فاستخدمها إن كانت لها أي قيمة.»
كان الرد: «حكم فوري وإعدام هما كل ما أرجوه.»
سأله الدوق: «ألم تتعهد بالزواج من ماريانا؟»
قال أنجيلو: «بلى.»
قال سيده: «إذن، تزوجها في الحال.» ثم أضاف موجها كلامه إلى الراهب بيتر: «زوجهما، وعد بهما إلى هنا.»
ثم قال الدوق بنبرة رقيقة: «تعالي إلى هنا يا إيزابيلا. لقد أصبح راهبك الآن أميرك، وهو حزين لأنه لم يستطع إنقاذ أخيك!» لكن الدوق اللئيم كان يعرف أنه قد أنقذه.
قالت: «اعف عني لأني قد جلبت المتاعب لجلالتك.»
قال بابتهاج: «لك مني العفو.»
في تلك اللحظة، دخل أنجيلو وزوجته مرة ثانية. وقال الدوق بجدية: «والآن، يا أنجيلو، قضينا عليك بذات منصة الإعدام حيث أحنى كلاوديو رأسه للموت!»
صاحت ماريانا قائلة: «يا مولاي الكريم، إني لألتمس ألا تسخر بي!»
قال الدوق: «ستحصلين على زوج أفضل منه.» «لقد أصبح راهبك الآن أميرك.»
قالت: «أوه، يا سيدي العزيز، إني لا أتمنى رجلا غيره.»
انضمت إيزابيلا بنبل إلى ماريانا في تضرعها للدوق، لكن الدوق تصنع عدم المرونة.
وقال: «يا آمر السجن، كيف جرى قطع رأس كلاوديو في ساعة مبكرة على غير العادة؟»
قال آمر السجن وهو خائف من الاعتراف بالكذبة التي كذبها على أنجيلو: «لقد وصلتني رسالة شخصية.»
قال الدوق: «سأعفيك من منصبك.» ثم انصرف آمر السجن. وقال أنجيلو: «يؤسفني أن أكون مصدرا لهذا الأسى. أنا أفضل الموت على الرحمة.» وبعد فترة قصيرة، كانت هناك حركة في الجمع. وظهر آمر السجن مرة ثانية ومعه كلاوديو. وكصبي كبير، قال آمر السجن: «لقد أنقذت هذا الرجل؛ إنه يكاد يشبه كلاوديو.» سر الدوق وقال لإيزابيلا: «سأعفو عنه لأنه يشبه أخاك. وإنه سيكون مثل أخي، أنا أيضا، إن أنت وافقتي، يا عزيزتي إيزابيلا، على أن تكوني لي.»
وافقت إيزابيلا بابتسامة على الزواج منه، وعفا الدوق عن أنجيلو، ورقى آمر السجن.
وحكم على لوشيو بالزواج من امرأة بدينة سليطة اللسان.
نبيلان من فيرونا
إن واحدا فقط منهما سيكون بحق رجلا نبيلا، كما ستكتشفون لاحقا. كان اسما هذين الرجلين هما فالنتاين وبروتياس. كانا صديقين ويعيشان في فيرونا، وهي مدينة في شمال إيطاليا. كان فالنتاين محظوظا باسمه لأنه كان ذلك الخاص بالقديس الراعي للمحبين؛ فقد كان من الصعب على أي فالنتاين أن يكون متقلب المزاج أو وضيعا. أما بروتياس، فلم يكن محظوظا باسمه لأنه كان ذلك الخاص بشخصية شهيرة تغير من شكلها، مما شجعه بالتالي على أن يكون محبا مخلصا في بعض الأوقات وخائنا في أوقات أخرى.
ذات يوم، أخبر فالنتاين صديقه أنه ذاهب إلى ميلانو. وقال له: «أنا لست عاشقا مثلك، ومن ثم، لا أريد البقاء في هذه البلاد.»
كان بروتياس يحب فتاة شقراء جميلة تسمى جوليا وكانت الفتاة غنية، ولم يكن هناك أحد يتحكم فيها. لكنه كان حزينا على فراق فالنتاين وقال: «إن وقعت يوما في أي خطر، أخبرني، وسأصلي من أجلك.» ثم ذهب فالنتاين إلى ميلانو مع خادم يدعى سبيد، وفي ميلانو، وقع في حب ابنة دوق ميلانو، سيلفيا.
عندما افترق فالنتاين وبروتياس، لم تكن جوليا قد أقرت بأنها كانت تحب بروتياس. في واقع الأمر، لقد مزقت إحدى رسائله في حضور خادمتها، لوتشيتا. لكن لوتشيتا لم تكن ساذجة؛ إذ عندما رأت أجزاء الرسالة الممزقة، قالت في نفسها: «كل ما تريد هو أن تصلها رسالة أخرى.» وبالفعل، بمجرد أن تركت لوتشيتا جوليا بمفردها، ندمت على تمزيقها الرسالة ووضعت بين ثوبها وقلبها قصاصة الورق المكتوب فيها اسم بروتياس. وهكذا بتمزيق رسالة كتبها لها بروتياس، اكتشفت أنها تحبه. ثم، كفتاة رقيقة شجاعة، كتبت إلى بروتياس تقول: «اصبر، وستتزوجني.»
سعد بروتياس بهذه الكلمات، وراح يتمشى، ملوحا برسالة جوليا ومتحدثا إلى نفسه.
سأله أبوه، أنطونيو: «ما هذا الذي معك؟»
كذب بروتياس وقال: «إنها رسالة من فالنتاين.»
قال أنطونيو: «دعني أقرؤها.»
قال بروتياس كذبا: «ليس فيها من أنباء؛ إنه يقول لي فقط إنه سعيد للغاية، وإن دوق ميلانو يعامله معاملة حسنة، ويتمنى لو كنت معه.»
جعلت تلك الكذبة أنطونيو يظن أن ابنه يجب أن يذهب إلى ميلانو ويتمتع بالمتع التي كان فالنتاين غارقا فيها. أمره قائلا: «يجب أن تذهب غدا.» فزع بروتياس لذلك. وقال: «امنحني بعض الوقت كي أجهز نفسي.» رد عليه بالوعد الآتي: «سأرسل لك فيما بعد ما تحتاج إليه.»
حزنت جوليا لافتراقها عن حبيبها قبل أن يصل عمر خطبتهما إلى يومين. أعطته خاتما وقالت له: «احتفظ بهذا من أجلي »، وأعطاها هو خاتما، وقبلها كاثنين تعاهدا على أن يكون كل منهما مخلصا للآخر حتى الموت. ثم رحل بروتياس إلى ميلانو.
في هذه الأثناء، كان فالنتاين يسري عن سيلفيا، التي جعلته عيناها الرماديتان الضاحكتان تحت شعرها الكستنائي يغرق في حبها. في أحد الأيام، قالت له إنها تريد أن تكتب خطابا رقيقا لأحد النبلاء الذي تحبه، لكن ليس لديها وقت، فسألته إن كان بإمكانه أن يكتبه لها. كره فالنتاين بشدة كتابة هذا الخطاب لها، لكنه كتبه، وأعطاها إياه في برود. فقالت له: «خذه، فلقد كتبته وأنت كاره.»
فالنتاين يكتب خطابا من أجل سيلفيا.
قال: «سيدتي، لقد كان من الصعب علي كتابة هذا الخطاب من أجلك.»
أمرته قائلة: «خذه؛ فأنت لم تكتبه بالرقة الكافية.»
ترك فالنتاين بمفرده بصحبة الخطاب، وكان عليه كتابة خطاب آخر، لكن خادمه، سبيد، كان يرى أن سيلفيا، في واقع الأمر، قد سمحت لفالنتاين بأن يكتب بالنيابة عنها خطاب حب لفالنتاين نفسه. وقال: «إن المزحة بارزة كدوارة الريح في أعلى برج الكنيسة.» كان يعني بهذا أن الأمر واضح للغاية، واستمر في الحديث حتى حدد بالضبط ما كان عليه الأمر: «إن كان سيدي هو من سيكتب لها خطابات الحب، فإنه يجب أن يرد عليها.»
سيلفيا تقرأ الخطاب.
عندما وصل بروتياس، قدمه فالنتاين لسيلفيا، وبعد قليل، عندما أصبحا بمفردهما، سأل فالنتاين بروتياس عن مدى تطور حبه لجوليا.
قال بروتياس: «لماذا تسألني؟ لقد كنت تتضايق عندما أتحدث عنها.»
قال فالنتاين معترفا: «نعم، لكن الأمر اختلف الآن. فأنا يمكن ألا آكل أو أشرب طوال اليوم شيئا سوى المحبة في طبقي وفي كأسي.»
قال بروتياس: «إنك ترفع سيلفيا إلى مرتبة الآلهة.»
رد فالنتاين: «إنها مقدسة!»
اعترض بروتياس قائلا: «دعك من هذا!»
قال فالنتاين: «حسنا، إن لم تكن مقدسة، فهي الملكة على كل نساء الأرض.»
قال بروتياس: «فيما عدا جوليا.»
قال فالنتاين: «يا عزيزي، لا تستثن جوليا؛ لكني أقر بأنها وحدها تستحق حمل أذيال سيدتي.»
قال بروتياس: «إن تباهيك يدهشني.»
لكنه رأى سيلفيا، وأحس فجأة أن جوليا الشقراء كانت سوداء عند مقارنتها بسيلفيا؛ لذا تحول على الفور في فكره إلى شخصية شريرة، وقال في نفسه ما لم يقله مطلقا من قبل: «أنا بالنسبة إلى نفسي أعز من صديقي.»
لعله كان من الأفضل بالنسبة إلى فالنتاين إن غير بروتياس، بقدرة الإله الذي كان يحمل اسمه، شكل جسده في اللحظة الشريرة التي احتقر فيها جوليا إعجابا بسيلفيا. لكن جسده لم يتغير؛ فابتسامته كانت لا تزال ودودة؛ ولذا باح له فالنتاين بالسر الخطير المتمثل في أن سيلفيا قد وعدته بأن تهرب معه. قال له فالنتاين: «في جيب معطفي، يوجد سلم من حرير له خطافان سيمسكان في عتبة نافذة غرفتها.»
