على الرغم من جناح الضيوف الوثير المتاح في كلية روبرت، أصر فريدريك على البقاء في فندق بيرا بالاس. شعر جيمس بالضيق إلى حد ما لقرار صديقه بالإقامة في فندق، ولكن في النهاية ربما كان ذلك لصالحه؛ فلديه الكثير من العمل كي ينجزه خلال الأسبوعين التاليين، وآخر ما يحتاجه هو ضيف يكرم وفادته. ذلك المساء على وجه التحديد، كان يرغب في أن ينهي خطابه إلى دونالد ستورك، ويعد الخطوط العريضة للتقرير الذي سيرفعه إلى نائب القنصل الأمريكي ويستعرض المسودة النهائية لمقاله حول المظاهر المختلفة للعبقرية أثناء الطفولة. ولكنه قبل أن يستغرق في العمل مرة أخرى خطر له أنه من الأفضل الخروج في نزهة قصيرة سيرا على الأقدام كي يصفي ذهنه.
كان الهواء بالخارج مشبعا ببخار الماء، والشمس تتسلل أشعتها عبر مجموعة من السحب السريعة الحركة. كانت الأشجار تتدلى بالطحالب الندية، وخارج مكتبه بالضبط أخذت مجموعة من طلاب السنة الأولى تمارس لعبة جماعية بالكرة. رفع يده ملقيا التحية على طلابه وهو يعبر الساحة الرئيسة حتى موقعه المفضل للتأمل، وهو مقعد خشبي يطل على البوسفور. بدا أن العاصفة قد أخلت الطريق حتى جزر الأمراء؛ حيث كان سرب من السفن يسير مسرعا تحت ستارة منخفضة من السحب الرعدية. حجب عينيه من أشعة الشمس وقطب جبينه. ربما كانت إحدى تلك السفن هي ما تقل فريدريك، لن يعلم أحد أبدا. وبعد ساعة تقريبا من التأمل، نهض الكاهن وذهنه صاف، وقد أخذ قرارا جديدا بإنجاز ما يتحتم عليه إنجازه. كان يسير في الممر الضيق بين الكنيسة ومكتبه وهو يخطط في ذهنه الجزء التالي من خطابه إلى دونالد ستورك عندما استوقفه أحد الطلاب، وهو غلام نحيل كان قد استخدمه منذ عدة شهور كي يراقب تحركات إلينورا. كان الصبي يلهث وياقة قميصه ملطخة بالعرق، واستغرق لحظة كي يلتقط أنفاسه.
قال: «هل سمعت الأخبار يا سيدي؟»
هز الكاهن رأسه بلا مبالاة، معطيا الصبي الإذن كي يواصل حديثه.
قال: «الآنسة كوهين، لقد كانت في قصر السلطان أمس وسقطت مغشيا عليها، وأخذت ترتجف على الأرض وتتحدث بلغة غير مفهومة.»
قال الكاهن بصوته الذي يحمل نبرة تحذير: «بني، فكر فيما تقول. ترتجف على الأرض؟ تتحدث بلغة غير مفهومة؟ يصعب علي تصديق ذلك. أخبرني أين سمعت بالأمر.» «الجميع يتحدثون عن ذلك يا سيدي.»
انحنى الكاهن حتى مستوى عيني الصبي ووضع يده برقة على كتفه. «من هم الجميع؟»
قال الصبي وهو يمسح العرق عن شفته العليا: «لقد سمعت ذلك أمس من شقيقي، ثم سمعناه مرة أخرى في المقهى، وقالت لي أمي إنها سمعته من صديقتها التي يعمل شقيق زوجها في القصر.» «هل هذا كل ما سمعته يا بني؟»
فهز الصبي رأسه. «هل أنت على يقين من ذلك؟» «نعم يا سيدي.» «أشكرك، يمكنك الانصراف.»
راقب الكاهن مولر الصبي وهو يهرع في الممر، ثم فرك صدغيه وحاول أن يتخيل الآنسة كوهين وهي ترتجف على الأرض وتتحدث بلغة غير مفهومة. كانت صورة غريبة، ولكنها لم تكن مستحيلة؛ فقد رأى أمورا أغرب من ذلك بلا شك. والآن بعد أن فكر في ذلك الاحتمال، بدت له فكرة أنها قد تكون مصابة باضطراب عصبي - كالصرع، أو ربما التهاب الدماغ - أقرب إلى المنطقية، فتلك الحالة تفسر الارتجاف والحديث بلغة غير مفهومة. وإذا تعمق في بحث هذا الأمر فقد يفسر أيضا قدراتها الخارقة فيما يتعلق بالذاكرة. ومع ذلك، فعلى المرء ألا يصدق كل ما يسمعه في تلك المدينة. كان الكاهن قد تعلم هذا الدرس بالتجربة، بعد أن أعطى مديريه معلومات زائفة أكثر من مرة. أحكم إطباق حزامه ونظر حوله. كان قد نسي وجهته بالضبط، وفي الوقت نفسه كان وقت العشاء يقترب.
ناپیژندل شوی مخ