ف الفصاحة فى المفرد: خلوّه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس:
ــ
قلت: فيه نظر، وليس بين حقيقتى الفصاحة والبلاغة عموم وخصوص؛ بل هما كل وجزء، فالبلاغة كل ذو أجزاء مترتبة، والفصاحة جزء غير محمول كما ستراه. وعبارة الخطيبى التى قدمناها قريبة من هذا الكلام، وقال ابن الأثير: البلاغة شاملة للألفاظ والمعانى فهى أخص من الفصاحة كالإنسان مع الحيوان، فلذلك تقول: كل كلام بليغ فصيح، وليس كل كلام فصيح بليغا.
قلت: هذا الكلام أيضا ظاهر الفساد، وليست الفصاحة أعم من البلاغة ولا العكس بل الفصاحة جزء البلاغة، وإنما هو سمى المركب تركيبا غير حملى أخص، والمفرد أعم، وجعل الفصاحة عامة والبلاغة خاصة، لاشتمالها على الأمرين ثم عبر عن ذلك بالعام والخاص، وإنما هو كل وجزء، فليس ذلك اصطلاح القوم، ثم دخول الفصاحة فى الكلام سترى ما فيه، وقال حازم فى منهاج البلغاء: الفصاحة أخص من البلاغة.
(تنبيه): مما يوصف به الكلام والكلمة أيضا: البراعة، وأهملها الجمهور، وقد ذكرها القاضى أبو بكر فى الانتصار مع الفصاحة والبلاغة وحدها بما يقرب من حد البلاغة.
الفصاحة فى المفرد:
ص: (فالفصاحة فى المفرد خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس).
(ش): كان الأحسن اجتناب لفظ الخلوص؛ لغلبة استعماله فى الانفكاك عن الشئ بعد الكون فيه، وليس المراد هنا كذلك، ولهذا عيب على من حد المبتدأ بأنه المتجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة؛ فإن المبتدأ لم يكن له عامل يجرد عنه، وكذلك قولهم: ما عرى من عامل لفظى. ثم يرد عليه أن الخلوص من هذه الأمور عبارة عن عدمها فهو تعريف بالأمور العدمية وإنما يكون التعريف بالذاتيات، أو الخواص الوجودية فكان ينبغى أن يقول: الفصاحة التئام الحروف، وكثرة الاستعمال وموافقة القياس إلا أن هذا عدم مضاف فالأمر فيه سهل والمراد بالاستعمال:
استعمال العرب، وبالقياس: قياس التصريف.
(تنبيه): اعلم أن مقصود المصنف خلوص المفرد من كل واحد من الثلاثة المذكورة، لا من مجموعها، وعبارته لا تدل على ذلك فإنك إذا قلت: خلصت من
1 / 57