هذان هما المحوران اللذان ينتهي إليهما مدار البحث في هذه العلوم جميعا، ولم ينته الباحثون فيهما إلى مقطع الرأي الأخير.
فالطبيعيون الذين يعللون كل شيء بما في الطبيعة يرجحون القول بأن الأخلاق جميعا إنما هي حيطة فطرية لوقاية النوع الإنساني، وأن الفرد ينسى نفسه بحكم الغريزة النوعية أو الاجتماعية حين يتخلق بالخلق الذي لا مصلحة له فيه، وقد يكون فيه تفويت بعض المصالح عليه. وتنقسم الأخلاق عند أصحاب هذا التعليل أقساما كثيرة على حسب الغاية منها، فما ينفع الناس جميعا في جميع الأزمان أفضل مما ينفعهم في زمن واحد، وأفضل مما ينفع قبيلا من الناس في الزمن الطويل ويعود بالضرر على غير ذلك القبيل.
والمقياس العام الذي يختاره جمهرة النشوئيين في العصر الحاضر هو مقياس الدكتور وادنجتون (Waddington)
المحاضر في علم الحيوان بجامعة كمبردج. وقد بدا له من بحوثه في علم الحيوان (Zoology)
وبحوثه في علم الحياة أن الحي يتطور وأن الأطوار المتقدمة هي «التصفية» التي بلغتها عوامل البقاء والتقدم، فمن نتائج التطور ينبغي أن نستخرج الهداية إلى أقوم الطرق وأفضل الأخلاق، وكل ما تحقق به الخير الأعظم على هدى هذه السنة فهو المقياس الأخير الذي ترجع إليه جميع المقاييس.
وقد أقنع هذا المقياس الجمهرة الغالبة من النشوئيين ولم يقنعهم جميعا، ولعله لم يقنع أحدا من معارضيه وهم كثيرون بين فلاسفة ما بعد الطبيعة على التخصيص.
ومن هؤلاء الفلاسفة من يرفض القول بالتطور أصلا؛ لأن الكون قديم بجميع عناصره ومواده فلا محل فيه لشيء جديد ، ولا يعقل أن تكون الحياة قد وجدت فيه بعد انعدامها إلا على اعتبار واحد: وهو الإيمان بأنها من صنع إله يحدثها في الكون ويرتب لها موعدها من الزمان.
ومنهم من ينكر المقياس الذي اختاره وادنجتون وأصحابه النشوئيون، لأن قياس الشيء بنفسه لا ينتهي إلى طائل، وقياس التطور بالتطور لا يدل على شيء، ومن قال إن التطور خير بدليل ما وصل إليه التطور، فكأنما يقول إن هذا الجسم مثلا خمسة أضعاف خمسة وعشرة أضعاف عشره، فلا نتيجة لأمثال هذا القياس.
وقد ناقش هذا المقياس فلاسفة لا ينكرون مذهب النشوء والتطور، ولكنهم ينكرون الاعتماد عليه وحده في تفسير القيم الإنسانية، ومن هؤلاء الأستاذ جود رئيس شعبة الفلسفة وعلم النفس بكلية بيركبك (Birkbeck) ، فرد عليه الدكتور وادنجتون ردا لم يخل من المغالطة حيث قال: إننا نقيس أبعاد الكون بجزء من الكون، فلا بدع في قياس الأخلاق المتطورة بمقياس من التطور، ووجه المغالطة في هذا الرد أن المقياس الذي نقيس به أجزاء الكون بمقياس محدود متفق عليه، ولكن المقياس الأخلاقي هنا غير محدود في زمن من الأزمان.
وقد جمعت مناقشات وادنجتون ومعارضيه في كتاب عنوانه العلم والأخلاق (Science and Ethics)
ناپیژندل شوی مخ