هتف فجأة بتفهم: «بائس! بائس!» «سائق العربة بائس أيضا. أخبرني بنفسه.»
سيطر عليه التفكير في الجواد الضعيف والوحيد. تدافع وسط الناس بمنكبيه، ولكنه كان حرونا؛ إذ ود لو بقي هناك، محاولا أن يعبر عن وجهة النظر التي تبدت حديثا لعواطفه عن الارتباط الوثيق بين بؤس الإنسان وبؤس الخيل. ولكن الأمر كان في غاية الصعوبة. كان كل ما استطاع أن يردده: «حيوان بائس، أناس بائسون!» لم تبد مؤثرة كفاية، فتوقف فجأة وهو يتمتم غاضبا: «عار!» لم يكن ستيفي يتقن صياغة العبارات، وربما لذلك السبب بعينه كانت أفكاره تفتقر إلى الوضوح والدقة. ولكنه شعر بقدر أكبر من الإحاطة وبعض العمق. اشتملت تلك الكلمة البسيطة على كل ما كان يشعر به من سخط ورعب تجاه نوع من التعاسة قائم على معاناة الآخرين، تجاه ضرب سائق عربة الأجرة البائس للحصان البائس، إن جاز القول، نيابة عن أطفاله البائسين الذين يعولهم. وكان ستيفي يعرف شعور من يتعرض للضرب. كان يعرفه من واقع تجربة. يا له من عالم سيئ! سيئ! سيئ!
لم يكن بوسع السيدة فيرلوك، أخته الوحيدة، والوصية عليه، وحاميته، أن تتظاهر بهذا القدر من التعمق في بصيرتها. علاوة على ذلك، لم تكن قد خبرت بلاغة سائق عربة الأجرة. كانت تجهل مدى عمق كلمة «عار». وقالت بهدوء: «هيا بنا يا ستيفي. لا يمكنك فعل شيء حيال ذلك.»
مشى ستيفي المطيع؛ ولكنه أضحى يمشي بلا تفاخر، متثاقلا، ويتمتم بكلمات غير مكتملة، بل حتى بكلمات ربما كانت ستصبح مكتملة لو لم تتركب من أنصاف كلمات لم تكن تنتمي لبعضها. بدا الأمر كما لو أنه كان يحاول أن يجعل كل الكلمات التي يمكنه أن يتذكرها تنسجم مع مشاعره من أجل أن يتوصل إلى فكرة منسجمة نوعا ما. وفي الحقيقة، توصل إليها في النهاية. فتوقف من أجل أن يلفظها على الفور. «عالم سيئ للفقراء.»
وفورا بعد أن عبر عن فكرته تلك، صار يدرك أنه يألف هذا العالم بكل ما فيه من عواقب. عزز هذا الظرف قناعته إلى حد كبير، لكنه أيضا زاد من سخطه. شعر أنه لا بد من عقاب شخص ما على ذلك، لا بد أن يلقى عقابا شديدا. ولأنه لم يكن إنسانا متشككا، وإنما أخلاقي، فقد كان بطريقة ما خاضعا لعواطفه النابعة من أخلاقه.
أردف باقتضاب: «وحشية!»
لم يخف على السيدة فيرلوك أنه كان منفعلا انفعالا شديدا.
قالت: «لا يمكن لأحد فعل شيء حيال ذلك. هيا تعال. أتلك هي طريقتك في الاعتناء بي؟»
أطاعها ستيفي وعدل وتيرة خطواته. تفاخر بأنه أخ بار. ذلك ما أملته عليه أخلاقه، التي كانت مكتملة جدا. ولكنه تألم من المعلومة التي نقلتها له أخته ويني التي كانت أختا بارة. لا يمكن لأحد فعل شيء! مشى عابسا، لكنه ابتهج بعد قليل. مثل بقية البشر، الذين تحيرهم ألغاز الكون، كانت لديه لحظات من المواساة النابعة من الثقة في السلطات المنظمة على الأرض.
اقترح واثقا: «الشرطة.»
ناپیژندل شوی مخ