فسأله بحذر: ماذا تعني؟
لكنه لم يجبه. لم يبد عليه أنه يهتم بوجوده أو يشعر به. فقال وكأنه يخاطب نفسه: لن أستمر، أصبح ذلك مستحيلا.
وإذا به يندفع في إجراءات لم تجر على بال الأول. قال لفرج يا مسهل: إني ذاهب، لك أن تدير الملهى إذا شئت. وحدجه فرج يا مسهل ببصر ذاهل، فقال الآخر: سأبيع أثاث شقتي والتحف وخلافه.
فقال له عزت الأول: لا حق لك في شيء من ذلك.
ولكن الآخر تصرف تصرف المالك الأوحد، وأدرك الأول أنه لا قبل له بمعارضته، فأوعز إلى فرج يا مسهل بإطاعته، وأن يوهمه بأنه يصدع بأمره، وأن يبقي كل شيء على حاله. وأخيرا عانق الآخر فرج يا مسهل وهو يودعه، فقال عم فرج: رجوعك إلى الحارة هو ما اقترحته عليك من بادئ الأمر.
فدهش الأول وسأله: أنرجع حقا إلى الحارة؟
وتجاهله الآخر كعادته ومضى إلى التاكسي، وقبل أن يتحرك التاكسي قال الآخر لفرج: قلبي يحدثني بأنني سأحظى ذات يوم برؤية ابني سمير.
فقال العجوز: وستجده على خير ما تتمنى له. •••
مضى التاكسي في طريقه إلى الحارة؛ الآخر متخذا مجلسه داخله، والأول يتبعه عن كثب. وقف التاكسي عند المدخل فدخل الاثنان الحارة مشيا على الأقدام. دهش الأول وقال لنفسه: ليس من سمع كمن رأى. شد ما تغيرت الحارة! جددت أرضها فحل الأسفلت محل الحجارة، رشقت المصابيح بالجدران، اختفت الخرائب وشيدت مكانها مساكن ومدرسة. حقا إنها تبدو جديدة؛ فتياتها يخطرن في الفساتين سافرات. لم يبق على حاله إلا القبو والحصن القديم فوقه. عمارات ست عين طليت من جديد، أما باب دارها فلاذ بمكره تحت التمساح المحنط لا ينم أديمه الخشن عن الفردوس المترامي وراءه. لم ينتبه لهما أحد، لم يعرفهما أحد. غريبان في حارة غريبة. سأله: ألم يكن الأوفق أن نسافر إلى الخارج؟
لكن الآخر طرق الباب. دخل بثقة كمن يدخل بيته. عرفته خادمة عجوز فهللت، فقال الأول: عما قريب سترى عين. ماذا عندك من قول لها؟
ناپیژندل شوی مخ