وكانت تلك فرصة طيبة لهم، يدونون في مذكراتهم رأسا من فم الرجل، ويسرعون في الكتابة كأن بهم مسا من جنون.
وتقدم المدير في الغرفة، وهو رجل طويل نحيل، غير أنه معتدل القامة، له ذقن طويل وأسنان كبيرة بارزة، إذا كف عن الحديث أمكنه أن يغطيها بشفتيه الممتلئتين المقوستين في تورد، ومن العسير أن تقول إن كان شيخا أو شابا، وإن كان في الثلاثين أو الخمسين أو الخامسة والخمسين، ولكنك على أية حال لا تشعر بضرورة التساؤل عن ذلك، ففي سنة الاستقرار هذه - عام 632ف
1
لا يطرأ للمرء أن يسأل عن ذلك.
قال المدير: «سأبدأ الموضوع من أوله.» وسجل الطلبة المتحمسون هذه العبارة في مذكراتهم، ثم لوح بيده قائلا: «هذه هي الحاضنات.» ثم فتح بابا معزولا وأشار إلى رفوف يعلو بعضها بعضا مليئة بأنابيب الاختبار المرقومة، ثم أخذ يشرح قائلا: «هذه هي البويضات التي حصلنا عليها هذا الأسبوع، حفظناها في درجة حرارة الدم.» ثم فتح بابا آخر، وقال: «في حين أن جامبيط
2
الذكور لا بد أن يحفظ في حرارة درجتها خمس وثلاثون بدلا من سبع وثلاثين، إن درجة حرارة الدم الكاملة تسبب العقم.» إن الكباش إذا أحيطت بدرجة حرارة الجسم الإنساني لا تنسل الحملان.»
ولبث المدير متكئا على الحاضنات، ثم شرع يعطي للطلبة وصفا موجزا لطريقة التلقيح الحديثة، وأقلامهم تنطلق على الصفحات بخط غير مقروء، وتحدث بطبيعة الحال أول الأمر عنها من الناحية الجراحية قائلا: «إن العملية الجراحية تجرى طوعا لمصلحة الجماعة، ولست بحاجة أن أذكر لكم أنها تأتي بمكافأة تبلغ راتب ستة شهور.» ثم واصل الحديث بشيء من التفصيل عن الطريقة الفنية لحفظ المبيض المستأصل حيا، بحيث ينمو نموا سريعا، ثم انتقل إلى الكلام عن درجة الحرارة الملائمة، وعن الملوحة واللزوجة، ثم أشار إلى السائل الذي تحفظ فيه البيضات المنفصلة الناضجة، ثم سار بطلبته إلى مناضد العمل، وأراهم فعلا كيف يسحب هذا السائل من أنابيب الاختبار، وكيف يسكب قطرة قطرة فوق الألواح الزجاجية للمناظير المكبرة، تلك الألواح التي أدفئت لذلك خصيصا، وكيف كان البيض الذي يحتويه السائل يفحص ويستبعد منه ما ليس طبيعيا، ثم يعد وينقل إلى وعاء ذي مسام، وكيف يغمر هذا الوعاء في حساء دفيء يحتوي على حيوانات منوية تسبح بغير قيد وتتجمع - كما يؤكد المدير - بنسبة لا تقل عن مائة ألف في كل سنتيمتر مكعب (وهنا أخذ المدير الطلبة لمشاهدة العملية)، وكيف يرفع الوعاء عن السائل بعد عشر دقائق ويعاد فحص محتوياته، وكيف تغمس في السائل ثانية - بل وثالثة إذا لزم الأمر - كل بيضة بقيت بغير تلقيح، وكيف تعاد البويضات الملقحة إلى الحاضنات، حيث يبقى هناك المرقوم منها بالألف أو الباء، حتى توضع نهائيا في القوارير. أما المرقوم بالجيم أو الدال أو الهاء فيخرج ثانية بعد ست وثلاثين ساعة فقط؛ لتجرى عليه عملية بوكانوفسكي.
وكرر المدير عبارة «عملية بوكانوفسكي»، ووضع الطلبة خطوطا تحت هذه الكلمات في دفاترهم الصغيرة.
إذا تطورت البيضة الواحدة إلى جنين واحد، والجنين إلى مراهق كان ذلك أمرا طبيعيا، أما البيضة التي تجرى عليها عملية بوكانوفسكي، فإنها تتبرعم وتتكاثر وتنقسم، ويبلغ عدد البراعم التي تخرج من البيضة الواحدة من الثمانية إلى الستة والتسعين، وكل برعم ينمو حتى يصبح جنينا كامل التكوين، وكل جنين يتطور إلى مراهق ذي حجم تام، وبذلك ينمو ستة وتسعون كائنا بشريا، بدلا من واحد فحسب كذي قبل، أليس هذا تقدما؟
ناپیژندل شوی مخ