عقائد أهل البيت
والرد على المطرفية
المؤلف:
عبدالله بن زيد العنسي
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده وصللم.
الحمد لله الذي نور قلوب عباده الموحدين لمعرفته، وشرح صدور المهتدين بهدايته، وصلواته على رسوله وعلى عترته، وعلى الأئمة الهادين من ذريته، وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
أما بعد: أيها الإخوان وفقنا الله وإياكم لطاعته، وعصمنا وعصمكم من مخالفته، لقد بلغتنا رسالتكم على ألسنة إخوانكم المؤمنين، ومكاتبتكم المستدعية لإيضاح الحق المبين، وطلب التحقيق لما يحب من أصول الدين، والتفهم لما يلزم من مفارقته من مذاهب المبتدعين، من المطرفية الطبعيين، وسائر إخوانهم الملحدين، ليقع الاعتصام بحبل الله المتين، والاستمساك بما أمر به رب العالمين، والاقتداء بما كان عليه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، والاهتداء إلى مذاهب الأئمة الهادين، وسائر الزيدية المهتدين رضي الله عنهم أجمعين، مع الاجتهاد في الاختصار والإيجاز، والعجلة والإنجاز والاحتراز، وها أنا ملق لكم من ذلك على العجلة ما سمحت به القريحة، من المعاني الصحيحة، بالألفاظ البينة الصريحة، على وجه المسارعة إلى الخيرات، والاعتماد على الإيضاح للبينات، ومن الله تعالى أستمد التوفيق، واستوهب التحقيق، واستمحه أن يجعلني من الهداة إلى واضح الطريق، وأصلي على محمد وعلى آله.
مخ ۱
فإذا سئل واحد منكم عن مذهبه، فليقل أنا علوي زيدي، قاسمي يحيوي ناصري منصوري، أدين لله بالتوحيد والتنزيه، ونفي التجوير والتشبيه، وأوالي الفرقة الناجية العلوية، وكافة شيعتهم من الزيدية، وأعادي الفرقة الضالة الشقية المطرفية الطبعية، وسائر إخوانهم من أهل الضلالات البدعية، والفرق المغترة الغوية، فإن قال ففصل إلى حقيقة هذا المذهب وما به يرجى الله ويرهب، فقل حقيقة هذا المذهب عند أهل المعرفة يتضح بثمانين معرفة، وهي المعارف التي يدين بها الملائكة المقربون، والأنبياء المرسلون، والأوصياء المنتجبون، وإليها هدت العقول والألباب، وبها شهد محكم الكتاب، وهي مذهب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين وسائر أولادهما النجبا صلوات الله عليم أجمعين، وهي الدين الذي كان عليه جميع الصحابة والتابعين قبل حدوث بدع الضالين.
المعرفة الأولى
قال أهل الإسلام كافة : إن الله خالق العالم ومنشئه ومقدره من الأرض والسماء، والهواء والماء، والنجوم الجاريات، والرياح الذاريات، والأمطار والأشجار، والثمار والأزهار والأنهار، والليل والنهار، والأفلاك والأملاك، والإنس والجن، وجميع الجمادات الجامدات الناميات، والحيوانات الناطقات، والحيوانات غير الناطقات من الوحوش والحشرات والطيارات وغير الطيارات، كلها من خلق الله تعالى وتقديره، وإحداثه وتصويره، وهذا مذهب كافة الزيدية، وتظهره المطرفية بالشهادة.
مخ ۲
ثم قالت المطرفية في تحقيق مذهبها ودينها ما يقول القائل من ذلك توسع ومجاز، وإلا فالحقيقة عندهم أن الله خلق الأصول وقصدها عند خلقها من الهواء والماء، والرياح والنار، حكمة من الملك الجبار، العزيز القهار، وجعلها مركبة مفطورة على أحداث الفروع من السماوات والأرضين، وما فوقهما وبينهما من الحيوانات والجمادات، قالوا: فبعضها يحدث من بعض، البيضة من الدجاجة، والدجاجة من الدجاجة من البيضة، والإنسان من المني والمني من الإسنان، والثمرة من الشجرة والشجرة من الثمرة، وكل فرع حادث من أصله لا بإرادة الله تعالى وقصده، وهذا محال؛ لأن هذه الفروع كلها محدثة، وكل محدث لابد له من محدث قادر، فإن ما أوجب في الأصول أن يحتاج إلى محدث قاصد لها قادر عليها، يوجب مثل ذلك في الفروع من الأصول كما قضت به العقول، ونطق به الكتاب الكريم، وجاءت به السنة الشريفة، وحكم به الأئمة الهادون، خلاف قول هذه المطرفية، وإخوانهم من الفلاسفة والطبايعة والدهرية.
