============================================================
ومن تتبع ما وقع لأولياء الله تعالى مثل هذا في مظانه وجده، لكن أكثر الواجدين على ما ذكرنا أولا، ومع ذلك لو منعوا من الحركة لتضرروا بذلك لأن زعقة الواجد يحصل له بها التنفس، وهي وإن كانت بنوع إرادة فإن تلك الإرادة من وجه بالاضطرار، فيكفي نوع من الاضطرار ولا يضر بقية الاختيار، وإلا فلو صبر الواجد وألزم نفسه الاصطبار لربما أفضى ذلك إلى الهلاك الكلي أو الإضرار بنفسه والكل حرام. فافهم.
أصناف الصادقين في دخول الخلوة: واعلم أن الصادقين في دخول الخلوة على قسمين: نجب وتحبوب.
1) فالمجب يدخل الخلوة على مراغمة النفس الأمارة بالشوء ليحصل له الإخلاص والصدق، وإنما كان مراغما لنفسه لأنها بالطبع كارهة للخلوة لمنافاتها مخالطة الناس، والنفس بالطبع ميالة إلى المخالطة لأن شهواتها لا تتم بدون المخالطة، والمخالطة في الغالب مانعة عن أصل العبادات، فإن تكلف تحصيلها دعته غالبا إلى الرياء والنفاق وسائر المعاصي والشهوات.
والنفس إذا أزعجها المريد عن عاداتها التي استقرت عليها من الصغر، وذلك بحبسها في طاعة الله تعالى تألمث بذلك لأنه على خلاف مقتضاها، فيحصل لها كل حين مرارة، وكل مرارة تدخل عليها تعقب حلاوة في القلب، لأنه بالطبع مائل إلى الجناب العلوي ومائلة إلى الجناب السفلي على خلاف طبعه، لكن تغلب عليه النفس ويساعدها الشيطان على ذلك لأنها تلميذته لتجذب القلب إلى جانبها، فإذا أدخل عليها المريد مرارة الطاعات ضعفت عن ذلك الجذب فيرجع القلب إلى مقتضى طبعه فتحصل له حلاوة الطاعة وكلما حصلت له حلاوة الطاعة أحب الإخلاص فيها
مخ ۸۵