الكلام، وفلسفة أهل الأهواء، الذين اعتمدوا الفلسفة مصدرًا لفهم العقائد، وأسلوبًا للتفكير فيها، ورد ما أثبته الكتاب، ونطقت به السنة، والاحتجاج بها على عقائد السلف، واعتبارها حقائق لا يمكن للناس مخالفتها، فكانوا يستدلون بأحكام الكلام لإحكام معاني الآيات والآثار، مع أن القرآن والسنة يستدل بها، ولا يستدل عليها، فما سلم لهم ذلك إلا بصرف الصفات عن حقائقها، والقول بمجازها.
قال أبو بكر الصديق ﵁: "السنة حبل الله المتين، فمن تركه فقد قطع حبله من الله".
وقال ابن عمر: "من ترك السنة كفر".
وقال عمر بن عبد العزيز: "السنة إنما سنها من علم ما جاء في خلافها من الزلل، وأنهم كانوا على المنازعة والجدل أقدر منكم".
وقال إسحق بن عيسى: سمعت مالك بن أنس يعيب الجدل في الدين، ويقول: "كلما جاءنا رجل هو أجدل من رجل أردنا أن نترك ما جاء به جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم".
وقال سعيد بن جبير: "لأن يصحب ابني فاسقًا، شاطرًا، سُنِّيًّا، أحب إليَّ من أن يصحب عابدًا مبتدعًا".
وقال ابن المبارك: "من تعاطى الكلام تزندق"١.
واستمر الناس على ذلك، حتى اشتد الأمر على أهل السنة سنة ٢١٨هـ، وفيها أمر المأمون، نائبه على بغداد، إسحاق بن إبراهيم بأن يمتحن العلماء بمسألة خلق القرآن٢، فأجاب البعض خوفًا، والبعض الآخر بالحيل؛ للخلوص من الفتنة، وثبت قليل مجاهرون بالحق، ربط الله على
_________
١ ما تقدم من أقوال، فعن الإبانة - لابن بطة العكبري: صـ ١٤ - ٤٧.
٢ البداية والنهاية: ٢٧٢/١٠.
1 / 7