المعرفة الثانية
قال أهل الإسلام كافة: بأن كل ثمرة من حب أو زبيب أو فاكهة أو جنسها خرجت من أصلها لا بطبيعة أصلها، ولا من مادته ولا تركيبه على إحداث ذلك، ولا بفطرته، ولا بتأثير ولا جبلته، بل أحدثها من ذلك الأصل خلقها وأبدعها ربها وصانعها؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، والأصول ليست بحية ولا قادرة.
مخ ۳
وقالت المطرفية: حدث جميع الثمار بطبع تلك الأصول، وبما فطرت وركبت عليه من أحداث الفروع، وليس بشيء منها بقصد الله تعالى ولا إرادته، ولا اختياره حالة الحدوث ولا مشيئته، وهو قول الطبايعية والملحدة وهو محال؛ لأن هذه الفروع نحو الصورة الإنسانية مثلا لو لم تكن حاصلة باختيار الصانع الحكيم وبإرادته لهذا التركيب الحكيم لم يكن الموجب لها بأن توجبها صورة الإنسان أولى من توجبها صورة الفرس أو غيرها من الحيوان؛ لأنه ليس بعالم بكيفية الأحكام، ولا مريد لنظام دون نظام، ولا كان بأن يجعل الرأس رأسا، واليد يدا، والوجه وجها، وكذلك سائر الأعضاء أولى من العكس، وأولى من أن يوجب الإنسان منكوسا، لولا أن ذلك من صانع عليم، ومرتب له حكيم، ولا كان بأن تكون النطفة والعلقة مضغة والمضغة عظاما، ومكسو العظام لحما أولى من العكس، كان يجب أن يكون الشيء الواحد على هذه الأمور، ومتى كان الموجب حاصلا، وإن لم يحصل موجبه إلا على ترتيب وجب أن يحتاج في حصوله إلى صانع مختار مع هذه الأمور.
فإن قالوا:.احتاج إلى موجب آخر أدى إلى ما لا نهاية له، وذلك محال، وإن قالوا: ينتهي إلى محدث، فإن ما أوجب حاجته إلى محدث يقتضي حاجة هذه الفروع إلى محدث، وعلى هذا ورد القرآن الكريم بأنه تعالى هو المحدث للإنسان والمصور له، بالفضل والامتنان، فقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:12-14].
مخ ۴
المعرفة الثالثة
قال أهل الإسلام كافة: إن اختلاف الألوان والصور، والأنثى والذكر حدث بقصد العلي الأكبر، لا يقدر عليه سواه، ولا يحدثه إلا إياه.
وقالت المطرفية: بأن ذلك حدث بإحالات الأحكام، وتأثيرات الطبائع، وهذا من الموجبات، ولا تحصل الطبائع المتماثلات ولا المختلفات؛ لأن الكلام في تماثل طبائعها واختلافها كالكلام في أنفسها، فإن احتاجت إلى طبائع أخرى أدى إلى ما لا نهاية له، وإن انتهت إلى فاعل مختار وجب أن تحتاج إلى هذه الفروع في ذلك إلى الفاعل المختار، الذي يفعل ما يشاء ويختار، وعلى هذا قال تعالى: و{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء}[آل عمران:6] وقال تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل}[الرعد:4] فبين أن طينها واحد، وماءها واحد، وأصولها مستوية متماثلة في الفروع، مختلفة متباينة، وعرفنا أنه تعالى المخالف بينهما، والمفاضل والمباين والمماثل.
المعرفة الرابعة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأمطار والماء نزل من السماء بقدرة العلي الأعلى، وقصده إلى خلقه كذلك تعالى.
