Certainty in Knowing the Lord of the Worlds
اليقين في معرفة رب العالمين
خپرندوی
مطبعة السلام
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
٢٠٠٥ م
د خپرونکي ځای
ميت غمر - مصر
ژانرونه
اليقين
فى معرفة رب العالمين
إعداد
محمد على محمد إمام
1 / 1
إسم الكتاب:
اليقين فى معرفة رب العالمين
إعداد:
محمد على محمد إمام
رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق المصرية:
١٥٣٦/ ٢٠٠٥
رقم الطبعة:
الأولى -- ٢٠٠٥م
حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف
مطبعة السلام - ميت غمر
1 / 2
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده ... أما بعد ..،
إخوانى وأحبائى فى الله ﷿ يسعدنى أن أكتب لكم هذه الرسالة فى معرفة الله ﷿، وهى رسالة يحتاج إليها كل مسلم ومسلمة وخاصة الدعاة إلى الله ﷿، فى هذا الزمن الذى علا فيه الباطل ورفع أعلامه، وأخذ أهله يتظاهرون فى كل مواقفهم أنهم أهل العلم والرقى والحضارة فى كل مجالات الحياة ويتهمون المسلمون بالجهل والرجعية والتخلف، والمسلمون ببعدهم عن دينهم وعدم معرفتهم بربهم يصدقونهم، بيد أن هذه العلوم التى يفتخرون بها هى من علوم ظاهر الحياة الدنيا .. وقد قال الله ﷿ ساخرًا منهم
1 / 3
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (١).
وقال تعالى ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (٢).
نظروا إلى مخترعاتهم .. فكأنى بهم ينظرون إلى أنفسهم علوًا واستكبارًا يقولون: من أقدرُ منا؟! من أعلمُ منا ..؟! من أشدُ منا قوة ..؟! فما نتيجة العلو والاستكبار ..؟!
قال الحق ﷿: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٣) فالله ﷿ أعطى الإنسان بعض المواهب وبعض الإمكانيات ليكتشف بعض
_________
(١) سورة الروم - الآية ٧.
(٢) سورة النجم - الآية ٢٩.
(٣) سورة يونس - من الآية ٢٤.
1 / 4
أسراره فى هذا الكون ليزداد إيمانًا بربه، فظن بهذه الإمكانيات أنه قادر على أن يتصرف فى هذه الحياة وفق ... ما يريد، ويفعل ما يشاء بذاته .. فلما ظنوا هذا الظن .. ونسوا قدرة الله ﷿ .. ونسبوا التقدم لأنفسهم .. واعتقدوا باطلًا أنهم قادرون عليها .. حينئذٍ يأتى أمر الله لينهى كل حضارة .. وكل تقدم وصلوا إليه .. فأصبحت حصيدًا كأن لم تكن.
والعلم الحقيقى هو علم المعرفة بالله ﷿ .. فالله ﷿ هو أشرف معلوم.
فيجب على المسلم أن لا ينبهر بما انبهر به غيره وهو يحمل أعظم العلوم وأشرفها .. وأن لا يغفل عن الدرجة الرفيعة التى خصه الله بها وهى الدعوة إلى الله على بصيرة .. حيث أنه الوارث لرسول الله ﷺ ..
وأن لا يحتقر لما فى يديه من صلاحيات .. وأن لا ينام عن دوره .. وأن لا يتكاسل عن رسالته .. فلو فطن إلى
1 / 5
العلم المودع فى قلبه ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه﴾ (١) لرفع رأسه عاليًا وانصلح حاله .. ولفهم أن علم المعرفة بالله هو فى الذروة من كل العلوم .. وهو العلم الذى كلف بتبليغه .. وهو المقام العالى الذى أراده الله ﷿ لكل مسلم فهيا بنا معًا نستنشق عبير الإيمان ونحن نقرأ هذه الرسالة التى تتكلم عن عظمة ربنا ﷾ فما أحلى الكلام عن الله ﷿.
(اللهم عطر ألسنتنا بذكرك .. وشكرك .. والدعوة إليك ..)
إعداد
محمد على محمد إمام
_________
(١) سورة محمد - من الآية ١٩.
1 / 6
الله
الله ﷻ قيومًا (*) قاهرًا فوق عباده مستويًا على عرشه كما قال ﴿الرَّحْمَنُ عَلى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (١) (٢)
_________
(١) سورة طه - الآية ٥.
(٢) سئل مالك: كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم مسح رأسه فقال: " الرحمن على العرش استوى " كما وصف نفسه ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعه، أخرجوه، فأخرجوا الرجل.
وسأله رجل آخر فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول.
وقال عبد الله بن نافع: قال مالك: الله فى السماء وعلمه فى كل مكان. (تاريخ الإسلام - ٥/ ١٧٩).
وقيل لربيعة الرأى: كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. (تاريخ الإسلام - ٤/ ٥٢). ... =
= قال على بن الحسن بن شقيق: قلت لابن المبارك: كيف تعرف ربنا عزوجل؟ قال: فى السماء على العرش ولا نقول كما قالت الجهمية هو معنا. (تاريخ الإسلام - ٥/ ٣٠٠).
