قالت: «ما اسمك؟» فقال: «بهزاد يا سيدتي.»
قالت: «وإلى أين نذهب الآن؟» قال: «إلى قهرمانة القصر وهي تقوم بما تحتاجين إليه من أسباب الراحة.»
وكانت خيزران واقفة تسمع ما دار بينهما فقالت للرجل: «ألا تعرف من أهل هذا القصر امرأة صديقة؟»
فقال: «أعرف أكثرهن، وهن من أمم شتى، ولكنني أظن مولاتنا ستأنس بالسيدة هيلانة؛ فإنها من بيت الأمراء، وقد عرفت بيت زوجها بأرمينيا قبل أن أمر مولانا بابك بضمها إلى أهله. وكنت ممن حملوها إليه وتعارفنا في أثناء الطريق، فرأيتها عاقلة لطيفة وأظن مولاتنا تستأنس بها. والآن استأذن في الانصراف فقد أقبلت القهرمانة. وأنا اسمي بهزاد يا سيدتي ...!» وانصرف.
ظلت جهان واقفة هادئة رزينة وقوف الملكة بباب قصرها، حتى وصلت القهرمانة إليها، وهي عجوز طويلة القامة، تدل ملامحها على ما كانت عليه من الجمال في شبابها. وقد لبست ثوبا يتلألأ بالوشي والتطريز، وحول جيدها العقود وفي يدها الأساور وفي أذنيها الأقراط .
فلما وقع نظرها على جهان أكبرت ما هي عليه من المهابة والجمال رغم آثار السفر الطويل، ورأت في عينيها معاني لم تعهد مثلها في واحدة من عشرات النساء اللاتي عندها. واستغربت رباطة جأشها مع أنها جاءت مكرهة، وكانت تعلم علو منزلتها وكيف طلبها بابك من أبيها فلم ترض به، فتوقعت أن تراها منكسرة القلب باكية حزينة. فلما رأتها رابطة الجأش هادئة ظنتها راضية بما قسم لها. ولما دنت منها رحبت بها وقالت: «مرحبا بعروس فرغانة. يشق علي أن تحملي إلينا قسرا وأرجو أن تكوني قد غيرت رأيك.»
فلم تجبها جهان، ولكنها ابتسمت ومشت معها في دهليز القصر مطرقة. ولو تلفتت لرأت نساء القصر يتشابقن ويتزاحمن للنظر إلى ضرتهن. فلما شاهدن جمالها وهيئتها حسدنها؛ لأنها سيكون لها المقام الأول عند بابك. أما هي فما زالت سائرة لا تبالي حتى أدخلتها القهرمانة إلى حجرة مفروشة بالطنافس فرشا حسنا وقالت لها: «هذه غرفتك يا حبيبتي فاستريحي فيها.»
قالت: «وأين ثيابي؟ فقد أخذوها في جملة الأحمال.»
قالت: «ستكون عندك بعد قليل.» وخرجت وأرسلت إليها صناديقها.
ولما خلت جهان إلى خيزران في تلك الغرفة، أيقنت أنها وقعت في الفخ فانقبضت نفسها ولم تتمالك عن البكاء برغم تجلدها، فوقفت خيزران بجانبها تواسيها متجلدة، ولكنها لما رأت دموعها تنحدر على خديها انفطر قلبها وترامت على قدميها وأخذت تقبل طرف ثوبها وتقول: «آه يا سيدتي ما الذي أصابنا؟! كيف جئنا وكيف أخذنا؟ وأين نحن؟ أين ضرغام الآن؟» واسترسلت في النحيب، وجهان تبكي ولا تتكلم. ثم شعرت خيزران بأنها أخطأت بإظهار ذلك الضعف بين يدي سيدتها، فتماسكت وقالت: «ولكنني واثقة بتعقلك وقوة جنانك، وأنا رهينة إشارتك.»
ناپیژندل شوی مخ