وقالت المطرفية: لم يقصد إلى إحداثه تعالى، وإنما هو حادث من بخارات الأرض ورطوبات الجو، لا بمشيئة الله تعالى وهذا محال؛ لأنه إن وقع الشك أنه من فعله تعالى، فكيف يرتاب فيه المرتاب، وقد ثبت أنه محدث...................... نزوله من السماء فهو شك في قوله تعالى، قال عز وجل: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}[الفرقان:48] وقال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا}[الرعد:17] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
مخ ۵
المعرفة الخامسة
قال أهل الإسلام كافة: البرد نزل من السماء من جبال فيها من برد، وحدث ونزل بقدرة الفرد الصمد، ومشيئة الواحد الأحد.
وقالت المطرفية: ما حدث بإحداث الله ولا بإرادة الله، ولا بقدرته ولا مشيئته، ولكنها رياح باردة صادفت الماء في الهواء فأحالته بذلك بردا، مثل ما يذهب إليه الطبائعية والفلاسفة والملحدة وهذا محال؛ لأن الرياح ليست بحية قادرة، والبرد فعل، والفعل لا يصح إلا من حي قادر.
المعرفة السادسة
قال أهل الإسلام كافة: الأجسام لاتحيل وتستحيل وما ينسب من ذلك إليها إنما هو بمنزلة قول القائل مات، أي أماته الله تعالى، فهكذا استحال جسم الميتة ملحا، أي أحاله الله من حالة إلى حالة، وقد يكون ذلك مما يقدر عليه العباد، مثل خروج الجسم من كونه متحركا إلى كونه ساكنا، وإن كان ذلك ليس بإحالة تامة؛ لأن الإحالة التامة لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل ما ذكرناه.
مخ ۶
وقالت المطرفية: إحالة الأجسام لله تعالى فعل، ولكنه لم يفعلها، وهي له إرادة ومراد، ولكنه لم يردها، وهذا قول لا يعقل، وتناقض عن غيرهم لم ينقل؛ لأنها إذا كانت فعلا له، وقد فعلها بالضرورة، وإذا..................... بالضرورة؛ لأنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين ويبقى بالآخر، فلا يجوز أن يقال هي فعله وما هي فعله، ولا يجوز أن يقال هي إرادته وما هي إرادته، إلا أن يريدوا بقولهم أن الإحالة فعله، أي أنها فعل المستحيل، وهو الأجسام، والأجسام فعله من حيث هي حاصلة عن الأصول التي هي فعله، هكذا في الإرادة، وإن كان لم يردها حالة استحالت ولا قصدها وإنما حصلت بغير اختياره ولا مشيئته كان ذلك اعتقاد للقصران في علمه، أو للنقص في قدرته؛ لأن الفعل متى صدر ممن لم يرده فإنه لابد أن يكون إما مكرها على فعله وعاجزا عنه عن من أكرهه، وإما ساهيا عن فعله وغافلا عن أمره، وكلاهما محال، وإما أن ينتقض القول بأنها من فعله، فيكونون قد جعلوها من فعل الأصول وهو محال؛ لأنها ليست بحية ولا قادرة، وإما أن يجعلوها بإيجاب الأجسام............................... في جهته فيكون جسمين في جهة واحدة، إذ لو تعدى إلى غيره لم يكن بأن يوجبه في جهة أولى من أن يوجبه في جميعها وهو محال، أو في جهة أو لا في جهة معينة دون غيرها وهو محال؛ لعدم الاختصاص، وذلك لا يجوز، وكذلك لا يوجب شيئا من الأعراض، وإلا أوجب ما لا يتناهى من المتماثلات أو جميع المختلفات، فيؤدي إلى إيجابه للمتضادات في حالة واحدة وهو محال.
مخ ۷
المعرفة السابعة
قال أهل الإسلام كافة: إن أسماء الله التي سمته بها محدثة منا، وأنها تفيد ذاته، وأنه تعالى مثل قولنا: القادر العالم الحي القيوم القدير، وأن القادر الذي هو الله تعالى هو العالم، وهو الحي وليس القادر غير العالم ولا الحي غير القادر، ولا فيه تزايد تعالى ولا تعدد ولا حدوث ولا تجدد.
