وقالت ليننا من خلف يديها بطريقة آلية: «جرام واحد خير من اللعنة، وددت لو تناولت السوما!»
واستمر الشاب في كلامه، قال: «كان ينبغي أن أكون هناك، لم لم أكن ضحيتهم؟ إذن لاستطعت أن أدور عشر مرات - بل اثنتي عشرة، بل خمسة عشر، أما بالوهتوا فلم يعد السبع، كانوا يستطيعون أن يظفروا من دمي بضعف ما ظفروا منه، يظفرون ببحار واسعة من الدم القاني.» ومد ذراعيه بحركة عنيفة، ثم أرخاهما قانطا وقال: «ولكنهم لم يرضوا بي، إنهم يمقتونني من أجل بشرتي، وقد كانوا كذلك دائما، دائما.» وتجمع الدمع في مقلتيه فخجل وانصرف.
وأنسى الذهول ليننا حرمانها من السوما، ثم كشفت عن وجهها وألقت على الغريب أول نظرة وسألته: «هل تعني أنك كنت تريد أن تضرب بذلك السوط؟»
وكان الشاب منصرفا عنها، ولكنه أشار بالإيجاب وقال: «ومن أجل القرية - كي تهطل الأمطار وينمو القمح؛ ولكي يرضى بوكونج ويسوع؛ ولكي أبرهن أني أستطيع أن أتحمل الألم بغير بكاء.» وتغيرت نغمة صوته، وأدار منكبيه معجبا ورفع ذقنه متحديا متشامخا، وقال: «كي أبرهن على رجولتي.» وشهق ثم صمت وفغر فاه. لقد كانت تلك أول مرة في حياته يشهد فيها فتاة وجهها ليس كالشكولاته أو جلد الكلب لونا، وشعرها مصفر دائم التموج، وملامحها تنم عن الخير، وذلك شيء عجيب غير مألوف، وابتسمت له ليننا، وقد أعجبت أشد الإعجاب بحسن مظهره وجمال قوامه، فتدفق الدم في وجنتي الشاب، وأرخى جفنيه، ثم رفعهما بعد لحظة فوجد أنها ما تزال تبتسم له، فغلبه الخجل والتفت إلى وجهة أخرى، وتظاهر بالتحديق في شيء ما في الجانب الآخر من الميدان.
وأنقذ برنارد الموقف بما وجه إلى الشاب من أسئلة: «من يكون؟ وكيف؟ ومتى؟ ومن أين؟» وثبت الشاب نظره في وجه برنارد (لأنه كان يتحرق شوقا ليرى ليننا وهي تبسم، حتى إنه لم يجرؤ على مجابهتها بالنظر)، وحاول أن يشرح حقيقة أمره. كان هو وأمه لندا (وقد بدا القلق على ليننا عندما سمعت لفظة الأم) غريبين في تلك المنطقة، فلقد أتت لندا قبل مولده مع أبيه من العالم الآخر، وهنا رفع برنارد أذنيه مصغيا، ثم قال الشاب: «إن أمه تجولت في تلك الجبال وحدها، وسارت نحو الشمال، ثم سقطت من مكان مرتفع شديد الانحدار وآذت رأسها .» قال برنارد متهيجا: «أسرع، أسرع!» فوجدها بعض الصيادين من مالبي وصحبوها إلى القرية، ولم تر لندا أباه بعد ذلك الحين، وكان اسمه توماكين (وتوماس هو الاسم الأول للمدير)، ولا بد أن يكون قد عاد طائرا إلى العالم الآخر بغير الأم - لقد كان سيئ الخلق قاسيا شاذا.
وختم حديثه قائلا: «وهكذا ترون أنني ولدت في مالبي.» ثم هز رأسه.
ما أقذر ذلك المنزل الصغير الذي يقع في ضاحية من ضواحي القرية!
كانت تفصله عن القرية أرض فضاء تغطيها الرمال والغابات.
وكان لدى كومة القاذورات، عند الباب، كلبان جائعان ينبحان نباحا فاحشا، ولما ولجوا الدار فاجأتهم رائحة كريهة وطنين الذباب.
وصاح الشاب مناديا: «لندا!»
ناپیژندل شوی مخ