وكنت أراها في هذه الفترات وتلك فأرى عجبا. إذا طوحت بها أيدي الرؤساء إلى زوايا الخفاء تصبح وديعة تسيل رقة وعذوبة، وتعود إلى تلك الفتاة التي شهدت بدايات حياتها العملية صورة مشرفة لحواء، إذا ما تثقفت حواء.
وإذا عادت إلى مكان فيه مسئولية أو بعض مسئوليتها كشرت عن أنياب ذئب وشمرت عن سواعد نمر، وانقلبت من مثقفة إلى طاغية ومن رقة وادعة إلى خشونة مقيتة.
حتى ملامح الوجه منها تنقلب، فلا ترى في قسماتها وجه سيدة تكتهل فتثير الأنس، وإنما وجه وحش تقلصت قسماته.
مسكينة هذه السيدة؛ فإن مثيلاتها يجمعن من أغصان الربيع وزهوره دثارا يضفي عليهن الدفء والأنس عند الشتاء. وهي لم تستطع أن تجمع هذه الأغصان ولا هذه الزهور وإنما خمشتها بأظافر حداد فجفت في الربيع وازدادت جفافا مع الأيام؛ فهي في شتائها المتربص بها من قريب بلا دثار يهيئ لها الدفء؛ فقد استطاعت في مهارة شرتها أن تحطم أيضا قلوب أسرتها كما حطمت قلوب أصدقائها وزملائها. ومن لا أسرة له ولا صديق ويل له من الشتاء ... لهفي عليها، لكم أحزن كلما ذكرت الغد الذي ينتظرها، لكم أحزن! فإن الكثيرين والكثيرات ينتظرون وينتظرن هذا الشتاء ليكون لهم ولهن أنسا وهناء ويجنون منه ما زرعوه على مدى الأيام ... أما هي فلم تزرع إلا البغضاء. وكم أرجو ألا تجني ما زرعت، ولكنني واثق على كل أنها في شتائها لن تجد الهناء.
بين الخطيئة والغفران
مسكين ذلك الإنسان، يبدأ حياته طفلا فالدنيا حوله نور وطهر ونقاء، وتتزاحم عليه من الكبار دعاوى الشرف والزهد والعدالة. ويتعرف على دينه فيجده ضياء وإشراقا وسموقا، ثم يدلف إلى باب الحياة، وويل له حين يدلف إلى باب الحياة تحيط به مغريات الجسد وحاجات الإنسان إلى الغنى، ويجد أن الإنسان لا يصيب مالا وافرا إلا إذا فقد طهرا أو كرامة أو نقاء. وتلح عليه الحياة بسعارها، ويتمزق بين أضواء الطفولة وبراءتها وبين مغريات العصر وسفالاته. والاختيار له وحده؛ فالله سبحانه في علياء سمائه هدى عباده النجدين، وألهم النفوس فجورها وتقواها، وجعل لكل إنسان طائره في عنقه، وترك له حق الاختيار؛ فهو إما جانح إلى قويم من النجدين أو جامح إلى معوج منهما.
ويشفق رسول الله على أمته جميعا، ويقول في شموخ الإنسان الصادق وعظمة الأنبياء: «حفت الجنة بالمكاره.» فالذي يختار الطريق إلى الجنة يكره نفسه أن تختار غير ما تهوى، ويلويها أن تميل إلى ما تهفو إليه من متعة عاجلة محققة. وتتكالب المغريات على الإنسان الضعيف فيزل ثم يثوب إلى رشده فيطلب الغفران. ويقول الشاعر:
وإني لأرجو الله حتى كأنني
أرى بجميل الظن ما الله فاعله
فهو واثق من الغفران؛ لأن الله سبحانه شرع الغفران للخطائين. ولو لم توجد الخطيئة ما سمى الله نفسه بالغفور.
ناپیژندل شوی مخ