============================================================
مع صغر جرمها، وإذا صار مجلي للحق يتجافى عن دار الغرور لظهور ما فيها من التغيير، وينيب إلى دار الخلود لاجتلاء ما فيها من اللذات الباقية، بل يرتوي حينئذ من بخر الوصال الذي لا اعتبار فيه لماضي ولا استقبال، ويتخلص من الأغلال التي هي علائق الدنيا والأغلال التي فيها الالتفات إلى ما سوى المولى بغاية تحققه بالمشاهدة حتى يقول: لم أعبد ربا لم أره - أي بعين اليقين وإذا ارتوى من بحر الوصال رد إلى الأعمال حتى يجعل ثحبا ثانيا فيفيض من باطنه على ظاهره بتنويره إياه كتنوير المرآة المنورة بنور الشمس ما يقابلها من جدار ونحوه.
وإذا تنور الظاهر تجري عليه صورة المجاهدة من الأعمال الصالحة من غير أن ينسبها إلى نفسه، ويعدها من أعماله لفناء النفس والأعمال عنده بمكاشفة وحدة الأفعال والصفات والذات، بل يكون عاملا بالله ويجريها الله عليه تكميلا له، فلذلك تكون من غير مكابدة وعناء كما هو شأن الأفعال الإهية المنسوبة إلى الله خاصة، بل بلذاذة وهناء من حيث تزداد بها أنواره وتقربه إلى الله تعالى، فيتلذذ بذلك إذا وجد قرة عينه، كما يشير إليه: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"(1).. بل يتلذذ باللذات الحسية أيضا لأنه يصير قالبه بصفة قلبه في النورية لأن قلبه لما امتلأ بحب ربه أفاض من حبه على قالبه الذي بينه وبينه علاقة تامة، وإذا أفاض عليه من حبه صار منورا بنوره، فتذهب ثرابيته الموجبة صعوبة الأعمال التي منها المكابدة والعناء، فيلين جلده كما لان قلبه بذهاب أثر النفس الجامدة الترابية.
(1) رواه أحمد (285:3)، وأبو يعلى (6: 237) في مسنديهما، وهو حديث حسن
مخ ۵۹