ثم عاد يرسم الخطوط بعكازه على أديم الأرض، وبعد هنيهة، وقد أعجبت بنغمة صوته خاطبته ثانية قائلا: «هل أنت غريب في هذه المدينة؟».
فأجاب: «أنا غريب في هذه المدينة، وأنا غريب في كل مدينة أخرى».
قلت: «إن الغريب في مثل هذه المواسم يتناسى ما في الغربة من الضيم، والوحشة لما يجده الإنسان من الأنس والانعطاف».
فأجاب «أنا غريب في مثل هذه الأيام أكثر مني في غيرها».
قال هذا ونظر إلى الفضاء الرمادي، فاتسعت عيناه، وارتعشت شفتاه كأنه رأى على صفحة الفضاء رسوم وطن بعيد ...
قلت: «إن القوم في هذه المواسم يعطفون على بعضهم البعض، فالغني يذكر الفقير، والقوي يرحم الضعيف».
فأجاب: «نعم، وما رحمة الغني بالفقير سوى نوع من حب الذات، وليس انعطاف القوي على الضعيف إلا شكلا من التفوق والافتخار».
قلت: «قد تكون مصيبا، ولكن ماذا يهم الفقير الضعيف ما يجول في باطن الغني القوي من الرغائب والأميال؟ إن الجائع المسكين يحلم بالخبز، ولكنه لا يفكر بالكيفية التي يعجن بها الخبز».
فأجاب: «إن الموهوب لا يفتكر، أما الواهب فيجب عليه أن يفتكر، ويفتكر طويلا».
فأعجبت بكلامه وعدت، أتأمل منظره الغريب، وأثوابه القديمة.
ناپیژندل شوی مخ