3 أكتوبر 1859
عزيزي داروين
لقد انتهيت حالا من كتابك، وأنا في منتهى السعادة؛ لأنني بذلت قصارى جهدي مع هوكر لإقناعك بنشره دون أن تنتظر وقتا لم يكن ليأتي أبدا على الأرجح وإن عشت مائة عام، في حين أنك أعددت بالفعل كل حقائقك التي أقمت عليها قدرا هائلا من التعميمات العظيمة.
إنه مثال رائع على الاستدلال المنطقي المقنع، وحجة متينة طويلة تمتد عبر العديد من الصفحات، صحيح أن التكثيف هائل، بل ربما يكون صعبا للغاية على غير المتخصصين، لكنه بيان تمهيدي فعال ومهم، وهذا سيسمح - حتى قبل ظهور بروفاتك التفصيلية - بإدراج بعض التوضيح المفيد بالأمثلة في بعض الحالات، كما فعلت في أمثلة الحمام وهدابيات الأرجل، التي استخدمتها ببراعة شديدة.
أعني أنه حين تطلب منك طبعة جديدة قريبا، وهو ما أتوقع حدوثه بكل تأكيد، ربما يمكنك أن تورد في الكتاب حالات فعلية لتخفيف هذا الكم الهائل من الافتراضات المجردة. بالنسبة إلي ، فأنا مستعد جدا للتسليم بصحة البيانات التي تذكرها إلى حد أنني لا أظن أن نشر «الدلائل الداعمة» سيشكل فارقا كبيرا، ولطالما كنت أرى بوضوح شديد أننا إذا أقررنا بصحة شيء ما، فسوف ينطبق الأمر نفسه على جميع ما تدعيه في صفحاتك الختامية. وهذا ما جعلني أتردد لفترة طويلة جدا؛ بسبب شعوري الدائم بأن حالة الإنسان وأعراقه هي نفسها حالة الحيوانات الأخرى، وحالة النباتات أيضا، وأننا إذا اعترفنا بوجود «سبب حقيقي» لإحداها، بدلا من سبب تخيلي مجهول تماما، مثل كلمة «الخلق»، فستنطبق النتائج نفسها على الحالات الأخرى.
ولأنني سأغادر هذا المكان الآن، يؤسفني القول إنني لا أملك وقتا للاسترسال بشأن الكثير من التعليقات، وللتعبير عن مدى إعجابي البالغ بفصل «الجزر المحيطية» و«الأعضاء الأثرية» و«علم الأجنة» و«المفتاح النسبي للنظام الطبيعي»، و«التوزيع الجغرافي»، وإذا واصلت فسوف أنسخ عناوين كل فصولك. لكني سأدلي برأي عن جزء «التلخيص»، إذا كان لا يزال ممكنا إجراء شيء من التعديل الطفيف، أو على الأقل حذف كلمة أو اثنتين في ذاك الجزء.
بادئ ذي بدء، في الصفحة رقم 480، لا يمكن بالطبع القول إن أبرز علماء التاريخ الطبيعي رفضوا الرأي القائل بأن الأنواع قابلة للتغير، أليس كذلك؟ أظنك لا تقصد تجاهل جي. سانت إيلير ولامارك! بخصوص ذلك الثاني، يمكن القول إنك تضع الانتقاء الطبيعي محل الإرادة لدى الحيوانات إلى حد كبير، لكنه لم يستطع تقديم فكرة الإرادة في نظريته عن التغيرات في النباتات؛ لا شك أنه ربما بالغ دون داع في التأكيد النسبي على تغيرات الظروف الطبيعية، فيما كان تأكيده على التغيرات المتعلقة بالكائنات المتنافسة أقل مما ينبغي. لكنه على الأقل كان مؤيدا للرأي القائل بقابلية الأنواع جميعها للتغير، ومؤيدا لوجود رابط نسبي بين الأنواع الأولى والأنواع الحالية. ثم إن المنتسبين إلى نفس مدرسته قد استشهدوا بالضروب المدجنة. (هل تقصد علماء التاريخ الطبيعي «الأحياء»؟)
2
إن الصفحة الأولى من هذا الملخص المهم للغاية تمنح الخصم أفضلية؛ وذلك بما تحمله من طرح مفاجئ وتقريبي لاعتراض صادم مثل تكون «العين» لا من خلال وسيلة تشبه العقل البشري، ولا حتى قوة تفوق العقل البشري بدرجة كبيرة للغاية، بل من خلال تباينات مستحثة كتلك التي يستفيد منها مربو الماشية. وبذلك سيستلزم الأمر صفحات عديدة لذكر الاعتراض وإزالته. وبما أنك تريد الإقناع، فسيكون من الأفضل أن تصمت عن ذلك. احذف عدة جمل، ثم اطرح المسألة بدرجة أكبر من التفصيل في طبعات مستقبلية. وبين رمي حجر العثرة هذا في طريق القارئ، وصولا إلى النمل العامل، في صفحة 460، ينبغي أن تضيف بعض الصفحات؛ وسيمنح موضوع النمل هذا القارئ فرصة للهدوء حتى يتعافى من صدمة دعوته إلى تصديق أن العين وصلت إلى الكمال بعد حالة من العمى التام أو العمى الجزئي، عبر مثل هذه التحولات التي نشهدها. أظن أن قليلا من الحذف سيقلل بشدة من إمكانية أن تثير هذه الجمل اعتراضات، هذا إن لم يكن لديك وقت لإعادة الصياغة وإضافة مزيد من التفاصيل. ... لكن هذه أمور صغيرة، مجرد بقع على الشمس. أرى أن تشبيهك للحروف التي تظل باقية في هجاء الكلمات، بينما تنتهي فائدتها في النطق، بالأعضاء الأثرية ممتاز؛ فكلاهما يتعلق بالنسب بالفعل.
إن عدم وجود طيور غير مألوفة في ماديرا يمثل إشكالية أكبر مما بدا لي عليه الأمر. أستطيع أن أستشهد بفقرات توضح فيها أن التباينات قد استحثت من الظروف الجديدة للمستعمرين الجدد؛ مما يقتضي أن تكون بعض طيور ماديرا غير مألوفة، شأنها في ذلك شأن طيور جالاباجوس. وقد كان الوقت وفيرا في حالة ماديرا وبورتو سانتو ...
ناپیژندل شوی مخ