وقالت المطرفية: أسماؤه تعالى كثيرة، وكلها قديمة ومع ذلك هي الذات، والذات هي، وهذا محال؛ لأن الإسم هو قول القائل وكلامه، والكلام والأقوال من قبل المحدثات بدليل أن قولك قادر يتقدم القاف على الألف، والألف على الدال ، والدال على الراء، وما تقدمه غيره فهو محدث، فكيف يصح القول بأنها قديمة، ولأن الله تعالى امرنا أن ندعوه بها، وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}[الأعراف:181] والدعاء بها لا يتم إلا بالتسمية له بها، والأمر لا يتعلق إلا بأفعالنا دون غيرها، ولا يتعلق إلا بإنشائها المدح والثواب، وذلك لا يصح في القديم، وليس يصح في الأشياء القديمة أن تكون شيئا واحدا؛ لأن كل عاقل يعلم بالضرورة أنه يستحيل أن ثلاثة هي واحدة لأن هذا خلل في العلم بالبداية، وهي معرفة العدد والحساب، ودخول فيما كفرت به النصارى من إثبات ثلاثة أقانيم هو واحد، فإن هذه مناقضة ظاهرة.
مخ ۸
المعرفة الثامنة
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا يفعل القبيح.
وقالت المطرفية: أما الشواهة والقباحة فهي منسوبة إليه من قبل الفطرة والتركيب، وإن كانت قبيحة، وكذلك كل منقول عنه فإنه قبيح، وإن كان مسنوبا إليه تعالى وهذا لا يصح؛ لأن الشواهة والأشياء المنفرة إن كانت من فعله تعالى فهي حسنة؛ لأن الله تعالى لا يفعل القبيح من حيث هو عالم بقبحه أي يستحق عليها الذم فإنها ليست من فعله، لكنها من فعله تعالى فهي إذاحسنة، قال المسلمون: إنها وإن كانت منفرة في الطباع فهي حكمة في الخلق والإبداع؛ لأنها فعلت للصلاح لا للفساد، ولم يقصد بها ظلم العباد.
المعرفة التاسعة
قال أهل الإسلام كافة: إن الآفات والعاهات والأمراض وغيرها نحو الحمى والصداع، والعمى والصمم، والجذام والبرص، والحيوان والصراع، وما أشسه ذلك من خلق الحكيم وحكمة البر الرحيم.
وقالت المطرفية: إنها ليس يجوز أن تكون من فعل الله تعالى، ولا إحداثه ولا إنشائه، ولا من خلقه ولا ابتدائه وهذا محال؛ لأنها محدثة بعد أن لم تكن، وكل محدث لابد له من محدث قادر، وإذا لم يكن حدوثها منا وجب أن يكون منه.
مخ ۸
المعرفة العاشرة
قال أهل الإسلام: إن الذي يفعل الخير والشر، والنفع والضر، والصحة والسقم، والمعنى والصم، والسلامة والجذام هو واحد، وهو الله عز وجل.
وقالت المطرفية: لابد أن يكون فاعل الخير غير فاعل الشر، وفاعل النفع غير فاعل الضر، قالوا: فالخير من الله والشر من الطبائع المختلفة، مثل ما يقوله الثنوية والمجوس، وهذا محال؛ لأن الذي لأجله كان الخير من الله هو أنه حادث لا يقدر عليه العباد، وقد ثبت أن الشر الذي يقولونه من قبل الأجسام كالجذام..................................، كالعمى والصمم، فجيب أن يكون من فعل العلي الأكرم.
المعرفة الحادية عشرة
قال أهل الإسلام كافة: ما كان قبيحا من المضار ليس من فعل الله تعالى.
وقالت المطرفية: الأمراض قبيحة، وهي من فعل الله تعالى من قبل الفطرة والتركيب والكلام عليهم بما تقدم.
مخ ۹
المعرفة الثانية عشرة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأمراض والآفات والعاهات لابد في إحداثها من أعراض، ثم قال أهل البيت عليهم السلام: لابد عليها من أعواض.
وقالت المطرفية: ليس فيها منه تعالى قصد ولا أغراض ولا فعلها لاعتبار، ولا أعواض. وهذا محال؛ لأنه أحدثها تعالى من حيث هي فعل، والفعل لا يصح إلا من فاعل، ولا فاعل سواه تعالى، وقد ثبت أنه لا يقدر عليها العباد، فإذن هي من الله تعالى، وهو تعالى...................................، ولا يجوز أن يكون عرضة لإضراره؛ لأن الظلم منه تعالى لا يجوز، فإذن غرضه مصلحة العبد، وليس إلا الاعتبار، وقد ثبت أن فيهم من لا يلزم في حقه التذكرة والاعتبار، نحو الأطفال الصغار، فثبت أنه لا بد من أعواض، والله الهادي.
