وقد زاد الطين بلة أنه أوصل علاقته بابنة خاله عزيزة ابنة سلطان تونس المسجى مريضا معبد بن باديس إلى نقطة التوتر واللارجوع رغم حبه الجارف لها منذ الصغر، وكان يعزز من هذا الحب رغبته العارمة في الاستحواذ على تونس بكاملها من خلالها، فتدين له قلاعها والدنيا بأسرها من بعدها.
بل إن ما حدث بينه وبين العزيزة من تطاحن وحزازات في الأشهر الأخيرة وصلت ذروتها حين استعانت هي في كشف ألاعيبه وأحابيله التي أصبح لا يكف يوما عن نسج خيوطها بخبرة وحنكة ضدها، في محاولة يائسة للتقرب منها ولفت عينيها الباهرتين إليه يوما أو لحظة.
فهو العلام الذي تدين له تونس من كبيرها لصغيرها، راضخة عند قدميه فيما عداها؛ عزيزة، فكان مثل هذا الإحساس الدفين يعتمل داخله طاحنا مقوضا لكل خطواته ومسئولياته الجسيمة، ويدفع به دفعا إلى المحاولات إثر المحاولات للإتيان بأفعال كبيرة لافتة لكل عيان، تتيح له أن يحقق أقصى درجات الشهرة وذيوع الصيت والفروسية.
كان يتصدى للإيقاع بكل من تسول له نفسه الاقتراب من تخوم تونس وأسوارها المنيعة وبواباتها وقلاعها الموصدة ضد كل طامع أو معتد، سواء كان أولئك المعتمدون والطامعون من الغرباء أو كانوا من اليونانيين والبطلميين والرومان أو من القبارصة أو الإيجيين أو البدو من عرب المشرق.
ولهذا تجبر العلام في معاملة أولئك الغرباء والمتسللين أيا كانوا وتحت أي سماء، فكان يقبض عليهم ليودعهم سجونه وزنازينه المطمورة تحت الأرض، أو قد يلح في مطاردتهم إلى أن يوقع بهم في البحر المحيط بالبلاد ليعود بجيشه وكتائبه بعد ذلك سالما منتصرا أمام عيني مولاه خليفة الزناتي، الذي أسلم له مقاليد أمور مثل هذه الوقائع «البسيطة» التي تحدث هنا وهناك بشكل يومي، ولا يحتاج ردعها إلى تدخله شخصيا في القتال والنزال، باعتباره - أي الزناتي - فارس تونس الأول ومصدر هيبتها.
إذ ليس من المعقول أن يتصدى الزناتي لمختلف هفوات العوام اليومية أو حتى حملات الطامعين من «الهمج» الأفريقيين من أحباش وغيرهم وغينيين وصوماليين، وهو - الزناتي - الذي نازل منذ شبابه الجيوش الجرارة المدججة بكل سلاح وعتاد، دفع بهم إلى الموت الجماعي إما غرقا في مياه البحار والمحيطات، وإما على منحدرات تلال تونس وسهولها وأراضيها المترامية المتفجرة خضرة وعطاء، كما أنه هو ذاته أبو سعدى الزناتي الذي صيغت عنه الملاحم والأشعار التي تتغنى بها الأقوام والشعوب والقبائل مشرقا ومغربا.
أنا أبو سعدى الزناتي خليفة
لي في أفعالي يا كرام شهود
شهودي نهودي والقائم صارمي
بيض الرمادي واخيات جمود
ناپیژندل شوی مخ