59

عميل سري

العميل السري: حكاية بسيطة

ژانرونه

كان من شأن العربة التي تنتظرهم أن تكون تعبيرا عن المثل القائل: «قد تكون الحقيقة أقسى من الرسوم الساخرة» لو كان يوجد مثل كهذا. زحفت عربة متهالكة يجرها حصان ضعيف على عجلات مترنحة وجلس على المقصورة سائق مشوه الخلقة. تسببت هذه الصفة الأخيرة في بعض الإحراج. لما وقعت عين والدة السيدة فيرلوك على الخطاف الحديدي المعقوف البارز من كم المعطف الذي يرتديه الرجل، فقدت فجأة شجاعتها البطولية في تلك الأيام. لم تستطع حقا أن تثق في نفسها. قالت، مترددة في المضي قدما: «ما رأيك يا ويني؟» بدت الاعتراضات الانفعالية لسائق العربة ذي الوجه الكبير وكأنها تخرج عنوة من حلق مسدود. انحنى من المقصورة التي يجلس عليها، وهمس بسخط مستتر. ما المسألة الآن؟ هل يمكن معاملة رجل بتلك الطريقة؟ احمر وجهه الكبير الوسخ من شدة الغضب وعربته متوقفة في الحيز الموحل من الشارع. واستفسر باستماتة، هل يمكن أن يمنحوه رخصة، إذا ...

أسكته شرطي الدرك بنظرة ودية؛ ثم موجها حديثه إلى السيدتين من دون احترام ملحوظ، قال: «إنه يسوق عربة أجرة منذ عشرين عاما. ولم أعرف عنه أنه تسبب في حادث قط.»

صاح السائق بنبرة هامسة محتقرة: «حادث!»

حسمت شهادة الشرطي الأمر. وتفرق التجمع الصغير المكون من سبعة أشخاص، كان معظمهم من الأطفال. تبعت ويني والدتها إلى العربة. صعد ستيفي وجلس على المقصورة. كان فمه المفتوح وعيناه الحزينتان يعبران عن حالة عقله بشأن التعاملات التي كانت قيد الحدوث. في الشوارع الضيقة، كانت سرعة تقدم الرحلة معقولة لمن هم داخل واجهات المنازل القريبة التي كانت تمر ببطء وترنح، مع اهتزاز وجلجلة عظيمين للزجاج، وكأنه يوشك على السقوط مع مرور العربة؛ وبدا الحصان الضعيف، بعدة جره الموضوعة فوق عموده الفقري البارز مصطفقة بغير إحكام حول فخذيه، وكأنه يتراقص متبخترا على حوافره بصبر متناه. لاحقا، في النطاق الأوسع من طريق وايتهول، أصبحت جميع الشواهد البصرية على الحركة غير محسوسة. استمر اهتزاز الزجاج وجلجلته بلا توقف أمام مبنى وزارة الخزانة الطويل، وبدا أن الوقت نفسه قد توقف.

أخيرا، قالت ويني: «هذا ليس حصانا جيدا جدا.»

لمعت عيناها، اللتان كانتا تحدقان إلى الأمام بثبات، في ظلمة العربة. وعلى المقصورة، أغلق ستيفي فمه الفاغر أولا، من أجل أن يصيح بجدية: «لا تفعل.»

لم ينتبه له السائق، وهو يرفع عاليا اللجام الملفوف حول الخطاف. ربما لم يسمعه. ارتفعت أنفاس ستيفي. «لا تضربه بالسوط.»

أدار الرجل ببطء وجهه المنتفخ والمتبلد المتعدد الألوان الذي يعج بشعيرات بيضاء خشنة. التمعت عيناه الصغيرتان الحمراوان بالرطوبة. اصطبغت شفتاه الكبيرتان بصبغة أرجوانية. ظلتا مطبقتين. وبظهر يده القذرة الممسكة بالسوط حك الشعر النابت على ذقنه الضخم.

قال ستيفي بعنف متلعثما: «يجب ألا تضربه. هذا يؤلمه.»

همس الآخر متشككا بتفكر: «يجب ألا أضربه بالسوط»، وعلى الفور ضرب الحصان بالسوط. فعل هذا، ليس بسبب قسوة في روحه أو شر في قلبه، وإنما لأنه كان عليه أن يجني أجرته. ولفترة من الوقت، أطلت جدران كنيسة سانت ستيفن، ذات الأبراج والقباب، في جمود وسكون عربة تمضي محدثة قعقعة. ولكنها أيضا كانت تمضي متمايلة. ولكن على الجسر كان ثمة فوضى. بدأ ستيفي فجأة في النزول من المقصورة. تعالت أصوات صياح على الرصيف، واندفع أناس يجرون إلى الأمام، وأوقف السائق العربة، وهو يهمس بلعنات السخط والذهول. أنزلت ويني النافذة، وأخرجت رأسها، بوجه شاحب كشبح. في داخل العربة، كانت والدتها تصيح بنبرة معاناة: «هل تأذى ذلك الصبي؟ هل تأذى ذلك الصبي؟»

ناپیژندل شوی مخ