عرف بروتياس السبب وراء عزم سيلفيا وحبيبها الهروب. فقد أراد الدوق تزويجها من السير ثوريو، وهو نبيل أحمق لم يكن يعني لها شيئا على الإطلاق.
ظن بروتياس أنه إن استطاع التخلص من فالنتاين، يمكنه أن يجعل سيلفيا تقع في حبه، خاصة إن أصر الدوق على تحملها لثرثرة السير ثوريو المملة؛ لذا ذهب إلى الدوق وقال له: «الواجب قبل الصداقة! إنه ليحزنني أن أخذل صديقي فالنتاين، لكنك يا مولاي يجب أن يعلم أنه ينوي الهروب مع ابنتكم الليلة.» وتوسل إلى الدوق ألا يخبر فالنتاين بالشخص الذي أعطاه هذه المعلومة، وأكد له الدوق أنه لن يكشف عن اسمه.
في وقت مبكر من المساء، استدعى الدوق فالنتاين الذي جاء إليه وهو يرتدي معطفا طويلا ذا جيب منتفخ.
قال الدوق: «هل تعلم برغبتي في تزويج ابنتي بالسير ثوريو؟»
رد فالنتاين: «نعم. إنه رجل فاضل وكريم، كما يليق برجل مبجل بشدة في نظركم يا مولاي.»
قال الدوق: «لكنها لا تحبه؛ فهي فتاة مشاكسة وعنيدة ومتمردة، وأنا حزين أنني لن أترك لها بنسا واحدا. ولذا، فقد انتويت الزواج ثانية.»
انحنى له فالنتاين.
أضاف الدوق: «أنا لا أعرف كيف يتودد شباب اليوم إلى بعضهم، وأظن أنك ستكون الرجل المناسب الذي سيعلمني كيف أفوز بقلب السيدة التي أحبها.»
قال فالنتاين: «الجواهر معروف عنها أن لها دورا فعالا في استمالة النساء.»
قال الدوق: «لقد جربتها.» «إن حب المعطي قد يكتسب إذا أعطيتها يا مولاي المزيد منها.»
استمر الدوق قائلا: «إن العقبة الرئيسية هي أن هذه السيدة موعودة لشاب نبيل، ومن الصعب الحديث إليها. وهي في حقيقة الأمر محتجزة في مكان ما.»
قال فالنتاين: «إذن، يجب أن يفكر جلالتكم في تهريبها. لتجرب سلما من الحبال.»
سأله الدوق: «لكن كيف لي أن أحمله؟»
قال فالنتاين: «هذا السلم خفيف ويمكنك حمله في معطف طويل.» «مثل معطفك؟» «نعم، يا مولاي.» «إذن، معطفك سيفي بالغرض. رجاء، أقرضني إياه.»
أوقع فالنتاين نفسه في مأزق. ولم يستطع أن يرفض إقراضه معطفه، وعندما لبسه الدوق، أخرج من الجيب رسالة مغلقة موجهة إلى سيلفيا. ففتحها بهدوء، وقرأ الكلمات الآتية: «سيلفيا، ستصبحين حرة الليلة.»
قال: «إذن هذا هو الأمر، وهذا هو السلم المصنوع من الحبال. خطة رائعة لكنها ليست محكمة. أمهلك، يا سيدي، يوما لمغادرة بلادي. إن بقيت في ميلانو لهذا الوقت غدا، فستموت.»
حزن فالنتاين المسكين بشدة. وقال: «إن لم أر سيلفيا يوما، فذاك اليوم لا يحسب من عمري.»
وقبل أن يرحل، ودع بروتياس، الذي أثبت أنه منافق من الدرجة الأولى؛ إذ قال الخائن: «الأمل ينعش مهجة العاشق، فحاول أن يغمر صدرك.»
بعد أن غادر فالنتاين وخادمه ميلانو، هاما في غابة بالقرب من مانتوا حيث كان يعيش الشاعر العظيم فرجيل. لكن في الغابة كان الشعراء (إن وجدوا) قطاع طريق يطلبون من المسافرين التوقف. أطاعاهم، وترك فالنتاين انطباعا جيدا للغاية لدى خاطفيه لدرجة أنهم عرضوا عليه إبقاءه على قيد الحياة بشرط أن يصبح زعيما لهم.
قال فالنتاين: «أنا موافق بشرط أن تطلقوا سراح خادمي وألا تتعاملوا بعنف مع النساء أو الفقراء.»
كان الرد نبيلا بحيث حري بفرجيل أن يكتبه، وأصبح فالنتاين زعيم قطاع الطرق.
نعود الآن إلى جوليا التي وجدت فيرونا مكانا كئيبا للعيش منذ رحيل بروتياس. طلبت من خادمتها لوتشيتا أن تجد طريقة تستطيع بها رؤيته. ردت لوتشيتا: «من الأفضل أن تنتظريه حتى يعود.» وتكلمت بعقلانية شديدة لدرجة أن جوليا رأت أنه لا جدوى من أن تأمل أن تتحمل لوتشيتا عاقبة أي مغامرة مثيرة ومندفعة؛ لذا قالت إنها نوت الذهاب إلى ميلانو والتخفي في زي شاب.
قالت لوتشيتا: «يجب إذن أن تقصي شعرك.» وهو الأمر الذي ظنت أن جوليا عندما تسمعه، ستتراجع على الفور عن مسعاها.
الأنشودة الغزلية.
كان ردها المحبط للوتشيتا هو: «سأربط شعري وأعقده.»
ثم حاولت لوتشيتا أن تجعل خطة جوليا تبدو سخيفة بالنسبة إليها، لكن جوليا كانت قد حزمت أمرها وما كان ليثنيها عن عزمها أي سخرية، وعندما انتهت من تنكرها، بدت كشاب وسيم يسر المرء لرؤيته.
اتخذت الاسم الرجالي سيباستيان، ووصلت ميلانو في الوقت المناسب لتستمع إلى موسيقى تعزف خارج قصر الدوق.
قال رجل لها: «إنهم يعزفون لحنا غزليا للسيدة سيلفيا.»
فجأة، سمعت صوتا يعلو بالغناء، وتعرفت على صاحبه. لقد كان صوت بروتياس. لكن ماذا كان يغني؟
من هي سيلفيا هذه، من هي؟
حتى يثني عليها الكل ويباهي.
هي فتاة طاهرة عاقلة أمينة
أسبغت عليها السماء نعما ثمينة
من شأنها أن تزيدها سحرا وإعجابا. [ترجمة أ. ر. مشاطي، وهي الترجمة التي اعتمدنا عليها في ترجمة الاقتباسات من هذه المسرحية]
حاولت جوليا ألا تسمع باقي الغناء، لكن هذين البيتين دويا على نحو ما كالرعد في عقلها:
لننشد إذن إكراما لسيلفيا
فهي تفوق كل مخلوق كريم.
حينها، كان بروتياس يظن أن سيلفيا كانت تفوق جوليا جمالا، ونظرا لأنه كان يغني على نحو جميل للغاية، وذلك حتى يسمع العالم بأسره، بدا أنه ليس فقط لم يحفظ عهده لجوليا، بل أيضا قد نسيها. ومع ذلك، كانت جوليا لا تزال تحبه، بل هي حتى ذهبت إليه وطلبت منه أن تكون تابعا له، ووافق بروتياس.
ذات يوم، أعطاها الخاتم الذي كانت قد أعطته إياه من قبل وقال: «سيباستيان، خذ هذا إلى السيدة سيلفيا وقل لها إنني أريد الصورة التي وعدتني بها.»
أحد الخارجين عن القانون.
كانت سيلفيا قد وعدت بروتياس بإعطائه صورتها، لكنها لم تكن تحبه. لقد كانت مجبرة على الحديث معه لأنه كان ذا مقام عال لدى أبيها، الذي كان يظن أنه يحاول أن يجعلها تحب السير ثوريو. علمت سيلفيا من فالنتاين أن بروتياس قد تعهد بالإخلاص لفتاة جميلة في فيرونا، وعندما وجدته يحاول التودد إليها، شعرت بأنه خائن في الصداقة وكذلك في الحب.
حملت جوليا الخاتم إلى سيلفيا، لكن سيلفيا قالت: «لن أسيء إلى السيدة التي أعطته إياه بارتدائي له.»
قالت جوليا: «إنها تشكرك.»
قالت سيلفيا: «هل تعرفها، إذن؟» وتحدثت جوليا برقة شديدة عن نفسها لدرجة أن سيلفيا تمنت لو تزوج سيباستيان جوليا.
أعطت سيلفيا جوليا صورتها من أجل بروتياس، الذي كانت ستصل إليه مشوهة بإدخال بعض التعديلات على الأنف والعينين لو لم تر جوليا أنها جميلة مثل سيلفيا.
وبعد وقت قصير، كان هناك جلبة في القصر؛ إذ قد هربت سيلفيا.
كان الدوق متأكدا من أنها كانت تنوي أن تلحق بفالنتاين المنفي، وقد كان على صواب.
على الفور بدأ الملاحقة بصحبة السير ثوريو وبروتياس وبعض الخدم.
تفرق الجمع الذي كان يقوم بالملاحقة، وكان بروتياس وجوليا (المتنكرة في زي شاب) بمفردهما عندما رأيا سيلفيا، التي كان يحتجزها بعض الخارجين عن القانون والذين كانوا يقتادونها لزعيمهم. أنقذها بروتياس من أيديهم، ثم قال: «لقد أنقذتك من الموت؛ فجودي علي بنظرة عطف.»
صاحت سيلفيا قائلة: «يا لتعاستي أن تكون أنت من ينجيني! فأنا أفضل على ذلك أن أقع بين أنياب أسد جائع.»
