ويقع أمر يثبت مارتن في مبادئه البغيضة، ويحمل كنديد على الارتياب أكثر مما في أي زمن كان، ويربك بنغلوس، وذلك أنهم رأوا ذات يوم نزول باكت والراهب جيرفله إلى مزرعتهم، وهما في أقصى درجات البؤس، وذلك أنهما استنفدا آلاف القروش الثلاثة على عجل، وأنهما تهاجرا وتصالحا وتنازعا وسجنا وفرا، فتحول الراهب جيرفله إلى تركي في آخر الأمر، وداومت باكت على حرفتها في كل مكان، وعادت لا تكسب شيئا، ويقول مارتن لكنديد: «كنت قد أبصرت جيدا كون عطاياك لا تلبث أن تبدد، وأنها تجعلهما أكثر بؤسا، وكنت أنت وككنبو قد طفحتما بملايين القروش، فلستما أكثر سعادة من الراهب جيرفله وباكت.»
ويقول بنغلوس لباكت: «وي، وي! إذن يأتي الرب بك إلينا هنا، يا بنيتي المسكينة، ألا تعرفين أنك أوجبت ضياع أرنبة أنفي وعين لي وأذن لي؟ فيا لك من إنسان غريب! آه، ما هذا العالم!»
وتحملهما هذه المغامرة الجديدة على التفلسف أكثر مما في أي وقت كان.
وكان يوجد في الجوار درويش مشهور معدود خير فيلسوف في تركية، ويذهبون لمشاورته، ويتناول بنغلوس الكلام ويقول له: «يا أستاذ، أتينا لنرجو منك أن تقول لنا سبب خلق حيوان عجيب كالإنسان.»
ويقول الدرويش له: «ما دخلك في الأمر؟ أمن شأنك هذا؟»
ويقول كنديد: «ولكن يا أبت المحترم، يوجد شر هائل في الدنيا.»
ويقول الدرويش: «وما أهمية وجود خير أو شر؟ إذا ما أرسل صاحب العظمة سفينة إلى مصر، فهل يبالي بكون الفئران في السفينة مستريحة أو لا؟»
ويقول بنغلوس: «إذن، ما يجب أن يصنع؟»
ويقول الدرويش: «أن تقطع لسانك عن الكلام.»
ويقول بنغلوس: «أطمع أن أباحثك قليلا في المعلولات والعلل، وفي أحسن ما يمكن من العوالم، وفي أصل الشر، وفي طبيعة الروح، وفي النظام المقدر.»
ناپیژندل شوی مخ