العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
يا زائرينا من الخيام ... حيّاكما الله بالسلام
لم تأتياني وبي نهوض ... إلى حلال ولا حرام
يحزنني إن وقفتما بي ... وليس عندي سوى الكلام
ثمّ أجلسهما بين يديه وجعل يمازحهما حتّى انصرفا.
ويقال: إنّه عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات.
قال: ورايت في بعض المجاميع أنّ يحيى بن أكثم مازح الحسن بن وهب وهو يومئذ صبيّ فلاعبه ثمّ جمشه، فغضب الحسن، فأنشد يحيى:
أيا قمرًا جمشته فتغضّبا ... وأصبح لي من تيهه متجنّبا
إذا كنت للتجميش والعضّ كارهًا ... فكن أبدًا يا سيّدي متنقّبا
ولا تظهر الأصداغ للنّاس فتنة ... ولا تجعل منها فوق خدّيك عقربا
فتقتل مسكينًا وتفتن ناسكًا ... وتترك قاضي المسلمين معذّبا
وقال أحمد بن يونس الضبي: كان زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى بن أكثم، وكان غلامًا جميلًا، متناهي الجمال، فقرص القاضي خدّه، فخجل الغلام واستحيى وطرح القلم من يده، فقال له يحيى: خذ القلم واكتب ما أملي عليك، ثمّ أملى الأبيات المذكورة.
وقال إسماعيل الصفّار: سمعت أبا العينا في مجلس أبي العبّاس المبرّد يقول: كنت في مجلس أبي عاصم النبيل وكان أبوبكر بن يحيى بن أكثم ينازع غلامًا، فقال: إن يسرق فقد سرق أب له من قبل.
وذكر الخطيب في تاريخه: أنّ المأمون قال ليحيى بن أكثم: من الذي يقول:
قاض يرى الحدَّ في الزناء ولا ... يرى على من يلوط من بأس
قال: أوما يعرف أميرالمؤمنين قائله؟ قال: لا، قال: يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول:
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ... الأُمّة وال من آل عبّاس
قال: فأفحم المأمون خجلًا وقال: ينبغي أن ينفى أحمد بن أبي نعيم إلى السند.
وهذان البيتان من جملة أبيات أوّلها:
أنطقني الدهر بعد أخراس ... لنائبات أطلن وسواسي
يا بؤس للدهر لا يزال كما ... يرفع ناسًا يحطُّ من ناس
لا أفلحت أُمّةٌ وحقَّ لها ... بطول نكس وطول أتعاس
ترضى بيحيى يكون سائسها ... ولى يحيى لها بسوّاس
قاض يرى الحدَّ في الزناء ولا ... يرى على من يلوط من بأس
يحكم للأمرد الغرير على ... مثل جرير ومثل عبّاس
فالحمد لله كيف قد ذهب ال ... عدل وقلَّ الوفاء في النّاس
أميرنا يرتشي وحاكمنا ... يلوط والرأسُ شرُّ ما راس
لو صلح الدين واستقام لقد ... قام على النّاس كلّ مقياس
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ... الأُمّةِ وال من آل عبّاس
قال: وحكى أبوالفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ليحيى المذكور وقائع في هذا الباب كثيرة، وأنّ المأمون لمّا تواتر النقل على يحيى بهذا اراد امتحانه، فأخلى له مجلسًا واستدعاه وأوصى مملوكًا خزريًّا أن يقف عندهما وحده، وإذا خرج المأمون يقف المملوك عند يحيى فلا ينصرف، وكان المملوك في غاية الحسن، فلمّا اجتمعا بالمجلس وتحادثا وانصرف المأمون كأنّه يقضي حاجته فوقف المملوك، فتجسّس المأمون عليهما، وكان قرّر معه أن يعبث بيحيى علمًا منه أنّ يحيى لا يتجاسر عليه خوفًا من المأمون، فلمّا عبث به المملوك سمعه المأمون وهو يقول: لولا أنتم لكنّا مؤمنين، فدخل المأمون وهو ينشد:
وكنّا نرجي أن نرى العدل ظاهرًا ... فأعقبنا بعد الرجاء قنوط
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط
إنتهى.
رَجْعٌ إلى ما قيل في وصف العشق: قال الأصمعي: سألت أعرابيّة عن العشق، فقالت: جلَّ والله أن يرى، وخفي عن أعين الورى، فهو في الصدور كامن، كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى.
وقيل لأبي زهير المدني: ما العشق؟ فقال: الجنون داء أهل الذلّ، وهو داء أهل الظرف.
وقال بعض الأطبّاء في صفة الحب: الحب امتزاج الروح بالروح، ولو امتزج الماء بالماء لامتنع تخليص بعضه من بعض، فكيف والروح ألطف امتزاجًا وأرقّ مسلكًا.
وسئل أعرابي عن الهوى، فقال: هو أغمض مسلكًا في القلب من الروح والجسد، وأملك من النفس بالنفس، بطن وظهر، ولطف وكشف، فامتنع عن وصفه اللسان، وعمي عنه البيان، فهو بين السحر والجنون، ولطف المسلك والكمون.
1 / 107