فقال: «لا بأس عليك، إنك تمكثين في منزلي مع أمي حتى يأتي الله بالفرج، فإني على موعد مع حماد أن يكتب إلي عند الحاجة؛ لأنه صديقي.»
فقالت: «جزاك الله خيرا يا سيدي، ولكن ...»
قال: «لا تخافي يا أخية، إنما تكونين مع أمي في خير وأمان لا يمسك أحد بسوء، إن أمي وحيدة في البيت ولا ريب أنها تتخذك ابنة لها وتستأنس بك كثيرا.»
وانتبهت ياقوتة في تلك اللحظة إلى أنها على مقربة من الجوسق، فوقفت وقالت: «أراني بجانب قصر الخليفة؟»
قال: «إني أقيم بقصر داخل هذا الجوسق.»
فتراجعت وقالت: «أكون إذن في خطر إذا عرف الخليفة بأمري؟»
قال: «كوني مطمئنة. إنك في مأمن عندي.» وكانا قد وصلا إلى باب الجوسق، فلما رأى الحراس ضرغاما وسعوا له وتقدم أحدهم فأخذ الجواد إلى الإصطبل. وسار ضرغام مع ياقوتة حتى أتى منزله، فلما رآه الخدم أسرع بعضهم إلى أمه فبشروها وأناروا الشموع، فدخل والفتاة في إثره حتى توسط الدار، وأول شيء فعله أنه تفرس في الفتاة على نور الشموع، وحالما وقع بصره عليها خفق قلبه وبدت البغتة في وجهه لشدة المشابهة بينها وبين جهان، فقال في نفسه: «سبحان الخالق! ما هذه الصدفة؟» وأحس بارتياح إلى الفتاة، وأعجبه ما قرأه في محياها من الهيبة والجمال رغم ما كان يغشاها من الاضطراب. ويكفي لارتياحه إليها مشابهتها حبيبته بالوجه والصوت. وزاده استئناسا بها ما قاساه في سبيل إنقاذها. والمرء بفطرته يحب الذين يشقى في سبيل راحتهم، ولذلك كان الرجل أكثر انعطافا إلى أشد أولاده حاجة إليه. وكلما تعب الوالد في سبيل ابنه ازداد تعلقا به. ولو لم يكن قلب ضرغام مشتغلا بجهان لتعلق بياقوتة.
أما آفتاب فكانت قد تهيأت لاستقبال ابنها، فلما سمعت وقع خطواته أسرعت إليه وقبلته. ثم شعرت بحركة في الدار فقالت: «من رفيقك؟» قال: «بل هي رفيقة لك.»
فظنت أنه جاءها بجهان فتوجهت ببصرها نحو الحركة التي كانت تسمعها كأنها تستقبل الضيفة وصاحت: «هل هي جهان؟»
فوقع قولها وقعا شديدا على قلب ضرغام فتح جراحه فتنهد وقال: «كلا يا أماه ولكنها عزيزة علي؛ لأنها خطيبة بعض أصدقائي.»
ناپیژندل شوی مخ