قال أوسيبون الضخم، متكئا على الطاولة، ومرفقاه متباعدان عليها وقدماه مطويتان بالكامل تحت كرسيه: «إن لم أكن مخطئا جدا، فأنت الرجل الذي يعرف ما تنطوي عليه هذه القضية المحيرة.» كانت عيناه تحدقان بحماس شديد.
فجأة، عزف بيانو كبير نوعا ما، يقبع بالقرب من الباب، ووضع على كلا جانبيه نخلة في أصيص، بمعزوفة فالس ببراعة حماسية. كان الضجيج الذي أحدثه يصم الآذان. وحينما توقف، فجأة كما بدأ، بدر بهدوء من الرجل القصير العبوس الذي كان يرتدي نظارة طبية ويجلس أمام أوسيبون على الطاولة وأمامه كوب زجاجي كبير مليء بالبيرة ما بدا أنه رأي عام . «من حيث المبدأ، ما قد يعرفه أو لا يعرفه أحدنا فيما يتعلق بأي حقيقة معينة لا يمكن أن يكون مسألة تستدعي التقصي لدى الآخرين.»
وافقه الرفيق أوسيبون بصوت هادئ ومنخفض: «بالتأكيد لا. من حيث المبدأ.»
استمر في تحديقه الحاد ووجهه الكبير المشرب بالحمرة بين راحتيه، بينما ارتشف الرجل القصير ذو النظارة الطبية من البيرة بهدوء وعاد ووضع الكوب الزجاجي على الطاولة. برزت أذناه الكبيرتان المسطحتان على جانبي جمجمته، التي بدت ضعيفة بما يكفي لأن يسحقها أوسيبون بين إبهامه وسبابته؛ وبدت جبهته كأنها تستند إلى حافة النظارة؛ ولم يكن بالوجنتين المسطحتين، المتسمتين ببشرة دهنية غير صحية، سوى قلة من شعيرات رفيعة داكنة. ما جعل الدونية المؤسفة لبنية الجسم بكامله مثيرة للسخرية هو الثقة الفائقة بالنفس لدى هذا الشخص. كان حديثه مقتضبا، وكان له أسلوب يثير الإعجاب في التزام الصمت.
تحدث أوسيبون مرة أخرى متمتما ورأسه لا يزال بين راحتيه. «هل أمضيت وقتا طويلا بالخارج اليوم؟»
أجاب الآخر: «لا، ظللت في السرير طيلة فترة الصباح. لماذا؟» «أوه! لا شيء» قال أوسيبون، محدقا باهتمام وتعتصر قلبه الرغبة في اكتشاف شيء ما، لكن كان من الواضح أن مسحة عدم الاكتراث التي كانت تكتنف الرجل القصير قد أرعبته. عندما كان أوسيبون الضخم يتحدث مع هذا الرفيق - وهو الأمر الذي لم يحدث إلا نادرا - كان يعاني من شعور بالضآلة المعنوية وحتى المادية. ومع ذلك، تجرأ وطرح سؤالا آخر: «هل أتيت إلى هنا سيرا؟»
أجاب الرجل القصير بكل بساطة: «كلا، بل أتيت في الحافلة العامة.» كان يسكن بعيدا في منزل صغير بمنطقة إزلنجتون، في شارع رديء، مليء بالقش والأوراق المتسخة، وكان يركض فيه مجموعة من الأطفال في غير ساعات المدرسة ويتشاجرون بأصوات ولغط صاخب. استأجر غرفته الخلفية المفردة، التي كانت تمتاز بوجود خزانة كبيرة للغاية، مؤثثة من خياطتين عانستين مسنتين متواضعتين أغلب زبائنهما من الخادمات. كان يضع قفلا ثقيلا على الخزانة، ولكن بخلاف ذلك كان نزيلا مثاليا ولا يتسبب في أي مشاكل، ولا يتطلب أي عناية تقريبا . من تصرفاته الغريبة أنه كان يصر على الوجود وقت كنس غرفته، ويوصد بابه عندما يخرج، ويأخذ المفتاح معه.
تخيل أوسيبون تلك النظارة ذات الإطار الأسود والعدسات المستديرة تتقدم في الشوارع في مقدمة حافلة نقل جماعي، وبريق الثقة بالنفس يسقط هنا وهناك على جدران المنازل أو فوق رءوس المارة غير الواعين على الأرصفة. لما شرد أوسيبون بعقله، غير شبح الابتسامة الممتعضة التعبير الذي ارتسم على شفتيه السميكتين عندما جالت بخاطره فكرة الجدران وهي تتهاوى والناس يفرون هربا بحياتهم من مرأى تلك النظارة. لو كانوا يعلمون! يا له من هلع! تمتم متسائلا: «هل أنت جالس هنا منذ مدة طويلة؟»
أجاب الآخر من دون اهتمام: «منذ ساعة أو أكثر»، وارتشف رشفة من البيرة الداكنة. كل حركاته - الطريقة التي أمسك بها الكوب وطريقة ارتشاف البيرة وطريقة وضع الكوب الزجاجي الثقيل على الطاولة وطي ذراعيه - كانت تنطوي على انضباط حازم ومؤكد، جعل أوسيبون الضخم مفتول العضلات ينحني إلى الأمام وهو يحدق بعينيه ويمد شفتيه إلى الخارج، وينظر إليه في تردد شغوف.
قال: «ساعة. إذن، ربما لم تسمع الأخبار التي وصلت إلى مسامعي للتو ... في الشارع. هل سمعتها؟»
ناپیژندل شوی مخ