العقد الثمين فی تبیین احکام الائمة الهادین
العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
ژانرونه
وأترك الرأي الشئيب المنتشر ... وقد يزل المرء والرأي الحذر فهل هذا فعل من يعلم الغيب أيها الناظر؟ وقد تقرر من علم الأئمة عليهم السلام أن الإستعانة بالفاسق إذا غلب في الظن أنه لا يخون في ما استعين به فيه جائزة، فأما إذا علم أنه يخون فلا خلاف أن ذلك لا يجوز قولا واحدا، وقد استعان علي عليه السلام بقوم ظهرت خيانتهم له، منهم المنذر بن الجارود العبدي فإنه كتب إليه: أما بعد. فإنه غرني فيك صلاح أبيك والكتاب طويل، وهذا(1) زبدته فكيف يغتر من يعلم الغيب، وكذلك ولى عبدالله بن العباس رضي الله عنه البصرة فذهب ببيت مالها أخذه وصدر به على الإبل، والقصة مشهورة بحيث لا ينكرها أهل العلم، وخاطبه علي عليه السلام في ذلك خطابا يطول شرحه فلو كان يعلم الغيب لعلم ذلك، ولو علمه لكان في توليته له عاصيا لله تعالى ، وهو عليه السلام معصوم، وكذلك فصل بسر بن أرطأة من الشام، فلما جاءت عليا عليه السلام عيونه بخبره وتوجهه إلى أرض اليمن استنفر الناس مع جويرية العبدي رحمه الله وأمره بلحاقه فلحقه إلى أرض اليمن ففاته، وقتل شيعة علي عليه السلام في نجران وشبام وجيشان وصنعاء وغيرها من البلدان، وذبح ابني عبيدالله بن العباس من الحارثية والقصة فيهما مشهورة، ومشهدهما اليوم في صنعاء معلوم، وهما الذان قالت فيهما أمهما الحارثية:
يا من أحس بابني الذين هما ... كالدرتين تشفا(2) عنهما الصدف
وهي أبيات، فكان بسر يدلج من البلد وجويره يمشي معه فيها حتى أخرجه من أرض اليمن طردا، وبسر يلتهم ما مر به، فلما وصل مكة حرسها الله تعالى لقيه نعي علي عليه السلام، فلو كان عليه السلام بلغه العلم من الله تعالى أوكان يعلم الغيب لكان لقاهم الجيش وضرب رقابهم قبل دخول اليمن، وسلمت شيعته وبلاده، وهذا لا يجهله عاقل متأمل.
مخ ۱۶۲