في تلك الليلة بعد أن تابع الأمير سيره اجتمع في بيت «الشيخ» منصور دعيبس جميع سكان القرية، ونادوا به رئيسا مطاعا في السراء والضراء. رحمهم الله جميعا. •••
وللسرجين المفضض أسرار لا عداد لها تعلنها لنا الشياطين، والأبالسة في كل يوم وليلة، وسوف نظهرها لكم قبل أن يسيرنا الدهر إلى ما وراء الشفق الأزرق، أما الآن وقد انتصف الليل وملت أجفاننا السهر، فاسمحوا لنا أن ننام لعل عروس الأحلام تحمل روحنا إلى عالم أنظف من هذا العالم.
رؤيا
عندما جن الليل، وألقى الكرى ردائه على وجه الأرض، تركت مضجعي، وسرت نحو البحر قائلا في نفسي: «البحر لا ينام، وفي يقظة الليل تعزية لروح لا تنام».
بلغت الشاطئ، وكان الضباب قد انحدر من أعالي الجبال، وغمر تلك النواحي مثلما يوشي النقاب الرمادي وجه الصبية الحسناء، فوقفت محدقا بجيوش الأمواج مصغيا إلى تهاليلها، مفكرا بالقوى السرمدية الكامنة وراءها، تلك القوى التي تركض مع العواصف، وتثور مع البراكين، وتبتسم بثغور الورود، وتترنم مع الجداول.
وبعد هنيهة التفت، فإذا بثلاثة أشباح جالسين على صخر قريب، وأغشية الضباب تسترهم ولا تسترهم، فمشيت نحوهم ببطء كأن في كيانهم جاذبا يستميلني قسر إرادتي.
ولما صرت على بعد بضع خطوات منهم وقفت شاخصا بهم كأن في المكان سحرا أجمد ما بي من العزم، وأيقظ ما في روحي من الخيال.
في تلك الدقيقة وقف أحد الأشباح الثلاثة، وبصوت خلته آتيا من أعماق البحر قال: «الحياة بغير الحب كشجرة بغير أزهار ولا أثمار، والحب بغير الجمال كأزهار بغير عطر وأثمار بغير بذور ... الحياة ، والحب، والجمال ثلاثة أقانيم في ذات واحدة مستقلة، مطلقة لا تقبل التغيير ولا الانفصال» قال هذا وجلس في مكانه.
ثم انتصب الشبح الثالث، وبصوت يماثل هدير مياه غزيرة قال: «الحياة بغير تمرد كالفصول بغير ربيع، والتمرد بغير حق كالربيع في الصحراء القاحلة الجرداء ... الحياة والتمرد والحق؛ ثلاثة أقانيم في ذات واحدة لا تقبل الانفصال ولا التغيير».
ثم انتصب الشبح الثالث، وبصوت كقصف الرعد قال: «الحياة بغير الحرية كجسم بغير روح، والحرية بغير الفكر كالروح المشوشة ... الحياة والحرية والفكر، ثلاثة أقانيم في ذات واحدة أزلية لا تزول ولا تضمحل».
ناپیژندل شوی مخ