صمتت جوليا لكنها كانت سعيدة. تضايق بروتياس بشدة من سيلفيا لدرجة أنه هددها وأمسكها من خصرها.
صاحت سيلفيا: «يا إلهي!»
في تلك اللحظة، كانت هناك ضجة ناتجة عن طقطقة فروع الأشجار. فقد جاء فالنتاين مندفعا عبر غابة مانتوا لينقذ حبيبته. خشيت جوليا أن يقتل بروتياس، وأسرعت لإنقاذ حبيبها الخائن. لكنه لم يوجه إليه أي ضربة، واكتفى بقوله: «بروتياس، أنا آسف لفقداني الثقة بك للأبد.»
حينئذ، شعر بروتياس بالذنب، وركع وقال: «اصفح عني! أنا حزين جدا! وأتألم بشدة!»
قال فالنتاين الكريم: «إذن، لقد استعدت صداقتك لي مرة أخرى. إن تركتني سيلفيا وأحبتك، فأعدك أنني سأبتعد وأبارك حبكما.»
كانت تلك الكلمات صعبة على جوليا، مما جعلها تفقد الوعي. جعلها فالنتاين تستفيق وقال لها: «ماذا دهاك أيها الغلام؟»
كذبت جوليا قائلة: «لقد تذكرت أنني كلفت بإعطاء خاتم للسيدة سيلفيا، لكني لم أود المهمة.»
قال بروتياس: «حسنا، أعطني إياه.»
أعطته خاتما، لكنه كان الخاتم الذي أعطاه جوليا قبل أن يغادر فيرونا.
نظر بروتياس إلى يدها، فتملكته دهشة شديدة.
قالت: «لقد غيرت هيئتي عندما غيرت أنت رأيك.»
قال: «لكني لا أزال أحبك.»
فجأة، دخل أتباع فالنتاين من الخارجين عن القانون، وقد أحضروا معهم غنيمتين؛ الدوق والسير ثوريو.
صاح فالنتاين بصرامة: «كفى! الدوق له قدسيته.»
قال السير ثوريو متعجبا: «ها هي سيلفيا، حبيبتي.»
قال فالنتاين: «ابتعد وإلا أزهقت روحك.»
قال السير ثوريو: «سأكون مجنونا لو غامرت بأي شيء من أجلها.»
قال الدوق: «إذن، أنت وضيع. فالنتاين، إنك رجل شجاع. وقد انتهت عقوبتك. وأنا أدعوك للعودة. وتستطيع الزواج من سيلفيا؛ فأنت تستحقها.»
قال فالنتاين، وهو متأثر بشدة: «أشكرك يا مولاي، لكني يجب أن أطلب منك معروفا آخر.»
قال الدوق: «وأنا سأستجيب لطلبك.» «اعف عن هؤلاء الرجال، يا مولاي، وأعطهم عملا. فهم يستحقون أفضل مما هم فيه.»
قال الدوق: «عفوت عنهم وعنك. وسيكون عملهم منذئذ بأجر.»
سأله فالنتاين، مشيرا إلى جوليا: «ما رأيك في هذا الغلام، يا مولاي؟»
ألقى الدوق نظرة عليها وقال: «أظن أنه من أصل كريم.»
قال فالنتاين ضاحكا: «إنه جدير بالتقدير أكثر من أي غلام سواه.» وكان العقاب الوحيد الذي كان على بروتياس أن يناله على خيانته للحب والصداقة هو سرد مغامرات جوليا أو سيباستيان الفيرونية في حضوره.
العبرة بالخواتيم
هيلينا وبرترام.
في القرن الرابع عشر، كانت كونتيسة روسيون غير سعيدة في قصرها بالقرب من جبال البرانس. لقد فقدت زوجها واستدعى ملك فرنسا ابنها، برترام، إلى باريس، التي تقع على بعد مئات الأميال منها.
كان برترام شابا وسيما ذا شعر مموج، وحاجبين مقوسين على نحو رائع وعينين حادتين كالصقر. كان مغرورا للغاية، وكان يستطيع الكذب بوجه بريء، يجعله يبدو وكأنه يقول الحقيقة ليصل إلى مأرب أناني. لكن الشاب الوسيم هو الشاب الوسيم، فقد وقعت في غرامه هيلينا.
كانت هيلينا ابنة طبيب عظيم مات وهو في خدمة كونت روسيون. وكانت ثروتها الوحيدة تتمثل في القليل من وصفات أبيها الطبية.
عندما رحل برترام، لاحظت الكونتيسة نظرة هيلينا الحزينة، فأخبرتها بأن مكانتها لديها تناظر مكانة ابنها. فتجمعت الدموع في عيني هيلينا؛ إذ شعرت أن الكونتيسة جعلت برترام يبدو مثل أخيها الذي لا يمكنها أبدا الزواج منه. خمنت الكونتيسة ما تسره هيلينا على الفور، واعترفت هيلينا بأن برترام بالنسبة إليها كالشمس بالنسبة إلى النهار.
لكنها كانت تأمل في الفوز بتلك الشمس بالحصول على امتنان ملك فرنسا، الذي كان يعاني من مرض شديد، جعله يصاب بالعرج. يئس الأطباء الكبار التابعون للبلاط من علاجه، لكن هيلينا كانت لديها ثقة في وصفة طبية كان أبوها قد استخدمها بنجاح.
أخذت هيلينا إذن الكونتيسة للذهاب إلى باريس فتمنت لها النجاح، وسمح لها بالمثول أمام الملك.
كان الملك مهذبا للغاية، لكن كان من الواضح أنه كان يظنها دجالة. قال لها: «لا يليق بي أن ألجأ إلى فتاة بسيطة للحصول على العلاج الذي لم يتمكن أكبر الأطباء علما من إعطائي إياه.»
قال هيلينا: «كثيرا ما تستعين السماء بأضعف الوسائل.» وأعلنت أنها مستعدة لأن تفقد حياتها إن أخفقت في علاجه.
سألها الملك: «وإن نجحت؟» «حينها سأطلب من جلالتكم تزويجي من الرجل الذي أختاره!»
لم يكن لملك مريض مقاومة شابة شديدة الحماس كهذه للأبد. لذا، أصبحت هيلينا طبيبة الملك، وفي خلال يومين اختفى عرج الملك.
استدعى الملك رجال بلاطه وأقاموا حفلا كبيرا في قاعة العرش في قصره. ربما كان من الممكن أن تنبهر الفتاة الريفية وهي ترى عشرات الأزواج الجديرين بأن تحلم بالزواج منهم من بين النبلاء الشباب الوسماء الموجودين أمامها، لكن عينيها أخذت تتنقل بينهم حتى وجدت برترام. ثم ذهبت إليه وقالت: «لا أجرؤ على القول بأني أختارك، لكنني ملك لك!» ورفعت صوتها حتى يستطيع الملك سماعه ، وأضافت: «هذا هو الرجل الذي أريده.»
قال الملك: «برترام، خذها؛ إنها زوجتك!»
قال برترام: «زوجتي يا مولاي؟ إني ألتمس من جلالتكم أن تسمح لي باختيار زوجة.»
سأله الملك، الذي كان يعامل برترام كابن له: «ألا تعلم يا برترام ماذا صنعت لمولاك؟»
رد برترام: «بلى، يا مولاي، لكن لماذا يجب علي الزواج من فتاة كان أبي يتولى تنشئتها إحسانا منه؟»
قال الملك: «إن ما تحتقره من شأنها مرده إلى أن ليس لديها لقب، وفي وسعي أن أهبها إياه.» وبينما كان ينظر إلى الشاب المتجهم، واتته خاطرة، فقال: «غريب أنك تفكر كثيرا في مسألة الأصل والدم عندما لا يمكنك التفريق بين دمك ودم شحاذ إذا رأيتهما ممتزجين معا في إناء واحد.»
قال برترام مؤكدا: «لا أستطيع أن أحبها!» وقالت هيلينا برقة: «لا تلح عليه، يا مولاي. أنا سعيدة لأني عالجت مولاي من أجل صالح بلدي.»
قال الملك: «إن شرفي يقتضي طاعة هذا الغلام المتكبر.» وأضاف: «برترام، فكر جيدا في هذا الأمر. تزوج هذه الفتاة، التي أنت بها غير خليق، وإلا فأنت تعلم كيف يمكن أن يلفظ أي ملك أحدا من عطفه. ما جوابك؟»
انحنى برترام وقال: «لقد رفعت يا مولاي قدر هذه الفتاة باهتمامك بها. إني أستسلم.»
هيلينا والملك.
قال الملك: «خذ يدها وقل لها إنها صاحبتك.»
أطاعه برترام، وبعد بعض التأخير، تزوج هيلينا.
لكن الخوف من الملك لم يجعله يحب زوجته. وقد ساعدت السخرية في شعوره بالمرارة. إن جنديا وضيعا يسمى باروليز قال له في وجهه إنه بما أنه قد أصبحت لديه زوجة الآن، فإن همه قد أصبح ليس القتال وإنما البقاء في المنزل. إن تلك السخرية قد جعلت برترام يشعر بأنه لم يعد يحتمل أن تكون له زوجة، وأنه يجب عليه أن يذهب للقتال في إيطاليا، رغم أن الملك قد منعه من ذلك.
لذا، أمر هيلينا بوداع الملك والعودة إلى روسيون، معطيا إياها خطابا لنفسها وآخر لأمه. ثم رحل مودعا إياها على نحو فاتر.
فتحت الخطاب الموجه إليها وقرأت ما يلي: «إذا استطعت أن تظفري بالخاتم الذي في إصبعي، فلتسمني يومئذ لك بعلا، وإلا فلا إلى الأبد.»
لم تبك هيلينا عندما دخلت إلى حضرة الملك وودعته، لكنه لم يسره حالها، وأعطاها خاتما من إصبعه قائلا: «إذا أرسلت إلي هذا، فسأعرف أنك في مشكلة وسأساعدك على حلها.»