قال الأوزاعى ﵀ كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله سبحانه على العرش ونؤمن بما ورد فى السنة من الصفات.
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالأصل
1 / 7
بائنًا من خلقه، منفردًا بتدبير مملكته، متكلمًا بأمره ونهيه، بصيرًا بحركات العالم علويه وسُفليه، وأشخاصه وذواته، سميعًا لأصواتهم، رقيبًا على ضمائرهم وأسرارهم، وأمر الممالك تحت تدبيره، يأمر وينهى، يخلقُ ويرزق، يحيى ويميت، ويقضى وينفذ، يرضى ويغضب، يثيب ويعاقب، يعز ويذل، يُعطى ويمنع، يرفع ويخفض .. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١).
_________
(١) سورة آل عمران - الآية ٢٦.
1 / 8
ويرحم إذا أُسترحم، ويغفر إذا أُستغفر، ويجيب المضطر، ويكشف الضر، ويشفى السقيم، ويجيب إذا دُعى، ويقيل إذا استقيل ..
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ... مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (١). ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (٢). ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (٣).
موصوفًا بصفات الكمال منعوتًا بنعوت الجلال منزهًا من العيوب والنقائص والمثال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾ (٤).
_________
(١) سورة النمل - الآية ٦٢.
(٢) سورة الشعراء - الآية ٨٠.
(٣) سورة البقرة - من الآية ١٨٦.
(٤) سورة الشورى - من الآية ١١.
1 / 9
وهو كما وصف نفسه فى كتابه، وفوق ما يصفه به خلقه، يقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول يذهب بدولة ويأتى بأخرى ..
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (١).
والرسل من ملائكته عليهم الصلاة والسلام بين صاعد بالأمر، ونازل من عنده بالأمر ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٢)، ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٣).
ينفذون أوامره فى أقطار الممالك، وأوامره ومراسمه متعاقبة على تعاقب الآيات نافذة بحسب إرادته ..
ما شاء الله كان فى الوقت الذى شاء على الوجه الذى يشاء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير ..
_________
(١) سورة آل عمران - من الآية ١٤٠.
(٢) سورة التحريم - من الآية ٦.
(٣) سورة النحل - الآية ٥٠.
1 / 10
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (١).
وأوامره وسلطانه نافذة فى السماوات وأقطارها، وفى الأرض وما عليها وما تحتها، وفى البحار، وفى الجو، وسائر أجزاء العالم وذراته يقلبها ويصرفها ويحدث فيها ما شاء وفق حكمة بالغة وإرادة نافذة ..
حى لا يموت أبدًا .. قيوم .. لا ينام ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (٢).
_________
(١) سورة يّس - الآية ٨٢.
(٢) سورة البقرة - الآية ٢٥٥.
1 / 11
متفرد بالألهية لكل الخلائق، حى فى نفسه لا يموت أبدًا، قائم لا ينام، قائم بذاته، المقيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غنى عنها ولا قوام لها بدون أمره ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ (١)، لا يغفل عن تدبير الخلق، ولا يعتريه فتور ولا نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض﴾ (٢) فالجميع عبيده وفى ملكه وتحت قهره وسلطانه .. ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ (٣).
ومن عظمته وجلاله وكبريائه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحدٍ عنده إلا بإذنه له فى الشفاعة حتى النبى محمد ﷺ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِه﴾ (٤).
_________
(١) سورة الروم - من الآية ٢٥.
(٢) سورة البقرة - من الآية ٢٥٥.
(٣) سورة مريم - الآية ٩٣.
(٤) سورة البقرة - من الآية ٢٥٥.
1 / 12
سميعٌ .. بصير .. ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (١).
﴿قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ (٢).
البصير .. الذى لكمال بصره، أحاط بصره جميع المرئيات، وأبصر جميع المبصرات .. بل يبصر جميع المعدومات، التى سوف تكون فى حيز الوجود، يبصر الأشياء على ما ستؤولُ إليه، ويعلم حقائقها، ودقائقها، وما وراءها من المقاصد والغايات.
فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء ويرى نياط عروقها ومجارى القوت فى أعضائها ..
ويرى ما تحت الأراضى السبع كما يرى ما فوق السماوات السبع ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ (٣).
_________
(١) سورة غافر- من الآية ٢٠.
(٢) سورة طه - الآية ٤٦.
(٣) سورة العلق - الآية ١٤.
1 / 13
السميع .. الذى لكمال سمعه وسع سمعه الأصوات، يسمعُ ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فلا تختلف عليه، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله سمعٌ عن سمع، ولا يشغله صوت عن صوت، ولا يغيب عنه صوت، ولا يخفى عليه صوت دبيب النملة، أو حركة الذرة ... أو ذبذبات الصخور فى أعماق البحار، أو فى أعالِ الجبال، لا يغيب عن سمعه المعدومات وهى التى لم تدخل فى حيز الوجود بعد ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ... (ذوى الحاجات) الملحين.
﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ (١).
الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر .. فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر
_________
(١) سورة الرعد - الآية ١٠.
1 / 14
بقلبه ولم تتحرك به شفتاه، وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا .. وكذا .. فى وقت كذا .. وكذا.
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ (١).
﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (٢).
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ (٣).
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ
_________
(١) سورة آل عمران - الآية ٥.
(٢) سورة التغابن - الآية ٤.
(٣) سورة سبأ - الآية ٢.
1 / 15
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (١).
﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٢).
﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (٣).
أحاط الله - ﷿ - بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددًا ووسع كل شئ رحمة وعلمًا وعدلًا .. العالم بكل شئ .. ولكمال علمه يعلم ما بين أيدى الخلائق وما خلفهم، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم .. لا يتقيد علمه بزمان ولا مكان .. ولا يعترى عليه النسيان .. ولم يسبق علمه
_________
(١) سورة المجادلة - الآية ٧.
(٢) سورة يونس - من الآية ٦١.
(٣) سورة لقمان - الآية ١٦.
1 / 16
جهل .. يعلم دبيب الخواطر فى القلوب .. عليم بالجزئيات كما هو عليم بالكليات .. عليم بدقائق الأمور وأسرار المقدور وهو بالظاهر بصير وبالباطن خبير ..
لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا تغيره الحوادث ولا يخشى الدوائر يعلم مثاقيل الجبال وعدد قطر الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد حبات الرمال وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار ولا توارى منه سماءً سماء ... ولا أرضًا أرضا ولا بحر ما فى قعره ولا جبل ما فى وعره ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ ... مُبِينٍ﴾ (١).
وما تسقط من ورقة إلا يعلمها متى نبتت ومتى سقطت ولما سقطت .. وأين سقطت وفى أى شئ سقطت .. ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب
_________
(١) سورة الأنعام - الآية ٥٩.
1 / 17
مبين .. ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ (١).
قائم على كل نفسٍ بما كسبت، مدبر لشئون خلقه وفق حكمةٍ بالغةٍ، وإرادة نافذةٍ وقدرة منفذةٍ، فله القدرة التامة، والمشيئة النافذة والعلم المحيط بما كان وبما سيكون وبما هو كائن ..
وله الغنى المطلق من جميع الكائنات .. وله الحكمة الباهرة التى بهرت جميع المخلوقات .. وله الكلمات التامات النافذات التى لا يجاوزهن برٌ ولا فاجر فى جميع البريات .. قيم الأرض والسماوات .. الحى القيوم الذى لكمال حياته، وقيومته، لا تأخذه سنة ولا نوم .. ليس فى مخلوقاته شئ من ذاته، ولا فى ذاته شئ من مخلوقاته، بل هو بائن من خلقه، مستوٍ على عرشه، عالٍ على كل شئ، وفوق كل شئ، له علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر ..
_________
(١) سورة الروم - الآية ١٩.
1 / 18
هو العلى الذى لا تدرك ذاته ولا تتصور صفاته فسبحان من لا يدرك ذاته إلا ذاته ولا يحيط الخلق مجتمعين ... أو متفرقين بصفةٍ من صفاته ..
وهو العلى الذى لا يزيده تعظيم العباد علوًا، إذ هو عالٍ بذاته وصفاته على سائر خلقه غنى عنهم وهم الفقراء إليه لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم وهو المتعال عن الأنداد والأضداد ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (١) فلا يدانيه أحد مهما علت رتبته، فهو الذى يمنع عباده ما شاء من فضله، ويضع من شاء فى أى رتبة شاء، وهو ولى النعم ومسديها ..
تعالى بفضله ورحمته عن الوجود كله .. تمت كلمته صدقًا وعدلًا، وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبهًا ومثلًا، وتعالت ذاته أن تشبه شيئًا من الذوات أصلًا. ووسعت الخليقة أفعاله عدلًا وحكمة ورحمة وإحسانًا ... وفضلًا ..
_________
(١) سورة الشورى - من الآية ١١.
1 / 19
له الخلق والأمر، وله النعمة والفضل، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله الثناء والمجد، وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمدُ كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، علانيته وسره، شملت قدرته كل شئ، ووسعت رحمته كل شئ ووسعت نعمته كل حى ..
يبدى ويعيد ..، لا يفنى ولا يبيد ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (١)، ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٢)، هو الأول (الذى ليس قبله شئ)، والآخر (الذى ليس بعده شئ)، والظاهر (الذى ليس فوقه شئ، وهو العالى على كل شئ وهو الغالب الذى لا يغلب، القاهر الذى لا يقهر، الظاهر للعقول بالدلائل، الذى دلت كل الدلائل المادية والمعنوية على وجوده ووحدانيته فى الذات والصفات والأفعال ..)، والباطن (الذى ليس دونه شئ)، والباطن
_________
(١) سورة القصص - من الآية ٨٨.
(٢) سورة الحديد - الآية ٣.
1 / 20