وقد ذكر رسل والاس أن كثيرا من الخلط والصعوبة قد نجم من القول بأن الاحتمال لا يقبل غير فرضين اثنين لا ثالث لهما، وهما الإله الحكيم القادر على كل شيء أو المصادفة العرضية، وانتهى في أواخر أيامه إلى إيمانه بعدة عوامل روحانية لا تسمو إلى القدرة الكاملة ولا إلى الحكمة الكاملة.
وأمران يبدو أنهما محققان: أحدهما أن التطور الذي أفضى إلى خلق الإنسان من تدبير قدرة روحانية عظيمة، والأمر الآخر أن هذا التدبير تتولاه عوامل ثانوية تخطئ في إنجازه، ولكن الغاية المطلوبة تتحقق في النهاية على الرغم من هذه الأخطاء.
والظاهر أن التوفيق بين الحيوانات وبيئاتها من عمل روح أو ملكة شبيهة بالواعية في الحيوان، ويتفق أحيانا أن يكون التوفيق غير سديد. وهذه الأرواح أو الملكات الثانوية لا تطلع على المستقبل، وقد فضل كثيرون من علماء الحيوان نظرية مؤداها أن قدرة مدبرة تدفع التطور إلى غاية معينة وتتولى الأرواح الأخرى أمر مطالبه العاجلة، وقد كان الرائد الأيقوسي العظيم في ميدان التطور روبرت شامبرز (Chambers)
يلمح ما لعله الرؤيا الواضحة لما هو قريب من الحقيقة. ومن النشوئيين من هو كبرجسون أدنى إلى التأثر بالبينات التي تدل على قوة دافعة وراء التطور، ومنهم من هو كصمويل بتلر وبرنارد شو تؤثر فيهم على نحو قوي بينات تنم على وجود عامل أو عوامل موشجة في الحيوان، يتسنى لها أن تلائم بينه وبين أحواله. «وكان رسل والاس في شيخوخته يعتقد أن الكون المادي إنما هو مظهر للكون الروحاني، وأن في الكون الروحاني أنماطا من العوامل الفعالة من القوى العليا إلى الأرواح الكامنة في الخلايا الحية، وربما تعذر إثبات هذه التقديرات بالبرهان القاطع، ولكنها فيما نراه أصلح لتوضيح الوقائع من أي تقدير يأخذ به الماديون.»
ثم قال: «ومتى سوغ الباحث لنفسه أن يقتنع بصدور التطور عن قوة أو قوى توجهه إلى خلق الإنسان؛ فمن النتائج التي تنساق إليه مع هذا الاقتناع طواعية، أن ظهور كائنات كبيرة الدماغ قائمة على قدمين لا يعقل أن يكون هو غاية القصد من تمهيد ملايين السنين، وأحرى أن يكون القصد من هذا التدبير إنشاء وحدات روحية تبقى بعد موت الجسد ...» •••
وقال الأستاذ براون من جوابه المنشور في هذه المجموعة:
هناك صورتان للتطور: إحداهما صورة التطور في الكون، أو بعبارة أخرى تطور الأحياء التي يصارع بعضها بعضا ويبقى الأصلح منها وما شابه هذه العوامل. والأخرى تطور الكون نفسه.
وإنهما لصورتان متميزتان. وهذه الصورة الثانية - وهي الصورة التي تنمى إلى ما وراء الطبيعة - مخالفة جدا لصور الأحياء المنفردين في تطورهم وفاقا لبيئة معينة. إذ ليس للكون بيئة معينة، وكل بيئة معينة فهي مطوية فيه، وليس هو من الزمان بل الزمان والمكان منه. ... هذه التطورات إذا استقصيناها إلى مداها ترينا أن العلم حري أن يقودنا إلى معرفة غير العلم، إذا نحن تمشينا معه على منهاجه وطبقا لقواعده، وتلك المعرفة الأخرى هي فلسفة ما وراء الطبيعة.
ثم قال بعد استطراد:
فإذا رجعنا إلى علم النفس ألفينا مسألة الروح أو العقل على صلة بالدماغ أو منفصلة عنه بعض الانفصال، واضطررنا إلى أن نتساءل: هل العقل مستقل عن الدماغ؟ ونعود فنذكر أن العلوم الطبيعية عزلت نفسها من مسألة الوعي ولم تزودنا بوسيلة ما للوصل بين العقل والتغيرات المادية، وكل ما نلاحظه أن للعقل نشاطا مقترنا بالتغيرات المادية في أجزاء مركبة من البدن، ولكننا لا نعلم شيئا عن حقيقة هذا الاقتران.
ناپیژندل شوی مخ