60

عميل سري

العميل السري: حكاية بسيطة

ژانرونه

لم يتأذ ستيفي، ولم يسقط حتى، ولكن الانفعال المعتاد كان قد سلبه القدرة على الكلام المترابط. لم يستطع فعل شيء إلا الحديث بتلعثم عند النافذة: «ثقيل للغاية. ثقيل للغاية.» وضعت ويني يدها على كتفه. «ستيفي! اصعد إلى المقصورة مباشرة، ولا تحاول النزول مرة أخرى.» «كلا. كلا. سأمشي. لا بد أن أمشي.»

لما حاول أن يذكر طبيعة تلك الضرورة، تلعثم بكلام غير مترابط. لم يكن لديه عجز جسدي يحول دون نزوته المفاجئة. كان يمكن لستيفي بسهولة أن يواكب خطوات الحصان الضعيف المترنح من دون أن تنقطع أنفاسه. ولكن أخته أبت بحسم أن تبدي موافقتها. «الفكرة! من سمع بشيء كهذا! تجري خلف العربة!» قبعت أمها، خائفة من غير حول منها ولا قوة، في داخل العربة، وتوسلت قائلة: «أوه، لا تدعيه يذهب يا ويني. سيتوه. لا تدعيه يذهب.» «بالتأكيد لن أدعه. ماذا بعد! سوف يأسف السيد فيرلوك لو سمع بهذا الهراء يا ستيفي ... أنا واثقة من ذلك. لن يكون سعيدا إطلاقا.»

أثرت فكرة أسف السيد فيرلوك وحزنه بقوة كالمعتاد على مسلك ستيفي سهل الانقياد بالأساس، وجعلته يتخلى عن كل مقاومة وعاود الصعود إلى المقصورة واليأس يعتلي وجهه.

استدار إليه سائق العربة بوجهه الضخم المستشيط غضبا بنظرة عدوانية. وقال: «لا تقدم على تجربة هذه اللعبة السخيفة مرة أخرى، أيها الشاب.»

بعدما أفصح عما بنفسه هكذا بهمس عابس، مجهدا إلى حد الخمود، تابع المضي بالعربة غارقا في التفكير بجدية. في عقله، ظلت الحادثة غامضة بعض الشيء. لكن عقله، على الرغم من أنه كان قد فقد حيويته الفطرية في سنوات خدر الجلوس الطويل متعرضا لتقلبات الطقس، لم يكن يفتقر إلى الاستقلالية أو الرجاحة. نبذ بشدة فرضية أن يكون ستيفي شابا مخمورا.

في داخل العربة كان الصمت المخيم، الذي عانت خلاله المرأتان الجالستان جنبا إلى جنب من الارتجاج والصخب والجلجلة التي كانت تحدثها العربة، قد قطع باهتياج ستيفي. رفعت ويني صوتها. «لقد فعلت ما أردت يا أمي. لا تلومي إلا نفسك إن شعرت بعدم السعادة بعد ذلك. ولا أظن أنك ستكونين سعيدة. لا أظن ذلك. ألم تكوني مرتاحة معنا في المنزل؟ أيا كان ما سيظنه الناس بنا، أترمين نفسك هكذا في مؤسسة خيرية؟»

صاحت المرأة العجوز بجدية وعلا صوتها فوق صوت الضوضاء: «يا بنيتي، كنت أبر البنات بي. أما السيد فيرلوك ... فلا يوجد ...»

لم تسعفها الكلمات لما أتت على ذكر فضائل السيد فيرلوك، فرفعت عينيها الهرمتين الدامعتين إلى سقف العربة. ثم حولت رأسها بحجة النظر من النافذة، وكأنما تريد أن تستنتج مدى تقدم العربة بهم. كان تقدمها طفيفا، وتابعت مسيرها بالقرب من الرصيف. كان غسق الليل، ليل جنوب لندن القذر، والمشئوم، والصاخب، والقانط، والقاسي قد حل عليها في آخر رحلة لها بعربة أجرة. في ضوء مصابيح الغاز للمتاجر ذات الواجهات المنخفضة، توهجت وجنتاها بمسحة من لون برتقالي تحت قلنسوتها ذات اللونين الأسود والبنفسجي.

