بسم الله الرحمن الرحيم
رب أنعمت فزد
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد :
فهذه درة ثالثة من سلسلة (( كشف خبايا الزوايا من تراث السلف, وكنوز الخلف)), وهي عقيدة الإمام أبي علي الهاشمي الحنبلي المتوفى سنة 428ه
وقد استخرجتها من كتاب ((طبقات الحنابلة)) ( المجلد 2 ص 183)) (1)للشيخ القاضي ابي الحسين محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي يعلى الفراء الحنبلي المتوفى سنة 526ه , وأوردها أيضا ابن العماد في كتابه ((شذرات الذهب في أخبار من ذهب))(3\238)
وهذه العقيدة جعلها مؤلفها مقدمة لكتابه ((الإرشاد)) في فقه الحنابلة, وقد طبع مؤخرا في مؤسسة الرسالة بيروت بتحقيق (التركي)
وقد قمت بتقسيم فقراتها, وترتيبها, وتنسيقها تسهيلا لمطالعها وقارئها
والله سبحانه وتعالى المسؤول على أن ينفع بها, والحمد لله رب العالمين
ترجمة
الإمام أبي علي الهاشمي
أبو علي الهاشمي الحنبلي محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي , صاحب التصانيف, ومن إليه انتهت رياسة المذهب, أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره, وحدث عن ابن المظفر, وكان رئيسا رفيع القدر, بعيد الصيت
ذكر أبو علي بن شوكة قال: اجتمعنا جماعة من الفقهاء , فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي, فذكرنا له فقرنا وشدة ضرنا, فقال لنا: اصبروا وفان الله سيرزقكم, ويوسع عليكم, وأحدثكم في مثل هذا ما تطيب به قلوبكم , أذكر سنة من السنين, وقد ضاق بي الأمر شيء عظيم, حتى بعت رجلا داري, ونفذ جميعه ونقضت الطبقة الوسطى من داري, وبعت أخشابها, وتقوت بثمنها, وقعدت في البيت لم أخرج, وبقيت سنة, فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة: الباب يدق, فقلت: افتحي له الباب, ففعلت, فدخل رجل فسلم علي, فلما رأى حالي لم يجلس حتى أنشدني وهو قائم :
( ليس من شدة تصيبك إلا *** سوف تمضي وسوف تكشف كشفا )
( لا يضق ذرعك الرحيب فإن *** النار يعلو لهيبها ثم نطفا )
مخ ۱
( قد رأينا كان أشفى على الهلك *** فرأته نجاته حين أشفى ) ثم خرج عني ولم يقعد, فتفاءلت بقوله, فلم يخرج اليوم حتى جاءني رسول القادر بالله , ومعه ثياب ودنانير, وبغلة بمركب, ثم قال لي : أجب أمير المؤمنين, وسلم إلى الدنانير والثياب والبغلة, فغيرت من حالي, ودخلت الحمام , وصرت إلى القادر بالله, فرد إلى قضاء الكوفة وأعمالها , وأثرى حالي, أو كما قال
مولده في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلثمائة, ووفاته في ربيع الآخر, ودفن بقبر إمامنا, انتهى ما قاله ابن أبي يعلى مخلصا
نص
عقيدة أبي علي الهاشمي
قال الإمام العلامة ابن أبي يعلى في ((طبقات الحنابلة))( ج: 2 ص: 183))(1) :
قرأت على المبارك بن عبد الجبار من أصله في حلقتنا بجامع المنصور قلت له : حدثك القاضي الشريف أبو علي قال :
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات
حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقاد بالقلب, والنطق باللسان:
أن الله تعالى واحد أحد
فرد صمد
لا يغيره الأبد
ليس له والد ولا ولد
وأنه سميع بصير
بديع قدير
حكيم خبير
علي كبير
ولي نصير
قوي مجير
ليس له شبيه ولا نظير
ولا عون ولا ظهير ,ولا شريك ولا وزير
ولا ند ولا مشير
سبق الأشياء فهو قديم لا كقدمها
وعلم كون وجودها في نهاية عدمها
لم تملكه الخواطر فتكيفه
ولم تدركه الأبصار فتصفه
ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين
ولم يقدمه زمان فينطلق عليه التأوين, ولم يتقدمه دهر ولا حين
ولا كان قبله كون ولا تكوين
ولا تجري ماهيته في مقال, ولا تخطر كيفيته ببال
ولا يدخل في الأمثال والأشكال
صفاته كذاته , ليس بجسم في صفاته , جل أن يشبه بمبتدعاته, أو يضاف إلى مصنوعاته { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (الشورى: 11 )
أراد ما الخلق فاعلوه, ولو عصمهم لما خالفوه , ولو أراد أن يطيعوه جميعا لأطاعوه
