ويحكى انه لازم في كل مساء وصباح الصف الاول وتكبير الافتتاح في جامع اياصوفيه اكثر من اربعين سنة ضاعف الله اجره فما احسنه ولما لم تكن نفسه من نوع الرياسة خالية لم يقبل تدريس مدرسة ولا مشخية زاوية وكلما طلب الاعيان صحبته واحبوا رؤيته اظهر لهم الانقباض وأرى الاعراض لخلوص جوهره عن الاعراض وخلو قلبه عن الاغراض :
انه لله عبادا فطنا
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا
انها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الاعمال فيها سفنا
وممن رزق التمييز والاشتهار في انواع الفضل وضروبه لكن عانق ظهوره بخفائه
وطلوعه بغروبه شمس الدين احمد ابن ابي السعود عامله الله بلطفه في دار الخلود
ولد رحمه الله وآثار السيادة من ناصيته ظاهرة وأنوار السعادة في جبينه باهرة يتلى من بياض غرته وصحيفة خده آيات نجابة ابيه وعزة جده ويروى من سلسلة هذا النجل النبيه حديث الولد سر ابيه فلما وصل اوان التحصيل وأبان التكميل اجتهد في احراز الفضائل والمعارف واتقان النوادر واللطائف واستضاء هلاله من شمس ابيه فصار بدرا واستمد نهره من سواكب مزنه فأصبح بحرا وحصل المعارف الجليلة في الازمنة القليلة ووصل الى فنون عدة في ادنى مدة وبالجملة لما كانت مرآة طبعه مجلوة اصبحت صور فضائل ابيه فيها مخبوة واشتغل ايضا على المولى طاشكبري زاده ثم صار معيد الدرس ابيه واكمل كل ما يهمه ويعنيه وصار في الاشتهار كالشمس في وسط النهار ولما وصل صيته الى سمع الوزير الكبير رستم باشا احب رؤيته واستدعاه فلما اجتمع به اعجبه حسن كلامه فاحسن اليه من نفائس الكتب وتبناه ثم اعطاه مدرسته التي بناها في قسطنطينية بخمسين وسنه اذ ذاك سبعة عشر فشرع في القاء الدروس واظهر امورا خارجة عن طوق البشر ثم نقل الى احدى المدارس الثمان ثم الى مدرسة السلطان محمد ابن السلطان سليمان وتوفي رحمه
مخ ۳۵۴