ولم ينصرف هذا السخط دفعة واحدة إلى التمرد والإنكار، فليس من طبيعة العالم الإنساني أن يصرفه السخط إلى ناحية واحدة، وبخاصة حين يحيط السخط بأعماق الضمير وآفاق النظر، وتراث العصور الماضية ورجاء العصور المقبلة. وقد استخلص الباحثون من استقراء أحوال الحروب أنها تضر وتنفع وتقطع وتصل، وأن أضرارها لا تزيد شيئا على طبيعة الشر وأن منافعها تأتي بأشياء لم تأت من غيرها.
هذا «رد فعل» الحروب في بحث العقول.
أما «رد فعلها» في جانب الشعور فلم يذهب في وجهة واحدة فيما هو من شئون العقيدة، إلا أن تكون تلك الوجهة الواحدة هي الإجماع - أو ما يقرب من الإجماع - على الشعور بالحاجة إلى ثقة الإيمان.
فمن المجمع عليه بين الناس أن ثقة الإيمان مطلوبة، وأن أشد الطلب لها إنما يكون عند تفاقم الشعور بالمصيبة.
وقد اتفق أبناء القرن العشرين على القلق الذي يلجئ النفس البشرية إلى طلب الإيمان.
لكنهم افترقوا في إمكان الإيمان في هذا الزمان.
فمنهم من يرى أنه مطلوب غير ممكن، ثم يعوض العقيدة الدينية بما يشبهها من العقائد الشاملة، فيهبط بها إلى الأرض غير متطلع إلى السماء.
ومنهم من يرى أن الإيمان ممكن لأنه مطلوب، وما دام مطلوبا فلا منصرف عنه ولا بد من الوصول إليه، وبرهانه على صدق الإيمان أنه حاجة من حاجات الطبيعة، وأن الطبيعة لا تعطيه خالصا قويا إلا إذا ارتفع إلى ما فوق الطبيعة، وجاوز الأرض إلى السماء، أو جاوز الواقع المشهود إلى الغيب المحجوب.
وإخالنا نجمل مشكلة الشر في القرن العشرين إجمالا كافيا حين نقول إن القرن العشرين قد تركها حيث هي من الوجهة الفكرية الفلسفية. أما من الوجهة الشعورية فقد كان الشعور بأن شرور العالم لا تطاق صدمة من جانب ودفعة من جانب آخر. ولم تضطرب النفس الإنسانية قط بالشعور الذي لا يطاق إلا التمست لها ملاذا فوق طاقتها وقاربت بذلك ملاذ الإيمان.
وبعد، فليفرض من شاء أن مشكلة الشر عقدة باقية، فماذا نريد؟ أنريد كونا كهذا الكون الهائل لا عقدة فيه ولا ينطوي على سر مجهول وراء حجاب.
ناپیژندل شوی مخ