لم تره خطاب برترام الذي وجهه لزوجته؛ فقد كان سيجعله يرغب في قتل الكونت المتغيب بدون إذن، لكنها عادت إلى روسيون وأعطت حماتها الخطاب الثاني. لقد كان هذا الخطاب قصيرا ومريرا. إنه يقول: «لقد هربت. وإذا كان هذا العالم واسعا بما يكفي، فسأترك دائما مسافة شاسعة بيني وبينها.»
قالت الأرملة النبيلة للزوجة التي هجرها زوجها: «ابتهجي. لقد محوت اسمه من دمي، وأنت الآن كل ولدي.»
لكن الكونتيسة الأرملة كانت لا تزال تعتبر نفسها أما لبرترام لدرجة أنها كانت تلقي باللائمة من سلوكه على باروليز، الذي وصفته بأنه «رجل فاسد جدا.»
لم تمكث هيلينا طويلا في روسيون. فارتدت زي الحجاج، ورحلت سرا إلى فلورنسا، تاركة خطابا لحماتها.
قراءة خطاب برترام.
وعندما دخلت تلك المدينة، سألت امرأة عن الطريق إلى دار إقامة الحجاج، لكن طلبت المرأة من «الحاجة المباركة» أن تقيم معها.
وجدت هيلينا أن مضيفتها أرملة، وأن لها ابنة جميلة تدعى ديانا.
عندما سمعت ديانا بأن هيلينا جاءت من فرنسا، قالت: «إن رجلا من أهل بلدك، الكونت روسيون، قد أسدى معروفا كبيرا لفلورنسا.» لكن بعد بعض الوقت كان لدى ديانا شيء لتقوله لا يليق على الإطلاق بزوج هيلينا. لقد كان برترام يتودد إلى ديانا. إنه لم يخف حقيقة أنه كان متزوجا، لكن ديانا سمعت من باروليز أن زوجته لم تكن تستحق الانتباه لها.
كانت الأرملة حزينة من أجل ديانا، وقررت هيلينا أن تخبرها بأنها كونتيسة روسيون.
قالت الأرملة: «لقد ظل يلح عليها ليحصل على خصلة من شعرها.»
ابتسمت هيلينا بحزن؛ إذ كان شعرها رائعا مثل ديانا وله نفس اللون. ثم واتتها فكرة فقالت لها: «خذي هذا الكيس المليء بالذهب لك. وسأعطي ديانا ثلاثة آلاف كرون إن هي ساعدتني في تنفيذ الخطة الآتية. دعيها تعد زوجي بأن تعطيه خصلة من شعرها إن هو أعطاها الخاتم الذي يلبسه في إصبعه. إنه خاتم ورثه كابرا عن كابر. لقد ارتداه خمسة من كونتات روسيون، ومع ذلك، سيتخلى عنه من أجل خصلة من شعر ابنتك. دعي ابنتك تصر على أنه يجب أن يقطع خصلة شعرها في غرفة مظلمة، ويتفقان مقدما على أنها لن تنطق حينها بكلمة واحدة.»
استمعت الأرملة لما تقوله هيلينا بانتباه، ومعها الكيس المليء بالذهب في حجرها. ثم قالت في النهاية: «أنا موافقة، إن وافقت ديانا.»
وافقت ديانا، ومن الغريب أن فكرة قطع خصلة من الشعر من فتاة صامتة في غرفة مظلمة كانت مقبولة جدا لبرترام لدرجة أنه أعطى ديانا خاتمه، وأخبرته بالموعد الذي سيلحق فيه بها في الغرفة المظلمة. وفي الموعد المحدد، جاء بسكين حادة وشعر بأن وجها ناعما لامس وجهه وهو يقطع خصلة الشعر، وترك الغرفة وهو سعيد، كرجل يملؤه الفخر، وفي إصبعه خاتم أعطته إياه الفتاة التي كانت في الغرفة المظلمة.
كانت الحرب على وشك الانتهاء، لكن أحد فصولها الختامية جعل برترام يدرك أن الجندي الشديد الوقاحة الذي سخر من هيلينا كان أقل شجاعة بكثير من أي زوجة. كان باروليز مغرورا جدا ومهتما بشدة بهندام ملابسه لدرجة أن الجنود الفرنسيين احتالوا عليه ليكشفوا شخصيته. لقد فقد طبلته، وقال إنه سيستعيدها ما لم يقتل في أثناء المحاولة. كانت محاولته واهنة جدا وأخذ يختلق قصة فشل بطولي، عندما أحيط به وجرد من سلاحه.
قال شريف فرنسي: «بورتوتارتارروسا.»
قال باروليز في نفسه، وقد كان معصوب العينين: «ما تلك اللغة الغريبة؟»
قال شريف فرنسي، يلعب دور المترجم: «إنه يطلب لك آلة التعذيب. فماذا أنت قائل حتى لا نحتاج إليها؟»
رد باروليز: «كل ما يمكن أن أقوله إن شككتموني كما تشك الفطيرة.» وكان رجلا على قدر كلمته. فقد أخبرهم بعدد أفراد كل كتيبة من الجيش الفلورنسي، كما رفه عنهم بأن سرد لهم حكايات مثيرة عن الضباط الذين كانوا يرءسونه.
برترام كان موجودا، وسمع خطابا يقرأ، يخبر فيه باروليز ديانا بأن برترام كان أحمق.
قال شريف فرنسي: «هذا هو صديقك المخلص.»
قال برترام، الذي كان يمقت الحيوانات الأليفة الحبيبة إلى قلوبنا: «إنه الآن لهر في عيني.»
جرى إخلاء سبيل باروليز في النهاية، لكنه منذئذ شعر وكأنه خائن وتخلى عن التفاخر بنفسه.
نعود الآن إلى فرنسا مع هيلينا، التي نشرت خبرا بأنها ماتت، وهو ما وصل إلى كونتيسة روسيون الأرملة عن طريق لافو، وهو شريف كان يرغب في تزويج ابنته ماجدلين ببرترام.
حزن الملك على هيلينا، لكنه وافق على الزواج المقترح لبرترام، وزار روسيون حتى يتأكد من تحققه على أرض الواقع.
قال الملك: «إن ذنبه الكبير قد مات. دعوا برترام يقترب مني.»
انحنى برترام، الذي كان على وجنته ندبة، أمام مولاه، وقال إنه إن لم يكن يحب ابنة لافو قبل زواجه من هيلينا، لكان سيثمن زوجته التي أصبح يحبها الآن بعد فوات الأوان.
قال الملك: «الحب الذي يأتي متأخرا يغضب الرب. انس هيلينا الجميلة وأعط خاتما لماجدلين.»
أعطى برترام على الفور خاتما للافو، الذي قال في سخط: «هذا خاتم هيلينا.»
قال برترام: «إنه ليس خاتمها!»
هيلينا والأرملة.
حينئذ، طلب الملك أن يلقي نظرة على الخاتم ثم قال: «هذا هو الخاتم الذي أعطيته لهيلينا وطلبت منها أن ترسله لي إن احتاجت في أي وقت للمساعدة. إذن، لقد أوتيت من الدهاء ما استطعت به أن تحرمها من أقوى وسيلة يمكن أن تمدها بالعون.»
أنكر برترام ثانية أن يكون الخاتم خاتم هيلينا، لكن حتى أمه قالت إنه خاتم هيلينا.
قال الملك متعجبا: «إنك تكذب! اقبضوا عليه يا حراس!» لكن حتى بينما كانوا يقبضون عليه، أخذ برترام يتساءل كيف أصبح الخاتم، الذي كان يظن أن ديانا قد أعطته إياه، شبيها بشدة بخاتم هيلينا.
دخل رجل شريف، وطلب الإذن بتقديم التماس للملك. كان التماسا موقعا عليه من قبل ديانا كابيلت، وكان يرجو من الملك أن يأمر برترام بأن يتزوجها فقد هجرها بعد أن جعلها تحبه.
قال لافو : «إني لأوثر أن أشتري لابنتي زوجا من السوق على أن أزوج برترام ابنتي الآن.»
قال الملك: «ائتوني بصاحبة الالتماس.»
وجد برترام نفسه في مواجهة ديانا وأمها. أنكر أن يكون لديانا أي حق عليه وتحدث عنها كما لو أنها كانت تعيش حياة عابثة. لكنها سألته عن نوعية المرأة التي يمكن أن يعطيها، كما حدث معها، خاتم أجداده غير الموجود الآن في إصبعه.
كان برترام حينئذ يريد أن تخسف به الأرض، لكن القدر احتفظ له بعطية عظيمة؛ فقد دخلت هيلينا.
سأل الملك: «هل ما أبصره حقا؟»
صاح برترام قائلا: «أوه، المغفرة! الصفح!»
رفعت خاتمه الذي ورثه عن أجداده. ثم قالت: «والآن بعد أن ظفرت بهذا، هل ستحبني يا برترام؟»
صاح قائلا: «إلى نهاية حياتي.»
قال لافو: «إن عيني تشعران بحرقة كمفعول البصل.» كانت دموعه من أجل هيلينا تترقرق فيهما.
أثنى الملك على ديانا، تلك الفتاة التي لم تكن شديدة الخجل، عندما أدرك على نحو تام معنى ما قامت به؛ فقد أرادت من أجل هيلينا أن تفضح وضاعة برترام، ليس فقط أمام الملك، وإنما أمام نفسه. لقد تحطم غروره تماما، ويعتقد أنه أصبح في النهاية زوجا لا بأس به.
اقتباسات من أعمال شكسبير
الفعل
الأفعال أفصح من الأقوال، وعيون الجهلة
أكثر علما من آذانهم. «كوريلانس»، الفصل الثالث، المشهد الثاني [ترجمة جبر إبراهيم جبرا، بتصرف]
المحن
ما أحلى فوائد المحن!
