وكان يسترق النظر إلى الفتيات اللاتي حلمن ذات يوم بالزواج منه. إنهن يرحن ويغدين في الحارة محصنات بالزواج والاستقامة. أي واحدة منهن تفضل سيدة جمالا، وأي واحدة كانت خليقة بأن تخلق الحب خلقا إذا لم يتوفر في البداية، وكان يعاشرهن في الخيال وقد وهنت روادعه بوهن عباداته. ومن بينهن «اعتدال»، عرفت بشيء من المرح، فتشجع ذات مرة إلى توجيه تحية هامسة إليها، لكنه قوبل بتجهم خشن. وكان للخطأ عواقبه، ففاجأه الشيخ سلام الدروي ناظر المدرسة الأولية بالانقضاض عليه في الغرزة، وعلى مرأى من الجالسين بصق على وجهه وهو يصيح به: يا نذل ... يا جبان.
وتفشت الفضيحة وعرفت تفاصيلها. اعتذر قوم بأنها لم تكن إلا تحية بريئة ندت عنه ببراءة وفي حال من السهو، واستنكرتها الأغلبية، ولكنها لم تنف عنه حسن النية. وتشابك الشيخ والفتى حتى خلص الآخرون بينهما. ورجع عزت إلى داره بشفة متورمة. •••
لأول مرة ينصب لوم على شيء ينتمي إلى الست عين. وتوارت سيدة عن الأعين لتبكي وحدها. أما عين فوقفت أمام عزت وقفة عسكرية وقالت: اصدقني، هل عبث بك الشيطان؟
فقال بحرارة كاذبة: كلا ... وأقسم لك على ذلك.
فقالت وهي تتنهد بارتياح: إني أصدقك ... ولكنك أخطأت.
واستدعت الشيخ الدروي فأكرمته غاية الإكرام، وأكدت له براءة ابنها، واستبقته للغداء فصالحت بينه وبين عزت، ولم يسكن خاطرها حتى اطمأنت إلى أن سحابة الكدر قد تلاشت تماما. •••
لكنها لم تتلاش من سماء عزت، هو وحده يعلم بكذبه ونفاقه وجبنه، ويشعر بأن عباداته خسرت روحها الصافية فلم يبق منها إلا وخز خفي ينفث الأسى، وأذعن أكثر لمغريات الطعام الدسم، وراح يحلم بالمشروع المقترح، ويحلم أيضا بالهجرة من الحارة التي لم تعد تعد بخير.
ومنه علمت عين برغبته في إنشاء مشروع تجاري، فرحبت بالفكرة وقالت: طالما فكرت في ذلك، ولكني انتظرت حتى يجيء التفكير من ناحيتك!
فلم يسر بترحيبها وتوجس خيفة غامضة، أما عين فواصلت تقول: لا خبرة لك، ولكن لا شيء يدعو لليأس، الناس حولنا يعملون في الخشب والدقيق والبن والخيش، دعني أدخلك شريكا لأحدهم حتى تعرف سر المهنة، ولك بعد ذلك أن تستمر معه أو أن تستقل بعمل مماثل في مكان آخر.
وجد نفسه على باب تغيير حاسم سيقلب نظام حياته رأسا على عقب فأجفل. هل يتحرر من النظام الراهن بسهولة؟ إنه يسهر الليل في الغرزة، وينام حتى الظهيرة، ويتسلى بقصص الجريمة، فهل يتخلى عن ذلك كله دفعة واحدة؟!
ناپیژندل شوی مخ