المعرفة الثالثة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأعمار والآجال مقدرة بقدرة ذي العزة والجلال، وإن الموت والحياة في البالغين والأطفال وجميع الأعمار القصار والطوال كلها باختيار الله تعالى، وإرادته وقصده ومشيئته.
وقالت المطرفية: إن الأعمار والآجال، والموت والحياة، تقع بحسب الطبائع والمواد، إن موت الطفل ليس من رب العباد، وأن ما نقص من عمر معمر فليس من الله تعالى كتاب ولا حكم به رب العالمين، وهذا....... الموت والحياة أمور حادثات، ولا يصح تحدث من العباد وإلا أمكنهم فيها التناقص والازدياد، فيجب أن يكون منه تعالى، وعلى هذا قال تعالى: هو {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك:2] وقال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها...الآية}[الزمر:42] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
مخ ۹
المعرفة الرابعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن ما نقص من الأعمار عن مائة وعشرين أو زاد فإنه من فعل الله رب الأرباب.
وقالت المطرفية: إن ما نقص عن مائة وعشرين سنة فإنه ليس من فعل الله تعالى ولا إرادته، ولا من قصده ولا مشيئته.
روى الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام أن رجالا من كبارهم بصوت جهيرا: أنا كافر برب يميت الأطفال، ولم يختلف المسلمون أن من قال ذلك فهو من المشركين الكفار، ومذهبهم هذا هو مذهب الفلاسفة والطبائعية وهو باطل؛ لأن ما يدل على أن الموت والحياة من الله تعالى يدل على أن ................................... قال تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء}[الروم:40] ولأنه قد ثبت أن كثيرا من الأعمار زادت على مائة وعشرين، فإن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وفيها ما قد نقص، وقد قال تعالى: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب}[فاطر:11].
وروى الإمام أحمد بن سليمان أن شيخا كبيرا منهم يقال له عبد الحميد قال له: ما عدل الله في أن يميت أخي صغيرا فيدخله الجنة، ويعمرني شيخا كبيرا حتى يصيرني في النار، فاعترض على الله تعالى في حكمته.
مخ ۱۰
المعرفة الخامسة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: ليس أحد بقادر على إصلاح حياته، وتأخير وفاته لا إلى مائة وعشرين ولا إلى أقل ولا إلى أكبر، وأنه لا يقدر على تقديم الموت وتأخيره إلا الله تعالى.
وقالت المطرفية: بل الإنسان يقدر على تأخير عمره إلى مائة وعشرين بإصلاح معيشته وغذائه، ومعرفة دائه من دوائه، وأن الإنسان لو لم يفرط في ذلك ما مات إلا لمائة وعشرين، وخالفوا بذلك قول المسلمين، وزادوا به على كفر الكافرين، فإن كل غافل يعلم بالضرورة أن زيادة العمر ونقصانه لا تحصل على قصده وداعيه، ولا تنتفي بحسب كراهته وصارفه، ولا يتعلق به لا نفي ولا إثبات، ولا مدح ولا ذم، وعلى هذا قال تعالى: {إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}[الأعراف:34] وقال تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}(1)، ولبعض الموحدين شعرا:
ما للطبيب يموت بالداء ... الذي قد كان يبري
مثله فيما مضى:
إلا لأن الخلق يحكم فيهم ... من لا يرد ولا يعقب ما قضى
مخ ۱۱
المعرفة السادسة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن الجرذان والحيات والعقارب، وغيرها من الحيوانات الضارة كلها من خلق الله تعالى وحكمته، وحادثات بقصده ومشيئته.
وقالت المطرفية: ليست من خلقه تعالى ولا حكمته، ولا حدثت تلك بإرادته.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام أنه خرج جرذ ذات يوم بشياع، فقال كبير من كبراء المطرفية: الحقوا حكمتكم..............بأهل الإسلام لما قالوا هي من خلق الله تعالى وحكمته، وهذا قول باطل؛ لأن هذه الحيوانات من قبيل الأجسام، والأجسام لا يقدر على إحداثها إلا ذو الجلال والإكرام، وإلا صح منا أن نخلق لأنفسنا ما نشاء من الأموال والأولاد.
المعرفة السابعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن جميع هذه الحيوانات الضارة، والسمومات القاتلة......................... حدثت من رب الأرباب.