خلق الخلائق وأفعالهم, وقدر أرزاقهم وآجالهم
لا سمي له في أرضه وسماواته
على العرش استوى , وعلى الملك احتوى, وعلمه محيط بالأشياء
كذلك سئل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن قوله عز وجل:
مخ ۲
{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا , أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا }(المجادلة : 7 ), فقال : علمه (1)
والقرآن كلام الله تعالى , وصفة من صفات ذاته, غير مخلوق ولا محدث, كلام رب العالمين , في صدور الحافظين, وعلى ألسن الناطقين, وفي أسماع السامعين , وأكف الكاتبين ,وملاحظة الناظرين, برهانه ظاهر, وحكمه قاهر, ومعجزه باهر
وأن الله عز وجل كلم موسى تكليما , وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما
وأنه خلق النفوس وسواها, وألهمها فجورها وتقواها
والإيمان بالقدر خيرة وشره , حلوه ومره , وأن مع كل عبد رقيبا وعتيدا, حفيضا وشهيدا, يكتبان حسناته, ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر , وبر وفاجر يعاين عمله عند حضور منيته , ويعلم مصيره قبل ميتته
وأن منكرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين, فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الأديان
وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم, والكافر يعذب بالعذاب الأليم
وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور , ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور
مخ ۳
وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
وأن الله جل اسمه يعيد خلقهم كما بدأهم, ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور, وبطون الحيتان في تخوم البحور, وحواصل النسور
وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار, فيرونه بالعيون والأبصار
وأنه يخرج أقواما من النار فيسكنهم الجنة دار القرار
وأنه يقبل شفاعة محمد المختار, في أهل الكبائر والأوزار
وأن الميزان حق, توضع فيه أعمال العباد, فمن ثقلت موازينه نجا من النار, ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القراء
وأن الصراط حق, يجوزه الأبرار
وأن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم حق, يرده المؤمنون, ويذاد عنه الكفار
وأن الإيمان مخلوق وهو قول باللسان, وإخلاص بالجنان, وعمل بالأركان, يزيد بالطاعة , وينقص بالعصيان
وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين, وأفضل المرسلين, وأمته خير الأمم أجمعين
وأفضلهم القرن الذين شاهدوه, وآمنوا به وصدقوه, وأفضل القرن الذي صحبوه , أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان
وأفضلهم أهل بدر إذ نصروه
وأفضلهم أربعون في الدار
وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه, شهد لهم بالجنة , فأتى وهو عنهم راض
وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار
وأفضل الأربعة أبو بكر, ثم عمر, ثم عثمان , ثم علي عليهم السلام
وأفضل القرون القرن الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يتبعونهم
وأن نتولى أصحاب محمد صلى لله عليه وسلم بأسرهم, ولا نبحث عن اختلاف في أمرهم
ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحسن الذكر لهم
وأن تولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ما كان فيهم من علي وطلحة والزبير, وعائشة , ومعاوية رضوان الله عليهم , ولا ندخل فيما شجر بينهم, اتباعا لقول رب العالمين { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان , ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }( الحشر: 10)
انتهى اعتقاد الإمام أبي علي الهاشمي الحنبلي رحمه الله , وأسال الله أن ينفع به قارئه ومستمعه**
والناظر فيه, وذلك على يد أبي يعلى البيضاوي عفا الله عنه ,ذلك في*
10من صفر 1426ه من هجرة النبي *
صلى الله عليه وسلم**
*والحمد لله رب*
العالمين*
*تم*
*
مخ ۴
تم بحمد الله
ناپیژندل شوی مخ