فهي مثل ضفدع بغيض ومسمم
تعلو رأسه جوهرة ثمينة. «كما تشاء»، الفصل الثاني، المشهد الأول [ترجمة ج. يونس، بتصرف]
ومن يخدمك غير راج
سوى نفعه، راكضا
حبا بالمنزلة،
يهجرك إن تمطر الدنيا
ويتركك وحدك في الزوبعة. «الملك لير»، الفصل الثاني، المشهد الرابع [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، بتصرف]
عجبا! عندما تجف الموارد التي تغذي هذا الثناء،
سيختفي هذا الثناء.
ما يأتي بسرعة، يذهب بسرعة، وهؤلاء الرجال سيختفون
مثل الذباب الذي يختفي عند رؤية سحابة شتوية. «تيمون الأثيني»، الفصل الثاني، المشهد الثاني [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
نصائح لابن يغادر المنزل
أمسك اللسان عن أفكارك
ولا تنفذ فكرة لا تتناسب مع ظروفها.
مع الناس لا تتكلف، وكذلك لا تبتذل.
إذا امتحنت أصدقاءك، الذين اخترتهم،
شدهم بأطواق من الصلب لنفسك،
ولكن لا تبلد كفك بالترحيب
بكل غر لم يزغب ولم يخرج بعد من بيضته.
احذر الدخول في الشجار، ولكن إذا دخلته
أحسن البلاء لكي يحذرك خصمك.
أذنك أعرها لكل إنسان، أما صوتك فاقصره على القلة،
خذ الرأي من كل فرد ولكن احتفظ بحكمك.
أنفق وسع كيسك على ثيابك،
على ألا تغرب بها، ولتكن فاخرة لا صارخة،
فالزي كثيرا ما يفصح عن صاحبه،
وذوو أرفع المراتب والمناصب في فرنسا
الأخصون الأكرمون، أبرع الناس في ذلك.
لا تدن ولا تستدن؛
فالدين كثيرا ما يفقد نفسه والصديق،
والاستدانة تفل حد الاقتصاد.
وهذا أذكره فوق كل شيء:
كن صادقا مع نفسك، وإذا فعلت،
تلا ذلك، كالليل يتلوه النهار،
أنك لن تكون كاذبا مع أحد. «هاملت»، الفصل الأول، المشهد الثالث [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا]
العمر
طريق حياتي
يهبط بي إلى الذبول، إلى اصفرار أوراق الشجر.
وما ينبغي أن يقترن بالشيخوخة
من تكريم وحب وطاعة وأصدقاء كثر
علي ألا أتوقعه، بل أتوقع عوضا عنه
اللعنات، لا جهورية بل عميقة، والتكريم الشفهي، والنفس
مما يود القلب المسكين لو ينكره، ولا يجرؤ. «ماكبث»، الفصل الخامس، المشهد الثالث [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا]
الطموح
الأحلام في الواقع هي الطموح، وما يحققه الطموح ليس إلا ظلا من حلم. والطموح في رأيي شيء هوائي وخفيف جدا؛ فهو ظل الظل، ليس إلا. «هاملت»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
أطالبك بأن تتخلى عن الطموح؛
فهذه هي الخطيئة التي جعلت الملائكة تطرد من الجنة؛ فكيف إذن للإنسان،
المخلوق على صورة الرب، أن يأمل الحصول على أي شيء من خلاله؟
حب نفسك أقل مما يفعل الآخرون، وأحب هؤلاء الذين يكرهونك.
الغش لن يكسبك أي شيء أكثر من الأمانة.
كن مستعدا دائما لإحلال السلام،
وإسكات الأصوات الناقدة. كن عادلا ولا تخف شيئا!
واجعل هدفك الوحيد هو العمل من أجل صالح بلدك
وربك والحق. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
الغضب
إن مثل الغضب
مثل حصان يتوق للجري، والذي، إن سمح له أن يفعل ما يريده،
فسينهك نفسه. «الملك هنري الثامن»، الفصل الأول، المشهد الأول
التكبر
للبعض وجوه راكدة منتفخة
كالبرك الآسنة الجهمة
هم يفتعلون جهامتها
حتى نتصور أنهم أهل حصافة
أو أهل الحكمة والأفكار
إن نظر إليك الواحد منهم
كاد يقول: «أنا الوحي الجبار!
وإذا نطقت شفتاي، فليصمت كل نباح!»
إني أعرفهم يا أنطونيو!
بالصمت يظن الناس بهم كل الحكمة
أما إن فتحوا الأفواه، فويل للآذان!
ولكشفوا عن حمق صارخ! «تاجر البندقية»، الفصل الأول، المشهد الأول [ترجمة د. محمد عناني]
السلطة
أرأيت كلب فلاح ينبح على شحاذ؟
والمخلوق يركض هربا من الكلب؟
لك في ذلك أن ترى مثل السلطة العظيم:
حتى الكلب في الوظيفة مطاع. «الملك لير»، الفصل الرابع، المشهد السادس
لو تمكن العظماء أن يرعدوا
مثل جوبيتر، لما هدأ جوبيتر؛
إذ كل موظف بسيط
سيملأ السماء رعدا، لا شيء غير الرعد!
أيتها السماء الشفوق،
إنك توثرين باسمك الناري الباتر
أن تفلقي شجرة البلوط الصلدة لا الآسة الرقيقة،
ولكن الإنسان، الإنسان القاسي في جبروته التافه البغيض
وجهله بما يجب أن يعرفه تماما - هشاشة روحه -
يتلاعب كالقرد الساخط بالمكائد المغرية أمام الله في عليائه
وهو ما قد تنوح له الملائكة. «الصاع بالصاع»، الفصل الثاني، المشهد الثاني [ترجمة د. زاخر غبريال، بتصرف]
الجمال
إن تلك اليد التي منحتك الجمال منحتك الخير أيضا؛ فالخير الذي يفتقد الجمال، يجعل الجمال قليل الخير، ولكن الفضيلة، وهي قوام خلقك، سوف تحفظ شكلها المادي جميلا أبد الدهر. «الصاع بالصاع»، الفصل الثالث، المشهد الأول
الفضل غير المقدر
لقد جبل الناس
على أن ما نملكه لا نعرف قيمته،
ما دمنا ننعم بمتعته. فإذا انتزع منا وفقدناه،
عرفنا له يومئذ قدره، وبدا لنا فضله وخطره،
وكنا من قبل وهو في أيدينا بقيمته جاهلين. «ضجة فارغة»، الفصل الرابع، المشهد الأول [ترجمة عباس حافظ]
المتباهون بأنفسهم
سيأتي يوم
يبدو كل متفاخر بنفسه فيه حمارا. «العبرة بالخواتيم »، الفصل الرابع، المشهد الثالث [ترجمة عباس حافظ، بتصرف]
أولئك الذين لهم زئير الأسود وفعال الأرانب، أوليسوا شياطين؟ «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثاني [ترجمة د. عبد الحميد يونس]
الغيبة
لن تنجي من المذمة ولو كنت عفيفة كالجليد، نقية كالثلج. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الأول
ما من قوي أو عظيم بين البشر
بقادر على أن يسلم من التجريح؛
فالتشهير - كطعنة الخلف - نصيب الفضيلة الناصعة.
أي عاهل قوي يستطيع أن يلجم اللسان الذميم؟ «الصاع بالصاع»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
الرسميات
تلك الأشكال من الرسميات
كانت تستهدف من الأساس إعطاء معنى
لأفعال بلا معنى واجتماعات جوفاء وطيبة زائفة.
من المحزن أن تبدى هنا
حيث لا حاجة إليها في ظل وجود الصداقة الحقيقية. «تيمون الأثيني»، الفصل الأول، المشهد الثاني
مواساة الآخرين
الناس
ينصحون ويواسون في الخطوب
التي لا يشعرون هم بها. فإذا ذاقوا مصابها،
انقلبوا ثائرين، وكانوا من قبل
يقدمون الحكم والمواعظ علاجا من كربتها
وما مثلهم في هذا إلا كمثل من يقيد المجنون الهائج بخيوط من حرير،
ويزيل الألم بالنفخ فيه، ويعالج العذاب الأليم باللفظ.
لا، لا؛ لقد جبل الناس جميعا على التحدث عن الصبر
إلى من ينوءون بحمل الأسى،
ولكن هيهات لامرئ أن يكون لديه من الخلق والقوة
بحيث يتقبل هذه النصائح إذا هو نفسه ذاق المصاب. «ضجة فارغة»، الفصل الخامس، المشهد الأول
في وسع كل إنسان أن يتغلب على الألم إلا من يعانيه. «ضجة فارغة»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
المقارنة
لم نر ضوء الشمعة إلا بعد غياب البدر!
وهج المجد الأكبر يطمس ضوء الأصغر!
فالنائب عن ملك ما
يسطع نورا مثل ملوك الأرض
فإذا جاء الملك ومر،
فقد النائب سحر المظهر،
وكذلك الرافد يتلاشى في النهر الأكبر! «تاجر البندقية»، الفصل الخامس، المشهد الأول
التأمل
هكذا يجعل التأمل منا جبناء جميعا،
وما في العزم من لون أصيل يكتسي
بصفرة عليلة من التوجس والقلق،
ومشاريع الوزن والشأن ينثني
مجراها اعوجاجا بذلك،
وتفقد اسم الفعل والتنفيذ. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الأول
الاكتفاء
تاجي في أعماق قلبي، وليس على رأسي.