وقالت المطرفية: بل هي قبيحة على كل حال، وهذا القول من المحال؛ لأن الله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}[الحج:73] وإذا كان الله تعالى خالق الذباب كان من الحكمة والصواب.
مخ ۱۲
المعرفة الثامنة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن قد نزل به الروح على محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين.
وقالت المطرفية: ما نزل القرآن على محمد سيد المرسلين، ولا نزلت الكتب من الله تعالى على النبيين، وهذ رد على رب العالمين، وتكذيب لأحسن الخالقين، قال تعالى: {نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين}[الشعراء:193-195] وغير ذلك من آيات الكتاب المبين.
المعرفة التاسعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن قد أتانا، وبلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلينا.
وقالت المطرفية: إن القرآن ما أتانا، ولا بلغ إلينا، ولكنه في قلب ملك يقال له ميخائيل وهذا محال؛ لأن الله تعالى يقول: {بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}[المائدة:67] فلابد أن يكون قد بلغه، ولأن ذلك معلوم من ضرورة الدين بإجماع جميع المؤمنين.
المعرفة العشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا المتلو في المحاريب المعروف بين المسلمين هو القرآن الكريم.
وقالت المطرفية: ليس هو القرآن الكريم، ولا أتى من رب العالمين، وهذا يخالف أقوال المسلمين، وقال تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل}[النمل:76] وقال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل}[الحشر:21] فالمشار...............................
مخ ۱۳
المعرفة الإحدى والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا المتلو بين المسلمين هو كلام رب العالمين.
وقالت المطرفية: ليس بكلام رب العالمين، وإنما هو كلام من نطق به من القارين، وفيه تكذيب لرب العالمين، قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}[التوبة:6] وغيره من آيات الكتاب الحكيم.
المعرفة الثانية والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن ليس بصفة ضرورية في أحد من المخلوقين.
وقالت المطرفية: بل القرآن صفة ضرورية لقلب الملك الأعلى، فطره الله تعالى على القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، والصحف، وعلى العلم بما هو كائن، وخالفوا بذلك جميع المسلمين، ولأن القرآن مشتمل على السور والآيات، والألفاظ المفيدات، فكيف يصح أن يكون صفة واحدة، ولأنه كان.............أن لا يكون نازلا على محمد عليه السلام، وقد بينا بطلانه، ولأن الله تعالى بين أن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل، وما في قلب الملك لا يقص عليهم قليلا ولا كثيرا، ولا يعرفهم صغيرا ولا كبيرا، ولأن الجن قد سمعوا القرآن لقوله: {إنا سمعنا قرآنا}[الجن:1] وما في قلب الملك لا يمكن سماعه، ولغير ذلك من الدلائل الظاهرات.
مخ ۱۴
المعرفة الثالثة والعشرون
أن هذا القرآن من قبيل الكلام لا من العلوم، وإنما هو معلوم، وهذا قول جميع المسلمين.
وقالت المطرفية: إن القرآن هو علم الملك الأعلى، وخالفوا في ذلك العقلاء وأهل البيت النجباء، والصحابة النبلاء، ولأن الله وصف القرآن بأنه مسموع بقوله: {إنا سمعنا قرآنا عجبا}[الجن:1] والمسموع هو الكلام دون العلوم والاعتقادات، ولأن ما في القلب لا يسمع، وإنما يسمع ما في اللسان من الكلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((..............عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن، وحرس من الشيطان، ورجحان في الميزان)) وذلك يدل على أنه كلام، وأنه المسموع بالآذان، وأنه المدروس باللسان.
المعرفة الرابعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن مسموع بالآذان، وأنه قد سمعه أهل الإيمان، وأنذر به الثقلان.
وقالت المطرفية: لا يسمع بالآذان ولا أدركه الثقلان، وكذبوا قول الرحمن: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم}[الأحقاف:29،30] فوصفه بأنه مسموع.......................وأنهم سمعوه، وأنه كتاب، وهذا خلاف قول الشك والاثبات، وقال تعالى: {ويل لكل أفاك أثيم، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم}[الجاثية:7،8].
مخ ۱۵
المعرفة الخامسة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا القرآن المتلو في المحاريب من إحداث الله وإنشائه.
