عصر نهضت: لنډه معرفي
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
الفصل الأول
عصر نهضة عالمي
إحدى مشكلات التعريفات الكلاسيكية المقترحة لعصر النهضة هي تلك الحفاوة بإنجازات الحضارة الأوروبية لدرجة استبعاد ما دونها. وليس من قبيل الصدفة أن الفترة التي شهدت وضع هذا المصطلح هي نفسها الفترة التي شهدت قيام أوروبا بتأكيد هيمنتها الاستعمارية بمنتهى العدوانية في جميع أنحاء العالم. وفي الأعوام الأخيرة، أدت المناهج البديلة لدراسة عصر النهضة من جوانب التاريخ والاقتصاد وعلم الإنسان إلى تعقيد هذه الصورة، وقدمت عوامل بديلة حاسمة لفهم عصر النهضة، كان قد رفضها مفكرو القرن التاسع عشر أمثال ميشليه وبوركهارت؛ حيث اعتبروها غير ذات صلة بعصر النهضة. ويضع هذا الفصل عصر النهضة في إطار العالم الأوسع؛ إذ يوضح أن التجارة والمال والسلع والرعاية والصراع الاستعماري والتبادل مع مختلف الثقافات كانت جميعها عناصر أساسية لعصر النهضة. فالتركيز على هذه القضايا يقدم فهما مختلفا لما شكل عصر النهضة. كما أنه يدفعنا إلى التفكير في إبداع عصر النهضة خارج الإطار المقتصر على الرسم والكتابة والنحت والعمارة. كما أن هناك صناعات أخرى - كالخزف والمنسوجات والأشغال المعدنية والأثاث - شكلت كذلك معتقدات وتوجهات الناس، على الرغم من أن الكثير من هذه الأشياء أهملت أو دمرت أو فقدت منذ ذلك الوقت.
هناك لوحة شهيرة أخرى أثارت الكثير من هذه القضايا وهي لوحة جنتيلي وجوفاني بيليني المسماة: «القديس مرقص يعظ في الإسكندرية»، وهي أهم لوحة في مجموعة بيناكوتيكا دي بيريرا في ميلان. وتصور لوحة بيليني القديس مرقص - مؤسس الكنيسة المسيحية في الإسكندرية - حيث استشهد عام 75 بعد الميلاد تقريبا، وهو أيضا القديس الراعي لفينيسيا. ويظهر القديس مرقص في اللوحة واقفا على منبر وهو يعظ مجموعة من النساء الشرقيات المتشحات بعباءات بيضاء. وتقف خلف القديس مرقص مجموعة من نبلاء فينيسيا، بينما تصطف أمامه صفوف غير عادية من الشخصيات الشرقية التي تختلط في سهولة مع أوروبيين آخرين. وضمت هذه الصفوف مماليك مصريين ومغاربة من شمال أفريقيا وعثمانيين وفرسا وإثيوبيين وتتارا.
شكل 1-1: تجسد لوحة جنتيلي وجوفاني بيليني «القديس مرقص يعظ في الإسكندرية» (1504-1507) افتتان أوروبا بثقافة وعمارة ومجتمعات الشرق.
1
تكمن الإثارة في هذا العمل في الثلث السفلي من اللوحة، بينما يهيمن المشهد المؤثر للإسكندرية على باقي اللوحة. يهيمن على خلفية اللوحة كنيسة ذات قبة مبنية على الطراز البيزنطي؛ وهي بمثابة إعادة تصور خيالي لكنيسة القديس مرقص بالإسكندرية. وتوجد في الساحة شخصيات شرقية تتجاذب أطراف الحديث، بعضهم على ظهور الخيل، والبعض الآخر يقودون جمالا وزرافة. أما البيوت التي تواجه الساحة فتبدو مزينة بالنوافذ الحديدية والقرميد المصري، وتتدلى قطع السجاد إسلامي الطراز من النوافذ، في حين أن المآذن والأعمدة والركائز التي تشكل خط الأفق هي مزيج من معالم الإسكندرية، وتصورات من إبداع الأخوين بيليني الخاص. والكنيسة البيزنطية هي خليط منتقى من عناصر من كنيستي سان ماركو في فينيسيا، وآيا صوفيا في القسطنطينية، في حين أن الأبراج والأعمدة التي تشاهد على بعد تتوافق مع بعض أشهر المعالم في مدينة الإسكندرية، والتي تم بالفعل محاكاتها في الهندسة المعمارية لمدينة فينيسيا نفسها.
تبدو اللوحة للوهلة الأولى كأنها صورة ورعة للشهيد المسيحي وهو يعظ مجموعة من «غير المؤمنين»، وهي مستوحاة من العالم الكلاسيكي الذي يحترمه ويقدره كثيرا مفكرو وفنانو عصر النهضة. ومع ذلك، فإن هذا مجرد جانب واحد فقط من القصة. فعلى الرغم من أن القديس مرقص كان يرتدي زيا رومانيا قديما - وذلك بما يتفق مع حياته في القرن الأول الميلادي في الإسكندرية - فإن الملابس التي كان يرتديها الحضور في اللوحة تنتمي بوضوح لنهاية القرن الخامس عشر الميلادي، مثلها في ذلك مثل المباني المجاورة. إن لوحة الأخوين بيليني تصور الاختلاط بين المجتمعات والثقافات في مشهد يستحضر كلا من الكنيسة الغربية والسوق الشرقية. فاللوحة عبارة عن مزيج من عالمين: المعاصر والكلاسيكي. ففي الوقت نفسه الذي تستحضر فيه عالم الإسكندرية في القرن الأول الميلادي وحياة القديس مرقص، يحرص الفنانان أيضا على تصوير علاقة فينيسيا بالإسكندرية المعاصرة لها في أواخر القرن الخامس عشر. ونظرا لأن الفنانين كانا قد كلفا برسم قصة من تاريخ القديس راعي فينيسيا، فإنهما يصوران القديس مرقص في محيط يتعرف عليه الكثير من أهل فينيسيا الأثرياء وذوي النفوذ. وهذه صفة معروفة عن فن وأدب عصر النهضة: إلباس العالم المعاصر لباس الماضي كوسيلة لفهم الحاضر.
الغرب يلاقي الشرق
افتتن الأخوان بيليني بكل من أساطير وحقيقة العالم الذي يقع إلى الشرق مما ينظر إليه اليوم على أنه أوروبا عصر النهضة. فلوحتهما تهتم بالطبيعة المحددة للعالم الشرقي، وعلى وجه الخصوص العادات والهندسة المعمارية وثقافة الإسكندرية العربية التي كانت واحدة من الشركاء التجاريين لفينيسيا لفترة طويلة. كما أن الأخوين بيليني لم ينبذا المماليك في مصر أو العثمانيين أو الفرس معتبرين إياهم همجيين، وإنما كانا على دراية تامة بأن هذه الثقافات تمتلك الكثير من الأمور التي كانت دويلات المدن الأوروبية ترغب فيها. وشملت هذه الأمور السلع الثمينة، والمعرفة التقنية والعلمية والفنية، فضلا عن طرق إنجاز الأعمال التي أتت من الشرق. إن لوحة القديس مرقص في الإسكندرية تظهر كيف أن النهضة الأوروبية بدأت في تعريف نفسها لا بمواجهة الشرق، وإنما من خلال عملية تبادل مكثفة ومعقدة للأفكار والمواد.
ناپیژندل شوی مخ