وهو غير محلى بالماسات، ولا بالأحجار الهندية الكريمة،
وهو غير ظاهر للعيان. تاجي أنا يدعى «الاكتفاء»؛
وهو تاج قلما يحصل عليه الملوك. «الملك هنري السادس، الجزء الثالث»، الفصل الثالث، المشهد الأول [ترجمة أ. ر. مشاطي]
النزاع
هل يتسنى
للعديد من الأناس أي وفاق في بيت واحد
وهم تحت إمرتين اثنتين؟ «الملك لير»، الفصل الثاني، المشهد الرابع
عندما تقام سلطتان معا،
لا تعلو إحداهما الأخرى، ما أسرع
ما تقحم الفوضى نفسها في الشق بين الاثنتين،
لضرب واحدة بالأخرى. «كوريلانس»، الفصل الثالث، المشهد الأول
الرضا
أفضل أن أكون من أصل متواضع،
وأتجول في سعادة مع غيري من البسطاء
عن أن ألبس ملابس زاهية لكن أكون حزينا،
كما لو كنت أرتدي حزنا مصنوعا من الذهب. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
الجبناء
إن الجبناء يموتون مرارا قبل آجالهم،
أما الشجعان فلا يذوقون الموت إلا مرة واحدة. «يوليوس قيصر»، الفصل الثاني، المشهد الثاني [ترجمة محمد السباعي]
العرف
العرف وحش يلتهم كل حساسية
وهو الشيطان من كل عادة، لكنه أيضا ملاك
في أنه يعير الفعل الجميل الحميد أيضا
رداء ولبوسا ملائما. امتنعي الليلة،
يضف ذاك شيئا من اليسر إلى الإحجام
في المرة المقبلة. ثم يسهل الإحجام التالي.
لأن العادة تكاد يكون بوسعها تبديل وسم الطبيعة،
فإما أن تحذق فعل الشيطان، أو تلقي به خارجا
بعزم عجيب. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
إنه عرف
أجمل به أن يهمل من أن يتبع. «هاملت»، الفصل الأول، المشهد الرابع
الموت
الملوك والزعماء العظماء لا بد لهم هم أيضا من أن يشربوا كأس المنية؛
لأن هذه نهاية التعاسة الإنسانية. «الملك هنري السادس، الجزء الأول»، الفصل الثالث، المشهد الثاني [ترجمة أ. ر. مشاطي]
إن من بين ما سمعت به من العجائب
لم أر قط أعجب ولا أغرب من استيلاء الخوف على الرجال من الموت؛
فإن الممات وهو الغاية المحتومة والنهاية المقدرة المحمومة
لا بد متى آن أن يأتي. «يوليوس قيصر»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
إن الخوف من أمر قد يلي الموت،
يجعلنا نؤثر تحمل المكروه الذي نعرفه،
على الهرب منه إلى المكروه الذي لا نعرفه. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الأول
إن أسوأ ما في الموت هو انتظاره. «الصاع بالصاع»، الفصل الثالث، المشهد الأول
إن الدواء قد يطيل من أمد الحياة غير أن الموت
سيقضي على الطبيب كذلك. «سيمبلين»، الفصل الخامس، المشهد الخامس [ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة، بتصرف]
الخداع
يستطيع الشيطان أن يستشهد بالتوراة تبريرا لفعله!
إن الذي يردد الآيات والقلب خبيث
كمثل مجرم تزين وجهه ابتسامة!
تفاحة جميلة وقلبها عفن!
أوه، أنعم به من مظهر يخفي أثيم المخبر! «تاجر البندقية»، الفصل الأول، المشهد الثالث
الأفعال
ما من فعل آثم إلا وسيبدو، مهما احتجب،
ولو غمرته الدنيا بأجمعها عن أعين الناس. «هاملت»، الفصل الأول، المشهد الثاني
وكم من مرة كانت رؤية الوسائل التي تعين على فعل الشر
مغرية بارتكابه! «الملك جون»، الفصل الرابع، المشهد الثاني [ترجمة د. محمد عوض محمد]
التسويف
إن ما نبغي فعله
يجب فعله عندما نبغي؛ لأن «نبغي» هذه تتبدل،
ويعتريها من النقص والتسويف
بقدر ما هنالك من ألسن وأيد وصدف.
وعندها نرى أن «يجب» أشبه بزفرة مضنية
تروح عن النفس ولكنها تؤذي الجسد. «هاملت»، الفصل الرابع، المشهد السابع
التضليل
أستحلفك بنعمة الله
ألا تطلي الروح منك بذلك البلسم المداهن
لئلا ينسغ غشاوة على الموضع المقروح
بينما الفساد الخبيث يعبث في داخله
ويستفحل الداء غير مرئي. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
الفطنة
لنعلم أنفسنا ضبط النفس الشريف هذا؛
فلا نغلب العبث على الفطنة. «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
الشكوك والمخاوف
إني محشور، محصور، محتبس، تكبلني
لجوج المخاوف والشكوك. «ماكبث»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
الإفراط
الإفراط الذي لا حد له،
طغيان في طبيعة المرء، وهو كثيرا ما سبب
فراغ العرش السعيد قبل أوانه،
وسقوط العديد من الملوك. «ماكبث»، الفصل الرابع، المشهد الثالث
الواجب تجاه أنفسنا والآخرين
أحبب الجميع، ولا تثق إلا بالقليل،
ولا تظلم أحدا. ولتكن لك مثل قدرة عدوك،
ولكن اجعل قدرتك عليه بأسا وسلطانا، ولا تستخدمها
في إيذائه، وقدر أصدقاءك كما تقدر حياتك.
ولأن تعاب على الصمت خير لك من أن تعاب على الكلام. «العبرة بالخواتيم»، الفصل الأول، المشهد الأول
المراوغة
ولكن
لست أحب أن أسمع «ولكن»؛
فهي تفسد ما تقدم من بشرى. سحقا لهذه الكلمة «ولكن».
إنها تشبه السجان الذي يفتح الأبواب
ليفرج عن مجرم أثيم. «أنطونيو وكليوباترا»، الفصل الأول، المشهد الأول [ترجمة د. لويس عوض]
الإسراف
التخمة بأحلى الأطعمة
تثير في المعدة أعمق كراهية لها! «حلم ليلة منتصف صيف»، الفصل الثاني، المشهد الثاني [ترجمة د. محمد عناني]
كل كأس إذا تجاوزت الحد، فقدت البركة، وكان محتواها الشيطان. «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
الخداع
الخداع والجبن وحقارة الأصل
هي القبائح الثلاث التي تكرهها المرأة بشدة. «نبيلان من فيرونا»، الفصل الثالث، المشهد الثاني [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
الخوف
الخوف يولد الفوضى، والفوضى تؤذي
الشيء الذي من المفترض أن تحميه. «الملك هنري السادس، الجزء الثاني»، الفصل الخامس، المشهد الثاني [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
الخوف معناه الموت؛ وهذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث في المعركة.
لكن القتال ثم الموت طريقة للانتصار على الموت؛
أما الخوف ثم الموت، فهذا سيعطي الغلبة للموت. «الملك ريتشارد الثاني»، الفصل الثالث، المشهد الثاني [ترجمة د. محمد عناني]
الولائم
القليل من الطعام والكثير من الترحيب يخلقان وليمة سعيدة. «كوميديا الأخطاء»، الفصل الثالث، المشهد الأول
عقوق الأبناء للآباء
أيها العقوق، يا شيطانا قلبه من رخام،
لأقبح من وحش البحر أنت حين تتبدى
في ولد إزاء أبيه. «الملك لير»، الفصل الأول، المشهد الرابع
إن للولد العاق فعلا
أمضى من أنياب أفعى. «الملك لير»، الفصل الأول، المشهد الرابع
التخطيط
صمم على نهج ما
ولا تعرض نفسك لكل صدفة هوجاء
تلوح في الطريق أمامك. «كوريلانس»، الفصل الرابع، المشهد الأول
الجلد
لا تحني رأسك
تحت نير الحظ العاثر، بل رفرفي
بأجنحة روحك المنتصرة فوق كل الويلات. «الملك هنري السادس، الجزء الثالث»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
الحظ
إن الحظ، حين يضمر أعظم الخير للناس،
يحدق فيهم بعين ملؤها التهديد والوعيد. «الملك جون»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
العظمة
الوداع! الوداع لكل عظمتي!
هذا هو حال البشر: اليوم يكون الإنسان مليئا بالأمل،
مثل نبات ينتج أوراقه الناعمة الأولى،
وفي اليوم التالي، يزدهر ويعلوه الفخر.
وفي اليوم الثالث، تأتي موجة صقيع، موجة صقيع قاتلة،
وعندما يظن الرجل الواثق أن عظمته حاضرة بالفعل،
تقتل موجة الصقيع جذره
ويسقط، مثلما أفعل. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
البعض يولد عظيما، والبعض الآخر يحقق العظمة بنفسه، والبعض تفرض العظمة عليه فرضا. «الليلة الثانية عشرة»، الفصل الثاني، المشهد الخامس
السعادة
كم هو قاس أن يرى الإنسان السعادة بعيني سواه. «كما تشاء»، الفصل الخامس، المشهد الثاني
الشرف
الرجل الشريف يستطيع أن يدافع عن نفسه، أما الوغد، فلا. «الملك هنري الرابع، الجزء الثاني»، الفصل الخامس، المشهد الأول [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
الشريف، في هذه الدنيا على ما هي عليه، واحد بين عشرة آلاف. «هاملت»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
النفاق
إن الشياطين الأكثر إغواء يشبهون ملائكة النور. «الحب مجهود ضائع»، الفصل الرابع، المشهد الثالث [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
إن المرء قد يهش ويبش وهو نذل. «هاملت»، الفصل الأول، المشهد الخامس
البراءة
أنا أثق فقط في براءتي،
وهذا ما يجعلني شجاعا وقوي العزيمة. «الملك هنري السادس، الجزء الثاني»، الفصل الرابع، المشهد الرابع
التلميح
إن هز الكتفين أو التمتمة للنفس من الوسائل
التي يستخدمها الاغتياب
لأن الاغتياب يقع فقط على من هو صالح. إن هز الكتفين والتمتمة
بعد أن تقول: «إنها جميلة» يمنعانك من أن تقول: «إنها صالحة». «حكاية الشتاء»، الفصل الثاني، المشهد الأول
الغيرة
فللغيران تكون الطفائف
الخفيفة خفة الهواء أدلة دامغة
كبراهين الكتب المقدسة. «عطيل»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
احذر الغيرة!
