. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسلوك محجة ما طرقها الشارحون، ولا سلكها الغادون والرائحون، أو ينظر أول كلامى دون آخره، ويقصر عن درك دقائقه حتى تمضى ساعاته حول ظواهره، فيظن أنه قد وجد تمرة الغراب، أو أنه قد سبق الهجين العراب.
عذرت البزل إن هى خاطرتنى ... فما بالى وبال بنى لبون
هيهات لا يدرك شأوى الضليع هذا الضالع، ولا يملك ما طمع فيه وإنما تقطع أعناق الرجال المطامع، فليعلم هذا القصير الباع المبطن من مكيدته ما استطاع، أنه لم يبق وجهه بل فضح نفسه وصنفه، ولأمر ما جدع قصير أنفه، وأنه لا يزال يتقلب من كمده على الجمر، ويأمر من اجتناب هذا الكتاب بالفحشاء ولا يطاع لقصير أمر:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السّقيم
ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم (١)
أيحسب أن ما فقده من كلام الشارحين صار الكتاب منه غفلا؟! أم يظن أن التقصير أغلق على خزائنهم دونى قفلا؟! ولا يدرى أننى وردت حياضهم فرشفت صفوا وقذفت ثفلا، وجبت أنجادهم وأغوارهم فتخيرت منها ما يصلح علوا وسفلا. أولى له فأولى إن لم يعط القوس باريها، لقد كان الأحرى به والأولى أن ينظر آخر الكلام أو يرجع من كتب المتقدمين ما فيها، فالاستيعاب لأطراف الكلام الموطأ يرشده ويوقظه من سنة الكرى، والاستذكار لما أسسه السلف من تمهيد القواعد ينشده:
أطرق كرا، أطرق كرا ... إنّ النّعام فى القرى (٢)
كأنما ضرب بينه وبين العلم بسور من الشدائد، وجعل عليه دون هذا الكتاب سدّا من حديد فهو يضرب فيه بذهنه الكليل الشارد، وقيل ارجع وراءك فالتمس نورا فإنما أنت تضرب فى حديد حتى يرجع بخفى حنين (٣)، ويسمى بحسده أشغل من ذات النحيين «٣»، ولو
_________
(١) البيتان من الوافر، والأول منهما بلا نسبة فى تاج العروس (كفر).
(٢) هذا قول للعرب لكنه مرجوز، وهو فى اللسان (كرا) وتاج العروس (كرا)، والكامل بتحقيقى - ط دار الكتب العلمية.
(٣) حتى يرجع بخفى حنين: هذه عبارة تضرب مثلا لمن رد عن حاجته ورجع بالخيبة، وتفسيرها فى بعض الروايات: أن حنينا كان رجلا شريفا ادّعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف فأتى إلى عبد المطلب
1 / 28