47

عميل سري

العميل السري: حكاية بسيطة

ژانرونه

كان لهذا الاحتمال، الذي كان كبير المفتشين هيت واثقا من حدوثه، جاذبية نصر شخصي له. وفي أعماق صدره المنزه عن اللوم بصفته مواطنا عاديا متزوجا، كان للكراهة غير المدركة تقريبا، ولكنها قوية، لكونه مجبرا بداعي الأحداث إلى التعامل مع الضراوة اليائسة للبروفيسور، تأثيرها عليه. كانت هذه الكراهة قد تعززت باللقاء العارض في الزقاق. لم يخلف هذا اللقاء لدى كبير المفتشين هيت ذلك الشعور المرضي بالاستعلاء الذي يناله أفراد الشرطة من الجانب غير الرسمي والودي لتعاملهم مع فئات المجرمين، والذي به يهدأ غرور السلطة، وينال الحب المبتذل للهيمنة على إخوتنا من بني البشر التملق بالقدر الذي يستحقه.

لم يعترف كبير المفتشين هيت باللاسلطوي المثالي باعتباره من بني البشر. كان لا يطاق؛ كلب مسعور يجب أن يترك وشأنه. لم يكن ذلك ما كان يخشاه كبير المفتشين؛ بل كان على النقيض ينوي الإمساك به يوما ما. ولكن لم يحن ذلك اليوم بعد؛ كان ينوي الإمساك به في الوقت الذي يحدده هو، حسب إجراءات سليمة وفعالة وفق قواعد اللعبة. لم يكن الوقت الحاضر هو الوقت المناسب لمحاولة إنجاز هذا العمل البطولي، لم يكن الوقت المناسب لأسباب كثيرة، شخصية، ومتعلقة بالعمل العام. كان هذا هو الشعور القوي الذي أحس به المفتش هيت، فقد بدا له أن العدل والمصلحة يقتضيان تحويل القضية بعيدا عن مسارها الغامض وغير المريح، الذي لا يعلم إلا الرب إلى أين سيؤدي، إلى مسار فرعي هادئ (وقانوني) يدعى ميكايليس. وكرر، وكأنه يعيد التفكير في السؤال بوعي: «القنبلة. كلا، ما كنت لأقول هذا بالضبط. قد لا نتمكن من اكتشاف ذلك مطلقا. ولكن من الواضح أن له علاقة بهذا بطريقة أو بأخرى، وهو ما يمكننا اكتشافه من دون عناء كبير.»

ارتسمت على ملامحه نظرة اللامبالاة الجسيمة والخطيرة، التي كان أعتى اللصوص فيما مضى يعرفونها حق المعرفة ويخشونها كثيرا. لم يكن كبير المفتشين هيت، كثير الابتسام. لكنه كان راضيا في داخله عن السلوك السلبي المتقبل الذي أبداه المفوض المساعد، الذي همهم برفق: «وهل تظن حقا أن التحقيق ينبغي أن يمضي في ذلك الاتجاه؟» «نعم يا سيدي.» «هل أنت مقتنع تماما؟» «نعم، مقتنع يا سيدي. هذا هو المسار الصحيح الذي ينبغي أن نسلكه.»

سحب المفوض المساعد يده التي كان رأسه يتكئ عليها بحركة فجائية، لدرجة أنه، نظرا لوضعيته الجسمانية الضعيفة، بدا أن جسده كله كان مهددا بأن يخر على الأرض. ولكنه، على النقيض، اعتدل في جلسته، منتبها تماما، خلف المكتب الكبير الذي سقطت يده عليه محدثة صوت ضربة عنيفة. «ما أريد معرفته هو ما تجبر نفسك على عدم التفكير فيه حتى الآن.»

كرر كبير المفتشين ببطء شديد: «ما أجبر نفسي على عدم التفكير فيه.» «نعم. حتى استدعيت إلى تلك الغرفة، كما تعلم.»

شعر كبير المفتشين وكأن الهواء الذي بين ملابسه وجلده قد صار ساخنا على نحو مزعج. كان ذلك هو الإحساس بتجربة غير مسبوقة ولا يمكن تصديقها.

قال، مبالغا في التروي في نطقه للكلمات إلى أقصى حد ممكن: «بالطبع، إذا كان ثمة سبب، لا أعرف عنه شيئا، يدعو إلى عدم اعتراض طريق المجرم المدان ميكايليس، فلعله من الجيد أنني لم أجعل شرطة المقاطعة تلاحقه.»

استغرق هذا وقتا طويلا حتى إنه يمكن القول إن الاهتمام الدءوب من جانب المفوض المساعد بدا عملا بطوليا في القدرة على التحمل. جاء رده سريعا دون تأخير. «لا يوجد أي سبب على الإطلاق على حد علمي. هيا، يا كبير المفتشين، هذه المراوغة معي غير لائقة للغاية من جانبك؛ غير لائقة للغاية. كما أنها أيضا غير عادلة، كما تعلم. لا ينبغي أن تتركني حائرا أحاول التوصل إلى حل للأمور بنفسي هكذا. حقا، إنني مندهش.»

توقف قليلا، ثم أردف بنعومة: «لست بحاجة إلى إخبارك بأن هذه المحادثة برمتها غير رسمية.»

لم تهدئ هذه الكلمات كبير المفتشين على الإطلاق. كان الشعور بالسخط قويا بداخله كالذي يشعر به البهلوان الذي يمشي على الحبل المشدود عندما يتعرض للخيانة. بداع من اعتزازه بنفسه كونه موظفا موثوقا فيه، تضرر نتيجة قناعته بأن الحبل لم يهز بغرض كسر عنقه، وإنما إبداء لمزاح وقح. وكأن هذا سيخيفه! إن المفوضين المساعدين يأتون ويذهبون، ولكن كبير المفتشين المهم ليس ظاهرة سريعة الزوال في المكتب. لم يكن يخشى من كسر عنقه. كان إفساد أدائه أكثر من كاف لتبرير احتدام سخطه العميق. ولما كان التفكير لا يلقي بالا للأشخاص، اتخذ تفكير كبير المفتشين هيت شكلا تهديديا وتنبؤيا. قال في سريرته، دون أن تتوقف عيناه المستديرتان والهائمتان كعادتهما عن التحديق في وجه المفوض المساعد: «أنت، أيها الفتى، أنت أيها الفتى، لا تعرف مكانتك، وأراهن على أن مكانتك لن تبقيك لفترة طويلة أيضا.»

ناپیژندل شوی مخ