لم أجدف في المراكب العثمانية طويلا، فقد أنبئ اليسوعيون بمصيبتي، وفدوني حفظا لكرامة الجمعية، وسافرت إلى ألمانية، حيث نلت معروفا من ورثة أبي، ولم آل جهدا في العثور على أختي، فلما علمت من الآستانة أنها سافرت على سفينة غرقت في شواطئ الدنمارك، تنكرت وأخذت كتب توصية إلى تجار من هذا البلد ذوي صلة بالجمعية، وأخيرا لقيت أختي التي تحبك مع أنك غير أهل لها، وبما أنك كنت من الوقاحة ما ضاجعتها معه، فإنني أوافق على الزواج، وذلك على ألا تناولك أختي غير يدها اليسرى، كما يقضي الإنصاف، ما دامت تنتسب إلى أكثر من واحد وسبعين جيلا من أجيال الشرف، وما دمت لا تنتسب إلى أي جيل من أجيال الشرف.
ويقول كنديد: «آه! إن جميع أجيال الشرف في العالم بلا جمال ... لقد كانت الآنسة كونيغوند دميمة إلى الغاية، عندما كنت من القحة ما تزوجتها معه، فلما أصبحت جميلة تمتع بألطافها رجل آخر، ثم تريد أن أمد إليها يدي بعد أن عادت دميمة؟ كلا، يا أبت المحترم! أعدها إلى سرايها بالآستانة، وقد لاقيت منها سوءا كبيرا في هذا البلد»، وتقول كونيغوند وهي تبدي كثير تشنج: «كيف بدوت غليظ القلب، أيها الكنود؟ لا تدع السيد البارون الذي هو قسيس يقتل الاثنين ليغسل العار بالدم، أتظن أنني نقضت وفائي الواجب لك طيبة الخاطر؟ وما كنت تريد أن أصنع أمام ربان وجدني جميلة؟ لم تثنه عن بهيميته الجارفة دموعي ولا صيحاتي، ولما رأيت أن ذلك لا يجدي نفعا، كان لي أن أغتصب بأسهل ما يمكن، وهذا ما تصنعه كل امرأة، وهذه هي جنايتي، وهي لا تستحق غضبك، وأعظم جريمة من هذه - في نظرك - كوني نزعت خليلتك، مع أن هذا الجرم يثبت لك حبي، تعال يا رويحي العزيز، تعال! إذا ما عدت جميلة، إذا ما عاد نهداي الأهدلان مدورين مرنين، إذا ما ... لم يكن ذلك إلا من أجلك يا كنديدي العزيز! لسنا الآن في تركية، وأقسم لك إنني لن أترك نفسي تغتصب.»
لم يكن لهذا القول وقع بليغ في نفس كنديد، فطلب إمهاله بضع ساعات لتعيين السبيل الذي يسلكه، فمنحه السيد البارون ساعتين، استشار في أثنائهما صديقه ككنبو، ويزنان ما للأمر وما عليه، فيعزمان على اتباع اليسوعي وأخته إلى ألمانية، ويغادرون الملجأ ويسافرون معا، لا سيرا على الأقدام، بل على خيل أصيلة، أتى بها البارون اليسوعي، ويصلون إلى حدود المملكة، ويحدق رجل طويل عابس إلى بطلنا، ويقول ناظرا إلى وريقة: «ها هو ذا، فأسألك أيها السيد، من غير كثير فضول: ألا تسمى كنديد؟» - «أجل أيها السيد، إنني أدعى كنديد دائما.» - «يسرني ذلك أيها السيد، والواقع أن لك حاجبين أسودين وعينين عسليتين وأذنين معتدلتين ووجها ورديا مستديرا، ويظهر أنك بالغ من الطول خمس أقدام وخمسة قراريط.» - «أجل، إن هذا هو طولي أيها السيد، ولكن ما أربك بأذني وقامتي؟» - «لا نستطيع أن نكون كثيري التحفظ في القيام بواجبتنا، فاسمح لي أيها السيد، بأن أضع لك سؤالا صغيرا آخر: «ألم تخدم السنيور فلهل؟»
ويجيب كنديد مرتبكا: «حقا، لم أفهم أيها السيد ...» - «وأما أنا فإنني أدرك تماما، أنك أنت الذي أرسلت لي إشارة عنه، تفضل بالدخول بين فوج الشرطة، أيها الجنود، سوقوا هذا السيد، وأعدوا الغرفة السفلى، ونادوا الحداد؛ ليصنع للسيد سلسلة تزن ثلاثين رطلا أو أربعين رطلا، وأنت يا سيدي كنديد، أراك صاحبا لحصان أصيل، وأراني محتاجا إلى حصان بلونه، فسنتفق عليه.»
ولم يجرؤ البارون على المطالبة بالحصان، وسيق كنديد وبكت كونيغوند ربع ساعة، ولم يبد اليسوعي أي حزن بسبب هذه المصيبة، وقد قال لأخته: «كنت أضطر إلى قتله، أو إلى تزويجه بك ثانية، وإذا نظر إلى الأمر من جميع وجوهه، وجد أن ما حدث أحسن بمراحل لشرف آلنا.»
ذهبت كونيغوند مع أخيها، والوفي ككنبو وحده هو الذي لم يشأ أن يترك صديقه.
الفصل العشرون
بقية مصائب كنديد، كيف لقي خليلته ثانية وماذا كانت النتيجة
قال كنديد : «أي بنغلوس! يا للخسران العظيم بهلاكك بائسا! لم تكن شاهدا على غير قسم من مصائبي، كنت أطمع أن أحملك على ترك تلك الفكرة الواهية التي استمسكت بها حتى موتك، لا يوجد في الدنيا إنسان قاسى مصائب أكثر مما قاسيت، ولكن لا يوجد على الأرض من لم يلعن حياته، كما قالت بنت البابا «أوربان» ذلك بشدة، وما يحدث لي يا ككنبو العزيز؟»
فأجاب ككنبو بقوله: «لا أعلم، وكل ما أعلم هو أنني لن أتركك.»
ناپیژندل شوی مخ