وقالت المطرفية: بل هو من فعل محمد وإنشائه، وهذا خلاف ما يعلم بضرورة الدين، وخلاف ما جاء عن الصحابة والتابعين، وأهل البيت أجمعين، قال الله تعالى: {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون}[الطور:33] أي قاله من عنده، مثل ما يذهب إليه المطرفية ومن تابعهم من المعتدين، وقد حكى الله تعالى هذه المقالة عن الوليد بن المغيرة: {إنه فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر ، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر}[المدثر:18-25].
قالت المطرفية: إنه قول البشر.
المعرفة السادسة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن، ومع ذلك هي صحيحة عند الرحمن و.......
وهذا غاية المعاندة والعدوان، قال تعالى: {ياأيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا}[الزمل:1-3] إلى قوله: {فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}[المزمل:20] فبين أن القرآن واجب في الصلاة، وذلك يدل على أن الفاتحة في الصلاة من جملة القرآن، وقد قال الرسول عليه السلام: ((كل صلاة لا يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج)).
مخ ۱۶
المعرفة السابعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا يجب عليه أن يساوي بين عباده في الخلق، ولا في الرزق، ولا في الحياة ولا في الموت، ولا في التعبد ولا في الخير، ولا في ذلك من الفرائض عند العلي الأعلى.
وقالت المطرفية: إن الله تعالى يجب عليه أن يساوي بين عباده في هذه الأشياء، خلافا منهم على العلي الأعلى وهذا محال؛ لأنه تعالى متفضل بذلك على العباد كما تفضل بابداء الخلق وإنشائه، ولهذا أمتن به تعالى على عباده في آي كثيرة، قال تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين} إلى قوله: {وجعلنا لكم فيها معايش} إلى قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} إلى قوله: {ولقد خلقنا الإنسان}[الحجر:16-26] إلى غير ذلك من البيان في الامتنان، وقال تعالى مبينا للتفضيل والإحسان: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين، والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع}[النحل:4،5] إلى آخر ما عدد من الإنعام الواقع من ذي الجلال والإكرام، ولأن الجميع واصل إلى الإنسان قبل تقدمه بصالح الأعمال، فكيف يقال بأنه واجب على ذي العزة والجلال.
المعرفة الثامنة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى قد فاضل بين عباده في هذه النسبة للأشياء واتبعوا في ذلك ما يعرفه العقلاء.
وقالت المطرفية: ما فاضل تعالى في ذلك بين العباد، ولو فعل لكان ذلك من الظلم والفساد وهذا مخالف الضرورة، فإن كل عاقل يعلم تفاضل الناس في الخلق، ففيهم الكامل والناقص، والطويل والقصير، والجميل والشويه، والغني والفقير، ويختلفون في الأعمار والآجال، وفي التعبد والجزاء، حكمة من العلي الأعلى، وكل ذلك معلوم من دين الإسلام، ومفصل........................... إلى قوله: {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} وقال: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}[الإسراء:55] وقال: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}[الزخرف:32] وقال: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل:71] وغير ذلك كثير.
مخ ۱۷
المعرفة التاسعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى قصد جميع أفعاله، وأرادها عند حدودها واعتمدها.
وقالت المطرفية: ما جعل الله من أفعاله بالقصد ولا بالعمد، إلا الأصول الأربعة، وبعضهم قال: أو المعجزات، وقال بعضهم: أو النقمات.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليهم السلام أن رجلا من أهل مسلم اللحجي قال في مجلس حافل وقال بصوت جهير: من قال إن الله قصد شيئا من أفعاله غير الأصول الأربعة والمعجزات والنقم فقد كفر، فجعلوا السماوات والأرضين، والأشجار والأزهار، والأوراق والثمار، والبراري والبحار، وغير ذلك من الأجسام الكبار والصغار حادث بغير اختيار العزيز القهار الجبار، وكفروا مع ذلك الاختيار، وهذا ما يقوله إلا أحد الكفار، وهذا يخالف ما يعلم بضرورة الدين، وما يظهر من الأنبياء المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، وما جاء به القرآن المبين، وفيه اعتقاد العجز والجهل على رب العالمين، ولأنه تعالى أحدثها وهو عالم بها غير ساه ولا مكره، وكل ما هذه حاله لابد أن يكون قاصدا إليها حالة إحداثها.
مخ ۱۸