انشغلت عزيزة بإطعام يونس، وقد جلس منتصب القامة كالرمح في مواجهتها.
وحين انتهوا من عشائهم ودارت أقداح القهوة والمرطبات جاء دور الغناء، فطالب الجميع مي بالغناء الذي أثار إعجاب كل من عزيزة وسعدى، بل ومشاهير مغنيات العزيزة اللواتي انبهرن بعزفها وموشحاتها ومواويلها التي لا تخلو من حزن دفين وشجن متوقد للأهل في المشرق ونجد المرية خاصة.
وكان كل هذا ترصده عينا العلام المتلصصتان في اندهاش مرير من مخبئه بين ثنايا أغصان وأشجار بستان العزيزة مشتعلا في حسرة وحسد صارخا لنفسه: هم جواسيس عرب المشرق.
الزناتي يفاجئ العشاق الأربعة
تراجع الأمير العلام في مكمنه المختبئ بين أدغال بستان العزيزة مروعا وهو يرقب في أقصى ذهوله غير مصدق ما تشهده عيناه المتلصصتان وتسمعه أذناه، وهو يفح لنفسه وقد عاوده ألم أسنانه: هم بذاتهم، حسب أوصافهم، جواسيس، عرب المشرق، الهلالية.
غطس وجهه في ظلام البستان يستنجد بحرسه وعسسه، إلا أنه عاد كمن يسترجع عواقب ما سيحدث الليلة: ليس الآن يا عزيزة، ليس أوانه.
من جديد تحرك مستديرا متخذا نفس وضعه.
لم يكن أبو زيد الهلالي أكثر انتصارا في تحقيق مآربه، ما عليه الآن هذه الليلة؟ فهو الآن وجها لوجه مع حاكم تونس وتخومها وفارسها الأول خليفة الزناتي، وإلى الخلف منه وقف العلام بن هضيبة داخل قصر العزيزة وسعدى: أحقا ما يحدث؟!
ولعلها هي ذات الأحاسيس التي رادوت يونس وإخوته ومي الحزينة: أحقا؟!
أما عزيزة التي أذهلتها المفاجأة بدخول عمها الزناتي مقرها خلسة وفي أعقابه كرباجه الضارب العلام ابن عمها، والذي استحال نظرها في الأيام الأخيرة إلى عدو حقيقي ينزف حقدا وغلا عليها وحدها دون نساء تونس جميعها.
ناپیژندل شوی مخ