إنها الوحش الأخضر العينين الذي يهزأ
من الطعام الذي يفترسه.
المصدر السابق
المزحة
إن نجاح أي مزحة كامن في أذن سامعها، لا في اللسان الذي يطلقها. «الحب مجهود ضائع»، الفصل الخامس، المشهد الثاني
من السهل على من لم يذق طعم الجراح أن يسخر من الندوب! «روميو وجولييت»، الفصل الثاني، المشهد الثاني [ترجمة د. محمد عناني]
القضاء
الرب فوق الجميع؛ إنه قاض
لا يمكن لأي ملك أن يفسده. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثالث، المشهد الأول
الحياة
ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين
يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح،
ثم لا يسمعه أحد: إنها حكاية
يحيكها معتوه، ملؤها الصخب والعنف،
ولا تعني أي شيء. «ماكبث»، الفصل الخامس، المشهد الخامس
نحن من نفس المادة
التي تصنع منها الأحلام، وحياتنا القصيرة
يغلفها النعاس. «العاصفة»، الفصل الرابع، المشهد الأول
الحب
يمكن للقاتل أن يخفي جريمته أطول
مما يمكن لشخص محب أن يخفي حبه؛ فالحب واضح لا يمكن إخفاؤه. «الليلة الثانية عشرة»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
الحب الرقيق، حين ينسلخ عن طبعه،
يتحول إلى كراهية مريرة ومهلكة. «الملك ريتشارد الثاني»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
إن المحبة متى بدأت تضمحل وتبلى،
استشعرت التصنع والتكلف. «يوليوس قيصر»، الفصل الرابع، المشهد الثاني
الحب الصادق لم يعرف الطريق اليسير الممهد. «حلم ليلة منتصف صيف»، الفصل الأول، المشهد الأول
العاشق يبصر لا بالعين ولكن بالذهن.
المصدر السابق
إنها لم تبح له أبدا بحبها،
وكتمت حبها بداخلها حتى دمرها،
وأذهب جمالها. لقد ذبلت،
وأخذت تجلس تبتسم لأساها كتمثال للصبر
وقد تحول لون بشرتها للون الأخضر من الحزن.
ألم يكن هذا حبا حقيقيا؟ «الليلة الثانية عشرة»، الفصل الثاني، المشهد الرابع
لكن الحب كفيف البصر
ولا يبصر أهل الحب أحابيل الحب البلهاء! «تاجر البندقية»، الفصل الثاني، المشهد السادس
الإنسان
والإنسان ما أروع صنعه! ما أنبله عقلا، وما أقصى حدود قدرته ومواهبه! في الشكل والحركة ما ألبقه وما أروعه! في العمل ما أشبهه بالملائكة! في الإدراك ما أشبهه بالآلهة! إنه زينة الدنيا ومثل الحيوانات الأكمل. «هاملت»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
الرحمة
ليس في الرحمة إلزام وقهر!
إنها كالغيث ينهل رقيقا من سماه
دونما نهي وأمر!
بوركت تلك الفضيلة مرتين:
إنها تبارك الرحيم
مثلما تبارك المسترحم!
وهي أزكى ما تكون إن أتت عن مقدرة
بل أزهى من عروش الملك والتيجان!
إن يكن في الصولجان البطش أو ملك الزمان
إن يكن رمز المهابة والجلال
مكمن الرهبة والخوف من السلطان
فهي أسمى من جلال الصولجان:
عرشها في الصدر في قلب الملوك الرحماء!
يعرف الخلق بأن الرحمة
من صفات الله
وهي إن حفت مسار العدل
قربت بين حكم الأرض والسماء!
اعتبر بما أقول:
إن مجرى العدل وحده
ليس ينجي من عذاب الآخرة
ولذا نطلب في كل صلاة
رحمة من الإله!
بل تعلمنا الصلاة كيف نرحم! «تاجر البندقية»، الفصل الرابع، المشهد الأول
الفضل
من ذا يجرؤ أن يخدع قدره
ليحوز شرفا ليس هو أهل له!
بل من ذا يقدر أن يحمل نوط المجد بلا حق فيه! «تاجر البندقية»، الفصل الثاني، المشهد التاسع
التواضع
إن إنكار المرء لفضله ودعواه الجهل بأحسن ما فيه، لهما دائما خير
برهان على عظم شأنه، وجلال قدره. «ضجة فارغة»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
الصراع الأخلاقي
أيها الفاتحون البواسل!
أنتم تكافحون شهواتكم
وتحاربون جيش رغباتكم الرهيب في هذا العالم. «الحب مجهود ضائع»، الفصل الخامس، المشهد الثاني
القتل
إن ملك الملوك الأكبر
قد أمر، في لوح شريعته،
ألا ترتكبوا جريمة القتل.
حذار فإن الانتقام في يديه
يصبه على رءوس من يخالفون شريعته. «الملك ريتشارد الثالث»، الفصل الأول، المشهد الرابع [ترجمة د. عبد القادر القط]
إن الدم يصرخ طلبا للثأر، مثل دماء هابيل الذي قدم قربانا قبله الله،
من كهوف الأجداث دون لسان. «الملك ريتشارد الثاني»، الفصل الأول، المشهد الأول
الموسيقى
من لا يحمل بين جوانحه الموسيقى
أو لا يتأثر بالأصوات المتوافقة العذبة
لا يربأ أن يرتكب خيانة
أو يمكر أو يتآمر أو يسلب أو ينهب!
جيشان الروح لديه خمد
شأن الليل الأبهم
ومشاعره ظلماء
مثل القبو المعتم!
لا تولي أيا منهم ثقتك. «تاجر البندقية»، الفصل الخامس، المشهد الأول
الأسماء
ليس للأسماء معنى! فالذي ندعوه وردا
ينشر العطر وإن غيرت اسمه. «روميو وجولييت»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
إن حسن السمعة في الرجل والمرأة
هو جوهرة الروح المباشرة :
من يسرق محفظتي يسرق نفاية مني؛ هذا الشيء، لا شيء.
كانت لي وهي له وكانت عبدا للألوف.
أما من يختلس مني حسن سمعتي،
فإنه ينهب مني ما لن يغنيه،
ولكنه حقا يفقرني. «عطيل»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
الطبيعة
إن لمسة واحدة من الطبيعة تربط العالم برباط القرابة. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
الأنباء، الجيد والسيئ منها
النبأ السيئ أمانة في عنق حامله،
ولكنه بغيض على كل من يتلقاه. فليحمل البشرى
ألف لسان، أما النبأ السيئ،
فليعلن عن نفسه حين نحس وقعه. «أنطونيو وكليوباترا»، الفصل الثاني، المشهد الخامس
المنصب
إنها لعنة الخدمة؛
لا تجري الترقية إلا بالمحاباة والوساطة،
لا بتدرج القدم؛ حيث يكون كل ثان
خلفا للأول. «عطيل»، الفصل الأول، المشهد الأول
الفرصة
من أراد شيئا ولم يأخذه عندما توفر له،
لن يحصل على هذه الفرصة مرة ثانية. «أنطونيو وكليوباترا»، الفصل الثاني، المشهد السابع
إن الإنسان في مجرى حياته قد يصادف الفرصة السعيدة،
فإذا اغتنم الفرصة واندفع في تيار ذلك الفيض، أفضت به إلى النجاح.
أما إذا تلكأ ففاتته الفرصة،
راحت سفينته تتعثر به فأوقعته في كربة ومحنة.
فعلينا أن نجري مع التيار الذي أتيح لنا،
وإلا أضعنا ثروتنا وخسرنا متاعنا. «يوليوس قيصر»، الفصل الرابع، المشهد الثالث
القهر
لا تهاجم أحدا وهو في موقف ضعف! هذا ليس عملا صالحا.
إن أخطاءه سيعاقب عليها بالقانون؛ فدع
القانون يعاقبه وليس أنت. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
الماضي والمستقبل
اللعنات على أفكار الرجال!
فقط الماضي والمستقبل يبدوان الأفضل بالنسبة إليهم؛
أما الحاضر، فيبغضونه. «الملك هنري الرابع، الجزء الثاني»، الفصل الأول، المشهد الثالث
الصبر
ما أفقر الذين لا يصبرون!
هل من جرح يلتئم إلا بالتدريج؟ «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
السلام
السلام انتصار من نوع ما؛
فكلا الفريقين سيتوقفان عن القتال بنبل،
ولن يسقط منهما أي ضحية. «الملك هنري الرابع، الجزء الثاني»، الفصل الرابع، المشهد الثاني
سأدخل وغصن الزيتون مشدود إلى سيفي.
أود أن تفضي الحرب إلى السلام الدائم، وأن يلجم الأمان فظائع الحرب،
على أن يكون الأول علاجا شافيا من ويلات الثانية. «تيمون الأثيني»، الفصل الخامس، المشهد الخامس
أنا أعرف نفسي الآن، وأشعر أن بداخلي
سلاما أهم من كل الأمجاد الدنيوية؛
فضميري راض ومطمئن. «الملك هنري الثامن»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
التوبة
من لا يردعه الندم
ليس من أهل السماء ولا الأرض؛ فالندم كاف لإرضائهما؛
إن التوبة تخفف غضب الرب. «نبيلان من فيرونا»، الفصل الخامس، المشهد الرابع
الممثلون
ما العالم إلا مسرح
وكل الناس فيه ممثلون؛
كل واحد فيه، يدخل إليه ويخرج منه،
ويلعب فيه طوال حياته أدوارا مختلفة. «كما تشاء»، الفصل الثاني، المشهد السابع
لقد رأيت ممثلين يمثلون ويمدحون أرفع المدح، ولكنهم، ولا أريد القذع في القول، لا ينطقون نطق البشر، وليست مشيتهم بمشية المؤمنين ولا الكافرين، يتبخترون ويزعقون، حتى حسبت أن أجراء الطبيعة يصنعون البشر، فلا يحسنون الصنع، لسوء ما يقلدون الإنسانية. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
الأبهة
أين الأبهة والعظمة؟ أين السلطة والنفوذ؟ كلها أضحت ترابا تدوسه الأرجل.