كان لون بشرة والدة السيدة فيرلوك قد اصفر بسبب أثر التقدم في العمر ومن قابليتها الطبيعية للإصابة بالصفراء، وساعد على ذلك تجارب حياة صعبة وقلقة، في البداية كزوجة، ثم أرملة. كانت بشرتها من النوع الذي تعلوه مسحة من لون برتقالي حينما تتورد وجنتاها خجلا. وكان وجه هذه المرأة، المتواضعة حقا ولكنها صلبة أمام لهيب الشدائد، قد توردت وجنتاه أمام ابنتها، في عمر لا تتوقع فيه حمرة الخجل. في عزلة عربة ذات عجلات أربع، وفي طريقها إلى دار خيري (واحد من صف من الأبنية) ربما يكون، بصغر مساحته وبساطة تجهيزاته، قد صمم بلطف كي يكون مكانا من أجل التدريب على أوضاع القبر الأكثر ضيقا، اضطرت إلى أن تخفي عن ابنتها تورد وجنتيها ندما وخجلا.

ما الذي سيظنه الناس؟ كانت تعرف جيدا جدا ما يظنون، الناس الذين كانت ويني تقصدهم؛ أصدقاء زوجها القدامى، وآخرين غيرهم، الذين كانت قد استجدت اهتمامهم بنجاح باهر. لم تكن تعرف من قبل كم هي جيدة كمتسولة. لكنها أحسنت تخمين الاستنتاج الذي استوحي من طلبها. بناء على تلك الحساسية الآخذة في التقلص، التي كانت موجودة جنبا إلى جنب مع وحشية عدوانية في الطبيعة الذكورية، لم يتماد كثيرا في الاستفسارات حول ظروفها. كانت قد كبحتها بضغط ظاهر على شفتيها وإظهار لبعض الانفعال عاقدة العزم على الصمت البليغ. ومن شأن الرجال أن يصبحوا فجأة غير فضوليين تبعا للأسلوب المتبع في جنسهم. هنأت نفسها أكثر من مرة على عدم تعاملها في هذا الأمر مع النساء، اللواتي من طبيعتهن أنهن أكثر قسوة وشغفا بالتفاصيل، وكن سيحرصن على أن يطلبن منها أن يعرفن بدقة أي نوع من السلوك غير الطيب من قبل ابنتها وزوج ابنتها دفعها إلى تلك النهاية الحزينة. لم يحدث ذلك إلا أمام سكرتير صاحب مصنع البيرة الكبير وعضو البرلمان ورئيس المؤسسة الخيرية، الذي شعر، وهو يؤدي دور مديره، بأنه يتعين عليه أن يكون فضوليا حسبما يمليه ضميره حيال الظروف الحقيقية لمقدمة الطلب، فانهمرت دموعها بالنحيب على الفور وبصوت عال وكأنها امرأة في موقف حرج. بعدما أخذ الرجل الرفيع المهذب يتأملها بشيء من «الارتباك الشديد»، تخلى عن موقفه تحت ستار عبارات مهدئة. يجب ألا تشعر بالكرب. لم تنص وثيقة المؤسسة الخيرية على «الأرامل من دون أطفال» مطلقا. في الواقع، لم تستبعدها بأي شكل من الأشكال. ولكن السلطة التقديرية للجنة لا بد أن تكون مستنيرة. يمكن للمرء أن يفهم جيدا عدم رغبتها في أن تكون عبئا على أحد، وما إلى ذلك. عندئذ، ذرفت والدة السيدة فيرلوك مزيدا من الدموع بقوة أكبر، مما أصابه بخيبة أمل شديدة.

ناپیژندل شوی مخ