وظهر غير هاتين الطائفتين دعاة ومفكرون لا ينتمون إلى طائفة ولا يعترفون بالأديان ولكنهم يدينون بالإله والفضيلة ويسمون أنفسهم أحرار الفكر أو أحرار العقيدة.
فهؤلاء الربانيون والإلهيون لم تحرجهم المشابهة بين الأديان والعبادات؛ لأنهم آمنوا بأن الله يوحي هدايته إلى الإنسان من كل طريق وأن الناس يتشابهون في التعقل وطلب الهداية وإن تفاوتوا في ارتقاء العقول.
وتبين بعد الأخذ والرد في مقارنات الأديان أنها لم تحرج من رجال الكنيسة أنفسهم غير المتحرجين المتشددين في تحرجهم؛ لأن الفقهاء المتبصرين منهم سلموا أن الإنسان يهتدي إلى الله بالوحي وبغير الوحي، وإن كان الوحي أهدى وأفضل. وكثر فيهم من يقول كما قال صاحب «مقالات في البناء» المتقدم ذكره أن الشعور الديني قد يكون طبيعيا وقد يرجع إلى ما فوق الطبيعة، ومناط الفرق بينهما هو الإيمان بإله خالق مخلص، وهو الله.
وانجلى النزاع الذي أثارته المقارنة بين الأديان عن هذا الموقف في أوائل القرن العشرين.
فالمتدينون المتحرجون يقبلونه على أنه أثبت وجود أديان لم تكن متلقاة من طريق الوحي الإلهي، ولكنه لم ينف وجود أديان أخرى موحاة من الله.
بل ذهب أناس من المتدينين المتحرجين إلى القول بأن العبادات جميعا وحي من الله، ولكنه وحي قديم شابته الخرافات من فعل السحرة والكهان، فانحرفت الأمم البدائية في جهالاتها عن طريق ذلك الوحي القديم.
أما غير هؤلاء المتدينين المتحرجين فالمقارنة بين الأديان والعبادات قد زودت فئة كبيرة منهم بالحجة القوية على ضرورة التدين وأنه بديهة مركبة في طبيعة البشر، ولولا ذلك لما أجمعوا على التدين متفرقين في أرجاء الأرض مع اختلاف الأزمان وتفاوت الحضارات وتباعد الثقافات وطبقات التفكير.
ويصدق على المقارنة بين الأديان ما صدق على دوران الأرض والقوانين الطبيعية ومذهب التطور في مسألة العقيدة، وقد رأينا أنها شككت العقول زمنا في أصول الاعتقاد ثم أصبحت في القرن العشرين سندا لمن يؤثرون الاعتقاد ويشككون في الإنكار.
مشكلة الشر
وهي مشكلة المشاكل في جميع العصور، وليس البحث فيها مقصورا على القرن العشرين، ولا نظن أن عصرا من العصور يأتي غدا دون أن تعرض فيه هذه المشكلة على وجه من الوجوه، وأن يدور فيه السؤال والجواب على محور قديم جديد.
ناپیژندل شوی مخ