اتخذوا طريقهم على ضوء الشمعدانات الموقدة بأيدي الحرس والجواري عبر مسالك بستان العزيزة المعبق بعطر الزهور، إلى حيث دار الضيافة الملحق بقصر الأميرة عزيزة، وأبو زيد ما يزال يواصل تعليقاته: يبدو أننا ضللنا الطريق إلى الجنة! - حقا يا خال، حقا.
وما إن احتواهم القصر المرمري الناصع البياض، بعدما أمرت العزيزة بإعداد كل ما يلزمهم، حتى مضوا يلفظون وقد تملكتهم جميعا نشوة جارفة بلا استثناء مع الرغبة في الكلام وطرح التساؤلات حول رهبة أحداث هذا اليوم، الذي وصفه أبو زيد بأنه ليس أبدا مجرد يوم: بل دهر.
أي أن يمتد بأبي زيد وفرسان بني هلال العمر - أو الدهر - ليشهدوا بأعينهم زناتي تونس مستأنسا يسامرهم عن قرب مرحبا بقوله: تونس بلدكم.
بل الأدهى هو أن يمضوا ليلتهم هنا تحت ضيافة ورعاية حكام تونس ذاتهم والزناتي وتابعه العلام بن هضيبة.
قاطع يونس أبا زيد وهو ما يزال سعيدا منتشيا منذ أن لامست يده يدي عزيزة في حنو لن ينساه مدى العمر: هي ضيافة عزيزة أولا وأخيرا يا خال.
اندفع مرعي بدوره مأخوذا بحبيبته: ويمكن القول بل هي سعدى بنة الزناتي، سأفتح عيني بعد ساعات لا غير على عينيها الخضراوين، بستان يزول أمامه بستان العزيزة الشاسع!
مضوا يتأملون زهورهم المعقودة حول أعناقهم وهم يغيرون ملابسهم استعدادا للنوم، ويستعيدون تفاصيل تلك الرؤيا التي عايشوها غروب شمس هذا اليوم المشحون المتأجج بالشحن، خاصة بالنسبة إلى يونس ومرعي اللذين أغمضا عيونهما كل على فتاة أحلامه؛ يونس مع عزيزة ومرعي مع سعدى، بينما انغلقت عينا أبي زيد الهلالي على عيني العلام بن هضيبة المسلطة على عنقه وهما متقدتان كجمر نار.
وامتد بالهلاليين المقام بتونس أياما لا تنسى وهم ينزلون ضيوفا على أميرتي تونس عزيزة وسعدى، وبمباركة الزناتي خليفة ذاته الذي رحب بهم في ديارهم.
وعلى مرأى من العلام الذي مادت الأرض تحت قدميه، وهو الوحيد الذي يمكن القول إنه تأكد يقينا لا تخالجه أبدا أي ومضة شك بأن هؤلاء الغرباء الخمسة ما هم سوى جواسيس بني هلال بلحمهم وشحمهم، الذي أوصل الأمور إلى حد لا يمكن إرجاعها، وكيف له الرجوع عن كذبته التي أطلقها عبر بحر سوسة؟! - ألقينا القبض على جواسيس بني هلال!
ولكي يسبك حماقته تلك أطلق لجنده العنان لأسر خمسة أشخاص أيا كانوا لهم ذات المواصفات لحين قطع رقابهم وإشاعة الخبر الذي على أثره انطبقت أجفان خاله الزناتي مطمئنة.
ناپیژندل شوی مخ