وأما الجويني ومن سلك طريقته فمالوا إلى مذهب المعتزلة فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار، فأثر فيه مجموع الأمرين١.
فما إن جاء أبوبكر الباقلاني (ت٤٠٣هـ)، فتصدى للإمامة في تلك الطريقة وهذبها ووضع لها المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وجعل هذه القواعد تبعًا للعقائد الإيمانية من حيث وجوب الإيمان بها٢ وأسهم إلى حد كبير في تنظير المذهب الأشعري الكلامي وتنظيمه مما أدى إلى تشابه منهجي بين المذهب الأشعري والمذهب المعتزلي فقد كان الأشعري يجعل النص هو الأساس والعقل عنده تابع، أما الباقلاني فالعقيدة كلها بجميع مسائلها تدخل في نطاق العقل٣ ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري٤.
ثم جاء بعده إمام الحرمين الجويني (ت٤٧٨هـ) فاستخدم الأقيسة المنطقية في تأييد هذه العقيدة، وخالف الباقلاني في كثير من القواعد التي وضعها. وإن كان الجويني قد استفاد أكثر مادته الكلامية من كلام الباقلاني، لكنه مزج أشعريته بشيء من الاعتزال استمده من كلام أبي
_________
١ منهاج السنة (٢/٢٢٣، ٢٢٤) .
٢ مقدمة ابن خلدون (ص٤٦٥)، ط: مصطفى محمد.
٣ مقدمة التمهيد للباقلاني (ص١٥)، بتحقيق الخضيري وأبو ريدة.
٤ نشأة الأشعرية وتطورها (ص٣٢٠) .
1 / 61