92

أبو جعفر المنصور

كان المنصور ملكا سديد الرأي، محكم التدبير، وكان قوي العزيمة، جريء القلب، يمضي إلى غايته مضي السهم إلى الرمية لا يثنيه عنها شيء، سياسي حاذق لا يقبل أن تتدخل في سياسته عاطفة ولا خلق ولا اعتبار آخر إلا فوزه السياسي ليس غير، وهو إلى ذلك داهية، وربما اضطره الدهاء إلى شيء إن لم يكن الإثم الخلقي فهو يشبهه في كثير من الأحيان.

وهو من هذه الناحية أحد أولئك الساسة الذين عرفهم التاريخ من حين إلى حين بالإقدام في غير تردد ولا لين ولا تهيب للوسائل، والذين مثلهم «مكياڤلي» أحسن تمثيل.

فقد ذكر ابن الأثير أنه أحضر مرة ابن أخيه عيسى بن موسى وأمره بالمسير إلى المدينة لقتال محمد بن عبد الله، فقال: شاور عمومتك يا أمير المؤمنين، قال المنصور: فأين قول ابن هرمة:

نزور امرأ لا يمخض القوم سره

ولا ينتجي الأدنين فيما يحاول

إذا ما أتى شيئا مضى كالذي أتى

وإن قال: إني فاعل، فهو فاعل؟

ثم قال: امض أيها الرجل، فوالله ما يراد غيري وغيرك، وما هو إلا أن تشخص أنت أو أشخص أنا. فسار وسير معه الجنود، وقال المنصور لما سار عيسى: «لا أبالي أيهما قتل صاحبه!»

وكان إلى جانب ذلك كما قال الجاحظ: مقدما في علم الكلام، ومكثرا من كتاب الآثار، ولكلامه كتاب يدور في أيدي العارفين والوراقين معروف عندهم.

ناپیژندل شوی مخ