ارتاح نوعا ما، ولكن قلبه لم يعرف اليقين، وهو لم يرغب في شيء ويمتنع عليه باستثناء عالم البنات. لكن اليوم غير الأمس. إنه يحلق ذقنه صباحا بعد صباح؛ ربما ليعجل طلوع شعره، بيد أنه لا يدري كيف يبلغ رسالة حبه في حارته ذات القضبان العتيقة. إذا رفع رأسه ارتفعت معه مائة رأس متسائلة مستريبة، وما زال يرفل في غشاء الحياء والتقوى الذي نسجته يد أمه بأصابعها الطويلة الناصعة. والسهو عذر ولكنه لا يخلو من الحساب العسير، وأين المفر من عين الله الساهرة؟!
وقد صار من المترددين على المسرح بإغراء حمدون المتواصل. وبات حمدون يحلم بالتأليف ويحاوله سرا فلا يطلع عليه أحدا إلا عزت. وكم ود لو يغير مجرى حياته، ولكنه استمر في التعليم بهدف الاستقرار في وظيفة. عزت يواصل التعليم بدافع الكبرياء وإرضاء لأمه. •••
ولم تغفل الأم عما يغلي في داخله ... أشفقت من أن يزل، من أن يعصي الله جل جلاله، ورفضت أن تهرب من تحمل مسئوليتها أو أن تتركه وحده في مواجهة الشيطان، وتتشجع بالظلمة في الحديقة وهي تجالسه في أمسية من أماسي الربيع فتقول له: آن لي أن أعاملك كرجل.
فضحك ضحكة مقتضبة. أما هي ففكرت بشقيقتها أمونة ... أرادت أن تصالحها كثيرا ... أرسلت إليها أم سيدة ... زارتها بنفسها. أرجعتها إلى زياراتها السابقة، ولكن أمونة ظلت متحفظة ... عزمت عين على أن تصالحها بطريقة عملية ... قالت: عزت ... من أصول التقوى أن نصون أنفسنا بالزواج.
أضاءت لفظة الزواج الخميلة فتبدت بدرية منورة، وتمتم عزت بدهشة: الزواج! - نعم ... إنك رجل! - لم أحصل بعد على البكالوريا. - إنهم يتزوجون بلا شهادة.
فتساءل عزت ضاحكا: هل تستعينين بأم سيدة؟ - بل عندنا العروس، إحسان بنت خالتك.
إحسان جميلة، تميل إلى الامتلاء أكثر مما ينبغي؛ مما ينذر بأنها ستكون في حكم خالته أمونة، وهو لم يشعر نحوها بأي ميل حقيقي. قال بوضوح: لا.
فتساءلت باستياء: لماذا يا حضرة؟ ... البنت كاملة. - ربما، ولكن لا حيلة لنا في ذلك.
فسألته بأسف: ألا تعينني على استرضاء أختي؟ - ليس عن هذا السبيل. - هل تكره فكرة الزواج الآن؟
فقال بصراحة: الحق أني لا أكرهها.
ناپیژندل شوی مخ