فأشار الموبذ برأسه أن «نعم». واستطرد الأفشين قائلا: «إن هذه النار تشهد على عهدنا، فقل لأخي بابك بأنني لا أدخر وسيلة في جمع المال وإرساله، ولا أخطو خطوة في حرب أو سلم لدى المعتصم إلا اقتضيت عليها مالا أرسله إلى خزينتنا بأشروسنة. وأما المازيار فإنه كذلك مقيم على العهد، ولم يحضر معنا هذا العام لأسباب خاصة. وقد كتب إلي يحثني على الثبات، ويعد بأن يكون هو وطبرستان كلها معنا متى تحركنا. ولا شك أنه أشد غيرة منا على التخلص من هذه الدولة وإرجاع دولة الفرس.»
فقال الأصبهبذ: «ذلك عهد مولاي بك، ولكنه رآك أطلت الرضوخ لحكم اليهود كأنك أصبحت واحدا منهم حتى تصديت لحربنا غير مرة.»
فقهقه الأفشين وهز رأسه قائلا: «ألمثلي يقال هذا؟ وهل يخفى قصدي على أخي بابك؟ ألا يعلم أني إذا خرجت لحربه فإنما أفعل ذلك إخفاء لغرضي! إنني لن أدع فرصة تسنح دون أن أنتهزها لنقوم جميعا قومة رجل واحد فننال أمنية قصر عن نيلها أبو مسلم الخراساني وجعفر البرمكي والفضل بن سهل! إن هؤلاء أفسدوا أمرهم بالعجلة، أما نحن فسنفوز بالتؤدة.»
فالتفت الموبذ إلى الأصبهبذ وقال: «صدق الملك. فإنه رجل حنكه الدهر، فأبلغ ولدنا بابك أن ينتظر. وليثق بأن أورمزد في عوننا. فقد رأيت فيما يرى النائم أن الفوز قد دنا أجله.»
وكان وردان يسمع الحديث وقد أخذته الدهشة، وكيف لا وقد تبين أن قائد جند الخليفة مجوسي يمالئ أعداء المسلمين على الإيقاع بالدولة عند سنوح الفرصة. على أنه اغتبط بأنه حصل على سلاح ماض يستعمله عند الحاجة. ثم رأى الموبذ يتحفز للنهوض، فنهض الأفشين ورفيقه وتلثما تخفيا. فغادر مكمنه، ثم وقف في صحن الهيكل ليلتقي بالموبذ عند خروجه.
وكان الناس في شغل شاغل بعبادتهم، فأومأ إليهم السادن أن الموبذ خارج، فتهيئوا للتبرك بطلعته، ووقف وردان بينهم يقلد حركاتهم، ثم ظهر الموبذ يخطر بثوب يبهر البصر بألوانه وتطريزه، وفي عنقه عقد من الجوهر، وفي شماله صولجان قبضته مذهبة، وفي يمينه عصا يضرب بها الأرض مختالا، والناس يطأطئون رءوسهم إجلالا وتعظيما له.
فلما اقترب من وردان، سارع هذا إليه وأكب على يده يقبلها وقال: «إن مولانا المرزبان يدعوك إليه الساعة لأمر ذي بال.»
فقال: «هل اشتد المرض عليه؟»
قال: «لا أدري، ولكنه ألح علي أن أرجو منك أن تزوره الآن، وأمرني ألا أعود إلا بك.» قال: «انتظرني خارجا لأذهب معك.»
فخرج وردان محاذرا أن يراه الأفشين لئلا يدرك أنه اطلع على شيء من سره. ولما صار بالباب رأى مركبة شد إليها فرسان عليهما العدة المذهبة فعلم أنها معدة للأفشين. ثم خرج الموبذ فركبها والأفشين إلى جانبه وهو ملثم، وأشار إلى وردان فركب أحد الفرسين، ومضوا إلى قصر المرزبان.
ناپیژندل شوی مخ