1
الأحد 22 يوليو 1798 ظهرا
اندفعت وسط الجموع الصاخبة. الحرارة خانقة. الشمس لاهبة. التراب يملأ الجو. العرق يسيل على وجهي وأسفل إبطي. تعثرت في نتوء وسط الطريق كونته القاذورات والعفوشات المتراكمة. توقف الكنس والرش منذ ظهر الفرنسيس على تخوم القاهرة. أوشكت على الوقوع لولا أن لحقني أحدهم وشدني من ساعدي. سقطت عمامتي فوق الأرض وانفك عقدها، التقطتها وأعدت ربطها فوق رأسي.
سكك ودروب، سوق السمك، وكالة القمح، وكالة الأرز، جامع المعلق، وكالة الكتان، وكالة الزيت، وكالة الأبزارية، وكالة الملايات، درب القصاصين، درب البرابرة، موقف الحمير ، جامع أبو العلا، سكة أبو العلا.
بالأمس ذاع خبر هزيمة مراد بك في إنبابة. وخرج عمر مكرم نقيب الأشراف من القلعة حاملا بيرقا كبيرا أسماه العامة «البيرق النبوي». تبعته الألوف بالنبابيت والعصي، ورجال الطرق الصوفية بالطبول والزمور والأعلام والكاسات. جاء في أعقابهم العجزة والشحاذون والمسلولون والعميان والمجذومون. أغلقت الدكاكين والأسواق. اتجه الجميع لبر بولاق لينضموا إلى إبراهيم بك الذي حشد مماليكه لملاقاة الفرنسيين. توزع أبناء الطوائف بين المساجد والخرابات. نصبوا خياما لإقامتهم ومبيتهم. تطوع البعض للإنفاق على الآخر. جهز التجار جماعات من المغاربة أو الشوام بالسلاح والأكل. ولم يفد هذا كله بشيء؛ فسرعان ما انهزم إبراهيم بك وولى هاربا. وبدأت رحلة العودة إلى المدينة.
رددت مع الصائحين: يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف. زعق أحد خلفي: بالك! التفت لأرى حصانا يمتطيه مملوك شاب في سروال كبير أحمر اللون، وصديري واسع ذي أكمام طويلة، وعمامة ملفوفة حول طربوش طويل. كانت الدماء تلوث ملابسه. شق طريقه بعنف بين الجارين فأوقع بعضهم أرضا ودهسهم. التصقت بالجدار. مال فوق فرسه ولوح بسيفه. التقط عمامة أحد أولاد البلد وانفجر ضاحكا. تكشفت عمامة الضحية عن رأس حليق لم يتبق من شعره سوى خصلة واحدة. لوح بسيفه مرة أخرى في اتجاهي. ارتميت على الأرض. لعنته في سري فلم أجرؤ على الاحتجاج.
ابتعد المملوك فنهضت واقفا. وضعت ذيل جلبابي بين أسناني وجريت. مررت بشونة قمح، ثم حانوت الكتان المستورد من ألمانيا الذي تملكه الزوجة الثانية للشيخ الجبرتي ويديره ابنه خليل، ثم منزله تجاه جامع ميرزا جوربجي، يقضي به الصيف عادة ولم ينتقل إليه بعد. وكالات القطن والحناء والسكر والزعفران والبن والصمغ والعاج.
أزقة ضيقة لا تتسع لمرور رجلين متقابلين. حوار دائرية يتوه فيها من لا يعرف المنطقة جيدا. عويل النساء في البيوت. رجال مهرولون وأمتعتهم فوق رءوسهم. نساء حاسرات يحملن أطفالهن فوق الأكتاف.
المقس المقفرة التي تكاد تخلو من العمران. امرأة بطرحة مطوحة خلف الكتف وصرة. فلاحات عجفاوات في جلاليب سوداء، ورجال ضامرون في قمصان زرقاء تشدها على خصورهم حبال غليظة من التيل.
الأزبكية. بيوت الأمراء والأعيان. الأتباع يكدسون الأمتعة فوق الجمال. ناس تخب فوق حميرها.
ناپیژندل شوی مخ