إن داعي قيامك بهذا الواجب هو احترامك شخصية الغير، واعتبار أنهم من جبلة كجبلتك، ولهم قيمة اجتماعية كاجتماعيتك، وأنهم أعضاء لازمون للمجتمع كلزومك له؛ لذلك عليك أن تكون شخصا اجتماعيا جيدا، وأن تحترم الآخرين كأنهم أشخاص اجتماعيون جيدون مثلك. (1-7) واجب الصدق
إن صلاحية عضوية الفرد في جسم المجتمع تتوقف على إمكان التحامه في المجتمع واندماجه فيه، ولا يمكن أن يتم هذا الاندماج إلا إذا كان الفرد يقدم شخصيته للمجتمع كما هي من غير ختل؛ أي أن يصدق في قوله وفعله، فيفعل كما يقول، ويقول ما يعني؛ يجعل أفعاله مطابقة لأقواله، وأقواله مطابقة لمقاصده، فالفرد الذي يخاتل ويراوغ وينافق ويماذق لا يلبث أن يجد نفسه منبوذا من جسم المجتمع كنبذ صديد الخراج؛ لأنه لا يوثق بقوله ولا بوعده.
فالصدق يعنى به أن نقول ونفعل بحيث يكون تصرفنا في القول والفعل معربا بأصرح ما يمكن عما نعتقد أنه حق، وأنه صدق، وما نقصد أن نحققه. فإذا تعذر علينا في بعض الأحوال أن نطبق فعلنا على قولنا، أو أن ننجز وعدنا، أو إذا أسيء فهم اعتقادنا لسوء تعبيرنا، إذا حدث كل هذا خلافا لرغبتنا وقصدنا، كان لنا عذر تجاه ضميرنا، وإن كان يتعذر علينا في بعض الأحوال أن نبرئ أنفسنا أمام غيرنا. (2) اعتبارات أخرى في الحقوق والواجبات (2-1) تصادم الحقوق والواجبات
تلك هي المبادئ الرئيسية للحقوق والواجبات، وقد وردت روحها في جميع الوصايا الدينية؛ كوصايا موسى العشر ونحوها، ولكنها لا تستوفي جميع المبادئ الأدبية التي تفرض واجبات على الفرد وتعين له حقوقا، كما أنها لا تسلم من التناقض فيما بينها في كثير من الأحوال، مثال ذلك: أن حق الحرية وواجب احترام النظام كثيرا ما يصطدمان، فيتعذر على المرء أن يقرر أيهما أجدر بأن يضحى، وأيهما أولى بأن يتغلب، كذلك قد يحتك واجب احترام حق الحياة بحق الملكية، فيغمط هذا الحق في سبيل ذاك الواجب، كما لو اغتصبت السكين من يد الشخص المزمع أن يرتكب جريمة القتل. وكذلك قد يتناقض واجب الصدق بواجب الحرص على الحياة، كأن تضلل مطاردي شخص عنه لإنقاذه منهم.
على هذا النحو تجد في حوادث الحياة اليومية كثيرا من الأحوال والظروف التي تتناقض فيها الحقوق والواجبات، ويتعذر تمشيها معا كمبادئ أدبية أولية.
وتناقضها على هذا النحو يفضي إلى ارتباك المرء حين يطرأ عليه حال من تلك الأحوال، فقد لا يدري كيف يفصل بينها، ولا أي المبادئ ينقض ولا أيها يؤيد، وأي الوصايا يعصي وأيها يطيع.
ولذلك تحاول الأنظمة الاجتماعية أن تسن قواعد لمخالفة الوصايا في الظروف الخاصة، وبهذه المحاولة ينفتح حقل واسع للاشتراع لا نهاية له، ومع ذلك لا يمكن أن يستوفى جميع الأحوال وحصرها ضمن قوانين محدودة، فلا بد إذن من العودة إلى العكس، أي إلى توحيد مبادئ الحقوق والواجبات الرئيسية، وردها إلى مبدأ واحد أعلى يرجع إليه المرء في الحكم والفصل بين المبدئين المتناقضين، فما هو المبدأ الأعلى؟ (2-2) المبدأ الأدبي الأعلى
هو المبدأ الأدبي الذي يأمرنا بأن نحقق وجود ذاتيتنا المتعقلة؛ أي نوجدها، وأن نولي شخصيتنا الأدبية المتعقلة الحكم في الأمر؛ فنجرد أنفسنا من الأهواء والأغراض، ونحكم في المسألة كأنها تخص أشخاصا آخرين ونحن قضاة فيها، ونرى إن كان هذا الوجه أفضل من ذلك لحياة المجتمع، أو أن العقل الاجتماعي يوافق عليه، أو هل يطابق الرأي العام.
لعلك تقول: إن التبصرة في الأمر على هذا النحو لا تخلصنا من الارتباك والحيرة؛ ولذلك لا بد لنا من تفريع ذلك المبدأ الأعلى إلى مبادئ فرعية لكي نطبق المسألة على واحد منها، فكأنه لا غنى عن تعدد المبادئ والوصايا والشرائع.
تقول: لو كان تعدد الوصايا والشرائع ينقذنا من الحيرة والارتباك في الحكم حين تتصادم المبادئ الأدبية لكنا نلجأ إليه، ولكننا نرى أنه كلما تفرعت المبادئ الأدبية وتعددت زاد ذلك التصادم واشتد الارتباك، فإذا كان تفرع المبادئ وتعددها ليس حين الارتباك أفضل ملجأ من توحدها في مبدأ واحد أعلى، أفليس تشبع النفس بمبدأ واحد أفضل من خبل العقل بمبادئ متعددة متفرعة بعضها من بعض؟
ناپیژندل شوی مخ