فمهما كانت الحياة مرفهة عزيزة، لا بد للإنسان يوما أن يموت. «الملك هنري السادس، الجزء الثالث»، الفصل الخامس، المشهد الثاني
المبدأ والممارسة
لو كان العمل بما فيه الخير يسيرا مثل العلم به، لكفى أصغر معبد عن بعض كنائسنا الفخمة، ولأغنى كوخ فقير عن صرح أمير! والواعظ حقا من يتبع الوعظ! والأيسر لي أن أنصح عشرين بفعل الخير من أن أصبح منهم كي أعمل بالنصح، والذهن يشرع للنفس شرائع باردة يفلت من قبضتها الطبع الفائر وجنون صبانا، وثاب يفلت من أشراك النصح المقعد كالأرنب من شرك الصياد! «تاجر البندقية»، الفصل الأول، المشهد الثاني
الأمراء والألقاب
ليس يملك الأمراء من مجد إلا ألقابهم،
وليس لهم لقاء ما يجدون في نفوسهم من شقاء إلا مظاهر الشرف.
وهم في سعيهم وراء السعادة، التي لا ينعمون بها،
لا يلقون، في كثير من الأحوال، إلا حشدا من الهموم المضنية:
فهم بألقابهم لا يفترقون عن العامة،
إلا بما لهم من مظاهر المجد. «الملك ريتشارد الثالث»، الفصل الأول ، المشهد الرابع
المعركة
لا كرامة ولا منة في معركة ظالمة. «ضجة فارغة»، الفصل الخامس، المشهد الأول
يكون الشخص محميا بأصلب الدروع ما دامت قضيته عادلة،
وأما من يلطخ ضميره بالظلم،
فهو في الواقع مجرد من أي درع، وإن كان مسلحا بصفائح من الفولاذ. «الملك هنري السادس، الجزء الثاني»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
السخط
الرجال في سخطهم قد يضربون من هم أعزاء عليهم. «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
الندم
سيظل الناس يتصرفون أحيانا في غير حكمة
ثم يندمون بعد حين على ما فعلوا. «الملك ريتشارد الثالث»، الفصل الرابع، المشهد الرابع
السمعة
إن أثمن وأصفى الكنوز في هذا الزمان الفاني
سمعة نقية لا تشوبها البقع. فإذا ضاعت السمعة،
أصبح الإنسان دمية مذهبة أو صلصالا ملونا.
والروح الجسور في صدر المخلص الأمين
درة ثمينة في صندوق ضوعفت أقفاله عشرة أضعاف. «الملك ريتشارد الثاني»، الفصل الأول، المشهد الأول
العقاب
عادلة هي الآلهة، وهي من لذيذ معاصينا
تصنع أدوات لعذابنا. «الملك لير»، الفصل الخامس، المشهد الثالث
فإذا كان هؤلاء القوم عبثوا بالقانون وأمكنهم أن ينجوا من عقاب بلادهم، فإنهم، وإن أفلتوا من الناس، ليس لهم أجنحة يفرون بها من الله. «الملك هنري الخامس»، الفصل الرابع، المشهد الأول [ترجمة د. محمد عوض محمد]
الجروح
إن الجرح الذي ينال بنبل، أو الجرح النبيل، ميسم الشرف. «العبرة بالخواتيم»، الفصل الرابع، المشهد الخامس
إن الذين يتفاخرون بالكشف عن جروحهم
يستحقون السخرية. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الرابع، المشهد الخامس
الانتصار على الذات
أعظم فوز تستطيع أن تظفر به الآن
هو أن تجعل من نزعاتك الصالحة الشريفة
سلاحا تقهر به تلك النزوات الجامحة. «الملك جون»، الفصل الثالث، المشهد الأول
الاجتهاد
إن الرجال ليكونون أحيانا ملاك حظوظهم يصرفونها كما شاءوا.
لا ملام على نجومنا ولا جناح؛
إنما علينا اللوم والتثريب. «يوليوس قيصر»، الفصل الأول، المشهد الثاني
الاعتماد على الذات
إن دواءنا كثيرا ما يأتي من أنفسنا،
وإن عزوناه إلى السماء أحيانا؛ إن السماء التي يقال إنها تتصرف في أقدارنا
قد أتاحت لنا المجال واسعا حرا، فلا تردنا عما نبغي
من خطط متراخية، إلى حين تجدنا فاترين. «العبرة بالخواتيم»، الفصل الأول، المشهد الأول
الصمت
إنني رأيت في صمتهم ترحيبا بي،
وقرأت في أدبهم وخوفهم أمامي
مثل ما اعتدت سماعه من ألسنة
الثرثارين أرباب الفصاحة البذيئة الصفيقة. «حلم ليلة منتصف صيف»، الفصل الخامس، المشهد الأول
إن صمت البراءة الخالصة يمكن أحيانا
أن يقنع عندما يفشل الكلام في ذلك. «حكاية الشتاء»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
الصمت أكمل بشائر الفرح؛ ولو وصفت مقدار سعادتي، لأنقصت منها. «ضجة فارغة»، الفصل الثاني، المشهد الأول
الاغتياب
للاغتياب
حد قاطع أكثر من حد السيف، ولسان
أفظع من جميع تماسيح النيل وصوت
أعتى من الرياح
والذي ينشر الأكاذيب لجميع أنحاء العالم. إنه يصل إلى الملوك والملكات والنبلاء
والعذارى والزوجات، لا، وحتى يتسلل إلى أعماق القبور
لينشر الأكاذيب عن الموتى. «سيمبلين»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
النوم
النوم البريء،
النوم الذي يحوك قماشة الهم المنتسلة
موت حياة كل يوم، حمام الجهد الأليم،
بلسم الأذهان في أذاها، الطبق الثاني الذي تقدمه الطبيعة العظيمة،
المغذي الأكبر في وليمة الحياة. «ماكبث»، الفصل الثاني، المشهد الثاني
الانتحار
إن الشريعة الإلهية
التي تحرم الانتحار تشل يدي
وتمنعني من الإقدام عليه. «سيمبلين»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
الاعتدال
إني ما زلت قويا ونشيطا رغم شيخوختي؛
فإني في ريعان شبابي لم أهدر
طاقتي في تناول الكحول
ولم أتلف قواي
في ارتكاب المحرمات.
وهكذا فإن شيخوختي لهي أشبه بشتاء قارس؛
بارد لكن رحيم. «كما تشاء»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
النظرية والتطبيق
ما رأينا يوما حكيما
استطاع أن يحتمل ألم الضرس صابرا؛
وإن شهدنا الفلاسفة والحكماء يكتبون أروع الكتب
ويستخفون بصروف الدهر والأحزان. «ضجة فارغة»، الفصل الخامس، المشهد الأول
الخيانة
مهما عانى الإنسان من ظلم الخيانة،
لا بد أن يعاقب الخائن بعذاب أشد إيلاما. «سيمبلين»، الفصل الثالث، المشهد الرابع
الشجاعة
أهم معالم الشجاعة هو الحرص والحذر. «الملك هنري الرابع، الجزء الأول»، الفصل الخامس، المشهد الرابع [ترجمة أ. ر. مشاطي، بتصرف]
عندما تفترس الجسارة العقل ،
تراها تلتهم سيفها الذي به تقاتل. «أنطونيو وكليوباترا»، الفصل الثالث، المشهد الثالث عشر
أي شجاعة، عندما يكشر كلب عن أنيابه،
في أن تمتد اليد إلى شدقيه،
بينما يتيسر طرده بركلة رجل؟ «الملك هنري السادس، الجزء الثالث»، الفصل الأول، المشهد الرابع
الحرب
كن على حذر
وأنت توقظ سيف حربنا من رقدته؛
أستحلفك باسم الله أن تكون على حذر. «الملك هنري الخامس»، الفصل الأول، المشهد الثاني
الترحيب
الترحيب دائم الابتسام،
أما الوداع، فينصرف زافرا آهاته. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
الخمر
إن الخمر الطيبة مخلوق طيع طيب إذا أحسن استعماله. «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
يا روح الخمر الخفية، إذا لم يكن لك اسم تعرفين به، فلنسمك الشيطان ... يا إلهي، كيف يضع الإنسان عدوا في فمه ليختلس منه عقله؟! كيف بالفرح والمتعة والأنس والانبساط نحول أنفسنا إلى وحوش؟! «عطيل»، الفصل الثاني، المشهد الثالث
المرأة
المرأة الوقحة المسترجلة
ليست أبغض من رجل مخنث. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
الكلمات
ما بلغت السماء قط كلمات خلت من أفكارها. «هاملت»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
كلمات قليلة ستتلاءم والخطيئة
حيث لا عذر يداوي الرذيلة. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثاني
حب الدنيا
شئون دنيانا ترين على فؤادك،
ومن اشتراها بالهموم، فقد خسر! «تاجر البندقية»، الفصل الأول، المشهد الأول
الشرف الدنيوي
ما من إنسان حصل على الشرف لمجرد كونه إنسانا؛
وإنما يأتيه الشرف مما تسبغه عليه
رفعة المنزلة والثروة والحظوة،
التي تأتيه عن جدارة حينا واعتباطيا أحيانا،
وكأنما تتأرجح أسباب الشرف على منزلق.
وكأنما يتأرجح الحب الذي يعتمد عليها على منزلق هو الآخر
فإن هي زلت، اختفى الحب أيضا.
ولكن الأمر يختلف معي. «ترويلوس وكريسيدا»، الفصل الثالث، المشهد الثالث
ناپیژندل شوی مخ