لم يستطع أن يستشف من تعليق والدته ما إذا كانت قد تلقت أخبارا عن هزيمة عثمان باشا في بلفن أم لا. وتحسبا لعدم سماعها بالأمر، احتفظ عبد الحميد بأفكاره لنفسه.
استرسلت والدته قائلة: «لعلك تذكر أن السفير مغرم بكافيار البيلوجا على وجه الخصوص؛ فهو كثيرا ما يأتي على ذكر هذه الحقيقة في مراسلاته معي ومع الصدر الأعظم.» «أجل، أذكر أنه ذكر شيئا عن الكافيار. وإني متأكد أنك ستحرصين على تقديمه في العشاء.» «إنه في قائمة الطعام بالفعل يا جلالتك، ولكن لسوء الحظ أخبرني موسى بك هذا الصباح أن كافيار بيلوجا نفد من المخزن، وقال إنه طلب شحنة جديدة، لكنها تأخرت بسبب أعمال العنف المندلعة في المنطقة، ولن تصل إلا بعد انتهاء الحفل.» «يا له من سوء حظ شديد يا أماه!»
لطالما احتدم الخلاف بين والدة السلطان وموسى بك، حارس مخازن القصر، منذ أن كان السلطان أميرا صغيرا. وبالمقارنة بصراعات القصر، لم يكن هذا الخلاف خطرا نسبيا؛ بل مجرد حرب استنزاف رغب كل طرف فيها فيما هو أكثر قليلا من مجرد مضايقة خصمه. وبدأ عبد الحميد يشك مؤخرا أن نفور أمه العام من اليهود نبع من سنوات عراكها مع موسى بك، مع أنه كان يمكن أن يكون العكس تماما بكل سهولة.
قالت: «توجد عشر علب من سمك الحفش في المخزن.» «سيفي سمك الحفش بالغرض.»
واسترسلت قائلة: «هذا سيناريو أسوأ الفروض، وهو ليس شديد السوء في ضوء المعاناة الهائلة حولنا، ولكن في ضوء ما نعرفه من امتداح السفير لكافيار بيلوجا على وجه التحديد، واحتمال احتياجنا إلى مساندة حكومته في المستقبل القريب، رأيت أنه ربما يمكن أن أفتش جيدا عن بضع علب في مخزن حفظ اللحوم خاصتك، غير أن موسى بك لن يسمح لي بالدخول؛ فقد قال إن الدخول إلى هناك يقتضي أمرا صريحا من فخامة السلطان نفسه.»
حك السلطان أصابعه في الحبيبات الخشبية للمقعد. لماذا يأتيه الناس دائما بمثل سفاسف الأمور هذه؟ هل سلطان الإمبراطورية العثمانية في حاجة بحق إلى أن يشغل نفسه ببضع علب من الكافيار؟ لقد كانت لديه شئون أهم ليتفرغ لها؛ مثل شئون الدولة وشئون الحرب والعلاقات الدبلوماسية الدولية.
قال السلطان باذلا قصارى جهده كي يحتوي غضبه: «سأطلب منه ذلك صراحة.» «ثمة أمر آخر يا جلالة السلطان.» «ما هو يا أمي؟»
قالت وهي تحدق إلى قدميه: «يبدو أن خفيك قد أفسدتهما رطوبة الحدائق. وإذا راق لك أن أحضر لك خفا آخر أو حذاء فأنا في خدمتك.» «كلا. شكرا لك يا أمي، لكن أظن أن لا حاجة لي بتغييره الآن.» «حسنا.» هكذا قالت، ثم استدارت لترحل وهي منحنية.
الفصل الثالث
على الرغم من جهود روكساندرا المتكررة لترويع الهداهد، جثمت الهداهد التي شهدت مولد إلينورا على نحو دائم في شجرة تين خارج منزل كوهين، فأصبح الممر الأمامي مغطى دائما بطبقة لزجة من فضلات الطيور الخضراء والبيضاء. في البداية لم يكن واضحا سبب الإصرار الشديد للسرب على سكنى هذه الشجرة بعينها؛ لماذا يتحملون المكنسة والمواد المبيضة والمياه المغلية في حين كان يوجد عدد كبير من المآوي القريبة الأكثر ترحيبا، ولكن أصبح جليا بمرور الوقت أن انجذابهم ارتبط بطريقة ما بإلينورا، كما لو كانوا يعتبرونها جزءا من سربهم ؛ الملكة التي من دونها تصبح حياتهم بلا معنى؛ فهم ينامون عندما تنام، ويقفون حراسا لها عندما تستحم، وينفصل جمع صغير عن السرب ليتبعها عندما تغادر المنزل. اتسمت هذه الطيور بالغرابة في مظهرها وسلوكياتها، ولكن في نهاية المطاف بات سرب إلينورا جزءا من الحياة اليومية؛ شيئا ثابتا ومألوفا فوق إيست هيل. ولم يكن أهل المدينة يعيرونه انتباها أكثر من الذي يعيرونه للحمام المصطف بطول مزاريب فندق كونستانتسا. وفي نهاية الأمر استسلمت روكساندرا لتنظيف الممر الأمامي كل أسبوع بالماء الساخن والمواد المبيضة.
ناپیژندل شوی مخ