50

فقال كنديد: «حقا يوجد شيء شيطاني في هذا الأمر»، وبينما كان يتكلم على هذا الوجه، أبصر شيئا أحمر لامعا، يسبح قريبا من سفينته، وينزل الزورق ليرى ما يمكن أن يكون هذا، فظهر أنه أحد الكبشين، ويبلغ كنديد من السرور بلقيان هذا الكبش ما يفوق الغم الذي اعتراه بفقده الكباش المائة الحاملة ألماسا ضخما من إلدورادو.

ولم يلبث الربان الفرنسي أن أدرك أن ربان المركب الباقي إسباني، وأن ربان المركب الغارق قرصان هولندي، وهذا هو الذي سرق كنديد، فدفنت الثروات الواسعة التي استولى عليها هذا الأثيم معه في البحر، ولم ينقذ منها غير هذا الكبش، ويقول كنديد لمارتن: «ترى كيف يعاقب على الجناية أحيانا! فقد نال هذا الربان الهولندي اللئيم ما يستحق من نصيب.»

ويقول مارتن: «أجل، ولكن أكان يجب أن يهلك المسافرون الذين هم على مركبه أيضا؟! فالرب قد جازى هذا اللص، والشيطان قد أغرق الآخرين.»

ومع ذلك فقد داوم المركب الفرنسي والمركب الإسباني على سيرهما، وقد استمر كنديد ومارتن على حديثهما، وقد طال نقاشهما خمسة عشر يوما، فلما انقضى هذا الوقت لم يكونا قد تقدما شيئا على ما كانا عليه في البداءة، بيد أنهما كانا يتكلمان ويتبادلان الآراء ويتآسيان، وكان كنديد يلامس كبشه ويقول: «يمكنني أن ألقى كونيغوند ما دمت قد لقيتك.»

الفصل الحادي والعشرون

يدنو كنديد ومارتن من شواطئ فرنسة ويتحاوران

وأخيرا تشاهد شواطئ فرنسة، فيقول كنديد: «أكنت في فرنسة، ولو مرة واحدة يا مسيو مارتن؟»

ويقول مارتن: «أجل، لقد طفت في عدة مديريات، فيبدو نصف السكان في بعضها مجنونا، ويكون السكان في بعض آخر منها محتالين، ويظهرون في مديريات أخرى ودعاء أغبياء على العموم، ويلوحون في نواح أخر نبهاء، وفي جميع هذه المديريات يكون الغرام شغلهم الأول، ويكون الثلب شغلهم الثاني، ويكون الكلام الفارغ شغلهم الثالث.» - «ولكن هل شاهدت باريس يا مارتن؟» - «أجل، لقد شاهدت باريس، وهي جامعة لجميع هذه الأنواع، وهي فوضى، وهي زحمة، ينشد جميع الناس فيها لذة، فلا يجدها أحد - كما ظهر لي على الأقل. وقد أقمت بها زمنا قليلا، وقد سرقت حين وصولي إليها من قبل النشالين، وكان هذا في سوق سان جرمن، وقد ظننت أنني سارق، فقضيت ثمانية أيام في السجن، ثم صرت مصحح مطبعة لأكسب ما أعود به إلى هولندة ماشيا، وعرفت الأوباش الكاتبين والأوباش الدساسين والأوباش المتشنجين، ويقال: إنه يوجد أناس مهذبون كثيرا في هذه المدينة، وأود تصديق ذلك.»

ويقول كنديد: «وأما أنا فلا أجد في نفسي من حب الاطلاع ما أرغب معه في مشاهدة فرنسة، ويمكنك أن تتمثل بسهولة كون الإنسان إذا ما قضى شهرا في إلدورادو، عاد لا يكترث لرؤية شيء في العالم غير الآنسة كونيغوند، فأنا ذاهب لانتظارها في البندقية، وسأجوب فرنسة وصولا إلى إيطالية، ألا ترافقني؟»

ويقول مارتن: «أرافقك عن رضا بالغ، ويقال: إن البندقية ليست صالحة لغير الأشراف من أهلها، ولكن الغرباء يتقبلون فيها قبولا حسنا مع ذلك، إذا كان عندهم مال كثير، فليس عندي مال مطلقا، وعندك مال، فسأتبعك حيثما تذهب.»

ناپیژندل شوی مخ