وأما الخبر المروي في الثناء عليه فهو لما اقتضى دوامه مع ورود خبر النفاق للجمع بين الأدلة؛ لأنه ليس لحذيفة ولا لغيره أن يرمي مؤمنا بالنفاق، إذا باء بها أحدهما فاختر أيهما أهون عليك، وليت شعري لم قلت: إن المظنون هنا لا يعارض المعلوم، مع أنه غير معلوم، وقد اعترضت فيما مضى وفيما سيأتي على المترسل في رده لخبر الرؤية وغيره مما يعارض القرآن والأدلة العقلية الكلامية، هل هذا إلا تتبع الأهواء الردية.
[ابن الوزير] قال رحمه الله : ولو كان منافقا لاغتنم الفرصة حين حكمه علي ومال إلى الدنيا وتابع من أعطاه منها ولم ينظر للمسلمين، ولو كان كذلك لما اختار عبد الله بن عمر للخلافة فإن عبد الله من أئمة التقوى ومعادن الزهادة في الدنيا، والمنافق إنما يحب أهل الفسق والجراءة. ا ه.
[المؤلف] أقول: أما اغتنام الفرصة فإن أمير المؤمنين كرم الله وجهه في الجنة قد حال دونها بشرطه عليهما إذا خالفا حكم القرآن فلا حكم لهما.
وأما ميله إلى ابن عمر فليس ذلك اختيارا للمسلمين وإنما كان ابن عمر من المغفلين وأبو موسى كان واليا لأبيه فرجى رجوع ذلك مع معرفته بضعف الرجل وقول أبيه فيه، ولو كان مقصده الدين لما خفي عليه زهد أمير المؤمنين لكن شأنه معروف وإنما الخطب الجسيم والأمر العظيم ذبك عن أعداء الله واستصغارك لأبيك أخي رسول الله صلى الله عليه وآله، فتارة تجعله رابعا لمن لا يساويه في مشهد من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وتارة تعرض ابن عمر في مقابلته مع دعواك العلم والنسب الشريف والتمسك بالسنة، كيف لو حضرت أحد مجالس جدك المصطفى صلى الله عليه وآله حيث يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) بعد أن قد سبق منك ما قد مهدت، أكنت مستحيا أن يقع عليك بصره الشريف؟ أكنت خائفا أن تشملك دعوته؟ كلا إن الحياء قد ارتفع من كثيرين بكثرة التجاري.
مخ ۷۴