فقاطع برنارد القراءة بضحكة عالية ممقوتة قائلا: «شولم، شولم، ليس هذا الشعر إلا أنشودة من أناشيد صلاة الجماعة.» وكان ينتقم لنفسه من صديقيه؛ لأن كلا منهما أحب الآخر أكثر مما أحبه.
وكثيرا ما عاد إلى هذه الطريقة الانتقامية في الاجتماعين أو الثلاثة اللاحقة، وكانت طريقة ميسورة وبالغة الأثر؛ لأن هلمهلتز والهمجي كليهما كانا يتألمان أشد الألم، لتهشيم هذه الجوهرة الشعرية المستحبة وتدنيسها، وهدده هلمهلتز في النهاية بطرده من الغرفة، إذا تجرأ على مقاطعتهما مرة أخرى، وعلى ذلك فإنه مما يدعو إلى العجب إن المقاطعة التالية - وهي أشد خزيا من كل ما سبقها - صدرت من هلمهلتز نفسه.
كان الهمجي يقرأ مسرحية «روميو وجوليت» بصوت مرتفع، وكان يقرأ بعاطفة قوية ورعدة شديدة (لأنه كان طوال الوقت يرى نفسه كروميو وليننا كجوليت)، وأصغى هلمهلتز إلى الفصل الذي التقى فيه العاشقان لأول مرة باهتمام تشوبه الحيرة، وسره الشعر الذي جاء في الفصل الذي حدثت وقائعه في الحديقة، لكنه ابتسم للعواطف التي عبر عنها الشاعر، وأضحكه جدا أن يبلغ العاشق تلك الحال لأنه يشتهي فتاة، ولكن التفاصيل الحرفية كانت قطعة رائعة من فن هندسة العواطف! فقال: «إن هذا الرجل القديم يزري كل الزراية بخيرة الفنيين في الدعاية عندنا.» وابتسم الهمجي ابتسام الظافر المنتصر واستأنف القراءة، وسارت الأمور على ما يرام، حتى كان المنظر الأخير من الفصل الثالث، حيث بدأ كابيولت والسيدة كابيولت يهددان جوليت كي تتزوج من بارس، وكان هلمهلتز قلقا خلال المنظر كله، ولكنه انفجر في ضحك لم يستطع كتمانه، عندما مثل الهمجي جوليت بصوت يثير الحزن، وهي تقول:
أليس في السحب شفقة
تنفذ إلى أعماق حزني؟
أماه - يا عزيزتي - لا تنبذيني!
أجلي هذا الزواج شهرا، بل أسبوعا،
وإن لم تفعلي فضعي سرير العرس
في ذلك القبر المظلم، حيث يرقد تايبولت ...
عجبا للأم والأب (ويا لهما من لفظتين غاية في الدنس) يرغمان ابنتهما على الزواج من رجل لا تريده! وعجبا لهذه الفتاة البلهاء لا تقول إن لديها رجلا آخر تؤثره! (في ذلك الحين على الأقل) إن الموقف بسخفه وفحشه يثير الضحك بدرجة لا تقاوم، وقد استطاع - بجهد الأبطال - أن يخفف من حدة نشوته، ولكن «الأم العزيزة» (بنغمة الهمجي المرتجفة التي تنم عن الألم) والإشارة إلى تايبولت وهو جثة هامدة وهي - من الجلي - لم تحرق ففقدت فسفورها في قبر مظلم، ذلك كان أكثر مما يحتمل. فاسترسل في الضحك حتى تحدر الدمع على وجهه - ولم يكف عن الضحك، وكان الهمجي في أثناء ذلك - وقد شحب لونه من إحساسه بثورة النفس - ينظر إليه من فوق كتابه، ولما لم يمتنع صاحبه عن الضحك، أغلق الكتاب حانقا، ونهض من مكانه وأعاده إلى القمطر وأحكم عليه القفل، وكأنه - بحركاته - يخفي جوهرة من وجه خنزير.
ناپیژندل شوی مخ