الذي لا يحدث ولا يمكن أن يحدث، بين التحديات التجريبية لوعينا، وإنما يكون هو أساس وعينا، وهو وحده أول ما يجعل هذا الوعي ممكنا. والأمر الذي يخشى منه عند تصور هذا الفعل ليس هو ألا يفكر المرء فيما ينبغي أن يفكر فيه، بقدر ما هو أن يفكر فيما لا ينبغي له التفكير فيه. وهذا يحتم علينا تأمل ما قد يعد مؤقتا فعلا كهذا، وتجريده من كل ما لا ينتمي فعلا إليه.
هذا الفعل، الذي ليس بالواقعة، التجريبية للوعي، لا يمكن أن يتحول، حتى عن طريق هذا التأمل التجريدي إلى واقعة للوعي، ولكنا نستطيع عن طريق هذا التأمل التجريدي أن ندرك ما يلي؛ إن هذا الفعل ينبغي بالضرورة أن يعد أساس كل وعي.
وإن القوانين
3
التي ينبغي بالضرورة أن يعد هذا الفعل تبعا لها أساسا للمعرفة البشرية، أو بعبارة أخرى، تلك القواعد التي يسير ذلك التأمل التجريدي تبعا لها، لم تثبت صحتها بعد، ولكننا سنفترض ضمنا، وبصفة مؤقتة، أنها معروفة متفق عليها. وسوف نستنبطها، أثناء سيرنا، من ذلك المبدأ الأساسي الذي لا يصبح إثباته إلا إذا كانت هي صحيحة. وفي هذا حقا دور، ولكنه دور لا مفر منه. ولما كان دورا لا مفر منه، ومعترفا به فعلا، فإنه يحق لنا الإهابة بجميع قوانين المنطق العام في وضع هذا المبدأ الأساسي الأعلى.
وعلينا أن نبدأ، عند القيام بهذا التأمل التجريدي، من قضية يسلم بها الجميع دون جدال. ولا شك أن ثمة قضايا عديدة كهذه. وسنختار منها تلك التي تبدو في نظرنا أقرب الجميع إلى تحقيق الغرض الذي نرمي إليه.
ولا بد عند قبول هذه القضية من قبول الفعل الذي نعتزم أن نتخذه أساسا لكل نظرية العلم لدينا، ولا بد أن يوضح التأمل أن هذا الفعل يقبل بمجرد قبول القضية. وهكذا سنتناول أية واقعة من وقائع الوعي التجريبي يعترف بأنها قضية لها مثل هذه الصحة، ونعزل عنها واحدا بعد الآخر من تحديداتها التجريبية، حتى لا يتبقى فيها إلا ما لا ينطوي على شيء يعزل أو يجرد.
والقضية التي سنتناولها من هذا النوع هي: أ هي أ (وهي تعادل أ = أ؛ لأن هذا هو معنى الرابطة المنطقية). فصحة هذه القضية معترف بها من الجميع دون أي تردد. والكل يقرون بيقينيتها ووضوحها التام.
فإذا ما طلب أحد برهانا على يقينيتها، فلن يأتي أحد بمثل هذا البرهان، بل سيقول: إن هذه القضية يقينية فحسب؛ أي دون أي أساس آخر. وهو إذ يقول هذا، يعزو إلى نفسه القدرة على تأكيد (
setzen ) شيء على نحو مطلق.
ناپیژندل شوی مخ